يمثل المجتمع السوداني نموذجا جيدا للتعدد والتنوع علي كافة المستويات فمن ناحية هناك التنوع في الانتماءات الدينية والقبلية والطائفية والعرقية. كما ان السودان يتسم بالتفاوت الواضح بين مناطقه من حيث الغني والفقر, ومن حيث التطور والتخلف. ففي حين تتمتع بعض مناطقه بالثراء والغني النسبي نجد ان هنالك مناطق أخري تعاني من الفقر المدقع في كل شي. والمجتمع السوداني ينفتح علي العصر وينقل أحدث التقنية , ولكنه يتمسك ببنياته التقليدية وهو حقيقة ينطلق عليه وصف الأستاذ حليم بركات, بأنه مجتمع سلفي تقليدي غيبي في منطلقاته ومستقبلي متجدد مستحدث في تطلعاته ولا اعتقد ان هنالك في العالم العربي دولة تتداخل فيها القبلية والاثنية مثل السودان. وهذا الأمر يمكن ان يكون عنصر قوة إذا ما أحسن التعامل معه ولكنه بالتأكيد يمكن ان يكون عنصر تدمير إذا ما تم عكس ذلك. فهناك دلائل عديدة تؤكد علي أن هويات الأقلية قد تتحول إلي قوة تدميرية مهددة الدولة, ما لم تتمكن الأخيرة من خلق بدائل أخري تؤدي إلي تحييد التأثيرات الاجتماعية والسياسية للهوية. وقد يكون خيار المشاركة السياسية علاجاً ناجعاً لامتصاص القوة التدميرية للقليات ولكن في الوقت نفسه من الطبيعي ان تنمي الأقليات مشاعر الانفصال بمرور الزمن, في تواكب مع إخفاق الدولة في سياسة الإدماج. ومع وجود أوضاع معينة (كالتي سادت السودان منذ الاستقلال. أو حتي قبل ذلك بكثير) حيث الوحدة الوطنية هشة, والثقافة الوطنية تشجع علي نمو المشاعر المحلية. لعل كل هذا قد دفع السادة المشاركين في ندوة, ثم ماذا بعد انفصال الجنوب؟ التي أقامها مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا, وقد دفعهم للتركيز علي موضوع الهوية السودانية التي أخذت حيزاً كبيراً من النقاش والتداول, بهدف الإجابة علي السؤال ثم ماذا بعد انفصال جنوب السودان؟. وهنا برز أتفاق حول أهمية معالجة قضايا مناطق التمازج في إطار الهوية للحد من دعاوي التهميش الاجتماعي والأثني والجهوي. وذلك عبر تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والقوي السياسية للتحرك في شكل لجان حكماء, لغليب المصالح الوطنية علي المصالح القبلية والشخصية . ولكن تظل هذه التوصيات نظرية, في ظل التركية السياسية والاجتماعية والثقافية السودانية. فمعالجة قضايا التمازج في إطار الهوية, كان يتطلب تأسيسي مشروع وطني أوسع عبر إقحام مجاميع السكان في العملية السياسية المحلية مستنداً إلي ثقافة تعطي الإفراد والجماعات حقوقاً سياسية. ولكن هذا الأمر, لم يكن مرغوباً فيه في أي وقت من الأوقات وبالتالي فان النتيجة النهائية لغياب المشروع الوطني حتي في حدوده الدنيا, ترك فراغاً كبيراً ملأته الثقافات والانتماءات الفرعية المحلية, وتربعت علي عرشه لمدة طويلة دون مزاحم حقيقي. نقلا عن صحيفة التيار السودانية 7/2/2011م