يعتبرمؤتمر جوبا في أبسط التحليلات وأقربها للواقع محاولة للالتفاف على الشراكة التي كرستها اتفاقيات السلام بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان.. وهو على صعيد آخر،محاولة لاحتواء الأحزاب المعارضة، خاصة والبوصلة السياسية تشير إلى أنه مع قرب موعد الاحتكام إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة، لا بد أن تتم التحالفات الكفيلة بترجيح كفة أي معسكر على الآخر. وبعد قراءة الحركة الشعبية لمواقف القوى السياسية، قررت الانحياز للمعارضة، بما يعني فض الشراكة الحالية، ويستوجب ذلك أن تحدد الحركة موقفها منذ الآن، فهي شريك في الحكم، ولا يمكنها أن تجمع حسب الأعراف الليبرالية بين المشاركة في الحكم، والمعارضة في ذات الوقت.. وفيما يلي المؤتمر المذكور، فإنه بمثابة اللعب بالبيضة والحجر كما يقال، وعلى الرغم من أن أهدافه المعلنة هي حلم كل أبناء السودان على اختلاف انتماءاتهم السياسية، إلا أن أسلوب الإقصاء والتستر في الإعداد له، يشي بوجود أجندة خفية، ويتجلى ذلك في الحيثيات التالية: 1. دعوة المؤتمر الوطني كغيره من الأحزاب للمشاركة في المؤتمر بعد أن تم الإعداد له بالكامل.. 2. إعطاء أحزاب المعارضة رئاسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر.. 3. إعداد أوراق المؤتمر دون أن تتضمن رؤى حزب المؤتمر الوطني، والأحزاب الشمالية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية.. 4. لم تُدْعَ القوى المؤثرة في إقليم دارفور.. لقد سبق أن نادت العديد من الأصوات الوطنية المخلصة، بعقد مؤتمر جامع يضم كل القوى السياسية، والحركات العسكرية المسلحة، لمناقشة كافة القضايا الوطنية، والوصول إلى معالجات سلمية حكيمة، عبر الحوار، تضع حداً نهائيا لحالة الاحتراب التي لا تكاد تنتهي، حتى تندلع في بقعة جديدة.. ولكن جهات خارجية وقفت حجرة عثرة أمام قيام مثل هذا المؤتمر الذي سيفضي إلى احتواء النزاعات المسلحة، وتهدئة بؤر الصراع والاقتتال في قضايا، هي في جوهرها قضايا سياسية.. ولعل هذه الجهات نفسها هي التي تقف وراء عقد مؤتمر جوبا، في غياب حزب المؤتمر الوطني، والأحزاب الشمالية المتحالفة معه.. وفي إفادات الناطق الرسمي باسم 'الحركة الشعبية' لجريدة أجراس الحرية جاءت تبريرات الحركة على إشراك المعارضة على النحو التالي:" إن 'الحركة ليست ضد أي حزب سياسي سوداني، كما أنّها لا تقصي أحداً، وأضاف أن 'قضايا السودان لا يمكن لشريكَي الحكم حلها وحدهما'، مؤكداً أنه 'لابد من إشراك بقية القوى السياسية معهما، بشأن قضايا البلاد'. وكشف أنّ الحركة قدمت دعوات لكل الحركات المسلحة من أجل حضور مؤتمر جوبا، وقال إنهم دعوا 'المؤتمر الوطني' أيضاً للمشاركة في المؤتمر،" والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: هل كان إقصاء حزب المؤتمر الوطني، ودعوته كأي حزب آخر للمشاركة في المؤتمر، مقصوداً؟ ولماذا لم تعتدّ الحركة، بكل مقتضيات الشراكة التي تربط بينها وبين المؤتمر الوطني؟ فيصار إلى إشراكة في وضع التصورات الشاملة، وتحديد أوراق العمل التي ستتم مناقشتها والتداول حولها، ومن ثم الخلوص إلى قرارات وتوصيات، تلتزم بها الأطراف جميعها.. ( أو على أقل تقدير استصحاب رؤاه في القضايا الجوهرية التي سيناقشها المؤتمر.. ) لقد أثار ما يدور في كواليس المؤتمر، وما يتسرب من تصريحات متقاطعة، حفيظة العديد من القوى السياسية، فقررت مقاطعة المؤتمر,, فقد دعا الدكتور مضوي الترابي لمخاطبة رئيس الجمهورية والنائب الاول، للنظر فى تجاوزات الحركة الشعبية، ومساندتها لاجندة المعارضة، وحسمها فى اجتماع مؤسسة الرئاسة.. كما دعا مجلس الاحزاب فى بيانه قيادات الحركة الشعبية وعلى راسها الفريق سلفاكير ميار ديت، لايقاف إنعقاد هذا المؤتمر، لتعارضة مع الدستور وروح إتفاقية السلام الشامل، وذلك لتبنيه أهداف المعارضة واجندتها الخفية، وأولها انهيار اتفاقية السلام الشامل، ودعت الاحزاب السياسية إلى مقاطعة المؤتمر.. ! لقد قلنا في صدر هذا المقال: إنه يتعين على الحركة الشعبية أن تحدد موقفها، اليوم قبل الغد، إذا ليس من المعقول والمقبول، أن تكون شريكاً في الحكم وتتبنى كل رؤى وأطروحات المعارضة!