كانت إشارة البدء في فبراير من عام 2008م، حينما وافق العاهل السعودي سمو الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تنفيذ مشروع «قطار الحرمين السريع»، والذي يربط المدينتين المقدستين (مكةوالمدينة) عبر مدينة جدة، وذلك بهدف تخفيف الازدحام وتسهيل حركة الحجاج والمعتمرين. والمشروع عبارة عن خط سكة حديدية كهربائي، يبلغ طوله 480 كم، ويتمثل نشاطه الرئيس في نقل الركاب الذين يمثل غالبيتهم الحجاج والمعتمرون. حيث أكدت دراسة أعدتها وزارة الحج السعودية عن نقل الحجاج أنه من المتوقع أن يتضاعف أعداد الحجاج خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة إلى أكثر من ثلاثة ملايين حاج، كما يمثل المشروع أحد العناصر المهمة في برنامج التوسعة التي تشهدها الأماكن المقدسة على مراحل مختلفة. حراك تجاري صدور الموافقة الملكية على تنفيذ المشروع أتبعه حراك تجاري ضخم شهدته العاصمة السعودية الرياض على مدى عام لشركات محلية وعالمية وائتلافات، سارعت في تقديم عطاءاتها للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية (الجهة المشرفة) للمنافسة على الفوز بتنفيذ المشروع. وفي فبراير عام 2009م أعلنت المؤسسة العامة للخطوط الحديدية العرض الفائز، وتم إرساء تنفيذ المشروع على «ائتلاف الراجحي»، وهو تحالف مكون من شركات سعودية وصينية وفرنسية، وذلك بقيمة 6 مليارات ريال سعودي. وفي مارس من نفس العام، تم توقيع العقد بين الحكومة السعودية والائتلاف الفائز؛ ليمثل هذا التاريخ البداية الفعلية لانطلاقة المشروع الذي يستغرق تنفيذه ثلاث سنوات، اعتباراً من ذلك التاريخ. وسيقوم الائتلاف الفائز بتنفيذ المرحلة الأولى للمشروع، فيما سيقوم ائتلاف آخر لم يعلن عنه بعد بتنفيذ المرحلة الثانية، وتتمثل المرحلة الأولى: في إنشاء البنية التحتية والأعمال المدنية لمسار الخط الحديدي، وهي عبارة عن أعمال تسوية ورصف وبناء، ويمر المسار بتضاريس مختلفة، فمن سهول سوف تُرصف إلى جبال سوف تخترقها أنفاق، إلى منخفضات ستردم ووديان سوف تقام عليها الكباري، وكذلك إنشاء معابر للمركبات والجمال، بالإضافة إلى بناء خمس محطات ركاب، منها محطتان في مكة، ومحطتان في مدينة جدة، في كل من المطار ووسط المدينة، والمحطة الخامسة ستكون في المدينةالمنورة. أما المرحلة الثانية من المشروع: فتتمثل في تنفيذ أعمال الخط الحديدي، وبناء القضبان وإنشاء الخطوط الحديدية المكهربة، وأنظمة الإشارات والاتصالات وكهرباء الخط، إضافة إلى استيراد وتشغيل عربات القطار. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال المرحلة الأولى في أبريل من عام 2012م، أما المرحلة الثانية في مايو من العام نفسه، وسينطلق معها التشغيل التجريبي لمدة ستة أشهر، على أن يبدأ التشغيل الرسمي للقطار في نوفمبر2012م، بحسب مسؤولين في المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، الذين أوضحوا أيضاً أنه قد تم إنجاز الأعمال المدنية ل230 كيلو متراً من أصل 450 كيلو متراً، وتتمثل في الانتهاء من أعمال شق الطرق، وتكسير الصخور، ودك التربة، وإقامة الجسور ومعابر السيارات. عقبات في سبيل التنفيذ ويبدو أن مشروع قطار الحرمين لن يمر تنفيذه دون عقبات، حيث أعلنت مؤخراً ثلاث جهات حكومية بمدينة جدة تحفظها على مسار القطار الحديدي الذي يمر بالمدينة عبر «خط الحرمين» السريع، وهو طريق مركبات رئيس يربط مكةوالمدينة ومخصص لعبور الشاحنات وحركة نقل الحجاج والمعتمرين، ووفقاً لخريطة المسار الحديدي، فإن قطار الحرمين أثناء عبوره مدينة جدة بطول يقارب 40 كم، سيمر من خلال «الرصيف الفاصل» لخط الحرمين السريع. وسجل تقرير مشترك لإدارة المرور وأمانة مدينة جدة عدة ملاحظات على مسار القطار، مطالبين بنقل مساره وتعديله، واعترضت إدارة مرور مدينة جدة على مرور مسار القطار عبر «الرصيف الفاصل» لخط الحرمين، وذلك لما سيسببه من الاختناقات المرورية نتيجة تعديل اتجاهات شوارع رئيسة، وهدم 7 كباري تتقاطع مع مسار القطار الحديدي، وإعادة بنائها بارتفاعات تتناسب مع القطار. فيما أشارت ملاحظات أمانة مدينة جدة إلى أن مرور القطار بالرصيف الفاصل سيؤثر على البنية التحتية (تمديدات الخدمات)، ويؤدي إلى انقطاع الخدمات لفترات زمنية طويلة حتى يتم نقلها وتوصيلها، بالإضافة إلى أن مسار القطار يعد عنصر مفاجأة للمركبات المتجهة عكس مساره، مما يسبب إرباكاً لتركيز قائد المركبة، واختتم تقرير الجهات الحكومية باقتراح تعديل المسار، بحيث يتم استخدام الأراضي الفضاء الواقعة غرب خط الحرمين. من جهتها، فندت وزارة النقل السعودية على لسان مديرها العام بمنطقة مكةالمكرمة المهندس مفرح الزهراني الملاحظات التي أجملها التقرير، وقال في تصريحات صحفية: «إن المسار تم اعتماده بناء على دراسات استمرت لمدة ثلاث سنوات، صدر على أثرها أمر ملكي باعتماد موقع المسار بالرصيف الفاصل كونه يعد أفضل مسار متاح»، مؤكداً عزم الوزارة على تنفيذه في وقته المحدد، وأشار إلى أن الوزارة ماضية في تنفيذ المشروع بأقصى طاقاتها، ووضع حلول للمشكلات التي تطرأ عند التنفيذ على أرض الواقع، وأن دراسة بدائل أخرى للمسار سوف تستغرق وقتاً طويلاً مما يعيق تنفيذ المشروع. إسلام العمال الصينيين وبعيداً عن النقاش المحتدم حول العقبات والحلول المقترحة لمسار القطار، أعلن أكثر من ستمائة عامل صيني يعملون في مشروع قطار الحرمين السريع إسلامهم، وهو ما اعتبره البعض ردّاً مباشراً على الذين انتقدوا تعاقد الجهات الحكومية مع الشركة الصينية، ويبلغ العاملون في الشركة الصينية المنضوية تحت «ائتلاف الراجحي» الجهة المنفذة لمشروع القطار ما يقارب 5 آلاف عامل صيني، وهو العدد الذي تسبب في انتقادات لعمل الشركة الصينية، ومطالب بالتعاقد مع مسلمين. وقال د. عبدالعزيز الخضيري، وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة: «إن الإمارة تلقت مئات الرسائل التي تطالب بضرورة إبعاد الشركة الصينية التي تعمل في قطار الحرمين، وتطالب ألا يُستقدم للعمل إلا المسلمون»، مشيراً في تصريحات صحفية أنه قد أسلم منهم حتى الآن 10% أي 660 في مدة لم تتجاوز الستة أشهر، وأضاف: «وأصبح الذين يطالبون بالأمس بطردهم يستبشرون بإسلامهم، ومازال الأمر في بدايته». وفي سياق ذي صلة بظاهرة العمال الصينيين، ألقى رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكةالمكرمة القبض على أربعة مهندسين صينيين غير مسلمين، أثناء تجوالهم داخل أحياء مكة أثناء إحدى الصلوات، وبسؤالهم عن المانع من أداء الصلاة اتضح أنهم غير مسلمين، وتم إخبارهم بأن هذا يعد مخالفة لقدسية مكةالمكرمة، وتم تسليمهم لأحد مراكز الشرطة، والذي بدوره نقلهم لخارج حدود الحرم. تجدر الإشارة إلى أن السعودية يعمل بها حالياً خط سكة حديد يتيم أنشئ في عام 1951م بأمر من العاهل السعودي الراحل الملك عبدالعزيز، ليربط ميناء الدمام (شرق السعودية) بالعاصمة الرياض لغرض نقل البضائع، وفي عام 1985 تم تحديثه ليختصر المسافة والزمن بأربع ساعات بدلاً من سبع ساعات بطول 450 كم. ويعتبر قطار الحرمين السريع هو ثاني مشروع سكة حديد في المملكة، وهو يأتي كحلقة من عدة حلقات لتطوير قطاع نقل السكك الحديدية بالسعودية، حيث صدرت مؤخراً موافقة المجلس الاقتصادي الأعلى في السعودية على تنفيذ خط (الشرق/الغرب) الحديدي، والذي يمتد من ميناء جدة وحتى ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، وميناء الملك فهد بالجبيل بالمنطقة الشرقية على الخليج العربي، ويبلغ طول الخط 950 كم. كما أن هناك مشروع خط (الشمال/الجنوب) الذي يربط العاصمة الرياض بشمال المملكة بطول 1408 كم، بالإضافة إلى الجسر البري السعودي الذي يربط البحر الأحمر بالخليج العربي، ويخدم حركة نقل الحاويات، سواء المتجهة للأسواق المحلية أو المتجهة إلى أسواق دول الخليج، كما أن هناك مشروعات تحت الدراسة، مثل إنشاء خطوط حديدية في المنطقة الجنوبية. المسار برس - جدة