تشكلت جماعة (بوكو حرام) في نيجيريا عام 2004م في الولايات الشمالية للبلاد. (بوكو حرام) كلمة باللغة السواحيلية تعني (التربية الغربية حرام) . دعت الجماعة إلى التطبيق الكامل لأحكام الشريعة الإسلامية في كلّ مناحي المجتمع والدولة وإقامة دولة إسلامية حقيقية في نيجريا، التى يبلغ سكانها مائة وخمسين مليوناً. حيث ترى (بوكو حرام) أن التطبيق المحدود لأحكام الشريعة في اثنتى عشرة ولاية شمالية غير كاف . يذكر أن (12) ولاية شمالية نيجيرية قد قررت تطبيق أحكام الشريعة منذ عام 2000م. يذكر كذلك أنّ نيجيريا قد شهدت في شمالها أعظم الدول الإسلامية بزعامة عثمان دان فوديو. دان فوديو تعني (إبن المعلم) والذي كان قائداً سياسياً محنكاً وفقيهاً ومؤلفاً وشاعراً. وقد رسم دان فوديو في مخطوطته التى كانت تحتفظ بها بنته (نفيسة) خارطة الطريق للهجرة إلى السودان ، لنصرة الدولة الإسلامية عند قيامها. وقد أيّد (حياتو) أو (حياة الدين) الثورة المهدية في السودان عند انطلاقها. وشارك النيجيريون في الثورة المهدية براية وكتيبة مقاتلة، مثلما شاركت كلّ القبائل السودانية . ومن أشهر مؤلفات عثمان دان فوديو كتاب (بيان وجوب الهجرة على العباد) الذي ترجمه الدكتور شوقى حسن المصريّ . ظلّ ذلك النبض الإسلامي الذي أشعله (دان فوديو) يتدفق في شرايين المناضلين ضد الاحتلال البريطاني . وعندما خسر المناضلون معاركهم العسكرية من أجل التحرير، هاجر آلاف منهم إلى السودان، حيث استوطنوا . على سبيل المثال إحدى مناطق استيطانهم هى منطقة (مايرنو) بالقرب من سنار. ونطقها الصحيح (ما أورنو) وتعني (أرض الأمير). وفي معركة الاستقلال الوطني النيجيرى برز القادة السياسيون الإسلاميوّن (أبو بكر تفاوه بليوه) رئيس الوزراء والزعيم السِّردونا (أحمدو بيللو) الذي تميز بقدرات علمية عالية في الدراسات الإسلامية ، كما حاز تعليماً غربياً راقياً في جامعة كامبردج البريطانية. وحتى لاتنشأ دولة إسلامية جديدة بقيادة سياسية إسلامية وطنية، يدعمها تيار ديمقراطى جماهيرى واسع، حدث انقلاب عسكري بقيادة (أقوى إيرونزي) عام 1965م. قتل الإنقلاب رئيس الوزراء المنتخب (أبو بكر تفاوه بليوه) كما قتل الزعيم السياسي الإسلامي الكبير السردونا (أحمد وبيللو). وكانت الكنيسة والمخابرات البريطانية وراء اغتيال الديمقراطية في النيجيرية ووراء اغتيال القيادات الوطنية من الزعماء السياسيين الإسلاميين الجماهيريين. وسارت المظاهرات حينها في الخرطوم تعبيراً عن غضب الشعب السوداني وتنديداً باغتيال (أحمدو بيللو). كانت المظاهرات السّودانية تهتف (أحمدو بيللو شيكاً شاكو). وفي سطوة التبشير الكنسي شرع المبشرون في تجنيد أبناء القادة المسلمين للمسيحية. ومن هؤلاء الجنرال (يعقوب قاوون) الذي أصبح رئيس نيجيريا، وكان والده شيخ خلوة قرآنية . حتى عام 1900م لم يكن يوجد في نيجيريا مسيحي واحد. وذلك ريثما تنشط الهيئات التبشيرية لتستقطب خلال القرن العشرين 1⁄4 سكان البلاد. بينما بات البركان الإسلاميّ في نيجيريا كامناً ساكناً في الظاهر، نتيجة القضاء البريطاني على الدولة الإسلامية واغتيال الزعامات الوطنية الإسلامية، ظلّ يمور في الأعماق، ويطلّ في العلن في أحايين عديدة وفي صور متعددة. وعندما فجّر (بن لادن) مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/ سبتمبر 2000م ، انتشر في نيجيريا اسم (أسامة) في المواليد الجدد انتشاراً واسعاً جداً. وأصبحت صور بن لادن في كل مكان مطبوعة في قمصان ال (تي . شيرت). نيجيريا دولة مركزية (كبري) في غرب أفريقيا ودولة نفطية من أبرز أعضاء منظمة الأوبيك، واضطرابها يعني اضطراب كل دول المنظمة . وقد أدّى التضييق السّياسي العلماني المستمر، المدعوم خارجياً ، إلى ظهور حركات رافضة جذرياً لكل ماهو غربيّ، مثل حركة (بوكو حرام) . ويمكن لذلك التضييق العلماني الشرس غير الديمقراطي، أن يتسبَّب في نشوء منظومة جديدة من الحركات العقائدية الانتحارية العدمية، التي تهدد استقرار دول المنطقة بمجملها، وتردّ على شراسة العلمانية الدموية بشراسة مثيلة ، تهدِّد نيجيريا وما حولها بمسلسل من الحروب الأهلية، لتحترق نيجيريا كما احترقت افغانستان والصومال، بسبب السياسات العلمانية الديكتاتورية و بسبب أخطاء السياسة الدولية التي لاتجيد قراءة الواقع الإسلامي، أولا تعترف به وترفض حتى محاولة قراءته. خلال خمس أيام فقط أبادت السياسة العلمانية المسلّحة سبعمائة مواطن مدني نيجيرى، ينتمون لحركة (بوكو حرام)، أبادتهم مستخدمة الأسلحة الثقيلة والدبابات. أبادتهم فقط لرفضهم لنظام التربية الغربية. حدثت الابادة في الولايات النيجيرية الشمالية في (بوشي) و(بورنو) و(كانو) و (يوبي)، حيث تم تشريد الآلاف من المواطنين الذين هربوا للنجاة بحياتهم من النساء والأطفال والشيوخ. وقد قتلت السلطات زعيم (بوكو حرام) محمد يوسف (39عاماً) بعد اعتقاله، في مدينة (مايدوغوري). مثلما سعت إسرائيل لإبادة (حماس) في مذابح غزة، سعت سلطات نيجيريا لإبادة جماعة (بوكو حرام) .لأن ابادتهم حلال! . أبادتهم بذات نهج السياسة الدموية وسط مباركة دولية تومئ بالموافقة وتستحسن قتل الإسلاميين ، حيثما كانوا. سياسة دولية ترفع شعار (أبيدوا الاسلاميين حيث ثقفتموهم). ولا يدري أحد هل تلك نهاية المطاف، أم بداية حقبة دموية متفجرة جديدة من عدم الإستقرار ؟.