بعض الاحزاب بالجنوب تتقلد قياداتها مسؤوليات ومهام كبيرة بحكومة الجنوب لكن لا وجود لشعاراتها وليس لديها دور ويمتلك بعضها دوراً بالخرطوم فقط، أما الأحزاب التي تعرف بأنها شمالية فتعتبر (الغائب الأكبر). أول ما يلفت انتباه الزائر لجوبا للمرة الأولى أن التنظيم السياسي الوحيد العامل بالجنوب هو الحركة الشعبية لتحرير السودان بسبب سيطرتها على 70% من السلطة بمستوى جنوب السودان والولايات الجنوبية لامتلاء الشوارع والمكاتب الحكومية والفنادق والمجلس التشريعي بعلم حكومة الجنوب –الذي هو في الأساس علم الحركة الشعبية- بالاضافة لصور مؤسس الحركة د.جون قرنق ورئيسها الحالي الفريق أول سلفا كير ميارديت. ورغم إقرار اتفاق السلام الشامل تخصيص نسبة (20%) للاحزاب الجنوبية للمشاركة في مستوى جنوب السودان والولايات الجنوبية بالاضافة ل(10%) للمؤتمر الوطني لكن الاحزاب السياسية بالجنوب لا تكاد تلتمس أي أثر لها أو وجود سواء كان بالاعلام أو الشعارات أو المقرات. وينحصر وجود حزب المؤتمر الوطني الذي يعتبر شريك الحركة الشعبية بجوبا في دوره العديدة المنشرة في الاحياء السكنية الشعبية كأحياء (ملكال، الثورة) بالاضافة لدار بالقرب من جامعة جوبا وهو مبنى عادي (لا يكاد يرى). صوت بلا أثر ورغم أن المنبر الديمقراطى يشغل ابرز قادته الدكتور مارتن ايليا وزارة مهمة وهي وزارة الشؤون البرلمانية وينشط في أكثر الملفات حساسية بحكومة الجنوب وهو ملف وجود الجيش اليوغندي بالجنوب، إلا أن حزبه (بلا صوت أو أثر) يذكر على مستوى الساحة السياسية بالجنوب. وبرر عضو المكتب السياسي ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب يوساب (1) –بزعامة اليابا جيمس سور- د. جيمى وانقو خلال لقائنا معه بردهات برلمان الجنوب غياب شعارات وأعلام وعدم وجود مقر لحزبهم لمصادرة الحكومة بعد 30 يونيو 1989م لدورهم وممتلكاتهم بالاضافة للصعوبات المالية التي لم تمكنهم من إمتلاك دار لحزبهم، مبيناً أن اجتماعات الحزب تعقد إما بإيجار قاعات الفنادق أو عقد الاجتماع في بيت أعضاء الحزب. دور بالخرطوم فقط وتلاحظ أن حزب يوساب (2) الذي يترأسه وزير الشؤون البرلمانية جوزيف أوكيلو لديه دار في شارع (35) بالعمارات دون أن تكون لديه دار أخرى بجوبا، وربما يعود هذا الأمر لتقلد رئيسه لمنصب وزاري بالحكومة الاتحادية، وبذات القدر فلحزب سانو دار بسوق (6) بالحاج يوسف لكننا لم نجد للحزب أي دار بجوبا رغم ما ذكرته لنا رئيسة لجنة الصحة والسكان بالمجلس الوطني والقيادية بالحزب مارغريت صمويل أرو بوجود دار لحزبها بعاصمة الجنوب. وضع مختلف وتعتبر الجبهة الديمقراطية المتحدة بقيادة بيتر عبد الرحمن سولي الاستثناء من بين القوى السياسية بجوبا حيث لديهم أكثر من دار بجوبا وفي أرقى أحيائها. وارجع ذلك لانتماء قيادات الحزب للقبائل الاستوائية التي تعتبر جوبا معقلها التاريخي وبالتالي تركيز وجود انصار الحزب فيها. لكن رغم ذلك فقد توصلنا لدور الحزب العديدة بشق الأنفس لعدم وجود أي شعارات أو لافتتات للحزب عليها، كما وجدنا ملصقاً واحداً لندوة سياسية سيقيمها الحزب جوار إذاعة جوبا. الغائب الأكبر وباستثناء حزبي الامة القومي والاتحادي الديمقراطي المرجعيات فيمكننا القول أن الاحزاب التي يطلق عليها مجازاً (الاحزاب الشمالية) هي الغائب الأكبر، وهو أمر ربما يعزى ويفهم في الاحزاب التي تدعو للقومية العربية ك(البعث، الناصريين) أو الجماعات السياسية ذات التوجهات الدينية، لكنه يطرح تساؤلات حول الاحزاب التي تتجاوز في أطروحتها مسألتي العرق والدين. وكنت قد طرحت على القيادي بتنظيم الجبهة الديمقراطية بجامعة جوبا (مايكل كرستوفر) قبل فترة تساؤلات حول أسباب ضعف انتشار الحزب الشيوعي بالجنوب رغم تصالحه حيال مسألتي الاديان والأعراق، فأوضح أن ذلك يعود لعاملين أولهما قمع الحركة الشعبية للأحزاب بالجنوب وثانيهما ذاتي وهو المتعلق بالفهم الخاطئ للمواطنين للاشتراكية "حيث يعتبرونها اشتراكا في الزوجات والأبقار"، معتبراً ذلك المفهوم هو العامل الأساسي لعدم تمكن الشيوعي من التغلل بالمجتمع الجنوبي وانتماء قلة من النخبة الجنوبية للحزب. الحريات متاحة لكن قيادات سياسية أخرى نفت قيام الحركة بأي مضايقات على الممارسة السياسية للاحزاب بالجنوب واتفقت كل من القيادية بسانو مرغريت صمويل أرو والقيادي بيوساب (1) جيمى وانقو وحملا مسؤولية ضعف النشاط السياسي للأحزاب بالجنوب لفترة حكم الانقاذ. ونوهت أرو لتأثير سيطرة الحركة على الجنوب ابان سنوات حربها خلال السنوات ال(21) وحينما تقلدت الحركة الحكم فقد وجدت تعاطفاً كبيراً من المواطنين وانضموا للحركة عن قناعة وقالت: "الحركة لم تخمهم في حزبها مثلما يتهمها البعض"، فيما اقر وانقو بعدم وقوع أي مضايقات من قبل الحركة منذ تكوين حكومة الجنوب باستثناء مرة واحدة خلال التعداد السكاني في ابريل الماضي حينما اعترض محافظ محافظة مورابو بالولاية الاستوائية الوسطى –بحر الجبل سابقاً- عمل العدادين واعتقل عدداً منهم وقال: "لم نسمع باي تحرشات لاي شخص لأسباب سياسية"، معتبراً الحريات المكفولة بالجنوب غير متوفرة بالشمال وتمارس الصحافة بصورة حرة ولا يتعرض الصحفيون لأي مسألات، وحمل الاحزاب بالجنوب مسؤولية التقصير وعقد الندوات العامة ومؤتمراتها العامة منبهاً لوجود اختلاف في الاولويات بين الاحزاب الشمالية والجنوبية حيث تعمل الثانية في مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها والتركيز بصورة أساسية على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. المصدر: السوداني - تقرير: زينب محمد صالح