أعلنت القوى السودانية المعارضة رفضها المشاركة فى حكومة القاعدة العريضة التى دعاها للإسهام فيها الرئيس السوداني البشير مؤخراً ؛ وقالت قوى المعارضة إنها تشترط تخلي المؤتمر الوطني عن السلطة و تشكيل حكومة انتقالية قومية و الدعوة لعقد مؤتمر دستوري . الحزب الوطني حتى الآن لم يعلق على هذا الرد ، إذ من المعروف ان القوى المعارضة كانت قد بادرت بالدعوة لتشكيل حكومة قومية حال انفصال الجنوب مدَّعية أن شرعية السلطة القائمة إنما تنتهي بمجرد الانفصال ، و ردَّ عليها الحزب الوطني بأنه سوف يقبل بحكومة ذات قاعدة عريضة تشارك فيها هذه القوى على اعتبار أن شرعية الحزب الوطني لا تزال قائمة عقب فوزه بثقة شعبية فى الاستحقاق الانتخابي الذى جري فى العاشر من ابريل الماضي و هى شرعية يصعب الطعن فيها على نحو جاد ، لأنها قائمة على شرعية الاستحقاق الانتخابي . الآن و لسخريات القدر فان القوى المعارضة عادت لرفض المشاركة فى حكومة ذات قاعدة عريضة ، وطالبت لحل الحكومة القائمة بكافة أجهزتها و تشكيل حكومة انتقالية . ويتساءل العديد من المحللين و المراقبين – بقدر غير قليل من الدهشة و الحيرة – عن طبيعة المبررات السياسية و القانونية التى تنزع عن السلطة القائمة شرعيتها الشعبية المبنية على الاستحقاق الانتخابي ، فهذا الاستحقاق الانتخابي لم يتم الطعن جدياً فى نتائجه ، ولم تثبت بأي صورة من الصور ادعاءات التزوير التى تم إطلاقها فى الهواء الطلق و تحججت بها بعض القوي المعارضة – دون أدلة – لتبرير سقوطها فى الانتخابات ، و فوق كل ذلك فان من المعروف بداهة أن اتفاقية السلام الشاملة قد قصدت استباق الاستفتاء بالاستحقاق الانتخابي حتى يجري الاستفتاء فى ظل سلطة منتخبة من الشعب جنوباً و شمالاً لشرعنة الاستفتاء و نتائجه حتى لا يطعن أحد فى شرعية السلطة الموجودة ، ومن ثم شرعية الاستفتاء . إضافة الى ذلك فان أحداً لا يعلم كيف ستُجبر هذه القوى المعارضة الحزب الوطني على حل أجهزته الحكومية و القبول بتشكيل حكومة انتقالية قومية؟ إذا قيل أن هذا سوف يتم عبر (انتفاضة) كما يطوف بأحلام البعض فهذه تمت تجربتها كثيراً جداً طوال العقدين الماضيين بعدة وسائل مختلفة و أخفقت . وإذا قيل عن الطريق السياسي السلمي فهذا محله صناديق الاقتراع بعد 5 أعوام من الآن حين يحل أوان الانتخابات العامة فى دورتها الجديدة، أما فى الوقت الحاضر فان من سوء التقدير و خطل الرأي مطالبة سلطة منتخبة بحل نفسها هكذا لمجرد تنفيذ رغبة قوي معارضة متعطشة للسلطة. وإذا كانت كل جريرة الحزب الوطني التى تدينه بها القوى المعارضة هى وقوع الانفصال فى عهده ، فان هذه القوى المعارضة لم تعترض فى أى يوم من الأيام على منح الجنوب حق تقرير مصيره ، فهي مقِرّة تماماً بهذا الحق ،و هى تدرك أيضاً ان واحدة من احتمالات استخدام هذا الحق هو الانفصال ؛ فما الأمر الجديد الذى يستحق كل هذه الجلبة عديمة النفع و الجدوى ؟