أيام قليلة تفصل أبناء جنوب السودان عن الذهاب إلى صناديق الاستفتاء ليضعوا أصواتهم الحاسمة تجاه قضية ظلت تملأ الحياة وتشغل الناس داخل وخارج السودان. حق تقرير المصير اكتسبه شعب الجنوب عقب صراع طويل مع السلطة في مركز الحكم في السودان "الخرطوم" انتهى بتوقيع اتفاق السلام الشامل الذي تم توقيعه في العام 2005 بنيروبي عاصمة دولة كينيا المجاورة. منذ وصول صحيفة "الشرق" لعاصمة جنوب السودان مدينة جوبا ظلت الصحيفة ترصد اتجاهات الرأي الشعبية والرسمية لتحديد أكثر الخيارات فرصا في الفوز " الوحدة. الانفصال ". الوجهة كانت محسومة تقريبا بالنسبة لحكومة الجنوب وكذلك كثير من التنظيمات الشبابية والفئوية التي نشطت منذ فترة طويلة بالدعوة للاستفادة من الفرصة التاريخية التي أتاحها اتفاق السلام لمفارقة الشمال بلا رجعة. هذه الدعوة وجدت التمويل والدعم السياسي والرسمي عبر الأجهزة الإعلامية العاملة في الجنوب في كلا القطاعين " الحكومي والخاص ". من الجهة الأخرى تبدو الحملات التي تدعو لوحدة السودان غائبة تماما. ورغم أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه الرئيس السوداني عمر البشير بدأ بعض المحاولات للتبشير بالوحدة، إلا أنها افتقدت التأييد من قبل الجنوبيين وقوبلت بالعراقيل من حكومة جنوب السودان بقيادة الحركة الشعبية. ولاحظت "الشرق" أن بعض القوى السياسية من أحزاب ومنظمات تعمل لدعم الوحدة، لكنها لا تحظى بأي إمكانات مادية أو مساندة رسمية أو حتى بتأييد شعبي. الحزب الشيوعي السوداني من بين هذه القوى، وقد أقام مساء السبت الماضي ندوة لدعم الوحدة في وسط مدينة جوبا، لكن الندوة لم تحرز أي نصيب يذكر من النجاح إذا نظرنا إلى أن الشريحة المستهدفة وهي أبناء الجنوب لم يكن لهم وجود يذكر حتى، بل إن كل حضور الندوة بما فيها أعضاء الحزب الشيوعي والضيوف من الأحزاب الأخرى والصحفيين لم يتجاوز 50 شخصا في أحسن الأحوال. لكن على الضفة الثانية من النهر فإن التيار الذي يدعو لدعم خيار "الانفصال" يبدو جارفا حتى ليبدو كأن لا أحد يرغب في الوحدة. بعد يوم واحد من الندوة الفاشلة لدعم الوحدة التي نظمها الحزب الشيوعي، تقاطر آلاف من الشباب الجنوبيين من الجنسين بكامل أناقتهم إلى قاعة "ناكوري" الضخمة للمشاركة في احتفال نظمته الحركة الشعبية (الحزب الحاكم في جنوب السودان) تحت لافتة دعم الاستفتاء، لكن الحماس كان طاغيا خلال الاحتفال الذي ركز على الدعوة للانفصال من خلال الكلمات التي قدمها قادة الحركة والأغاني التي تناوب على تقديمها عدد من المطربين والمطربات في الجنوب.. حيث رقص الشباب من الحضور على نغمات وأحلام الدولة الجديدة. وتجاوب الحضور مع أغنية تمجد "أحداث توريت 1955م " وهي تمرد قامت به كتيبة قوامها أبناء الجنوب في الجيش السوداني وتسببت الأحداث في موت كثير من الشماليين غير العسكريين الذين كانوا متواجدين في الجنوب حينها.. لم يذكر أحد في قاعة ناكوري الوحدة في إطار السودان القديم أو حتى الجديد ولكن من خلال كلمات قيادات شبابية بالحركة الشعبية أو الأغاني كان التركيز على نبذ القبيلة والانتماء إلى الجنوب أولا. هكذا تمضي الحملات الإعلامية لدعاة الوحدة والانفصال في الجنوب. حضور كثيف وتأييد جنوبي رسمي واسع للانفصاليين وغياب شعبي ورسمي من مناشط الوحدويين النادرة.. المفارقة الحقيقية في تطورات الأحداث المتسارعة بجنوب السودان تكمن في إقامة حفل تمجيد القومية الجنوبية ونبذ البقاء مع الشمال في ذات القاعة "ناكوري" التي شهدت لقاء قيادات أحزاب شمال السودان " الصادق المهدي، حسن الترابي، محمد إبراهيم نقد، وعلي محمود حسنين " وغيرهم من قيادات الأحزاب في الشمال في ضيافة الحركة الشعبية (الحزب الحاكم بالجنوب) قبل أقل من عامين في مؤتمر جوبا الشهير الذي تواثق فيه الحضور على تأكيد وحدة السودان. المصدر: الشرق القطرية 23/12/2010