تشكل المراكز الثقافية الاجنبية المنتشرة في العالم الثالث والعالم الإسلامي علي وجه الخصوص حضوراً لافتاً وتلعب أدوار عديدة تواجه بالتأييد حيناً وبالمعارضة تارة أخرى إلى درجة أن يتهمها البعض بأنها تنفذ اجندة الدول القادمة منها.. وفي إطار الأهداف الكبرى لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري عقدت إدارة الحوار والتواصل فيه حلقة نقاشية مؤخرا حملت عنوان "المراكز الثقافية الاجنبية ودورها في تواصل الحضارات" شارك فيها الاستاذ صديق المجتبي رئيس لجنة الإشراف على المراكز الثقافية والأستاذ يوسف ريتشارد وايرس مدير المجلس البريطاني وبرعاية وحضور الأستاذ السمؤال خلف الله وزير الثقافة السوداني. حرص د.عصام أحمد البشير الأمين العام لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري على مخاطبة الحلقة النقاشية مؤكداً ضرورة تعزيز المشتركات بين البشر ومبيناً أن لفظة (لتعارفوا) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في الآية: (يأيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..) غير أنه يذهب بالقول أن هناك مشكلة تواجه التواصل بين الناس وهي أما أن يمارس الناس ذلك التواصل عن طريق الذوبان في الآخر أو أن يمارسوا الانكفاء على أنفسهم. تحدث الأستاذ صديق المجتبى عن تاريخ المراكز الثقافية في العالم الإسلامي والسودان مشيراً إلى أن أحد الخلفاء العباسيين أنشأ بيت الحكمة ليكون معبرا للتواصل مع الأمم وترجمة العلوم وأضاف:"وكانت هناك بعض المراكز في أسبانيا.. أما السودان كدولة حضارة قديمة فإن بعض البعثات تشير إلى أنه عرف التواصل منذ أزمان بعيدة وكذلك في عهد السلطنة الزرقاء"..وأكد المجتبى أن المراكز الثقافية الأجنبية تقوم بعملية التواصل والتفاعل بين الأمم المختلفة مشيداً بدورالمجلس الثقافي البريطاني الذي كان له دور كبير في نشر الثقافة والتقنيات الحديثة وسهل على السودانيين الاستفادة من البعثات التعليمية. وقال أن أحداث 11 سبتمبر أحدثت مشكلة في عمل تلك المراكز التي تأثرت بما ينشر في الغرب عن المسلمين وأوضح أنه كان يجب عليها أن تلعب دوراً كبيراً في تصحيح تلك الصورة مضيف:" وهذا لايعني أن نعفي انفسنا من المسؤولية فهناك تغييرات حدثت في الغرب ويتمثل ذلك في النكوص عن الديمقراطية والحرية التي كانوا ينادون بها حيث ظهرت كراهية الرموز الدينية مثلما حدث في سويسرا من منع بناء المآذن" داعيا إلى مراجعة الفكرة التي تتعامل بها بعض تلك المراكز التي ترفع شعار ان تكون هي (المركز) على أن يصير غيرهم(آخرا وهامشا) إلى جانب أن كثير من الدول الإسلامية غير قادرة على توصيل ثقافتها للآخر في حين أن بعض المراكز يغلب عليها جانب (الانتقائية) و(النخبوية) حيث يتم تمويل البرامج وفقاً لأجندة خاصة. طالب المجتبى بأن تساعد تلك المراكز في تغيير الصورة النمطية عن السودان بألا تلتزم الصمت أو تتماهى مع سياسات بلدانها ضاربا المثل بقضية دارفور التي يمكن أن تكوّن عنها المراكز الأجنبية في السودان موقفا إيجابيا بعكس الآراء التي تتشكّل خارج السودان. المتحدث الآخر في حلقة النقاش الاستاذ يوسف ريتشارد وايرس مدير المجلس الثقافي البريطاني فينفي أية علاقة لهم في المركز بالسياسة حيث انهم يقومون بتقديم الفرصة لمساعدة الشعوب للدخول في حوار مبيناً أنهم ينجذبون إلى الشعوب الأخرى لتسويق منتجاتهم في اللغة والفنون وهذا يضمن امان بريطانيا على المدى الطويل وأضاف أن هدفهم بناء الثقة بين دولتهم والسودان وبناء علاقات للأخير مع الدول الغربية والمجتمع الدولي على وجه العموم. وأبان يوسف أن المجلس البريطاني يعمل في محاور عديدة من بينها اللغة والمجتمع والتعليم والفنون وكذلك كرة القدم ولديهم اهتمام بالبيئة حيث استفادوا من الحكمة العميقة في القرآن الكريم لرعاية البيئة في توصيل برامجهم من خلالها وقال:" استفدنا كذلك من بعض الرموز الدينية بالسودان مثل الشيخ محمد حسن قريب الله الذي شارك في مؤتمر المناخ بأبوجا وقد وجهنا له دعوة من المركز لزيارة بريطانيا لإلقاء بعض المحاضرات هناك". وفي سياق الحديث عن تواصل الحضارات أكد يوسف ريتشارد أن اللغة الإنجليزية بما أتاحه لها واقعها المتمدد يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تواصل الحضارات "بغض النظر إن كان ذلك صحيحا أو خاطئا لكنه ما يحدث" وفي ختام حديثه كشف ريتشارد عن قيام مشروع الحوار الحضاري في أفريقيا الذي يسعون من خلاله لتوحيد أصوات المسلمين في أفريقيا للبدء في حوار مع المملكة المتحدة لتعزيز الاحترام المتبادل بين الطرفين.عقّب على المتحدثين الرئيسيين الدبلوماسي د.خالد فتح الرحمن وأكد في سياق مداخلته أن بريطانيا تحتاج إلى السودان وهو يحتاج إليها وذلك في إطار العولمة مضيفاً أنه كان مسؤولاً عن الملف الثقافي ببريطانيا وحينها وصلت العلاقات بين الدولتين إلى الصفر ولم ترتفع إلا عن طريق الثقافة باعتبارها البعد الوحيد الذي كان حياً حينها وبعيدا عن السياسة، موصياً بضرورة الجدية في التعامل مع تلك المراكز؛ بينما طالبت الاستاذة نادية جفون السفيرة بوزارة الخارجية السودانية المراكز الثقافية الأجنبية بالخروج من العمل بالعاصمة الخرطوم لبقية الولايات وشددت على ضرورة ألا تكون برامج المراكز الثقافية الأجنبية (انتقائية) أو (عقدية) حتى تجذب إليها عامة الناس. وزير الثقافة الأستاذ السمؤال خلف الله خاطب حضور الحلقة النقاشية مؤكداً أن الحلقة تعتبرها الوزراة بداية حقيقية لنشاط كبير في المستقبل عن دور المراكز الثقافية موضحا أن وزارته ترفع شعار (الثقافة تقود الحياة)وأنها ستستعين لتنفيذ برامجها بإدارة جماعية للثقافة.