بقلم الشيخ/ عبد الجليل النذير الكاروري شهد نصف القرن الماضي - بداية الستينات - بداية التدهور المجتمعي الأوربي حيث بدأ المواليد في الغرب يتناقصون عن المعدل الذي يكافيء الزيادة السنوية - أقل من ½1% - وذلك بالإنتقال إقتصادياً من حالة النهضة إلى حالة الوفرة (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) وانتقلوا من حالة الوفرة إلى حالة المتعة . (بل متعنا هؤلاء وآباؤهم حتى طال عليهم العمر ، أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون) . وهو قانون قرآني وسنة مجتمعية ترصد انتقال المجتمع من التحدي المؤدي إلى الإزدهار والإكثار طلبا للخلود النوعي إلى الإستماع المؤدي إلى الإستئثار طلبا للخلود الشخصي ! رصد هذه الظاهرة مؤلف حديث صدر عن مركز الحضارة الغربية الجديد - أمريكا - يرصد هذا التدهور المجتمعي بل الصفرية السكانية تحت عنوان "موت الغرب" . هذه الظاهرة جعلت للغرب رد فعل تجاه دول الجنوب السكاني للكفكفة من ولادتها وذلك برسم السياسات السكانية المحجمة لزيادة السكان ، وانفاذها عبر الأممالمتحدة بالمؤتمرات والندوات والمنظمات. وكان أشهر ذلك مؤتمر بكين ومؤتمر القاهرة ! فقد اختيرت العاصمتان النموذجان في الزيادة السكانية في آسيا وأفريقيا ولما للعاصمتين من تأثير سياسي - بخلاف الهند غير المنافسة سياسيا للغرب - بينما زيادتها السكانية نموذجية ! هذا وقد كان الصادر عن هذين المؤتمرين يصب في اتجاه تحجيم الزيادة السكانية وذلك بإبراز قضية الجندر ، والدعوة لإدماج المرأة بالتعليم والعمل، وإذابة الفوارق بين الجنسين بإعطاء نفس الحقوق للطرفين ، وإقرار مفهوم جديد للأسرة لا يقوم على الزوجية بل على المثلية أيضاً ، وهو الأمر الذي يهدد النسل فقد خبَّرَنا وفد السودان المشارك في مؤتمر بكين أن السحاقيات نصبن في كنف المؤتمر خيامهن ومارسن فجورهن - استباقا لقرارات المؤتمر ! كذلك الأممالمتحدة عبر صندوق السكان توظف الإحصاءات السكانية وتحليل إتجاهاتها للتخطيط لسياسة تعيد التوازن السكاني بنسبة بين الشمال والجنوب ، بل توظف لذلك سياسة مكافحة الفقر حيث توظف نظرية مالتس التي تقول بالمتواليات العددية للغذاء 1-2-3 في مقابل المتواليات الهندسية للمواليد 1-2-4 فقد شهدت ُ مؤتمرا للأمم المتحدة عن السكان بدمشق لمكافحة الفقر 1996م كان من مقرراته أن على الدول العربية إذا أرادت مكافحة الفقر أن تقلل من النسل ! كان إعتراضنا أنه ما من أمة غنية الموارد فقيرة في السكان كأمة العرب إلا أن تقولوا بإعادة التوزيع . كذلك توظف أنشطة تنظيم الأسرة دولياً والصحة الإنجابية وشئون الأمومة والطفولة ، توظف بهدف تقليل النسل وليس صحة الأم والطفل بالضرورة . إن الأممالمتحدة لتشقى عندنا بالخصوبة وتشقى بالفتوة وتنصح صحيا بعدم الحمل بعد المولود السادس بينما عجائب الدنيا تشهد بأن (التاج محل) لم يبين على حب رومانسي ولكن الصرح العجيب بني على ممتازة المحبوبة التي امتازت بأربعة عشر ولداً انجبتهم لملك الهند المسلمة قبل أن تموت ! الإدماج : شعار مرفوع لإذابة النوع ولافناء النوع، يراد به إشراك المرأة في كل الأعمال المهنية والأنشطة الاجتماعية ومن وسائله نشر التعليم - وبمنهج واحد- ومحاربة التقاليد وإتاحة التوظيف وتحرير المرأة من وظيفة الأسرة بل وتوسيع مفهوم الأسرة لتشمل النوع الواحد { الأسرة المثلية } ... الخ السياسات التي تلغي الوظيفة الأسرية للمرأة ! والنتيجة هي أن ينتهي دورها كأم فلا يمكن من الناحية العملية التوفيق بين الإدماج والتميز الذي تحاربه سيداو ويؤيده الهدي ولا يرى فيه تميزاً ضديا بالضرورة ! فلكل طرف ميزته كما جاء في سورة النساء : (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وأسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما). قاعدة لها وعليها : إن الرد المنطقي على دعوة الإدماج كطرح تقدمي في شأن المرأة هو القاعدة الذهبية في نظام الأسرة والتي تقول : (عمل المرأة داخل البيت عليها وعملها خارجه لها ، وعمل الرجل خارج البيت عليه وداخله له) هذه القاعدة تفرق في الدرجة بين المتاح والواجب من الأعمال ، وهي بقاعدة الإتاحة والوجوب تحافظ على الوظيفتين النوعية والكسبية ، حتى في حالة إنفصام الأسرة الحكم لصالح الهدف : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ذلك في مقابل (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن) وهي قاعدة منذ أن انتقل آدم الأول من الندرة إلى الوفرة ، حيث كتب عليه هو الكسب الخارجي (الشقاء) (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك الا تجوع فيها ولا تعرى * وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) . إن حقيبتي الإقتصاد والدفاع في حكومة الأسرة للرجل ، ولأجل ذلك كانت له الرئاسة وهذا هو معنى القوامة (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم). فالرجل ليس قيماً على جنس المرأة ، بل على الزوجة ولأجل ذلك المرأة لا تكلف الكسب ولا تستنفر للقتال ولا تكلف إمامة الصلاة - كما فعلت الأمريكية في ذكرى غزو قومها لديار الإسلام وحاضرته التاريخية بغداد - يقبل منها اداء الجمعة إذا شهدتها مع الجماعة كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام أمر الرجال أن يأذنوا للنساء في الخروج للمساجد وأذن لهن في الجهاد معه وبعده . هذه الصيغة الاجتماعية فيها تحرير الخلاف في أمر تحرير المرأة من أجل الإبقاء على جنس الإنسان في الأرض ، والإبقاء عليه راقيا ، فلا نسل إلا بأسره ولا تنشأة إلا بها ، كما أبقى على المشاركة الاجتماعية والسياسية بما لا يضر بالوظيفة الأسرية وبما يفي بالمطلوبات النفسية والمجتمعية . التدخل الأسري لنجابة النسل متاح ومباح الهدف والإنجاب والنجابة : الهدف الأعلى للزواج هو الولد وهو الذي اقتضى التدخل في وظيفة الجنسين ، ذلك أنه كما قدمنا لا نسل بلا عدل ، لا تكلف المرأة بأن تحمل على ظهرها وبطنها في الوقت الواحد ! فهل تكلف بالإمداد بالغذاء من بطنها وصدرها في الوقت الواحد ، بمعنى أن تضخ من مخزونها الغذاء لجناها عبر أنبوبين داخلي وخارجي هما الحبل السري والثدي ! إنه أيضاً تكليف يسقط عنها طبعياً وشرعياً ، طبعياً بإعمال الشعار (العافية في الرضاعة الكافية) والعافية هنا للطرفين : الجنين حيث ثبت أنه لا شئ يقوم مقام لبن الأم ، وللأم حيث إن الرضاعة - في الغالب - مانع طبيعي من حمل جديد - ومانع أيضاً لسرطان الثدي فكأن الجسم وهو مشغول بتنشئة الأول يمنع البويضة أن تتشكل ، كما أن ما ينزل معها من دم مضعف كالإدرار للبن ، بدليل أن المرأة تفطر أثناءه وجوباً ! وإنما تفطر للضعف وليس للطهر ، فالصوم لا يحتاج الطهر لأنه كف وليس ذكر . لكن يبدو أن الرضاع ليس مانعاً باتاً للحمل ، ولأجل ذلك جاء التنبيه بل والتوجيه النبوي للأثر السلبي لما يحدث من اشتباك الأجنة ! وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الغيل ليدرك الفارس فيدعثره عن فرسه) والغيل هو القتل الخفي ، ومنه - بالتداخل اللغوي - كان اللفظ اللاتيني للخمر {للكحول ALKOHOL} يعني الغول من اغتيال العقل ! فكأن الحمل يفسد اللبن أو يقلله - تأثير سلبي كمي ونوعي - به يضعف الجنين بنائياً لأن الرضاع يبني الخلايا ، والإضعاف البنائي يؤثر في التكوين لما بعد السنين فيهزم الفارس غير الكامل . ولعل الصحابة كانوا ينشدون النجابة ، بإرثهم الثقافي وبتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستجابوا لهذا التوجيه باستخدام أول مانع عرفه الإنسان {العزل} وذلك بإلقاء الماء خارج الرحم ، وهم يرقبون الوحي قائلين: {كنا نعزل والقرآن ينزل .} وبما أن القرآن قد تدخل في الفرش كمثل قوله تعالى {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} وذلك في شأن المعاشرة في ليل الصيام ، ولم يتدخل بالتشريع في العزل ، فدلّ ذلك على الإباحة وهو إجتهاد الصحابة استخرجوا الإباحة من السكوت ، ولا عجب فهم الذين قيل لهم {لا تسألوا عن أشياء} بقاعدة {عفا الله عنها(. فواضح أن التدخل الأسري لتنظيم الولادة أو لمباعدة الولدات لا ينافي التشريع بل يوافق حكمته التي تنشد الولد الصالح خَلقاً ، كتلك الأسرة التي ابتليت بتشوه الجنين فاستغاثت تطلب من الله جنيناً كاملاً غير خديج : { فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين } ، فالمنة بالصاح والتام تقتضي طلبه ، ومن إصلاحه وإتمامه عدم الحمل عليه في فترة إرضاعه ، فالشرع تكاليف مدارها على أمرين : النية والكيفية . كما نوت أم مريم بما في بطنها خدمة المسجد {ربّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً} والكيفية بالإعتزار { ربِّ إني وضعتها أنثى } ذلك أن الدم يمنعها الخدمة ! أعلى العبادة المراقبة وذلك بإصطحاب النية في كل عمل وضبط الكيفية وكل ذلك تكليف . وكذلك كان الصحابة يصطحبون النية حتى في الفرش كما أسلفنا فيحولون العادة إلى عبادة ! ولا عجب فعندهم التوجيه القائل : {وفي بضع أحدكم صدقة} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . بقى السؤال عن وسائل أخرى مستحدثة بجانب العزل ، ميكانيكية كالولب وكيميائية كالحبوب ، هل على المرء أو المرأة من بأس أن ينتفع بها ؟ نقول إذا اتفق الطرفان فليس بها ولا بالعزل بأس فكلها موانع تمنع التلقيح وتحول دونه . والسؤال بعد في الموانع بعد التلقيح أعني الإسقاط ، بمعنى هل يجوز تدخل متأحر من أجل صحة الجنين الوليد ! في الأمر خلاف بين أهل العلم ، ونقول مستعينين بالله ثم بفقه أقضى الصحابة علىُّ الذي رد على عمر قوله بالوأد لما ذكر عنده العزل فقال: {ذلك الوأد الخفي؟} فإجابه أبو الحسن : {لا يكون وأداً حتى يمر بالأطوار السبعة هي فيما دون النشأة الثانية {ثم أنشأناه خلقاً آخر} أما الحياة فهي في البويضة والحيوان المنوي من قبل ، بل قد رأيت القلب ينبض من شاشة الكمبيوتر الموصل بالحمل وذلك في اليوم الخامس والثلاثين فكأن في الأمر فسحة للتدخل قبل نفخ الروح الرباني وهو شئ آخر غير الحياة . الخلاصة : هي أن الزيادة السكانية إيجابية فيها قوة الأمة ، بل والأمم فإن المليارات الستة التي تعيش الآن ينالون من الخدمات والسلع ما لم ينله المليار الواحد الذي شهد نظرية المتواليات الهندسية ، ! غير أن الزيادة الكمية لا تكون إيجابية إلا إذا كانت سوية ، - ليظاهر الكم الكيف - ولأجل ذلك كانت المواصفات للمنتجين أو المنجبين فالإنسان هو الأولى بمواصفات { الإيزو } ليكزن نجيباً ، ولأجل ذلك كانت التعاليم الضابطة للاجتماع البشري ليبقى النوع وليبقى راقياً . من هذا الرقي نسق الأسرة حيث تلاحظ المسافة المحفوظة طبيعياً بينك وبين أشقائك - في حدود السنتين {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} مع إتاحة التدخل {لمن أراد أن يتم الرضاعة} وهو إذنُ بالتدخل يرعى المصالح وعلى رأسها النجابة.