تواجه مصر أياما عصيبة مع مطالبات شعبية للتغيير السياسي. وفي هذه الأثناء تدخلت قوي الأمن, بدءا باستخدام مفرط للقوة, ثم بانسحاب من مراكز تجمع المتظاهرين. وأخيرا باختفاء كامل من جميع أو معظم مواقعهم في اقسام الشرطة أو في مختلف المواقع. وفي الوقت نفسه بدأت تظهر عمليات سرقة ونهب وإحراق للمباني العامة. والسؤال هو, كيف يحدث كل ذلك, ومن المسئول عنه؟ يقوم مفهوم الدولة علي أن تتمتع السلطة السياسية وحدها باحتكار استخدام القوة المشروعة وذلك لتحقيق أهداف متعلقة بالمصلحة العامة, وأولها وأهمها هو حفظ الأمن والأمل للأفراد والتجمعات. وإذا أخلت الدولة بالوفاء بهذه الوظيفة الرئيسية في حفظ الأمن, فإنها تفقد بالتالي شرعيتها. ومن هنا فإن اختفاء أجهزة الأمن ليس فقط تهديدا لأمن وحياة المواطنين, وإنما هو اعتداء علي مفهوم الدولة ذاته بالتخلي عن القيام بالوظيفة الرئيسية للدولة وهي توفير أمن المواطنين وحماية المنشآت العامة والملكيات الخاصة. وقد رأينا علي شاشات التليفزيون ارتفاع ألسنة اللهب من مقر الحزب الوطني الحاكم لساعات دون أن نلحظ أي وجود لرجال الإطفاء. وعندما تجدد الخطاب بأن النيران قد تمتد إلي المتحف المصري, فإننا أيضا لم نر من خلال هذه الشاشات, ما يفيد توفير مثل هذه الحماية. والمتحف المصري يتضمن أحد أهم المقتنيات الأثرية ليس في مصر وإنما في العالم. وتجاهد مصر مع الدول الأخري لاستعادة العديد من آثارنا الموجودة لديهم. فماذا يكون موقفنا ونحن نعرض متحفنا للخطر؟ ولحسن الحظ تنبه المتظاهرون لتكوين دروع بشرية لحماية المتحف. وعندما نشرت أخبار المتحف في اليوم التالي, تبين أن هناك اعتداء وقع علي داخل المتحف, مما أدي إلي تحطيم لبعض المعروضات, ويقال إنه وجدت به بعض العناصر المشبوهة. والسؤال, كيف حدث ذلك, ومن المسئول عنه؟ القضية المطروحة هنا ليست هي القضية السياسية المتعلقة بنظام الحكم السياسي, ولكننا نشير إلي المساس بأحد أهم عناصر الاستقرار في أي مجتمع, وهو توفير الأمن للمواطنين, وحماية الممتلكات العامة والملكيات الخاصة, وقد اضطرت معظم الاحياء في القاهرة إلي تشكيل لجان شعبية تطوعية لحماية القاطنين في هذه الاحياء من غزوات البلطجية والمجرمين وربما العناصر المدسوسة من جهات غير معلومة لدي العامة. أيا ما كانت حصيلة الجدل السياسي القائم في الشارع المصري حول النظام السياسي, فإن قضية الإخلال بالأمن, وانسحاب قوات الأجهزة الأمنية خلقت فراغا أمنيا مرعبا, لايمكن ان يمر من دون مساءلة أو معرفة لأسباب هذا الانهيار غير المفهوم للجهاز الأمني, مما أدي إلي ضرورة الاستعانة بالقوات المسلحة, وهل وقع هذا نتيجة لانهيار أو اختلال في سلطة إصدار القرار, أم انه كان جزءا من مخطط جهنمي لإيجاد حالة من الذعر والهلع؟ لن يستريح المواطن المصري حتي يعرف أسباب هذا الانهيار الأمني, ومن المسئول عنه وتوقيع الجزاء علي المستببين في هذه الكارثة التي هددت وتهدد حياة المواطنين ومصالحهم في الوجود. حماية أمن المواطنين وحماية أمن الوطن هو المسئولية الأولي لأية سلطة سياسية, وتتوقف مشروعية الحكم علي القدرة علي القيام بهذه الوظيفة الرئيسية للحكم. نريد كشف حساب, وان يقدم المسئولون عنها للمحاسبة. والله أعلم. المصدر: الاهرام 3/2/2011