كمال الدين محمد عثمان مصطفى - مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا لقد كان دور الماء ومنذ الأزل بالغ الأهمية في تحديد استقرار التجمعات البشرية وكان أحد عوامل الصراع الذي بدأ مع بداية الخليقة لكنه لم يصل في أحواله إلى ما نحن عليه الآن وما هو متوقع وصوله إليه مستقبلا كمصدر للصراعات و المساجلات والحروب. يعتبر الماء أهم عنصر لاستمرار حياة الكائنات الحية بعد الهواء وقد جعل الله سبحانه وتعالي هذه النعمة أساس خلق الكائن الحي حيث يقول جل وعلا ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) كما قال (ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ) وفي آية أخرى ( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون). لم يعرف العالم أزمة المياه إلا في العصور المتأخرة والتي حدثت لسببين:- أولاً : الهدر المائي. ثانياً : التوزيع البيئي لهذه الثروة مع الظروف المناخية التي ساعدت علي تفاقم هذه الأزمة وانتشارها. وقد شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملا مهما في ظهور الحضارات وتقدمها وذلك لما يشكله الماء من حالة استقطاب للأفراد والجماعات، ولم تتوقف حاجة الإنسان للمياه عند حدود الاستخدام الشخصي بل تعدته لتشمل كل مجالات الحياة في النقل والزراعة والصناعة وتربية الحيوان وغيرها بقدر ما تشكله المياه من نقاط التقاء وتواصل بين المجتمعات والحضارات. إن المياه تغطي أكثر من ثلاثة أرباع الكرة الأرضية إلا أن الصالح منها للاستخدام يبقي ضئيلا مع الحاجة إليه، ونظراً لأن المياه غير موزعة علي حسب الحاجات فقد برزت أزمات ومشاكل عديدة في هذا الجانب وفي معظم أنحاء العالم ومنها الدول العربية، وذلك أن معظمها ستعاني مستقبلا من أزمة حادة في المياه مما يتطلب دعم كفاية الموارد المائية في تلبية متطلبات الموازنة مع عدد السكان الآخذ بالازدياد. إن الوضع المائي في المنطقة والعالم حرج بسبب حدة الخلافات حول تقسيم المياه مما أثار قلقاً دوليا حيال هذه المسالة أنعكس وبشكل واضح في عدة مناسبات وفي عدة مؤتمرات عقدت لدراسة هذه المشكلة وإمكانية وضع الحلول المناسبة لها مثل:- 1. مؤتمر قمة الأرض في (ريودى جانيرو)في البرازيل. 2. مؤتمر برلين . 3. مؤتمر السكان في القاهرة. 4. مؤتمر اسطنبول. وقد تكررت خلال هذه المؤتمرات تحذيرات من منظمة الأممالمتحدة للعالم من نقص المياه والتلوث البيئي خاصة في المدن الكبرى فقد أشار التقرير الافتتاحي لمؤتمر اسطنبول إلى أكثر من مليار ونصف المليار من البشر سيواجهون في عام 2025م ظروفا تهدد حياتهم وصحتهم للخطر مالم يتم اتخاذ تدابير جذرية لحل المشكلات المتفاقمة في هذا المجال وانعكاسات ذلك علي زيادة الفقر والتشرد والبطالة كما خصصت الأممالمتحدة يوماً في السنة هو يوم 22 آذار (مارس) أطلقت عليه أسم اليوم العالمي للمياه بهدف جلب انتباه العالم إلى المخاطر الناجمة عن إهمال قضية المياه أو العبث بها وقد تم إنشاء المجلس العالمي للمياه كأكبر منظمة غير حكومية تعني بدراسة الشئون المائية بما فيها المحافظة علي نوعيتها وشحها وإيجاد وتطوير أسس وأطر موحدة عالميا لمعالجة المشكلة المائية برمتها. إن المشكلة كبيرة جدا وتستدعي الاهتمام حيث يعاني 40% من سكان الأرض موزعين في 89 بلداً من درجات متفاوتة من شح المياه، وللتغلب علي هذه المشكلة نشر البنك الدولي لشئون البيئة تقريرا مفاده :- ( أن المجتمع الدولي رصد مبلغاً قدره 600 مليار دولار وهو رقم خيالي قياسا مع إمكانيات الدول الفقيرة لتأمين الحصول علي المياه ويبرز التقرير نفسه أن الشرق الأوسط والشمال الأفريقي هما أكثر مناطق العالم تعرضا لنقص المياه البالغ 40% للشخص الواحد ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى حوالي 80% في عام 2025م حيث ستبلغ حاجة الفرد (6670) متراً مكعباً في السنة بعد أن كانت (3430) متراً مكعباً في عام 1960م. إن الخصائص الديمغرافية والسياسية هي التي تجعل منطقتي الشرق الأوسط والشمال الأفريقي محط اهتمام الدراسات حول مشكلة المياه فسكان المنطقة يشكلون 5% من سكان الأرض في حين تمثل المياه المتجددة المتاحة للاستعمال 1% فقط من مجموع مياه الأرض العذبة وتقدر حصة الفرد الواحد من المياه بحوالي 1250 متراً مكعباً في السنة علماً بأن التوزيع السكاني بين بلدان المنطقة لا يتناسب مع توزيع المياه في حين ترتفع نسبة النمو السكاني إلى 3% في السنة الواحدة. صراع المياه: قد تتمحور المشكلة حول الجدلية القائمة بين محدودية الموارد المائية وازدياد الحاجة إلى الماء في مختلف البلدان، إضافة إلى اختلاف طرق الاستهلاك، وغياب التخطيط الاستراتيجي له في منطقتنا مع الأخذ في الاعتبار زيادة نسبة النمو السكاني إلى 3% عن معدلاته. إن الدور السياسي والاستراتيجي والاقتصادي سيزداد خلال العقود المقبلة علي مستوي العالم بصفة عامة وتشير كل الدلائل إلى أن مستقبل المياه في المنطقة هو في غاية الخطورة، حتى أن الكل يجمع علي أن الصراع علي المياه هو السمة التي سوف تتميز بها الفترة القادمة في المواجهة بين دول المنطقة وبين العرب وإسرائيل ومن جهة أخرى بين العرب ودول الجوار المتمثلة في تركيا وإثيوبيا وبقية الدول الأفريقية حول مجرى النيل وفروعه. إن ما يثير القلق في هذا الأمر هو التحرك الإسرائيلي والدور الذي تلعبه الصهيونية باتجاه التحالف مع دول المنبع للتنسيق بينها لإشعال الأزمة بين دول المنطقة ومن ثم الهائها عن هدف الصراع الحقيقي. إن إدراك الصهيونية العالمية المتمثلة بدويلة إسرائيل لمدي أهمية المياه للمنطقة هو المحور الذي تبني عليه سياساتها المستقبلية حيالها عالمةً بأن الوطن العربي يمثل نسبة كبيرة من مساحه العالم ويضم تجمعاً بشريا يعتبر الخامس في العالم في حين أن موارده المائية غير كافية لسد حاجاته. النمو السكاني وتطوير الموارد المائية في منطقة الشرق الأوسط :- كما هو معروف أن الحاجة للمياه تزداد طرديا مع الزيادة السكانية في العالم فحصة الفرد السنوية من المياه ترتبط بحجم الاستخدام المنزلي وبمقدار الاستثمارات الزراعية والصناعية في البلد وتحدد الحاجات المائية ببعض العوامل منها: 1. النمو السكاني 2. مستوي القطاع الزراعي 3. درجة التحضر السكاني. وهذه الحاجات المائية تشير بشكل واضح إلى حدوث أزمة بالمياه في الشرق الأوسط يمكن أن تجر المنطقة إلى حروب بسبب نقص المياه وزيادة الطلب وتراجع مناسيب موارد المياه عن معدلاتها السابقة إضافة إلى عامل تلوث البيئة المائية. لذا فان الحاجة باتت ماسة إلى تطوير الموارد المائية وتنقيتها عبر الاستخدام الأمثل لهذه الموارد وتحديث الأبحاث الخاصة بتطوير الموارد المائية وزيادة شبكات نقل المياه بين دول المنطقة بحيث تقوم علي مبدأ التعاون والعمل علي تلافي الصراعات والحروب المحتملة التي قد تحدث بسبب نقص المياه.