ساسة الجنوب جميعاً منشغلون هذه الأيام بمسألة تكوين دولتهم الجديدة، ويشتم من احاديثهم وتصريحاتهم أن قرار الانفصال جاء بالإجماع ومباركة من جيمع القوى السياسية الجنوبية، وأن احتمال أن يعيش الجنوب والشمال تحت مظلة واحدة والعودة كما كان، مستبعد .. لكن الملاحظ وحسب الشواهد، فأن الجيمع يراقب الموقف يراقب الموقف بحذر شديد نظراً لما أفرزته مسألة الحراك الاجتماعي للجنوب وعوامل أخرى متصلة برغبة بعض الجنوبيين في العودة والعيش بالشمال مرة أخرى، مما يبرهن ان مسألة انفصال الجنوب الذي ينفذ بقرار الاستفتاء أو بمرسوم رئاسي، او دستوري رغبة ساسة الجنوب المتشددين .. لوكن الانفصال بدأت تظهر سوالبه وعواقبه من الآن، لأن القرار لم يبن على دراسة متأنية من كافة الزوايا المتعلقة بالنواحي السياسية، الأمنية الاقتصادية، الاجتماعية والجغرافية، وفوق كل ذلك عملية الحراك الاجتماعي والتداخل القبلي ذات الطابع الحدودي. نتائج الاستفتاء كما أعلنتها مفوضية الاستفتاء جاءت 99,57% للانفصال، مما يعتبر تنفيذ الفصل الأخير من اتفاق نيفاشا تمسك به ساسة الجنوب كمطلب رئيسي لتكوين دولتهم الخاصة بهم .. لكن في نفس الوقت لا توجد أية دراسة مستفيضة، أو وثيقة تعكس لنا كيف يتم الانفصال!.. وما هي الخطوات والمراحل الأساسية لإتمام عملية الانفصال دون الدخول في مواجهات بين الشمال والجنوب. كما أسلفنا سابقاً، الانفصال ستعقبه تداعيات خاصة بالنسبة للجزء الجنوبي، باعتبار أن العملية بناء دولة مستقلة ذات كيان، تحتاج الى ان تقف على أرجلها وتنال تأييداً دولياً ومساندة، واعترافاً كاملاً من دول منظومة الأممالمتحدة .. وكان لزاماً على الساسة الجنوبيين رسم هيكلة الدولة، وتحديد حدودها الجغرافية، واسم يعكس هويتها وسيادتها، وسياسة مرسومة ومحددة، خارجية وداخلية، ثم إقرار خارطة سياسية لتحديد علاقة بينها ودول الجوار، وأجهزة ومؤسسات أمنية تحفظ التوازن بين القبائل الجنوبية والمجموعات السكانية.. بالإضافة إلى معالجة أكبر قضية تواجه الجنوب .. الصراع القبلي الذي ظهر بصورة واضحة في بعض المناطق، ولعل نتائج الاستفتاء ستأتي بمعادلة سياسية جديدة واضحة، بأن الثقل القبلي تركز في إقليم بحر الغزال، بعد أن كان موزعاً بين الأقاليم الثلاثة .. أعالي النيل، والاستوائية، وبحر الغزال، وهذا التركيز سيلقي بظلال كثيفة على هيكلة دولة الجنوب .. ولربما يؤدي إلى صراع بين قبائل الأقاليم الأخرى، وقبائل إقليم بحر الغزال، وهذه نتيجة حتمية للتناحر القبلي والصراع الأثني الذي عرف به الجنوب. ما نشاهده الآن أن عدداً من الساسة الجنوبيين يتمعنون بالجنسية المزدوجة مما يتيح لهم العيش بصفة دائمة، مع أن في قرارة أنفسهم ينتمون للعرقية الأفريقية وفي نظرهم أن المشال هويته عربية وديانته إسلامية، فهم ينظرون الى الانفصال عن الشمال من منظور عرقي وديني، وما زال غلاة الانفصال يحلمون بأن للجنوب مستحقات لدي الشمال.. والإشارة هنا ( قسمة السلطة والثروة)، فكيف يكون ذلك؟.. اذن ما دواعي الانفصال؟.. والسؤال هنا ماذا كان يضير الجنوب اذا واصل مشواره التنموي والعمراني تحت مظلة السودان الواحد وفكر في تنمية وازدهاره أكثر بدلاً من القرار المستعجل للاستفتاء دون أي تفكير لآثاره السلبية أكثر من الفوائد المرجوة منه، وما يحلم به غلاة الانفصال؟. عموماً ان ساسة الجنوب لم يفكروا بحكمة قبل المضي في طريق الانفصال .. وغاب عليهم أن الجنوب سيكون دولة حبيسة دون منفذ بحري، أو مائي يربطها بالعالم الخارجي، ولم يستفيدوا من تجربتي تشاد وأثيوبيا، وكيف تعاني الدولتان من وضعهما الجغرافي والبيئي .. ومن جانب آخر كيف تقام البنية التحتية المتمثلة في الطرق التي تربط الجنوب مع دول أخرى ومع الشمال؟ .. وكيف تشيد كباري كبرى مطلوبة لربط الطرق ببعضها البعض في مناطق تتأثر بعوامل الطبيعة، وتتأثر أيضاً بمواسم التغييرات البيئية والمناخية كل عام .. ولذا نقول التكلفة للبناء والعمران سيفوق الحد المطلوب في الظروف الراهنة، وكان من الأجدر أن الاستفتاء بفصل الجنوب يتم بعد اكتمال بناء بنية تحتية أولاً ثم التفكير في تكوين الدولة الجيدة ثانياً .. وبالنظر لكل هذه الإفرازات المبكرة وأهمها أن البعض يفكر في العودة للعيش في المشال ثانية، يصبح من المستحيل التئام الشرخ ثانية. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 3/2/2011م