حتى ولو صوَّت كل الناخبين الجنوبيين المسجلين (حوالي 4مليون ناخب) جميعهم ، فان ما سيتم الحصول عليه من نتائج بشأن الوحدة أو الانفصال سيظل محلاً للجدل . إذ من المعروف أن عدد سكان الجنوب لا يقل عن 8 مليون مواطن، أى حوالي 20% من سكان السودان، و من ثم فان المنطق كان يقتضي ان يشارك حوالي ثلثي هذا العدد فى أمر استراتيجي على قدر كبير من الأهمية كهذا يتقرر بموجبه مستقبل منطقة بأسرها ، وليس فقط مستقبل بلد أو جزء من بلد كما يتبادر الى ذهن البعض . صحيح أن من بين هؤلاء السكان قطاعات قد لا تنطبق عليها شروط الأهلية، و لكن هذه القطاعات وفقاً لمتابعات (سودان سفاري) منذ الاستحقاق الانتخابي لا تتجاوز نسبتها الثلث ،أى حوالي 3 مليون أو أدني من ذلك. و من المعروف و بالنظر الى حركة التسجيل الواسعة النطاق فى الجنوب -كما تابعنا و شهدنا- التى كانت مرتفعة و ملحوظة بسبب التعبئة السياسة الواسعة التى قامت بها الحركة الشعبية فان نسبة التسجيل لم تكن بالطموح المطلوب. صحيح إن قانون الاستفتاء إشترط فقط لتمرير الاستحقاق أن يصوت ما لا يقل عن 60% من الناخبين المسجلين على أن يتم اعتماد النتيجة بطريقة 50 +1 ، أو ما يسمي بالأغلبية البسيطة.و لكن من الناحية السياسية الواقعية فان قرار فصل إقليم - كقرار تاريخي مفصلي - كان ولا يزال من الضروري أن يشترك فى إرسائه غالب سكان الاقليم داخله و خارجه باعتباره أمراً له آثاره البعيدة المدي ، والتى من المحتم أن تمتد للمساس بمستقبل أجيال قادمة. وقد يقول قائل إن هذا الأمر قد انقضي و لم يعد له جدوي و لا طائل من إثارته فى هذه اللحظة ، غير أن مخاطر هذا الأمر تظل ماثلة إذا ما تفاجأ المراقبون بأن نسبة ال60% المطلوبة للمشاركة لم يتسن الحصول عليها ، وهو أمر يصعب إستبعاده طالما ان حركة التسجيل الواسعة النطاق تلك ورغم ما رأيناه من نشاط و تعبئة لم يكن حصادها سوي عدد يعتبر ضئيلاً من المسجلين بالقياس الى عدد سكان الجنوب و الجهد الذى بُذل ؛ واضعين فى الاعتبار احتمال ان يكون من بين من تم تسجيلهم ناخبين غير مستوفين لشروط الاستحقاق فى ظل اضطرار مفوضية الانتخابات – لاعتبارات عديدة ليس المجال هنا للتعرض لها – لاختزال و اختصار الفترات القانونية التى يقررها قانون الاستفتاء , ومن بينها فترة الطعون فى السجل و من ثم انقضاء مدة 3 أشهر ما بين نشر السجل النهائي ويوم الاقتراع. سوف تثور الأزمة حقيقة لو أن العدد الذى شارك فى الاقتراع جاءت نسبته دون نسبة ال60% المطلوبة و سوف تتعقد الأمور كما لم تتعقد مطلقاً من قبل .