جولة مفاوضات سلام دارفور التي تجرى في الدوحة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة قطعت مسافة معتبرة في الملفات التي تم التداول والتفاوض حولها بين اللجان المشتركة، وآخر هذه الملفات ملف الثروة التي نقلت الأنباء أمس الأول موافقة الحكومة على تمويل صندوق إعمار وتنمية دارفور بمبلغ اثنين مليار دولار تمويلاً ابتدائياً لتحقيق التمييز الإيجابي في مجال التنمية لولايات دارفور. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل سوف تصل المفاوضات الثنائية بين حركة التحرير والعدالة والحكومة السودانية إلى محطة الاتفاق، وتوقيع اتفاقية سلام أخرى مع مجموعة مقدرة من الفصائل التي كونت حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني سيسي. الإجابة على هذا السؤال تدفعنا للإحاطة بالظروف العامة التي تجري فيها المفاوضات ومن أكثر تلك المؤثرات انشغال الدولة بكل مؤسساتها السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية بموضوع استفتاء تقرير المصير للجنوب، والدولة تسعى للوصول إلى اتفاق في دارفور قبل التاريخ المحدد للاستفتاء، ويمثل التفاوض عبئاً كبيراً على كاهل الحكومة التي تقف في وجه أكثر من إعصار سياسي في جنوب السودان. أيضاً المؤثرات الخارجية والتي ظلت تلعب دوراً كبيراً، فالدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية والمجموعة التي تقود الموسسات الأمميةفأن قضية دارفور وسلامها ما عادت تحتفظ بالأولوية لسياساتها، فهي اتخذت من موضوع انفصال جنوب السودان وتكوين دولة مستقلة هدفاً أساسياً تسخر كل المعطيات الأخرى لتحقيقه، وتتناول قضية السلام في دارفور في إطار الأجواء المناسبة لإجراء الاستفتاء وتحقيق الانفصال، وهي لا تبدي حتى الآن الاهتمام الكبير بما يجري في الدوحة أو ما يجري في الداخل مثل الأوضاع الحساسة التي تمر بها حركة تحرير السودان الموقعة على سلام ابوجا بقيادة مني اركو. أما الثالثة والتي أشرنا إليها في أكثر من مقال هو موقف الحركات المسلحة الأخرى، العدل والمساواة، وتحرير السودان بقيادة عبد الواحد، ومجموعة أديس ابابا، وخارطة الطريق، والمجموعات التي اتخذت من جنوب السودان مقراً لها. إن غياب هذه الفصائل والتي سبق أن رفضت أو انسحبت من منبر الدوحة لا يحقق السلام الشامل المطلوب مع ملاحظة تحركات حركة العدل والمساواة التي تجري هذه الأيام، ووصول وفدها الرفيع المستوى إلى الدوحة للجلوس مع الوسطاء، وهذا الموقف جاء نتيجة لتدخلات اقليمية مؤثرة في المقام الأول، وهي التدخل الليبي والمصري، وهاتان الدولتان لا يمكن أن يكون هناك حديث عن السلام الشامل مع الحركات المسلحة ما لم يلعبا دوراً فاعلاً وموثراً ومساوياً للدور القطري والمؤسسات الإقليمية. من بين المؤثرات على مسار الاتفاق النهائي بين المتفاوضين في الدوحة، الأوضاع المتوترة في حركة جيش تحرير السودان الموقعة على اتفاقية أبوجا بعد أكثر من أربع سنوات على توقيع الاتفاقية، والوضع على الجانبين الجانب الداخلي للحركة وضعف السيطرة عليها سياسياً وعسكرياً منذ توقيع الاتفاق وحتى الآن، فعلى الجانب العسكري مثلاً تأتي أحداث مدينة المهندسين والصدامات المتعددة بين قوات الحركة وحركة العدل والمساواة من جانب، والقوات الحكومية والمليشيات القبلية في دارفور، وفي الجانب السياسي التوترات التي لازمت الاتفاقية في عضويتها السياسية أو بين الحركة والحكومة، كما حدث في اعتكاف رئيسها بدارفور لاربعة أشهر حتى جاءت مصفوفة الفاشر، ثم الذي يجري حالياً باعتصام رئيسها في جنوب السودان والاتهامات التي توجهها الحكومة له وتوجهه نحو العمل المسلح والتمرد مرة أخرى. وضع الحركة الموقعة على ابوجا سوف يجعل الأجواء الدارفورية للمنافحين باسم دارفور من حركات غير مهيأة لاحتضان اتفاق آخر، من خلال مؤسسات قائمة ممثلة في مؤسسات السلطة الانتقالية، أو من خلال استحقاقات سياسية كالمشاركة في السُلطة. الإشارة الخامسة في هذا المقال أنه ورغم الترحيب الواسع الذي وجدته الإستراتيجية الجديدة لسلام دارفور، والتي طرحتها الحكومة لفتح مسارات جديدة للعملية السلمية ممثلة في محاور الإستراتيجية الخمسية، وتمثل المفاوضات واحدة من هذه المحاور، فإن المحور الذي يحقق الانسجام والضمانة للسلام المستدام، لم تبذل الجهات المسؤولة اي جهد في قيامه وهذا المحور يتمثل في المنبر الداخلي للتفاوض مع منظمات المجتمع المدني الدارفوري والذي أشارت الإستراتيجية لقيامه تحت رعاية الوسطاء، وأن تصب رؤاه مباشرة في منبر الدوحة فإن استمرار المفاوضات بالدوحة مع غياب الحوار والتفاوض الدارفوري يضعف فرص أية اتفاقية لاحقة. نعود لسؤالنا الخاص عن مدى وصول المفاوضات الجارية الآن في الدوحة إلى اتفاق شامل للسلام في دارفور قبل إجراء الاستفتاء، ومن خلال النقاط التي أشرنا إليها فإن الاتفاق سوف يكون معجزة في الفترة التي تم تحديدها. ولله الحمد،،،