بعد أن اطمأنت الولاياتالمتحدةالأمريكية بأن ملف جنوب السودان أخذ مكانه المحدد له في توجهات سياسة واشنطن، بدأت إفساح سجل لقضية دارفور في أضابيرها، رغم إنها لم تبدِ أي حماس في السنوات الماضية لحل هذه المشكلة، أو تقديم المساعدة لدفعها إلى الأمام، عندما انعقدت في (أبوجا) المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة الدارفورية لحلحلتها، باستثناء مهاتفة بوش عندما كان وقتها رئيساً لأمريكا للرئيس البشير، بأن يعود نائبه علي عثمان رئيس المفاوضين إلى أبوجا لإكمال ترتيبات وصفها عثمان بأنها (بروتوكولية)، الهدف منها أن تقحم الحكومة الأمريكية نفسها في اتفاق السلام الذي تم توقيعه بشهادات دولية وإقليمية، ومن يومها ابتعدت واشنطن من المسألة، إلا ما يؤدي إلى تعقيدها، وذلك إلى حين فراغها من ملف جنوب السودان، حيث نشطت في إرسال مبعوثيها إلى الخرطوم للإلمام بالثغرات أو الخلافات التي يمكن أن تنفذ منها للإمساك بهذا الملف، ولم يصدر عنها أيّ تشجيع عندما انعقد منبر (الدوحة)، تتصدره وساطة دولة قطر وتسانده الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، لمعالجة المسائل الخلافية بين الحكومة وبعض الحركات المسلحة، التي لم تعتمد اتفاق (أبوجا)، بل الأدهى من ذلك أن أمريكا سعت بقدر استطاعتها المشهودة لها في التآمر أن تشل هذا المنبر. حتى لا تجرفنا الأجندة إلى الماضي، نبدأ بتوجهات أمريكا حالياً بشأن هذا الملف، والتي لم يجف حبرها بعد، فقد صرّح السناتور جون كيري رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في الفاشر (الجمعة)، أن بلاده ستتجه بعد الاستفتاء من الجنوب إلى دارفور، وأشار إلى اهتمام حكومته بقضية دارفور والتزام الأسرة الدولية لتحقيق السلام فيها، وبعد هذا التصريح توجه سكوت غرايشون المبعوث الأمريكي الخاص للسودان إلى دارفور، يرافقه السفير داني سميث الذي تم تعيينه مؤخراً مستشاراً لدارفور، لعقد اجتماعات مع الولاة، مما يشير إلى فتح هذا الملف بجميع أبعاده والاهتمام به في هذه المرحلة الموجهة كلها إلى استفتاء الجنوب، ويضاف على هذا وصف كيري لمنبر الدوحة بأنه (محدود) وأن أمريكا ترغب أن يتسعه مكان آخر وشركاء آخرون أوروبيون وفي مقدمتهم فرنسا، رغم إدراكه من موقعه المتقدم في الإدارة الأمريكية أن القيادة السودانية بذلت جهداً كبيراً خلال السنوات الماضية لإبعاد باريس عن قضية دارفور، ونجحت في ذلك بعد أن حاصرتها الدبلوماسية السودانية وكشفت أوراقها للعب بالقضية لمصلحتها، وهي تحتضن عبدالواحد أحد رموز حركات دارفور المسلحة ويتحرك منها إلى إسرائيل، وبعد أن استطاعت الخرطوم أيضاً تطبيع العلاقات مع تشاد فانقطع الدعم اللوجستي الفرنسي للحركات المسلحة ومن ثم مضت قضية دارفور في طريق السلام. وكعادة أمريكا وسياساتها تجاه الدول النامية والفقيرة، ربطت هذا التوجه بإغراءات مشروطة منها، أن توافق الحكومة السودانية على زيادة القوات الدولية في أراضيها بإدعاء حفظ السلام، خاصة في دارفور مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي هذا الصدد قال (أوباما) لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في السودان بعد استفتاء الجنوب دون إقامة سلام في دارفور، وأضاف على الحكومة السودانية الوفاء بتعهداتها في دارفور، ويجب توقف الهجمات على المدنيين والسماح لقوات السلام القيام بعملها، ومما يؤكد أن أمريكا تحاول دائماً استباق أو توجيه الأممالمتحدة بشأن القرارات تجاه الخرطوم، أن طلب واشنطن برفع عدد قوات السلام جاء قبل أخذ موافقة الحكومة السودانية، كما يقتضي ذلك رسمياً، ورغم إن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لحفظ السلام صرّح بأننا طلبنا زيادة هذه القوات إلى (12) ألف، ولكن السودان لم يوافق، وأن الطلب جاء فقط من (سلفاكير) رئيس حكومة الجنوب لإقامة منطقة عازلة بين الشمال والجنوب المستقل، ومن هنا يتضح أن الولاياتالمتحدة تتدخل في قضية دارفور بتوظيف حكومة الجنوب في توجهاتها، وإلا لماذا تزامن هذا المطلب، بأن أوباما طلب شخصياً من سلفاكير طرد قادة وقوات حركات دارفور المسلحة من الجنوب، إن لم يكن ذراً للرماد في عيون الشمال؟.. إننا إذا كنا نحذر من هذه البدايات الأولى لمحاولة أمريكا الإمساك بملف قضية دارفور، فإننا على ثقة بأن الحكومة السودانية لن تفرط في المكاسب التي تحققت لحل هذه المشكلة من خلال منبر الدوحة وأبوجا ومؤتمر أهل السودان، مقابل الوعود الأمريكية التي وصفها الدكتور مندور المهدي نائب رئيس المؤتمر الوطني لولاية الخرطوم بأنها كاذبة، وأنه رغم وعودها وشركاء الإيقاد برفع العقوبات واسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتقديم المساعدات، تنكرت لها ولهذا أصبحنا لا ننظر لها بجدية، وكل ما نطلبه من أمريكا أن تكف شرها عن السودان، وفي شق آخر قال الدكتور أمين حسن عمر رئيس وفد الحكومة لمفاوضات الدوحة، إننا لن ننتظر أحد ولقد بدأنا برنامج ضخم لبسط الخدمات والأمن في دارفور، ولن ننتظر الحركات المسلحة، بعد أن استنفذنا كل الحديث وجميع الفرص وقدمنا تنازلات في غالبية القضايا التي تحتمل ذلك، وأننا في انتظار الوساطة عندما تأتي بأفكار جديدة تساعد الطرفين على الاقتراب، وأضاف الدكتور عمر ل(الوفاق)، أننا قبلنا بالمفاوضات وليس هناك من يحمل سلاح ويضعه فوق رؤوسنا، ولكن لأننا نريد إغلاق هذا الملف، لأن وراءه متربصون كثر، ولأن الحركات المسلحة حالياً ضعيفة وأن هناك من يريد تقويتها. من الواضح أن السودان يتعامل بخطوات محسوبة مع قضية دارفور، بعد أن حادت الحركة الشعبية عن الالتزام بروح اتفاقية (نيفاشا) الداعية إلى الوحدة الجاذبة، ولهذا نشاهد أن الدولة منذ أن صدرت الوعود الأمريكية لم تتوقف عندها كثيراً، وتسير في خطها الثابت بشأن دارفور، وتأكد هذا باجتماع اللجنة العليا لمتابعة الملف برئاسة المشير البشير (أمس الأول)، وتصريح الدكتور غازي صلاح الدين مسئول الملف والقاطع بتطبيق اتفاقية (أبوجا) ومحاورها وتوسيع الحوار الدارفوري الدارفوري بالداخل. نقلا عنص صحيفة الرائد السودانية 13/1/2011م