دبابيس ودالشريف    راشد عبد الرحيم: امريكا والحرب    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات: إعجاز القرآن الكريم في النظام الاجتماعي

في آية من آيات الله المحكمة تنزيلها يقول المولى عز وجل: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴿9﴾ وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿10﴾ [الإسراء: 9-10] . فهذه الآية تبين مطلقاً في كلمات معدودة أن أي شأن من شؤون المجتمع مثل: شؤون الإنسان، فلسفة التربية، وفلسفة التعليم، فلسفة البناء النفسي للإنسان، البناء الاجتماعي للمجتمع السياسي، الاقتصادي، العسكري، والاستراتيجي المستقبلي في كل هذه المجالات الراحبة، هذه الآية تحكم مطلقاً أن هذا القرآن يهدي لكل هذه المجالات كما جاء من نص الآية الكريمة.
ويدور هذا كله على الإنسان، فالإنسان هو الموجود ، والمخلوق الذي هو مدار الهداية ، مدار استقبال هذا الهدي ، بكلمات آخرى فإن أول مربع في أي بناء تعليمي أو تربوي أو نفسي أو سياسي أو اقتصادي يبتديء بالإنسان وينتهي به ، وأول عملية هي ما يسمى الآن بناء القدرات ، وهي بناء الإنسان أو مقومات شخصية الإنسان ولقد خلق الله الإنسان خلقةً وجعله يدوربين محورين:
1.حب الخير والسعادة والراحة والنعمة .
2.ويكره التعب والشقاء.
ولذلك فكل هداية وكل تربية إنما تستهدف هذين المحورين، والله سبحانه وتعالى عندما يدعوه إلى الهدية يقول إن هذا الطريق يوصلك إلى السعادة، فالإنسان بطبعه يحب الخير كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات : 8]. ويكره الشر كما نصت الآية الكريمة، ولذلك يعتبر الترغيب والترهيب واحداً من خطوت البناء النفسي والتربوي الأساسية فقد خلق الله الجنة والنار .
فلاسفة الأخلاق:
لقد بنى فلاسفة الأخلاق من قديم الزمان كل نظرياتهم الأساسية على أن الحكمة تقود إلى السعادة وأن السعادة هي الغاية القصوى للإنسان كما يقول الاثينيون ، لذلك جاء في كل تعاليم كبار الحكماء من سقراط إلى أرسطو، أن الخير الأقصى ونهاية الاجتماع الفاضل هو تحسين السعادة، حتى الفلاسفة المسلمون مثل الفارابي فقد بينوا أن الإنسان الراشد الذكي الحكيم ينبغي أن يعرف أن مقصده هو السعادة في الدنيا وفي الأخرة، فسعادته في الحياة هي الأمن النفسي والعقلي ، وأن يكون الإنسان مشبع الرغبات ، فلا يجري وراء أشياء تكون سراباً يشقى وراءها ، ولا تحقق له شيئاً كالجري وراء المال والمناصب فهذه ليست خيرات عليا . فالخير هو أن يسعى الإنسان لشيء ، أو للأهداف أو للغايات التي تورثه السعادة، وينصرف عن الأشياء التي تسبب له الأذى والضرر وتغيص الحياة ، فنجد مثلاً أن الفارابي قد اقتبس من إفلاطون وأرسطو ومن بعض الحكماء، ويقال إن إفلاطون كان على دين سيدنا عيسى عليه السلام ، فقد كان أرسطو تلميذاً لإفلاطون ، وسقراط كان من النوبة أي كان من سلالة نوبية فكانت تعتريه أعراض أشبه بالتي تعتري الأنبياء والمرسلين ، فقد كانت تأتيه حالات فيكون بين اليقظة والنوم ، ويقف ساعات طويلة متكئاً على حائط ، لايشعر بنفسه فيعبث به الأطفال وهو لا يشعر بهم ، فعندما يفيق يشعر بأنه كان يستمع إلى أصوات ، فكان بعض الذين كتبوا عنه يزعمون أنه نبي لم يرد ذكره.
بغض النظر عن ذلك فقد كانت تعاليمه روحية وأخلاقية فقد ضحى بحياته في سبيل الخير، فهو الذي علَّم الشباب أن الحياة أن يعيش الإنسان سعيداً . وأن السعادة هي مسألة روحية وعقلية ، وهي مسألة تأمل ، وأن المعرفة هي مخزونة في الإنسان يستخرجها بالاستنباط والتأمل . لذلك جاء إفلاطون فقال : إن المعرفة لدى الإنسان قبل أن يولد وإن هناك معارف غير محققة ولكن توجد معارف مثل أصول اللغة والتصورات التي هي معرفة للإنسان بالميلاد بمعنى أن الأرواح والنفوس كانت قبل أن تولد في هذه الحياة كانت في دنيا أخرى كانت في حياة ، في الملأ الأعلى ، كما هو في لغة الفلاسفة ، وهذا المعنى نجده في سورة [الأعراف: 172] ومن نص الآية الكرية نعرف أن الله سبحانه وتعالى يجمع كل الزوجات وكل الأرواح التي سوف توجد وتولد قبل أن تولد في عالم الملأ الأعلى ويخاطبها ويشهدها على أنفسها وأشياء كثيرة.
التصورات واللغة
فمن ضمن الأشياء التي تعلمها الإنسان بالفطرة التصورات . إن اللغة منزلة من السماء ، وليست من الأرض يقول الله تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة : 30] . وقال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة : 31]. يعنى ذلك أن أول شيء ينبغي أن يتعلمه الطفل عندما يولد هو اللغات: تصورات اللغات الطبيعية، والمنطق والرياضيات فكلها لغات . إن أول شيء علمه آدم هو التصورات فعلمه الله سبحانه وتعالى كل الأشياء التي سوف يراها ، فإن الطفل عندما يرى الأشياء يكون له مخزون منها فعندما تقوم الأم بتعليم الطفل الأشياء فإنها تعرضها له وتذكر أسماءها فيبتديء التعلم لدي الطفل بربط الأسم مع مسماه فيكون شيئاً مستحيلاً على الإنسان اكتساب ذلك إذا لم يكن لديه تلك التصورات. كثير من الأوربيين يعتقدون أن اللغة يتعلمها الإنسان بالتعلم ، وليست منزلة فإن الإنسان يتعلمها بالتجربة أي إنها مأخوذة من التجربة ، وهي وضعية ، ولكن في الحقيقة إن اللغة ليست وضعية ، بل هي ربانية كما ورد في نص الآية الكريمة ، فقد علم الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام أسماء الأشياء، فإن هذه المعرفة تورث وتورث ولذلك نجد أن الحيوانات التي تولد مثلاً عندما ترى بعض الحيوانات التي تكون مفترسة ولم يكن لها سابق معرفة بخطورتها فإنها تفرمفزوعة منها فمن علمها ذلك؟ إن هذا الحيوان مفترس يودي بحياتها، وهي ليست لها سابق معرفة به ولم تراه قبل ذلك، كذلك الطفل فإنه يلتقم الثدي حال ولادته فمن علمه ذلك ، أنه طعام ، وأنه يوصل عن طريق الفم؟ قس على ذلك أن هناك حيوانات تتعلم ذلك بواسطة الفطرة مثل صغار الأوز فإنه يسبح في الماء بعد ولادته، ولكن عندما نأتي للإنسان نجد أنه لا يستطيع فعل ذلك إلا بالتعلم وقد يأخذ ذلك وقتاً طويلاً.
إن كثير من الفلاسفة قد اختلفوا في تلك المسألة وأن هناك أشياء مربوطة بالطبع أي بالفطرة فإن الله سبحانه وتعالى أودع فيه تلك التصورات تخرج بالتعلم لذلك على الناس ألا يستهينوا بمقدرة الطفل على التعلم لأن لديه مقدرة تصورية كبيرة عن الأشياء ولكن تتوقف على مقدرته في استخراجها. لقد شاهدت في تلفزيون بريطانيا أن هناك أستاذ أمريكي متزوج من أسيوية وأن لديه أربعة بنات جميعهم كانوا عباقرة . فقد ذكر في حديثه أنه كان يقوم بتعليمهم منذ الشهر الأول من ميلادهم فقد كان يسمعهم الموسيقى وتلقينهم بعض اللغات ويعرض عليهم أشكالاً . فقال إن أطفاله عندما وصلوا سن التكلم تكلموا لغة سليمة ، حتى عندما دخلوا المدرسة فقد كانوا متفوقين على زملائهم في جميع المراحل ، فقد ذكر أن لديه طفلة وهي في جامعة oxford وهي في سن التاسعة عشر من عمرها وقد تفوقت ، وهذا ليس بغريب فإن هناك مثل الإمام الغزالى والشافعي وابن سينا فقد سمعنا أن منهم من حفظ القرآن في سن السابعة أو السادسة من عمرهم.
القدرة على التعلم
ولذلك ينبغي ألا يستهان بقدرات الطفل كما سبق ، وأن قلت ذلك ، وينبغي أن يعطى الجرعات المناسبة التي تساعده على التعلم. ذكر الفلاسفة بأن التعلم هو تذكر ، وأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان الروح ونفخ فيه ووضع في سر إلهي ، وهذا السر الإلهي هو مقدار القدرة على التعلم ، فقد كان سيدنا آدم عليه السلام في بداية خلقه مخلوقاً ضعيفاً والملائكة استهانت به خاصة إبليس ، ولكن الله سبحانه وتعالى علمه فتعلم بسرعة . إن قدرة الإنسان على التعلم قدرة خيالية لا نستهين بها ، لأنها جزء من النفخة الربانية التي وضعت في هذا الكيان الإنساني الممتد ، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ثم سواه ثم نفخ فيه من روحه فكانت هذه المراحل التي مر بها سيدنا آدم عليه السلام ، ولذلك قد وضح أن هذا الخلق وهذه التسمية أعطت الإنسان هذه القدرة الرهيبة الفطرية على التعلم، فعندما خاطب الله سبحانه وتعالى الملائكة للسجود لسيدنا آدم عليه السلام كما ورد في الآية الكريمة فقد كانوا معترضين على ذلك كما في الآية بأن قالوا ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ فقد وضَّح الله جل وعلا لهم أن هذا المخلوق الذي استهانوا به له قدرة لا يمتلكونها وهو العلم ، وهنا يظهر لنا شرف ومكانة العلم التي لا يستهان به قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة : 31-32] ﴿قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ [البقرة : 33] . فقد أجاب آدم عليها، نجد ذلك المعنى في سورة طه في نص الآية الكريمة ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه : 124] .
بناء القدرات
بهذه الطريقة نجد أن الإنسان هو محور القضية العلمية التعليمية وأن أول شيء في البناء التعليمي والبناء النفسي هو "بناء القدرات" ولذلك قال الله تعالى في سورة الكهف ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف : 37] . هذه التسوية أن يسوى الإنسان رجلاً مكتملاً هذه هي قدرات بناء الإنسان ، نظروا يرحمكم الله لبلاد مثل اليابان فقد كانت لا تملك أي موارد طبيعية فإن 70% من أراضيها صحراء ولكن تملك الإنسان وكذلك كوريا الجنوبية فهي صغيرة جداً وليس فيها أنهار ولا زراعة إلا أنها أخذت هذا الإنسان وطورته. يقول الفلاسفة إن قدرات الإنسان الأساسية هي:
1.القدرة الذهنية العقلية.
2.والقدرة العاطفية الوجدانية.
3.والقدرة البدنية الشبقية الشهوانية.
يقول إفلاطون إن القدرات العقلية الثلاثة هي:
أولاً: الملكة العقلية.
ثانياً: الملكة العاطفية الوجدانية.
ثاثاً: الملكة الشبقية الشهوانية.
وفي الحقيقة إن الإنسان لديه ملكات كثيرة غير هذه التي قالها إفلاطون فإن هناك مثلاً: الملكة الروحية، والجمالية والفنية، والإبداعية ولكن ما أورده إفلاطون تعتبر هي الملكات الأساسية.
عندما بنى إفلاطون جامعة وهي التي سماها الأكاديمية فصل المقررات على ثلاثة أنواع:
1.مقررات لبناء القدرات الذهنية والعقلية مثل: (الرياضيات، الفلسفة، العلوم الطبيعية).
2.ومقررات لبناء القوى النفسية ( مقاومته للصعاب والشدائد ).
ضعف القدرات سبب الفشل
فكثير من الناس يفشلون في الحياة ، وليس هذا لأنهم لا يملكون قدرات ، ولكن لأنها ضعيفة ، ليس لهم صبر ولا مصابرة . فعلى الإنسان ألا يستسلم إلى الفشل ولا الاحباط ولا الحزن ؛ فهي أنواع من الضعف. إن إفلاطون قام ببناء مقررات لتقوية البناء النفسي للفرد أو للتلميذ، ومن ضمن هذه المقررات تعليمه سير الأبطال والنبلاء وصُناعي الشعوب والمصلحين والأنبياء والفلاسفة، كما يعلمه الموسيقى والمسرح ، ونضال الشعوب من أجل البقاء ، وصراع الشعوب التي تدوم عشرات السنين ، وكيف أن الشعوب التي تصبر وترابط هي التي تكسب البناء النفسي، أما البناء الثالث: فهو بناء النفس المادية الشبقية الشهوانية فهي رهيبة جداً ، قام إفلاطون بعمل منشط رياضي للطلاب والطالبات لتقوية البدن وتحملها على الشدائد كما هو الحال في التدريب العسكري، وهذه النظرية نجد فيها إشارة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿سَوَّاكَ رَجُلًا﴾. ونحن اليوم نتكلم عن استحالة وجود نهضة بدون بناء وأن الفرد هو أهم من كل مورد من الموارد الطبيعية ، فهو المورد الحقيقي للشعوب، لكن طبعاً ينبغي أن تكون تربية حقيقية من ضمن هذه المجالات الثلاثة ولا نكتفي بهذه القدرات التي ذكرناها فحسب ولابد أن تكون هناك قدرات على التفكير والابتكار والابتداع والاختراع.
هناك مشكلة تعترض طريق الطلاب في المدارس ينبغي ايجاد حل جذري لها وهي علم الرياضيات فهناك مشكلة في فهم هذه المادة حقيقةً وخاصة في مجتمعنا السوداني ، وأسباب هذه المشكلة يرجع إلى تقصير من قبل أساتذة هذه المادة وضعف البعض فيها في توصيل المعلومة التي تمكن الطالب على الاستيعاب، فعلم الرياضيات ليس هو بالعلم الصعب إذا ما تغلبنا على هذه المشكلة. إن علم الرياضيات علم متسلسل ومهم فهي أساس العلوم وأساس البناء الذهني، وأنا منذ زمن طويل أدعو إلى الأهتمام بعلم الرياضيات بقدر كبير جداً لأن الرياضيات هي أساس العلوم ، أساس البناء الذهني. إن التكوين الذهني عند الطفل يكون صغيراً وهذا الجانب فيه ضعف كبير جداً.
القدرة على الابداع
في زيارة لى إلى اليابان قدمت إلينا دعوة لزيارة متحف الإبداع في طوكيو، وقد شهدت ابتكارات كبيرة جداً بعضها صنع ، والبعض الأخر لم يصنع . فأين هي ابتكارتنا نحن كشعوب عربية ؟ نحن حقيقةً نعاني من الضعف في التصنيع هل يرجع ذلك إلى ضعف في الفهم ؟ طبعاً لا ولكن تعليمنا ضعيف جداً في جانب بناء القوة الذهنية والعقلية وفي جانب الرياضيات والعلوم لأننا لم نبتكر شيئاً إلا أننا قمنا في الآونة الآخيرة بانشاء مصنع لتجمع السيارات في جياد ، هل معنى ذلك أن الكوريين هم على درجة عالية من الذكاء أكثر منا ؟ فقد قاموا بتصنيع السيارات والطائرات والصواريخ. إن كوريا الجنوبية نالت استقلالها سنة 65، ونال السودان استقلاله سنة 56 أي قبل عشرة سنوات منها . انظر إلى ذلك : إن كوريا الجنوبية التي لا تملك موارد ولا أرض ولا بترول قد أصبحت من الدول الصناعية الكبري، والسبب في ذلك الفرق الذي بيننا وبينهم هو التعليم ( بناء الإنسان وبناء القدرات )، فالتعليم هو المفتاح الموصل إلى البناء السليم إلى القدرات.
سلف وقد تعرضنا إلى أن التكوين الذهني لدى الطفل يكون صغيراً ، فهو يكون أشبه بالعجينة الطرية التي إذا وجدت الأستاذ أو المربي قام بتشكيلها ، ولكن للأسف الشديد قد نبهنا إلى ذلك أكثر من 30 سنة منذ أيام مايو، ولقد كتبت في مجلس الشعب مذكرة ، وضعنا قراراً بشأن تحويل 60% من المدارس الثانوية إلى مصانع تقانية ، لم ينفذ هذا القرار إلى اليوم وما زالت مدارسنا الثانوية هي علوم طبيعية واجتماعية وجغرافيا وتاريخ، فلا بأس من العلوم الاجتماعية التي يستفيد منها الإنسان ولكن لا توجد هناك علوم حقيقية تبني مهارات الإنسان وتهتم ببناء قدراته الذهنية التي تمكنه من القدرة على الابتكار والإبداع، هناك آية من إعجاز القرآن تنص على تنمية قدرات الإنسان حتى يصير رجلاً قال تعالى: ﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾. يعني أن يسوى والتسوية هو أن يسوى الإنسان حتى يصير رجلاً قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ [الأحقاف : 15] .
إذن الدين يدعونا إلى بناء قدرات الإنسان حتى يصير في عمر الأربعين ، يكونوا رجالاً مكتملين ، هذا هو بناء القدرات الذي لم نستطع تنفيذه في كل برامج التنمية ، ويظل شعاراً إلى اليوم ، ولا نستطيع أن ننميه إلا إذا أستطعنا احداث حل جذري في التعليم ، لأن بناء الأفراد وبناء القدرات هي أساس التنمية المستدامة و أساس البناء النفسي.
التربية والتعليم في مكة
الرسول صلى الله عليه وسلم جلس كما تعلمون ثلاثة عشر عاماً في السيرة في مكة لا يعمل فيها شيئاً غير التعليم والتربية ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبل أصحابه يومياً في الصباح وفي المساء ماذا كان يفعل؟ كان يعلم الصحابة في مكة كان يعلمهم ويربيهم ويزكيهم وهو بناء القدرات وبناء القوة الإنسانية وبناء الشخصية المسلمة ، بناءها حتى بمؤشرات التربية القرآنية ، فقد كان واضحاً من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتوفر لديه المصداقية كما دعي بالصادق وعرف الأمانة وحسن الخلق إلى ما غير ذلك من الأخلاق الكريمة التي كان يتحلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بتعديل وتقويم سلوك الصحابة وتفكيرهم قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ فكان التعليم يقوم أساساً على القرآن، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمهم الآيات التي نزلت ويفسرها ويشرحها لهم حتى يفقهوها ، كان هذا هو منهج الفهم والتدبر أصبح الآن للأسف مفقوداً عند المسلمين، ولكن نجد هناك من يحفظ القرآن الكريم ولا يجلس ساعة ليفهمه ويتدبره، وأخشى أن نكون مثل الذين حُمّلوا التوراة من بني اسرائيل ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً. نحن نملك منهجاً لو أنزل على جبل لفجره كما قال الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ﴾ [الحشر 21] . لكن للأسف الشديد إننا لا نملك منهج التفكر والتدبر والخوف من المآلات ، وأن يقف الإنسان أمام ربه فلا يحدث فينا هذا الأحساس كما يفعل في الجبل ، وذلك لعدم وجود تدبر وفهم تام قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]. وهم أصحاب الألباب الخاشعة الصافية التي تستقبل ذلك الإشعاع الذري الموجود في القرآن الذي إذا وُجِّه إلى الجبل جعله دكاً، فالقرآن لا يفعل بنا هذا كما ذكرنا ، وذلك لأنه لا يلامس قلوبنا من كثرة الذنوب والغفلة التي علينا ولا نعرف منهج التدبر لأنك عندما تقرأ القرآن فالخطاب يعنيك أنت. فهذه النظرية التربوية التي أخذت أثرها صنعت هؤلاء الرجال الذين تعرفونهم 313 رجلاً في مكة ، ثلاثة عشر عاماً كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بتعليمهم كما ذكرنا ، وذلك بتعليمهم الكتاب والحكمة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول قولاً فقوله يصل إلى القلوب مباشرة لأن الرسول نور، فقد كان هو أول من يمتثل عندما نزل عليه القرآن، كما كان لا يملك شيئاً غير الأخلاص والتجرد المطلق فقد كان يواجه الناس بالنظرية التربوية التي نسميها الآن positive inform وهي التعزيز الإيجابي فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ كل واحد منهم ويدرسه ويعرف نواحي الضعف فيه ، ولا يواجه أبداً بنواحي الضعف الذي فيه بل كان يأخذ الجوانب القوية ويعززها كما نسميه التعزيز الإيجابي، وهذه واحدة من أهم نظريات التربية التي يجب أن نطبقها على أطفالنا في تنشئتهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم ينادى أصحابه بأحب الصفات وبأحب صيغ النداء وكان يعرفهم فرداً فرداً ويعاملهم بالحب وليس بالتقريع والشتم حتى النواحي السيئة لا يذكرها فيهم ، بل كان يذكر النواحي الإيجابية فيهم، فما كان صلى الله عليه وسلم يقابل أصحابه بما يكرهون وما كان يعامل أصحابه إلا بمحبة وما كان يضرب صلى الله عليه وسلم صغيراً ولا كبيراً قط، ولذلك كانت هذه التربية السليمة من الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، فينبغي عليك أن تسلك منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية، وخاصة إذا كنت أباً أو معلماً.
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أغلبهم من الفقراء ومن الذين كانوا في مؤخرة الهرم الاجتماعي ، ولكن انظر كيف كان التغير معهم فقد ارتقى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بأن علمهم ورباهم على حُسن الخلق وذلك بالتعليم وبناء القدرات وبناء الشخصية الذي كانت هي أساس البناء الاجتماعي الذي يحدث في النفوس تغييراً في كل الأبعاد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11] .
أحِبُّ أن أوضح إلى الآخرين أن علم الفلسفة ليس هو بالعلم الذي لا نفع منه كما يعتقد البعض، ولكن الفلاسفة كانوا يتكلمون في الحكمة ، والفلسفة هي أساساً حب الحكمة، وبها كثير من النظريات التي تجد لها تأييداً من القرآن الكريم، ولذلك نجد أن إفلاطون استطاع تغيير الأمة اليونانية كلها ، وذلك عن طريق الجامعة التى أنشأها ، ووضع فيها مناهجه التعليمية لبناء القدرات التي كان لها الفضل في انتصار اليونانيين على كل الأمم منها طروادة ، وإسبارطة، والسيطرة على كل المناطق ومنها البحر الأبيض. فقد استطاع إفلاطون أن يخرج شعب اليونان من الانهزامية والضعف وذلك من خلال البرامج التعليمة القومية التى وضعها لهم حتى صاروا من أقوى الشعوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.