يشكك الخبير في منظمة الصحة العالمية بروفيسير مالك بدري، في جدوى فعالية استخدام الواقي الذكري" الكوندوم"؛ وسيلة أساسية أولى، في منع انتشار مرض الأيدز، ويرى أن هذا الاسلوب لم يحقق النتائج الباهرة التي حققها اسلوب (ABC)، وهذه الحروف الثلاث تشكل رموزا لمعاني الامتناع عن الجنس والوفاء للشريك وأخيرا الكوندوم. وأثبتت التجارب في أوغندا وفي غيرها نجاح ABC، ولكن يبدو بدري غير متفائل من اعتماد هذا الاسلوب عالميا، في منع انتشار المرض الفتاك، ويرجع السبب إلى أن "الثورة الجنسية" وتجلياتها الحديثة، تحولت لفكرة وفلسفة ونظم، يصعب على المؤمنين بها وهي الدول المتقدمة أن تعترف بمناقضته للفطرة الإنسانية. يقلل بدري من اهمية الفحص الإجباري للمرض قبل الزواج ويعول على دور بنوك الدم في الحد من انتشار الأيدز إذا أحسنت توظيف نفسها. ولاحظ بدري أن الشذوذ يحدث (حربا أهلية) بين خلايا الجسم؛ لأن خلايا المناعة تهاجم خلايا (t –cells) ويؤدي لمرض نقص المناعة عند الإنسان رغم خلو دمه من فايروس (HIV). في هذا الحوار نسلط الضوء على وسائل جديدة لمحاصرة مرض الأيدز مع الدكتور مالك بدري الخبير بمنظمة الصحة العالمية، ورئيس الفخري للجمعية العالمية لعلماء النفس المسلمين وأستاذ علم النفس بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. *** قلت في محاضراتكم أن هناك مرض يظهر بين الشاذين جنسيا يطابق الأيدز، فهل للشذوذ دور في ظهور مرض الأيدز نفسه؟ العلاقة بين الشذوذ الجنسي بين الرجال والأيدز مازالت تجري أبحاث حول هذا الموضوع، وقد خلصت إلى أن الشذوذ الجنسي بين الرجال له صلة في ظهور الأيدز، وهي تشير إلى أن طفرات جينية حدث لفيروس لم يكن له خطورة إلى التحول إلى فيروس الأيدز المعروف HIV ، وهي نظرية معروفة علميا في تطور الفيروس جنينيا إذا وضع في ظروف خاصة وتقول النظرية طالما أن أول عشرة أشخاص ظهر عندهم مرض الأيدز، كانوا شاذين جنسيا وبشكل مبالغ فيه، فاستنتج علماء غربيين كبار بأن هناك صلة بين الشذوذ وهذا المرض، منهم رون بيرنشتاين صاحب كتاب (نظرة جديدة لمرض الايدز)، ويقول في كتابه إن الشاذين جنسيا في أمريكا في فترة السبعينات، وهي قمة الثورة الجنسية، يقول ظهرت أمراض بينهم لم تكن معروفة طبيا من قبل، والسبب أنهم يعملون أعمال إبليس نفسه لم يفكر فيها من (لحس الأدبار والبول في داخل أحشاء بعضهم البعض)، حتى أدى ذلك لظهور مرض متلازمة باول (paul syndrome)، وهو مرض غير معروف يصيب الأمعاء، يرى رون أن هذا السلوك (جعل فيروس يتحول من قط إلى نمر) ليسبب مرض الأيدز لاحقاً.. وأعتقد أن هذا الرأي صحيح، ويؤيد ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) والحديث يذكر شرطين : عموم الفاحشة وإعلانها، لأن ما يحدث في السر يكون أخطر بكل المقاييس مما أظهره الناس. والآن بدؤوا يعترفوا بهذا التصور قليلا قليلا. لكن حركة الاعتراف بحقوق الشاذين جنسيا وظهورهم في المشهد العام جعل هذا الاعتراف منقوصا وغير فاعل حتى الآن، لأنهم إذا اعترفوا بدور الشذوذ في مرض الأيدز فإنهم سيدينون بالضرورة ما بدأت مجتمعاتهم تعترف به الآن من زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء. من أوائل الحالات التي لوحظت ، في 1969، كانت من طبيبة أمريكية لحالة مرضية لزنجي كان مفعولا به (male prostitute) وقد فشلت الطبيبة في معالجته بالمضادات الحيوية، وبعد وفاته أخذت الطبيبة أجزاء منه واحتفظت بها في ثلاجة، وسافرت إلى خارج أمريكا لعدة سنوات ، وبعد 11 سنة، اكتشف ميكروب مرض الأيدز؛ فعادت الطبيبة وفحصت هذه الأجزاء فوجدت فيها فيروس الأيدز. وفي نيويورك قبل فترة ظهر نوع جديد من Hiv ويسمونه big bug ولم يظهر هذا الفيروس إلا بين الشواذ جنسياً و كان العلماء يخشون أن يكون هذا الفيروس أخطر من فيروس HIV المعروف. والسبب واضح، أن الشرج وظيفته امتصاص المياه ، وجداره رقيق جدا، ومن السهل تأثره، والسبب الثاني أنهم لاحظوا أنهم إذا ووُضع منيا ذكريا في شرج ذكر، سواء كان إنسانا أو حيوانا؛ وجدوا أنه تحدث إستثارة لخلايا المقاومة في الجسم وكأن هذه الأجسام المنوية أجسام مضادة تريد اختراق الجسم الإنساني وعندها تحدث (حرب أهلية) بين خلايا الجسم؛ لأن خلايا المناعة تهاجم خلايا t -cells)) وإهلاك خلايا t -cells) ) يؤدي لمرض نقص المناعة. في أبحاث كثيرة على مرضى بنقص المناعة وجد الأطباء حالات كثيرة لمرضى بنقص المناعة وأظهر الأفراد نفس الاضطرابات والضعف الذي يصيب مرضى الإيدز دون أن يكون هناك مضاد فيروس HIV في دمهم، وهو المؤشر الذي يعرف به الإصابة بالمرض من عدمه. كل هذه الحيثيات تضع تأكيدا بأن الشذوذ الجنسي له دور في الإتيان بالمرض، وقد سمي المرض أول بمرض الشاذين جنسيا (gerds) (guys emuion defections syndrome) وهو بهذا المعني "نقص المناعة بسبب الشذوذ" ولأخيراً حُرفت Aguired لتتضمن إشارة إلى أن النقص حدث بطريقة ما للمناعة! والناس الآن يقولون هذا الاسم المبهم (ايدز) لكن دون أن يتلمسوا من أي جاءت. *** هل المنظمات الدولية المهتمة بموضوع الإيدز قبلت هذه الرؤية الجديدة واعتمدتها في مكافحة الأيدز؟ المنظمات الدولية تخضع إلى حد كبير إلى المنظمات الطوعية الكبيرة، التي تعمل في مكافحة المرض والأخيرة بها اتجاهات كثيرة للشذوذ الجنسي، ولا يمكن أن تقول هذه المنظمات إن هذه الأمراض جاءت وانتشرت بفعل الثورة الجنسية، لأنهم لا يريدون الوقوف أمام هذه الثورة. ولكن وفق هذه الفكرة البسيطة هناك تجارب ناجحة في محاربة الأيدز وهناك رجل عظيم في أوغندا د. مجيدي كجيمو رئيس الجمعية الطبية الإسلامية، وقد قام بمجهود كبير لمكافحة الأيدز في القرى المسلمة التي ينتشر بها المرض وأسس برنامج (الجهاد ضد الأيدز) . * ماذا فعل د. كاجيمو؟: دعا كاجيمو رئيس القضاة والقضاة الكبار المحترمين وشرحوا لهم المرض وطرق انتشاره وخطورته وطرق مكافحته وأن هناك طريق واحد وهو تغيير السلوك بحيث تبقى الصلة الجنسية فقط بين الزوجين، وأخذ كاجيمو هذه الرؤية الإسلامية في العلاقة بين الرجل والمرأة جنسياً؛ لأن اللواط غير معروف في أفريقيا. درب كاجيمو القضاة على التعرف على الأيدز ثقافيا وطرق مكافحته وقام هؤلاء القضاة بتدريب الآلاف من أئمة المساجد، والإمام في القرية الأوغندية شخصية مهمة؛ فهو الذي يختن الأطفال ويغسل الموتى ويعقد الزيجات ويحل المشاكل الأسرية، وأصبح هؤلاء الأئمة يتولون تثقيف سكان القرى عبر منبر الجمعة، والزيارات المنزلية.وبعد فترة وجيزة، تراجع انتشار الأيدز في كل القرى المسلمة، وقد أشادت به المنظمة الدولية والمنظمة الأمريكية لمكافحة الأيدز، ودعمتاه بالمال لتعميم التجربة. ومن هذه التجربة استنبط أسلوب لمكافحة الأيدز لا يعتمد على توزيع الواقي الذكري (الكوندوم)، وهو الأسلوب التقليدي في مكافحة الأيدز حتى كانت الجملة الأساسية لتوعية بطريق المكافحة (عليك بالواقي الذكري) وقد كانت السلطات في ويلز ببريطانيا توزع الواقي على الصبيان من عمر 11 سنة، ووضعوه في ماكينات في الطرقات مقابل قيمة معدنية صغيرة لا تتجاوز شلن. في المقابل، جعل د.كاجيمو الواقي الذكري في آخر قائمة وسائل مكافحة الأيدز، حيث لا ينصح به إلا من أبى إلا الزنا.. وجعل الخط الأساسي في الوقاية هو العفة للشباب والطلاب غير المتزوجين واقتصار الصلة الجنسية في إطار العلاقة الزوجية ، هما السبيلان الرئيسيان لمكافحة الأيدز وعرفت خطة د.كاجيمو ب برنامج (ABC)؛ الحرف (A ) للإشارة للابتعاد عن الجنس (Abstenance) والحرف (B) للإشارة (be faith to your spouse) (كن مخلص لزوجتك) وأخيرا (C) في إشارة إلى (condom) (الواقي الذكري). *** هل المنظمات الدولية المهتمة بموضوع الإيدز قبلت هذه الرؤية الجديدة واعتمدتها في مكافحة الأيدز؟ المنظمات الدولية تخضع إلى حد كبير إلى المنظمات الطوعية الكبيرة التي تعمل في مكافحة المرض والأخيرة بها اتجاهات كثيرة للشذوذ الجنسي، ولا يمكن أن تقول هذه المنظمات إن هذه الأمراض جاءت وانتشرت بفعل الثورة الجنسية، لأنهم لا يريدون الوقوف أمام هذه الثورة. *** ما السبب في رفضهم اسلوب ABC رغم فعاليته؟ السبب فلسفي وحضاري، فهم لهم رؤية كلية للحياة ، والثورة الجنسية واحدة من أركانها. *** هل يمكن تعميم تجربة د. كاجيمو في الدول الأخرى..؟! هناك محاولات لكن مكافحة الأيدز تعتمد على خصائص الدولة، مثلا في أوغندا استفادوا من أئمة المساجد لدورهم الكبير في نفوس الشعب، ولكن في السودان الأئمة ليس لهم دور كبير في حياة الناس، ولكن هناك مكانة لشيوخ الطرق الصوفية الذين لهم ملايين الأتباع وأذكر أنه في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين اختفى الختان الفرعوني من قرية صغيرة بعيدة عن العاصمة استجابة لتوجيهات السيد عبد الرحمن المهدي وهكذا لكل دولة خصائصها ولابد من الاستفادة من الخصائص ولا أظن أن برامج التلفزيون الجافة في اسلوبها ومضمونها تفلح في مكافحة الأيدز بصورة واسعة. *** هناك دول اعتمدت الفحص الإجباري للأيدز قبل الزواج فكيف ترى تأثير هذه الطريقة؟ ماليزيا من الدولة التي تبنت هذه الطريقة وهو مفيد إلى حد ما ولكنه غير مجدٍ مع مرور الوقت، لأن الزاني ممكن يكون سليما عند الزواج ولكن من يضمن ألا ينتقل إليه لاحقا وهو يقوم هو بنقله للآخرين ومنهم زوجته ولكن الفحص قبل الزواج مفيد، في الكشف عن المصابين بالمرض أو الحاملين للفيروس. *** نرى إحجاما للناس عن الفحص المجاني في مراكز الفحص الطوعي في الخرطوم فإلى أي شئ ترد السبب؟ قد يكون بسبب عدم الرغبة في مواجهة الحقيقة أو غيرها من أسباب الخوف ، ولكن أعتقد أن المشكلة ليست في الإحجام عن مراكز الفحص الطوعي ولكن المشكلة في حالات أخرى؛ أخبرني مسؤول في بنك الدم ويكتشف المختبر أنهم يحملون الفيروس دون أن يعلموا، ومع ذلك لا يخبرونهم بتلك الحقيقة ، وهذا الحامل للفيروس يمضى مطمئنا في نشر الفيروس بين الناس، ولابد من معالجة هذه المشكلة وممكن أن يطلب من المتبرعين إقرارا بإخباره حال اكتشاف إصابته. *** بما أنك صاحب خبرة طويلة في مكافحة الأيدز هل ترى أن العالم الآن يملك القدرة في السيطرة على الأيدز؟ العالم الآن إذا لم يتخذ خطوات قوية في مكافحة الأيدز ، سيخرج فيروس جديد، متطورا عن فيروس الأيدز المعروف، ويمكن أن ينتقل هذا الفيروس في المرحلة قادمة عن طريق التنفس.. وهذا التطور نحو الأكثر تعقيدا من ملاحظ تاريخيا، فقد ظهر السيلان أول العهد بالأمراض الجنسية وتمكنوا من معالجته بالمضادات الحيوية وثم ظهر الزهري وذعر الناس في أنحاء العالم وأخذت الدول تتبادل الاتهامات من أين جاء الزهري، مثلما فعل الأمريكان مع الأيدز ونسبوه للقرود الأفريقية، وأخشى إن استمرت الثورة الجنسية أن يأتي مرض أخطر من الأيدز نفسه. *** تعني أن المخرج هو في محاربة الثورة الجنسية؟ نعم المخرج أن يغير الناس سلوكهم، نحو اتجاه أكثر تناغما مع الفطرة الإنسانية، ولكن رغم خفوت وقع الثورة الجنسية إلا أن تقنين زاوج الشواذ يشير إلى أنه ليس بمتوقع أن يحدث تغيير كبير في سلوك الناس الجنسي يحول بينهم وهذه الأمراض.