بعد أن كانت قد اشترطت للحوار مع المؤتمر الوطني جملة شروط تراجعت قوي المعارضة السودانية الى اشتراط شرط واحد تمثل فقط فى إطلاق سراح المعتقلين ، متجاوزة شروط عقد المؤتمر الدستوري وتشكيل حكومة قومية انتقالية و غيرها من الشروط التى كانت قد دفعت بها قبل أكثر من اسبوع من الآن. و يشير هذا التراجع الى ان موقف هذه القوى من الأساس - للأسف الشديد- كان ضعيفاً و لم تكن تملك – كما قال الحزب الوطني بحق – قوة فرض الشروط و لهذا كان من الطبيعي ان تبدأ بالتراجع شيئاً فشيئاً ، حتى يصل الأمر فى درجة من درجاته الى (التخلي كلية عن هذه الشروط) . و الواقع أن قضية الحراك الذى تمارسه هذه القوى المعارضة تبدو فيه مظاهر أزمتها واضحة جلية ، فهي تارة تدعي قدرتها على تحريك الشارع و إسقاط السلطة القائمة ، وتارة اخري تقبل الحوار الوطني و بشروط ، و تارة تستدعي من مخيلتها – بقدر غير قليل من الأحلام و التمنيات – نماذج تونس و مصر متجاهلة طبيعة معطيات كل حالة و ظروفها و ملابساتها. و هى مواقف كما أشرنا تستبطن طبيعة أزمة هذه القوي المعارضة التى لا يبدو أنها منتبهة إليها ، ذلك إن أحداً لا يتمني أن تخلو الساحة السياسية السودانية من القوي الحية الفاعلة فقواعد اللعبة السياسية فى العادة تستلزم وجود لاعبين محترفين مهرة ، حتى يمنحوا اللعب ألقاً و بعداً مهارياً مطلوباً ، بحيث يتسع نطاق التنافس الشريف ليصب كل ذلك فى مصلحة التطور الديمقراطي الطبيعي ويسهم من جانب ثان فى توسعة الأفق السياسي للكل . القوى العارضة تبدو شديدة الاهتمام و الإفراط فى الأحلام السياسية ،وتعتمد فقط على ماضي لم يعد له من وجود بعد كل هذه المتغيرات ، و الشئ الغريب أنها لا تحسن إدارة ما هو متاح أمامها من معطيات فقد كان من الممكن ان تقبل دعوة الوطني- حتى ولو كانت تراها مشوبة بعيوب – و من ثم تشرع لاحقاً فى تحقيق مكاسبها بعد أن تثبت و تبرهن بالدليل للجماهير السودانية أنها تتحمل مسئولياتها الوطنية و تشارك فى إدارة الدولة السودانية من منطلقات وطنية محضة . إن من ينتظر الجماهير ان تشق له الطريق ليستولي لاحقاً على ثمار لم يسهم فى زراعتها هو دون شك متواكل غير جدير بالاحترام ، فالجماهير السودانية – لسوء حظ هذه القوى – واعية بظروف البلاد ومدركة لما يدور حولها ولو كانت تري فى الأفق و في ما حولها ما يستلزم خروجها لما انتظرت إشارة من قوي معارضة تمت تجربتها عشرات المرات و فى كل مرة كانت الخيبة هى سيدة الموقف !