جرّت اتفاقية نيفاشا التي تم إبرامها بين الحكومة والحركة الشعبية في العام 2005 وبالاً كبيراً على الدبلوماسية السودانية التي وجدت نفسها أمام مأزق كبير قلما تقع في مثله رصيفاتها، إذ أصبحت الأخيرة تجد نفسها أمام تقاطعات كبيرة وتناقضات لعبت الحركة الشعبية دوراً كبيراً في صناعتها وذلك باتخاذها مواقف مغايرة لما تتخذه الحكومة سواء كان ذلك على المستويين الإقليمي أو الدولي الأمر الذي أضاف عبئاً ثقيلاً على حملة لواء الدبلوماسية إلى جانب الأعباء التي تضطلع بها أصلا. "الدبلوماسية معركة الحكمة وذلك بأن يوضع الشيئ الذي ينبغي في المكان الذي ينبغي".. هكذا ابتدر الأمين العام لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري د.عصام أحمد البشير الحديث مقدماً المشاركين في ندوة "الدبلوماسية المعاصرة وسائلها ومشكلاتها" التي أقامتها إدارة الحوار والتواصل بمنتدى النهضة بالقاعة الرئيسية بوزارة الخارجية بتاريخ الاثنين 25 أكتوبر 2010م وتحدث فيها كل من السفير عز الدين حامد والسفير نور الدين مدني وعقب عليها كل من د.حسين سليمان أبوصالح والسفير رحمة الله محمد عثمان وكيل وزارة الخارجية وشرفها بالحضور والنقاش العديد من سفراء الدول العربية الشقيقة. قدم السفير عز الدين حامد نبذة تأريخية عن نشأة الدبلوماسية في العالم وقال: "شهد العالم بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر تطورات تاريخية بارزة مثل إبرام اتفاقيات ويستفانيا وفيينا كما كان للطليان والفرنسيين أثر محسوس في تحول الدبلوماسية من تقليدية إلى معاصرة تخلت بدورها عن طابع السرية وأصبحت مفتوحة تتلاءم مع ظروف المجتمع الدولية" مشيراً إلى أن نطاق العمل الدبلوماسي أصبح يتخطى البعثات ويقوم به آخرون مثل رؤساء الدول ووزراء الخارجية موضحاً أن الدبلوماسية تخطت المسائل السياسية لتدخل في مجالات العلوم والتكنولوجيا وبات مطلوباً من الدبلوماسي معرفة قدر منها .. ويدلف السفير عز الدين عقب ذلك إلي المشكلات التي تعاني منها الدبلوماسية في وقتها الحاضر فيقول إن المناخ السياسي العالمي تسيطر عليه حزمة من المتناقضات والمفاهيم المتعارضة في المسائل الأساسية كتعريف العدوان والإرهاب حيث يسمي البعض العدوان إصلاحاً وفي ظل ذلك لا يكون سوى شيء من ثلاث.. إما السباحة ضد التيار أو التكيف مع الواقع أو تشكيل قوة أخرى تدعو إلى استقامة السير. من جهته أشار السفير نور الدين ساتي إلى أن الدبلوماسي لا يجب أن يكون بوقا أو منفذاً ولابد له من أن يحكم ضميره ويكتسب مهارات تجعله جزء من نظام يميز بين الانصياع الأعمى وإبداء الرأي والنصح بجسارة واقتدار ويتطلب ذلك تعامل واعي من قبل الدولة واصفاً الدبلوماسية السودانية بدبلوماسية الأزمة وذلك منذ الإستقلال وحتى الآن منبهاً إلى ضرورة اتباع ما كان يوصي به الراحل أحمد خير المحامي الدبلوماسيين الأوائل بضرورة استعمال طريقة(السن البيضاء) معرجاً بالحديث عن السياسة الخارجية لكل من جوبا والخرطوم التي انعكست على علاقتنا بالعديد من دول العالم بينما يؤكد أن الدبلوماسي يجب عليه أن يكون قدوة صالحة ويستصحب معه قول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لإنفضوا من حولك)الآية.. وهنا أجهش السفير بالبكاء وصمت برهة ليواصل الحديث مبينا أنه يجب أن يكون لينا بلا انكسار وصرامة دون تجهم لافتاً الإنتباه إلى أن من ينادي بالحوار يصبح متهماً بالانبطاح واللين وهذا يتطلب نقلة ذهنية ولغة جديدة تحتاج إليها بلادنا والعالم أجمع. وفي الختام أبان ساتي أن الدبلوماسية يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في حوار الحضارات وفتح آفاق التكامل والتعاون مع العالم خاصة في أفريقيا. من جانبه أكد د. حسين سليمان أبوصالح المعقب الأول في الندوة أن الإسلام لا يفترض أي مشكلة تحول بينه والحوار مع الآخرين موضحاً أن هناك قضايا يمكن أن يكون الحوار متقدماً فيها مثل النظام الاقتصادي ونظام الحكم وحقوق المرأة مشيراً إلي أن الذي يحرك الحوار هو المصالح لذا لابد من توازن المصالح والشراكة العالمية وليس صراع المصالح والهيمنة العالمية. أما السفير محمد رحمة الله عثمان وكيل وزارة الخارجية فقد أوضح أن الدول النامية تعاني كثيراً من ويلات اتفاقيات لم تكن طرفاً فيها مثل اتفاقية التجارة العالمية التي لم يشارك السودان فيها والآن يتم فرضها عليه فيما تحدث عن الضغوط الداخلية والخارجية التي تعاني منها الدبلوماسية السودانية التي تجعل عبئها اكبر من رصيفاتها غير أنه يؤكد أن الصدام لا يعد وسيلة لمعالجة المشكلات لكننا أحياناً نكون بحاجة للمزج بين الصدام والدبلوماسية. وشهدت الندوة حضوراً مقدراً من السفراء العرب والأفارقة إلى جانب عدد من السفراء السابقين والمهتمين بالمجال الدبلوماسي.