بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منظمات المجتمع المدني في السودان: خلفية تاريخية (2-2)

د. بهاء الدين مكاوي – أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين
يسعى الباحث في هذه الورقة إلى الوقوف علي مفهوم المجتمع المدني بشكل عام، بالإضافة إلى تسليط الضوء علي ظروف نشأة وتطور بعض منظمات المجتمع المدني في السودان، ورغم الاختلاف البين حول المنظمات التي تنضوي في اطار المجتمع المدني فان الورقة ستركز علي الأحزاب السياسية والتنظيمات المهنية والفئوية باعتبار أنها الأكثر تأثيراً علي الأوضاع السياسية من ناحية والأسبق من حيث التكون من ناحية ثانية.
ثانياً: التنظيمات الفئوية
تنظيمات العمال
شهد السودان ومنذ مطلع القرن العشرين، اضرابات احتجاجية تتعلق بزيادة الاجور أو تحسين شروط العمل. فمثلاً شهد عام 1903م اضراب عمال الغابات الذين اضربوا احتجاجاً علي قلة الاجور. كما شهد عام 1907م عدة اضرابات مثل اضراب عمال الغابات الثاني واضراب عمال مصلحة البواخر النهرية وأضرب عمال مزرعة الفاضلاب بالمديرية الشمالية كما شهد ذلك العام اضراب الكتبة وقيام موظفي الحكومة بتقديم مذكرة اشتكوا فيها من قلة الاجور ورداءة ظروف وشروط الخدمة.
وقاد عمال مشروع الكاملين الزراعي اضرابين عام 1909م. وقد ازعجت هذه الاضرابات الحكومة فطلب مكتب العمل، الذي كان قد انشئ في عام 1904م، من مديري المصالح والمديريات اعداد دراسات عن اسباب تفشي ظاهرة الاضرابات وتقديم المقترحات الكفيلة بالقضاء عليها. واصدرت الحكومة الاستعمارية في نفس السنة قانون التشرد لمعاقبة كل من يتوقف عن العمل. ورغم التهديدات اضراب عمال المزرعة التجريبية بطيبة احتجاجاً علي قلة الاجور وسوء السكن وعدم توفر الطعام وحدثت مواجهات بين العمال والشرطة سقط علي أثرها عدد من العمال في اول يونيو 1910م، وبعد اقل من ثلاثة اشهر علي هذه الاحداث اضرب عمال مصلحة الاشغال العامة احتجاجاً علي قلة الأجور مما ادي إلى سجن قادتها لعدة سنوات.
الا ان الحركة العمالية المنظمة بدات بظهور هيئة شئون العمال في عطبرة سنة 1947م والتي انتزعت الاعتراف من الادارة والحكومة الاستعمارية بعد صراعات حادة. وتعتبر هيئة شئون العمال هي نواة الحركة العمالية في السودان، فبعد الاعتراف بالهيئة انفتح الباب واسعاً امام التنظيمات النقابية العمالية، وشهدت الاعوام التي تلت ظهور الهيئة نشاطاً نقابياً مكثفاً وتكاثراً في المنظمات النقابية فعلي سبيل المثال كان عدد النقابات المسجلة حتي عام 1949 فقط 5 نقابات ارتفع عددها الي 62 نقابة عام 1950م والي 86 نقابة في عام 1951م والي 99 نقابة في عام 1952م ووصل عدد النقابات المسجلة في عام 1953م إلى 123 نقابة(11).
وفي سنة 1949م تأسس الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، ومنذ البداية، دخل الاتحاد في قلب المعركة الوطنية فساند طلاب خور طقت المفصولين عام 1950م، كما ساهم في تنظيم اضراب البوليس الذي وقع عام 1952م، وعملت قيادة الاتحاد علي توجيه قادة الاضراب عن امثل السبل لقيادة المعركة، وكانت النتيجة ان سجن ضباط الاتحاد الثلاثة. وحينما حاولت الحكومة الاستعمارية اصدار قانون الطوارئ وقانون النشاط الهدام استنفر الاتحاد كل القوي الوطنية لمعارضة هذه القوانين باعتبار "ان تلك القوانين لم تكن مصوبة نحو العمال وحدهم، بل تهدف أيضا الي شل المنظمات الجماهيرية عن النضال وتصفية الحركة الوطنية نفسها"(12). وتكونت بمبادرة الاتحاد "هيئة الدفاع عن الحريات الديمقراطية"، واعلن الاتحاد العام في 28 ابريل 1952م الاضراب العام الذي عرف باضراب "الحريات" فاجبر الحكومة الاستعمارية علي سحب تلك القوانين.
ان انغماس اتحاد العمال في النشاط السياسي، كما لاحظ فوزي، يعكسه التقرير الذي قدمته اللجنة المركزية للمؤتمر الثاني، حيث اكد التقرير علي ان العقبة التي تقف دون تحسين ظروف العمال الاقتصادية والاجتماعية هي الحكومة الاستعمارية، لذلك فانه يجب علي العمال تحطيم السلطة السياسية "للامبرياليين" ويتم ذلك بالتعاون مع كل الوطنيين الآخرين(13).
وهذا ما أكده قاسم أمين حينما قال: "ان العمال إذا ارادوا تحقيق اجور اعلي وساعات عمل اقل، فانه يجب توجيه كفاحهم ... ضد السلطة السياسية الحاكمة لانه كلما ضعفت هذه السلطة كلمات وجد العمال فرصة افضل .. في تحقيق اهدافهم. وعندما يتم القضاء علي هذه السلطة فسيجد العمال، وقتها، فرصة لتحقيق كل مصالحهم الاقتصادية"(14).
وبعد الاستقلال كانت للاتحاد مواقف سياسية واضحة فمثلاً عارض الاتحاد العام سياسة الحكومة الوطنية الاولي القائمة علي اساس "تحرير لا تعمير" ورفض دعوة الحكومة للنقابات بتجميد مطالب العمال في تلك المرحلة مؤكداً انه "من غير المسموح به اطلاقاً ان تسرق خيرات الاستقلال من جماهير الكادحين صانعته الحقيقية" معتبراً دعوة تجميد المطالب بانها لا تمثل مصالح العمال بل تمثل مصلحة الاستعمار والطبقات غير العمالية.
في عام 1958م عارض اتجاه الحكومة لقبول المعونة الامريكية وأعلن الاضراب العام في 21 اكتوبر 1958م، وقد قادت ضغوط العمال بالاضافة الي المشكلة السياسية بالبلاد الي قيام الحكم العسكري الاول.
وخلال حكم الفريق عبود عارض اتحاد العمال الحكومة التي قامت بحل المنظمات النقابية فارسل الاتحاد مذكرة احتجاجية للحكومة كان نتيجتها ان حوكم القادة النقابيون بالسجن فترات بلغت في مجموعها 21 عاماً. كما قامت الحكومة في عام 1960م باصدار قانون النقابات الذي حرم حق الاضراب وحق النقابات في التضامن مع بعضها البعض.
وشارك اتحاد العمال- مع الفئات الاخري- بفاعلية في انجاح ثورة اكتوبر التي كان للعصيان المدني الذي دعا له اتحاد العمال الدور الحاسم في انهاء النظام. وشارك ممثلو العمال- في اطار جبهة الهيئات- في الحكومة الانتقالية التي تلت الثورة. اما في عهد مايو ولأن الحكومة العسكرية رفعت في ايامها الاولي الشعارات الاشتراكية، ولسيطرة العناصر الشيوعية علي قيادة الاتحاد، فقد سير العمال مسيرة الثاني من يونيو والتي قدرت بحوالي ربع مليون شخص وقد لعبت هذه المسيرة دوراً كبيراً في تثبيت اقدام النظام ... يقول نميري:-
"أكدت مسيرة الربع مليون من العاملين في الثاني من يونيو، التلاحم العضوي بيننا وبين جماهير الشعب التي منحت الثورة من التأييد والدعم ما ثبت اقدامها ومكنها من السير بلا تردد باعتبار ان ما قمنا به ليس الا امتداداً لنضالها وتضحياتها"(15).
وبعد المفاصلة بين النظام والحزب الشيوعي السوداني اعدم النميري قيادات الحركة العمالية مثل الشفيع احمد الشيخ وغيره وعمل علي ترويض الحركة العمالية بكافة الوسائل حتي غدت الحركة في اواخر عهد مايو مجرد تابع للنظام.
حركة المزارعين
شهد عام 1947م ظهور أول تنظيم للمزارعين (هيئة ممثلي المزارعين) علي الرغم من ان جهود المزارعين لتأسيس كيان يدافع عن حقوقهم ويمثلهم لدي الادارة يعود إلى عام 1924م. في ذلك العام اضرب عمال مشروع الجزيرة لتشككهم في الادارة واتهامهم لها بالتلاعب في نصيبهم من عائدات الانتاج، وقد استمرت شكوك المزارعين في الادارة وتأكدت هذه الشكوك حين اكتشف المزارعون عام 1944م ان رصيد مال الاحتياطي بلغ في ذلك العام مليون وثلاثمائة الف جنيه مصري، فدخل المزارعون في اضراب مطالبين بتوزيع مال الاحتياطي علي المزارعين وقد اضطرت الادارة – تحت ضغط المزارعين ووساطة بعض اعضاء المجلس الاستشاري- إلى توزيع اربعمائة الف جنيه علي المزارعين لاحتواء الموقف.
هذا الاضراب اقنع الادارة بضرورة انشاء هيئة تمثل المزارعين وتقوم بمناقشة مشاكلهم مع المسؤولين في الادارة. وكانت النتيجة ان قامت (هيئة ممثلي المزارعين) في سنة 1947م. وعلي الرغم من محاولة بعض الاحزاب لدفع الهيئة للعمل السياسي، الا أنها آثرت ان تقصر عملها علي الدفاع عن المصالح المباشرة للمزارعين دون تدخل في الشأن السياسي.
لكن جماهير المزارعين لم تكن قانعة بدور الهيئة، لان الهيئة كحلقة وصل بين الادارة والمزارعين كانت عاجزة عن تعبئة المزارعين وقيادتهم في مواجهة المشروع كما ان طريقة انتخابات قيادتها والتي يشرف عليها موظفو الغيط في المكاتب المختلفة، لا تساعد علي انتخاب قيادات مقتدرة، فضلاً عن ان تأثيرات الحركة الوطنية الواسعة بعد الحرب العالمية الثانية جعلت اعداداً كبيرة من المزارعين تنظر لمشاكل المشروع في اطار مشاكل البلاد العامة، ومن ثم كانت جماهير المزارعين تنزع الي المشاركة في النشاط السياسي الذي عم كافة ارجاء القطر.
ونتيجة لضغوط المزارعين استبدلت "هيئة ممثلي المزارعين" بتنظيم مستقل عن ادارة المشروع وهو (هيئة مزارعي الجزيرة). كانت الهيئة الجديدة تختلف عن سابقتها في دستورها وفي طريقة انتخاب القيادات لكن معظم قيادات الهيئة السابقة تمكنت من الوصول الي قيادة الهيئة الجديدة مما افرز صراعاً بين هذه القيادات والقيادات الجديدة ذات التوجه الراديكالي وتمكن الاخيرون من الفوز في انتخابات جرت سنة 1953م وكونوا (اتحاد مزارعي الجزيرة) بقيادة الامين محمد الامين. وقد لعب هذا الاتحاد دوراً مقدراً في الصراع ضد الاستعمار كما قام بتوثيق صلاته مع اتحاد العمال ومع اتحادات المزارعين الاخري مثل اتحاد مزارعي الشمالية واتحاد مزارعي جبال النوبة.
تجدر الاشارة الي ان اتحاد مزارعي الشمالية تكون في عام 1952م وسبقه قيام اتحاد مزارعي جبال النوبة، كما نجح المزارعون المنتجون للقطن في النيلين: الازرق والابيض وفي القاش في تأسيس اتحادات مماثلة، وخاض المزارعون معارك ضارية في مرحلة تاسيس بعض الاتحادات كما حدث عند تاسيس اتحاد مزارعي النيل الابيض جنوب كوستي حيث استشهد مئات المزارعين في مشروع (جودة) الزراعي في فبراير 1956م.
تلاحظ العلاقة الوطيدة بين تنظيمات العمال والمزارعين في السودان، فمنذ البداية عمل اتحاد العمال علي دعوة المزارعين لتنظيم أنفسهم في مؤسسات تدافع عن حقوقهم ومصالحهم وتشارك في النضال الوطني. وبمساعدة نقابة السكة حديد في عطبرة تم تأسيس اتحاد مزارعي الشمالية، وبجهود اتحاد العمال الفرعي بواد مدني تم تأسيس اتحاد مزارعي الجزيرة وفي كتيب أصدره الاتحاد العام لنقابات عمال السودان عام 1965م، أُفرد فصل كامل للحديث عن "الضرورة التاريخية لتحالف العمال والمزارعين".
لقد اتسمت تنظيمات العمال والمزارعين في السودان بالتسييس المفرط، وبينما تمكن الشيوعيون من قيادة نقابات العمال لكن "ورغم ان النفوذ اليساري علي حركة المزارعين لم يكن بعيداً، إلا ان الحزب الاتحادي حاز علي تأييد مناطق المزارعين في كل الانتخابات التي جرت في السودان ويرجع ذلك الي الطابع المحافظ الذي يميز الريف"(16).
لقد قاد تسييس هذه المنظمات الي تناقض واضح في مواقفها فمثلاً عندما رفعت حكومة الوطني الاتحادي شعار "تحرير لا تعمير" ونادت بضرورة تجميد نقابات العمال لمطالبها في هذه المرحلة، رفض اتحاد العمال ذلك في مؤتمره الثالث كما أوضحنا أنفاً.
الا ان اتحاد العمال اتخذ في عهد حكومة (جبهة الهيئات) عام 1964م موقفاً مناقضاً لهذا الموقف تماماً حيث اعلن انه "ولتمكين الحكومة من تأمين الثورة اقتصادياً راينا ان نؤجل وتؤجل النقابات في الوقت الحاضر المطالب الاقتصادية الخاصة بميزانية الدولة والتي تؤثر عليها .. وقد قررت اللجنة التنفيذية ان يتنازل جميع العمال عن مرتب يوم وذلك مساهمة منا في تدعيم الموقف المالي"(17).
وبعد الاستقلال بدأت تنظيمات المهنيين تتكون تدريجياً فظهرت نقابات الاطباء والمهندسين والمعلمين والزراعيين والقضاة الي جانب نقابات المحامين والصحفيين وأساتذة الجامعات كما نشأت اتحادات الفنانين والمسرحيين.
لعبت هذه التنظيمات أدواراً سياسية واضحة في بعض المراحل وتحالفت مع بعضها وكان تحالفها حاسماً فقد تكونت جبهة الهيئات التي قادت النضال ضد حكومة عبود من العمال والمزارعين واساتذة الجامعة والقضاة والأطباء والطلاب، وعلي الرغم ان بعض هذه التنظيمات عرفت الاضرابات منذ وقت مبكر، الا انها لم تدخل اضراباً موحداً ولم تجرب التحالف من اجل قضية سياسية الا في اكتوبر 1964م. وتقديراً لدور جبهة الهيئات فقد جاءت الحكومة الانتقالية في اغلبها من عناصر تنتمي لهذه الجبهة، كذلك لعب التجمع النقابي دوراً مقدراً في اسقاط النظام المايوي سنة 1985م.
واصلت النقابات نهجها المسيس في الديمقراطية الثالثة بشكل واضح، فعلي سبيل المثال رفع "التجمع النقابي" في أغسطس 1987م –بعد عام من تسلم الصادق المهدي زمام السلطة- مذكرة إلى مجلس رأس الدولة ورئاسة مجلس الوزراء والجمعية التأسيسية وعددت المذكرة المشاكل التي فشلت السلطة في تحقيقها وأجملتها في: بقاء قوانين سبتمبر، عدم إيقاف الحرب، انفراط عقد الأمن، الضائقة المعيشية، عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بالإضافة إلى تهميش القوي الحديثة. وكاد رد السيد رئيس الوزراء ينصب علي إزالة الخلط بين مفهوم الديمقراطية ودور الحركة النقابية في ظل النظام الديمقراطي، وأن النقابات تبنت أفكار وشعارات حزبية بل تبنت إتجاهاً حزبياً ليس هو إتجاه الأغلبية. وأن ميثاق إبريل لم ينص علي استبدال قوانين سبتمبر بقوانين 1974م كما تطالب النقابات ولم ينص علي تمثيل معين للقوي الحديثة.
لقد كان واضحاً أن النقابات قد إختارت طريقة المواجهة مع السلطة واتخذت الإضراب وسيلة لذلك حيث أوردت بعض الدراسات أن عدد أيام إضرابات العاملين في ثلاثة أعوام (85-1988م) بلغت 332 يوماً. لقد كانت الأحزاب النقابية أحد أهم الأسباب التي أدت إلى إضعاف النظام الديمقراطي وقادت إلى إنهياره.
ثالثاً: التنظيمات الفئوية
1/ تنظيمات النساء
تعتبر (رابطة الفتيات المثقفات) التي تأسست عام 1947م هي أول تنظيم نسائي اجتماعي بالسودان. وقد تأسست الرابطة في ذلك العام وانتخبت فاطمة خالد رئيسة وخالدة زاهر سكرتيرة للرابطة. وعملت الرابطة فور قيامها علي تنظيم حملات لمحو الأمية ونشر الوعي الصحي بين النساء. الا ان الجمعية تعرضت للانقسام نسبة للاختلاف حول موقف الرابطة من الجمعية التشريعية. فبينما عارضها عدد من الأعضاء ودعا الي التنسيق مع القوي الوطنية الأخرى لمناهضتها، رأت فئة أخري ان لا تزج الجمعية بنفسها في المسائل السياسية. وقد انشقت المجموعة الاخيرة، والتي كانت محسوبة علي التيار الاستقلالي. لتكون "جمعية ترقية المرأة" وكان ذلك عام 1949م.
وشهد عام 1949م ظهور جمعية المعلمات والتي تحولت الي نقابة تحت اسم "اتحاد المعلمات" عام 1954م. ويعتبر اتحاد المعلمات هو أول تنظيم نقابي للنساء بالسودان وقد بذل الاتحاد جهداً كبيراً لتحسين وضع المعلمة في المجال الوظيفي وفي المجتمع وسعي لرفع مستوي المرأة السودانية بالتثقيف والإرشاد.
وفي عام 1952م تكون "الاتحاد النسائي السوداني" برئاسة فاطمة طالب وسكرتارية نفيسة احمد الامين. نص دستور الاتحاد النسائي علي ان الاتحاد يهدف الي "رفع مستوي المرأة السودانية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وانعاش الوعي القومي والاشتراك في الاعمال الخيرية". وقد وجد هذا الاتحاد معارضة قوية من بعض رجالات الدين الذين وجهوا له النقد من خلال الصحف والندوات ومنابر الجمعة واعتبروا عمل الاتحاد بدعة وفيه مخالفة لتعاليم الاسلام التي تلزم المرأة بالبقاء في عقر دارها وعدم مخالطة الرجال.
اهتم الاتحاد بالجانب التعليمي فأقام فصول محو الامية والمدارس الليلية للكبار ورياض الاطفال. كما اهتم بالتوعية من خلال الصحف والاذاعة واهتم بحقوق المراة السياسية والاجتماعية. كما عمل الاتحاد النسائي علي تطوير صلاته بالتنظيمات النسوية العالمية والأفريقية والآسيوية.
انشأ الاتحاد عام 1955م مجلة "صوت المراة" تحت اشراف فاطمة احمد ابراهيم. ركزت المجلة علي توضيح واجب المرأة نحو زوجها واسرتها واولادها كما طالبت السودانيات بالتمسك باستقلال بلادهن وصيانة هذا الاستقلال. كما ناقشت بعذ العادات الضارة مثل الخفاض الفرعوني والحداد والمشاط وغلاء المهور.
وفي عام 1959م قام نظام الفريق ابراهيم عبود بحل كل التنظيمات والهيئات الاجتماعية بالبلاد فتعطل نشاط الاتحاد النسائي. وبعد اكتوبر 1964م عاود الاتحاد نشاطه مركزاً علي النشاط السياسي.
وكانت قيادة الاتحاد آنذاك مرتبطة بالحركة السودانية للتحرر الوطني (حدتو) والحزب الشيوعي لاحقاً لذلك عملت قيادة الاتحاد النسائي علي تقوية صلاتها بالتنظيمات الراديكالية الاخري بالبلاد مثل نقابات العمال والمزارعين والتي كانت هي الاخري مرتبطة بالحزب الشيوعي.
وفي المقابل اسس الاخوان المسلمون "الجبهة النسائية الوطنية" في مقابلة الاتحاد النسائي السوداني الذي تسيطر عليه العناصر اليسارية. تأسست الجبهة النسائية الوطنية في 14 اكتوبر 1964م واتخذت لنفسها دستوراً ينص في بعض فقراته علي ضرورة "القضاء علي جميع القوانين التي تعوق مسيرة المرأة، والاهتمام بالاسرة السودانية، وبناء بيت مسلم متماسك لا يسوده القلق والانحراف، والمطالبة بحق الترشيح والتصويت للمرأة"(18).
وتوسعت الجبهة النسائية الوطنية في نشاطها بالعاصمة والاقاليم وافتتحت عدداً من رياض الاطفال والفصول الدراسية لتعليم الكبار ومستوصفاً طبياً بمنطقة الابيض.
وكما اوضحنا، فقد شهدت فترة ما بعد اكتوبر 1964م احتدام الصراع بين الحزبين الراديكاليين. واثر ندوة عقدتها (الجبهة النسائية الوطنية) واساء فيها طالب – ذكر انه ينتمي للحزب الشيوعي السوداني- للبيت النبوي الشريف خرجت مظاهرة عمت المدن الثلاث تندد بالحزب الشيوعي، وانتي الامر بحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من البرلمان في 9/12/ 1965م.
واستمر الاتحاد النسائي بقيادته اليسارية وترأست فاطمة احمد ابراهيم – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الوفد السوداني للمشاركة في المؤتمر النسائي العربي السادس في القاهرة اول مايو 1966م. وعقد الاتحاد النسائي السوداني مؤتمره الاول في نوفمبر 1967م.
وفي 25/مايو 1969م قامت مجموعة من الضباط بقيادة جعفر نميري بالاستيلاء علي السلطة واعلنوا برنامجاً اشتراكياً وادانوا "عبث الاحزاب بالدستور واستباحتها لنفسها حق تعديله لسلب حرية الاخرين". في اشارة واضحة لحادثة حل الحزب الشيوعي السوداني امم النظام كل الصحف عدا: اخبار الاسبوع (صحيفة الحزب الشيوعي بعد وقف الميدان) وصوت المرأة (صحيفة الاتحاد النسائي) والطليعة (صحيفة اتحاد نقابات العمال). وباعتبار النظام الجديد نظاماً اشتراكياً فقد ايد الاتحاد النسائي الانقلاب وتعاون معه. الا انه ونتيجة للصراع بين النميري والشيوعيين، قام النميري في العيد الثاني لاستيلائه علي السلطة بحل الواجهات الشيوعية مثل اتحاد العمال واتحاد الشباب السوداني وجمعية الصداقة مع الدول الاشتراكية والاتحاد النسائي كما عطل الصحف اليسارية الثلاث: اخبار الاسبوع والطليعة وصوت المرأة. وتدهورت العلاقة بين الطرفين الي ان حدثت المفاصلة التامة بينهما في يوليو 1971م اثر محاولة انقلابية فاشلة قام بها هاشم العطا بتدبير من الحزب الشيوعي.
وبعد حل الاتحاد النسائي قام النميري بتشكيل لجنة نسائية عام 1971م. وشهدت تلك الفترة صراعاً حاداً بين الدكتورة فاطمة عبد المحمود ونفيسة احمد الامين حول قيادة الحركة النسائية وانتهي الصراع لصالح د. فاطمة التي تمكنت من السيطرة علي قيادة الحركة النسائية.
وهكذا يتضح التسييس المفرط لتنظيمات النساء في السودان واثر ذلك علي هذه المنظمات، فقد ادي أولاً الي شق وحدتها وانقسامها بين التيارين اليساري والاسلامي. كما كانت ضحية الصراعات بين الشيوعيين والنظام المايوي بعد يوليو 1971م. وظهر ذلك جلياً عقب انتفاضة ابريل حيث ظهر تنظيمان لنساء السودان احدهما يساري والثاني اسلامي.
2/ تنظيمات الطلاب
يعود تاريخ التنظيمات الطلابية الي الثلاثينات، ففي سنة 1938م اجتمع عدد من طلاب كلية غردون وقرروا انشاء جمعية ثقافية اطلقوا عليها اسم (جمعية الثقافة والاصلاح) هدفت هذه الجمعية الي "تشجيع القراءات الجماعية وتنمية روح المودة بين العضوية ورفع المستوي الثقافي للشعب من خلال المجلات والكتابة والعمل المسرحي ونقد العادات المتخلفة"(19).
وفي عام 1940 تمت دعوة طلاب المدارس الثانية العليا لحضور اجتماع بنادي الخريجين بامدرمان لتأسيس اتحاد للطلاب، وقد وافق الحاضرون بالاجماع علي الفكرة ووافق مديرو المدارس علي تأسيس الاتحاد بشرط ان يقتصر دوره علي عقد الندوات وتنظيم الرياضة. وقام الاتحاد سنة 1941م وانتخب احمد خير رئيساً وعبد المجيد امام سكرتيراً.
هدف الاتحاد الي "الترفيه عن الطلاب وتنمية مواهبهم الثقافية وتنمية أواصر الصداقة بين الطلاب واساتذتهم". وتمكن الاتحاد في سنة 1944م مستفيداً من منحة قدمتها له الحكومة الانجليزية، من انشاء نادي للطلاب. وفي سنة 1945م تم تحويل المدارس الثانوية الي كلية جامعية واصبح الانتماء الاتحاد ودفع الاشتراكات اجبارياً وصدر دستور جديد ازداد بموجبه عدد الاعضاء في اللجنة التنفيذية من سبعة اعضاء الي تسعة اعضاء. ونص الدستور الجديد علي ان اهداف الاتحاد تتمثل في : تشجيع الحرية العلمية، الارتقاء بالمستوي العلمي والثقافي والادبي للاعضاء، الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية، والمساهمة مع الجميعات ذات الاهداف المشابهة في محو الامية ونشر العلم. ونص الدستور علي ان اجهزة الاتحاد هي: الجمعية العامة، مجلس الاتحاد، اللجنة التنفيذية، بالاضافة الي اللجان التنفيذية للجمعيات التي تأسست بموافقة اللجنة التنفيذية(20).
ومسايرة للاوضاع العامة بالبلاد وللنشاط السياسي الذي عم كل انحاء القطر، انغمس اتحاد الطلاب في المسائل السياسية والوطنية مما جعل ادارة الكلية تهدد باغلاق الكلية إذا لم يمتنع الطلاب عن الخوض في السياسة، وكان رد الطلاب انهم لن يقفوا مكتوفي الايدي ازاء قضايا شعيهم وامتهم وان ابعاد الحكم الاجنبي من البلاد هو واجب السودانيين المتعلمين، فقامت الادارة باغلاق الكلية وحل الاتحاد.
وفي عام 1947م فتحت الكلية واعيد الاتحاد. وفي سنة 1948م عمل الطلاب علي تعبئة الجماهير ضد انتخابات الجمعية التشريعية. وفي العام الذي يليه (1949) تم تكوين مؤتمر الطلبة فاصبحت السلطات الاستعمارية علي تكوين المؤتمر الوطني فاعلن الاتحاد اضراباً فتم فصل رئيس الاتحاد وسكرتيره وتحول المؤتمر الي العمل السري حتي عام 1954م. وفي سنة 1956م اعترف بالاتحاد الذي اصبح اتحاد طلاب جامعة الخرطوم.
وبعد الاستقلال لعب الطلاب دوراً مقدراً في السياسة السودانية واسهمت الجامعات في النشاط السياسي بالبلاد وكانت الجامعات، خاصة جامعة الخرطوم، منبراً للقادة السياسيين ومنها انطلقت الثورات والانتفاضات.
ففي عهد عبود، رفع اتحاد طلاب جامعة الخرطوم مذكرة تطالب بانهاء الحكم العسكري واقامة حكومة ديمقراطية تمثل كل التوجهات السياسية واستمرت المواجهات بين الطرفين الي ان قامت الحكومة بحل الاتحاد في 25 اكتوبر 1961م. ولعب الطلاب دوراً بارزاً في ثورة 1964م، بل كانت شرارة الثورة الاولي ندوة عقدت بجامعة الخرطوم.
وفي عهد مايو حل النظام المايوي اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وانشاء ما عرف باسم "سكرتارية الجبهات التقدمية" من العناصر اليسارية. وبعد المفاصلة بين النظام والحزب الشيوعي، عمل النظام علي ادخال افرع الاتحاد الاشتراكي واتحاد شباب السودان الي الجامعات والمدارس ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل. واستمرت المواجهة بين الطرفين حتي وصلت قمتها في انتفاضة شعبان 1973م التي كسرت حاجز الخوف من النظام المايوي ولفتت انظار الدول الخارجية الي حجم المعارضة لنظام نميري. الا ان العلاقة بين الطرفين شهدت هدوءاً ملحوظاً عقب المصالحة الوطنية في يوليو 1977م.
ان السمة التي تميز حركة الطلاب في السودان هي التسييس المفرط الي درجة انه "يمكن الجزم ان كل المنظمات الطلابية الرئيسية في ساحة العمل الطلابي هي حليف أو مؤيد أو امتداد لواحد من الاحزاب السياسية النشطة في السودان"(21). ففي اوساط الطلاب نجد تنظيمات: الاخوان، والشيوعين، والجمهوريين، والناصريين، والبعثيين، والاتحاديين وحزب الامة ...الخ.
لذلك وصفت الحركة الطلابية بانها "حركة مسيسة حتى النخاع، وان فرز التجمعات والكيانات فيها يتم في المقام الاول علي اساس سياسي وفكري وليس مطلبي مباشر"(22).
وقد ظل الاخوان والشيوعيون يسيطرون علي الاتحادات الطلابية، الا انه، وابتداء من منتصف الثمانينات بدأ الطلاب غير المنتمين للاحزاب السياسية في طرح انفسهم كبديل للطلاب المنتمين للتنظيمات السياسية، وتمكنوا من الوصول الي اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد طلاب جامعة الجزيرة عام 1985م و1986م علي التوالي وتمكن الطلاب "المحايدون" من السيطرة علي اللجان التنفيذية لمعظم الروابط والجميعات الاكاديمة بجامعة الخرطوم، خلال عامي 1987م، 1988م. وتمكنوا من الفوز بمقاعد الاتحاد في انتخابات 1990م، وقد اثار ذلك عدة تسأولات حول كيف يمكن للطلاب المحايدين ان يسحبوا بساط القيادة من تنظيمات تبلع عمر خبرتها حوالي الاربعين عاما في العمل وسط الطلاب.
ان ذلك يرجع، في تقديري، لعدم تمكن التنظيمات الطلابية من تطوير افكار وسياسات مستقلة عن رؤي وايديولوجية الاحزاب التي تنتمي اليها بما يتماشي والوسط الذي تعمل فيه. حيث ظلت هذه التنظيمات تردد ذات المقولات وترفع نفس الشعارات وتستخدم ذات الوسائل التي تستعين بها الاحزاب الام دون مراعاة لخصوصية الوسط الطلابي. وما لم تطور هذه التنظيمات الطلابية وسائلها الخاصة التي تناسب بيئتها فانها حتما لن تتمكن من تلبية احتياجات الطلاب، وعندها سيبحث الطلاب عن خيارات اخري لتلبية اختياجاتهم وطموحاتهم.
يتضح مما سبق، ان ظروف نشاة منظمات المجتمع المدني كتنظيمات نشأت خلال فترة الاستعمار قد صبغتها بصبغة سياسية واضحة، فخلال مرحلة الاستعمار عملت علي توحيد جهودها مع الاحزاب السياسية بل انها نشأت ابتداءاً كواجهات سياسية لبعض الاحزاب التي استصحبتها معها في اطار صراعها مع الحكومة الاستعمارية، وكان من المفترض ان تنفك هذه التنظيمات في مرحلة الحكم الوطني عن هذه الأحزاب السياسية، الا ان الواقع يشير الي ان المجتمع المدني في السودان هو مرآة لما يدور من صراع سياسي بين الاحزاب الموجودة في الساحة. واذا كانت الاحزاب متصارعة اصلاً أو ان العلاقة بينها صراعية بحكم تنافسها علي الشعب فقد انعكس ذلك علي منظمات المجتمع المدني التي اتسمت العلاقة فيما بينها بطابع الصراع اكثر من طابع التعاون متاثرة بما يجري من صراع بين الاحزاب السياسية وقد ادي ذلك بشكل مباشر الي اضعاف المجتمع المدني السوداني.
وخلاصة القول هو ان تسييس بعض منظمات المجتمع المدني في السودان مثل تنظيمات العمال والمزارعين والنساء والطلاب قد اضر بهذه المنظمات غاية الضرر لانه افقدها حيادها ازاء الصراع السياسي من ناحية وباعد بينها وبين قواعدها من ناحية اخري وقاد الي تناقض في مواقفها من ناحية ثالثة.
الإحالات المرجعية:-
11. سعد الدين فوزي، الحركة العمالية في السودان (1946-1955م)، ترجمة محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 1998م، ص 108.
12. الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، من تجارب الحركة النقابية، الخرطوم 1965، ص 8.
13. سعد الدين فوزي، مرجع سابق، ص 133-134.
14. المرجع السابق، ص 134.
15. الطليعة، ديسمبر 1970م، ص 15.
16. حيدر إبراهيم علي، المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في السودان، مرجع سابق، ص 129.
17. سعد الدين فوزي، مرجع سابق، ص 136.
18. سوسن سالم إسماعيل، الجذور التاريخية للحركة النسائية السودانية، مكتبة مدبولي، القاهرة بدون تاريخ، ص 57.
19. حسن مكي محمد أحمد، الحركة الطلابية السودانية بين الأمس واليوم، دار الفكر، الخرطوم بدون عنوان، ص 14.
20. Khartoum University Students Union Secretariat, KUSU Political Role (1969-1979), p 5‎.
21. عصام جبر الله، الحركة الطلابية: موقعها وتأثيرها في التجارب الديمقراطية السودانية في حيدر إبراهيم علي "الديمقراطية في السودان" مرجع سابق، ص 266.
22. المرجع السابق، ص 260.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.