لم تكن هذه هى المرة الأولي التى تتفتق فيها عبقرية القوى السودانية المعارضة عن شئ هلامي يدعي (عدم شرعية الحكومة) ، ففي وقت سابق و قُبيل الانتخابات الأخيرة ، و حين تأجلت الانتخابات عن موعدها الذى قررته اتفاقية نيفاشا 2005 (العام الرابع) فان ذات هذه القوى المعارضة – وبذات اللسان ، و ذات الوجوه و ربما ذات الثياب قدحت على الفور فى شرعية الحكومة ، وقالت إن انقضاء فترة الأعوام الأربعة دون إجراء الانتخابات يفقد الحكومة شرعيتها ! الآن و للمرة الثانية تجتمع ذات القوى – وبذات الذهنية المعروفة – لتقرر ايضاً (شفاهة) ان الحكومة القائمة الآن و عقب انقضاء الاستفتاء ستكون فاقدة للشرعية! و قبل أن نتمعَّن فى هذه الشرعية من عدمها لا بد ان نشير أولاً إلى أن ادعاء عدم الشرعية يقتضي بمفهوم المخالفة إثبات الشرعية ، بمعني إن هذه القوى التى تقدح فى شرعية الحكومة ، إنما تقرُّ لذات الحكومة بشرعية سابقة، وهى بهذه المثابة لا تدري أنها تقع فى تناقض كببر ، ولعل من هنا ينهدم منطقها فى نزع الشرعية عن الحكومة ، إذ لا شك ان شرعية الحكومة القائمة مستمدة من التفويض الشعبي الذي حازت عليه فى الانتخابات العامة الأخيرة أبريل 2010 ، وهو تفويض يمتد لأربعة أعوام مقبلة ، وذلك ببساطة لأن هذا التفويض الشعبي تم و فى ذهن الناخبين أن هنالك تقرير لمصير الجنوب و هناك احتمال لانفصال الجنوب – كأمر قررته اتفاقية السلام و منصوص عليه فى الدستور – و لم يرد أى نص لا فى اتفاقية السلام و لا فى الدستور يشير الى انقضاء شرعية الحكومة بمجرد انفصال الجنوب ، فالدستور الانتقالي لسنة 2005 أشار فقط الى انقضاء وجود ممثلي الحركة الشعبية فى السلطة المركزية و الأجهزة التشريعية فى حالة الانفصال كأمر بديهي ولكن لم ينزع عن الحزب الحاكم شرعية وجوده لمجرد وقوع الانفصال . و لربما تحجج البعض من قادة المعارضة السودانية بأن الوضع قد اختلف أو أن ما بُنيَ على نيفاشا- كما قال أحدهم - قد انقضي ولكن ليس هذا صحيحاً البتة ، فلو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة الى إجراء انتخابات عامة تسبق الاستفتاء بعام واحد ، حيث لا يتصوَّر عاقل ان تجري انتخابات عامة على كل المستويات لتدوم فقط لعام واحد ! كما لا يُتصور أن يكون الناخبين الذين صوَّتوا للسلطة الحاكمة قد صوتوا لها فقط لتستمر لعام واحد تجري فيه الاستفتاء ثم تترجل مفسحة المجال لحكومة قومية لا يدري احد كيف سوف تشكل و من سوف يشكلها ؟ أن القوى المعارضة - بهذا الموقف- إنما تحاول الاستئساد على الحزب الحاكم بعدما فشلت فى فعل شئ مع الحركة الشعبي حليفتها فى قوي جوبا ، كما أنها تحاول الزعم أن الحزب الوطني يستحق العقاب – بسلبه شرعيته – بعدما اتجه الجنوب نحو الانفصال ، مع أن ذات هذه القوي تقرّ للحركة الشعبية بحق تقرير المصير كما فعلت فى مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية 1995 و تعلم انه حق يحتمل الوحدة و الانفصال ، وتعلم أيضاً ان الحركة الشعبية – لأسباب خاصة بها – دفعت الجنوبيين نحو الانفصال! ما من شك أنّ إدعاء عدم شرعية الحكومة هو إدعاء فى حد ذاته غير شرعي !