يا ترى هل تنجح ورقة السودان الأخيرة في انقاذه من التقسيم والتفتيت أم أن تلك الورقة ليست سوى ورقة تم الاستعانة بها في الوقت الضائع؟ أجزم أن هناك حساسية كبيرة لدى الغرب من تبني الشريعة الإسلامية كمبدأ للحكم والقانون في الدول العربية والإسلامية نظراً لمعرفة الغرب بدقة ماذا يعني تطبيق الشريعة في المجتمعات المسلمة التي لم يكن ضعفها وهوانها في العقود الأخيرة الا بسبب بعدها عن دينها وأحكام شرعها حيث يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فاذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»، فالعودة للشريعة هي عودة للجذور وللأصل الذي لا يريدنا الغرب أن نقترب منه أو حتى نفكر في تطبيقه أو فقط معرفة قشوره. لا أظن أن ما قام به الغرب عبر قرن من الزمان وبالأخص ما شرع له في العقد الأخير من قوانين ضد الارهاب بعيدة عن ذلك التفكير الذي ينم عن خوف دفين كامن في النفوس الغربية من الإسلام والشريعة التي يؤمن هو بأنها مصدر الخلاص لهذه الأمة مما هي فيه. فقوانين الارهاب التي أصبحت سارية المفعول اعتباراً من الحادي عشر من سبتمبر 2001م ركزت في الأساس على تجفيف ما يسمونه بمنابع الارهاب ويعنون بذلك تقطيع أوصال هذه الأمة حتى لا يعلم غنيها عن أحوال فقيرها وبالتالي تتحول إلى أمة ضائعة لا تستفيد من بعضها بعضاً علاوة على الرغبة في مصادرة كل الأموال المملوكة للمسلمين بحجة أنها تدعم الارهاب الذي حصروه في مراكز تحفيظ القرآن الكريم والمناهج الدينية المدرسية والأنشطة الدينية وغيرها من الأنشطة الاغاثية التي لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في اعالة الملايين من الأسر الفقيرة المسلمة التي تعيش في الأساس على مثل تلك الاعانات والمساعدات الموسمية. لا أشك في أن استخدام السودان لهذه الورقة قد يغير شيئاً من الأمر بحكم أن استقلال الجنوبيين المسيحيين والوثنيين واللادينيين بجنوبهم سيمنح الشمال المسلم الفرصة لاعادة كتابة دستوره من جديد وتبني الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع في عودة لرغبة قديمة تم منعها بحجة أن السودان بلد متعدد الأديان والأعراق ولكن كان ذلك قبل التفكير في تقسيم السودان الذي أصبح اليوم جاهزاً وناجزاً بعد الاستعدادات الجنوبية والغربية وأيضاً بعد تأكيد الشمال على أن الموضوع بات في حكم المنتهي. ولكن يبقى السؤال الأهم، أيهم أفضل للغرب والولايات المتحدة واسرائيل، بقاء السودان موحداً وبعيداً عن حكم الشريعة، أم تطبيق الشريعة على دولة الشمال المحرومة من المياه والموارد الكثيرة الموجودة في الجنوب؟ بالرغم من كل المغريات التي يمكن أن يوفرها انفصال الجنوب الذي لم يأت من فراغ وانما بعد دراسات وتخطيط طويل الأمد، الا أن ظهور دولة دينية بالمعنى الحقيقي في السودان سيشكل أرقاً جديداً للدول الغربية التي لا تريد أن تدفع هي ثمن انفصال الجنوب بدلاً عن الدول العربية والإسلامية التي كانت ولازالت حتى هذه اللحظة عاجزة عن مجرد التفكير في مصير السودان وما يمكن أن يؤول اليه الحال عند تطبيق تلك الخطط الغربية والصهيونية المتماشية مع أهدافها ومصالحهم في المنطقة. قد نشهد في الأيام القليلة القادمة شيئاً من التغير في المواقف الأميركية والغربية من مثل تأجيل الاستفتاء وليس التخلي عنه لحين التفكير في حلول منطقية للمشكلة السودانية الجديدة التي تعد بالنسبة للاستراتيجية الغربية أخطر بكثير من قضية الجنوب ودارفور ومذكرة أوكامبو الخاصة باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير. المصدر: الوطن القطرية 25/12/2010