يشكو المواطنون فى السودان هذه الأيام من ما يصفونه إرتفاعاً فى أسعار السلع والخدمات ، خاصة سلعتيّ الدقيق و السكر . و هى بالفعل ملاحظة ملموسة أقرت بها الحكومة السودانية ولهذا فان من المهم أن نحاول تلمس أسباب هذه المشكلة نظراً الى أن الاقتصاد عموماً وثيق الصلة بالشأن السياسي. بداية لا بد من الإشارة الى أن هذا الارتفاع فى أسعار السلع لا يستند على أسباب مجهولة، فالأسباب واضحة، إذ أن جزء كبير منها مرتبط بالأزمة المالية التى ما تزال تضرب نطاقاً واسعاً من العالم منذ أكثر من عام ، ولا يتوقع خبراء الاقتصاد فى العالم أن تنجلي على المدي القصير. ومن المعروف فى هذا أن منظمة الأغذية و الزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أشارت فى أحدث تقرير لها مؤخراً الى ان هنالك أزمة و نقص عالمي فى الغذاء سواء بسبب الأزمة المالية او أسباب أخري تمس الاقتصاد العالمي و توقعت (الفاو) أن تستمر هذه الأزمة حتى العام 1015. وبالنسبة للسودان فان من المعروف أن استهلاك هذا البلد من القمح (حوالي 2 مليون طن سنوياً) و لأسباب تعود لطبيعة مناخه والبيئة الخاصة به فانه لا ينتج سوي 16% فقط من احتياجاته للقمح و يستورد الباقي لسد النقص . و ما من شك أن الاستيراد يتطلب أموالاً لأنَّ قيمة طن القمح (متوسط السعر) حوالي 350 دولار ، ومن المفروغ منه أن القمح يشهد ارتفاعاً عالمياً فى أسعاره ، إضافة الى ذلك فان تكلفة النقل و الترحيل داخل القطر بعد وصول القمح الى الميناء هى ايضاً تضيف عبئاً جديداً ؛ أما بالنسبة للسكر فان استهلاك السودان -بحسب الدراسات التى أُجريت- يصل الى700 ألف طن ، والسودان لا ينتج سوي 50% من هذه الاحتياجات و حالياً تصل قيمة الطن من السكر فى البورصة حوالي 800 دولار ، فإذا أضفنا لها تكلفة الترحيل فإنها تصل الى 1000 دولار ، أى بما يجعل جوال السكر يصل الى 185 جنيهاً سودانياً . هذه فى الواقع بعض حقائق الأوضاع فى هاتين السلعتين الأساسيتين ، ومن المنتظر أن تجري معالجات للحد من ارتفاع الأسعار سواء بالقيام بعملية مبادلات بسلعة الذرة التى ينتج منها السودان كميات كبيرة ويصل الطن منها 250 دولاراً ، أو بالحد من بعض الأنشطة السالبة ، مثل التهريب و الندرة و الاحتكار ، و التى تعالجها الآن السلطات السودانية بتفعيل أجهزة الرقابة و القوانين التى شرعت لمكافحة الاحتكار .