فضيلة الشيخ عبد الحي يوسف الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. فإنني أسألُ الله تعالى أن يجمع المسلمين على الهدى، وأن يُصلح الرعاةَ والرعية، وأن يولِّي على عباده الأخيارَ الأبرارَ الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، والجواب على هذا السؤال يقتضي تحقيق المناط في أمر حاكم تونس السابق مثلاً، هل هو حاكمٌ مسلمٌ ينطبق عليه ما ورد في النصوص الموجبة لطاعته، المحذِّرة من الخروج عليه؟ وقد استفاض من الأخبار ما يشيب له الوليد من تسلُّطه على عباد الله بالقهر؛ وتحليله ما حرَّم الله – كالخمور والفجور – ومنعه ما أوجب الله – كالحجاب – وتحريمه ما أحلَّ الله – كتعدد الزوجات – أضف إلى ذلك علاقته الوثيقة باليهود؛ حتى إنهم قد فجعوا لما أصابه وأظهروا الحسرة على ذهاب حكمه!! مع ما تواتر من الأخبار عن شديد مراقبته للمساجد وإحصائه الداخلين إليها والمتعبدين فيها، مع تسليطه زبانيته على الشباب الطيبين يسومونهم سوء العذاب!! وما ظهر بعد دوال دولته من عظيم سرقته وشدة خيانته للأمانة، أقول: من كانت هذه فعاله وتلك صفاته هل الخروج عليه محرَّم ممنوع أم سائغ مشروع؛ لأنه من الصنف الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم {إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان}؟ إن وجوب الصبر على الحاكم المسلم الذي يُحلُّ الحلال ويحرِّمُ الحرام ويرضخ لحكم الشريعة ويرى سيادتها على سائر الأحكام هو الذي نطقت به النصوص، وتواتر من هدي أئمتنا الأولين فصبروا على ما كان من ظلم الولاة وجورهم؛ من أمثال الحجاج بن يوسف مبير ثقيف، وزياد بن أبيه ومن كان مثلهم؛ لأنهم كانوا بالشريعة حاكمين، ولراية الجهاد رافعين، وبهدي الإسلام – في الجملة – عاملين، على ما كان فيهم من رهق وسفك للدماء. أما هؤلاء الذين تسأل عنهم فماذا ترى من ظاهر عملهم؟ إن المنصف يعلم أنهم يحاربون دين الله في كل واد، فيغيِّبون الشريعة، ويشجِّعون الخرافة، ويعملون على إلهاء الشعوب بكل باطل ومنكر، وأجهزة الإعلام التي يُشرفون عليها تنضح بما يندى له جبينُ كلِّ ذي مروءة، وفي الوقت نفسه يجفِّفون منابع التدين ما استطاعوا؛ حتى بلغ بهم الحال أن يسارعوا إلى إغلاق القنوات التي تقول للناس: ربي الله، وديني الإسلام، وقدوتي محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام!! بدعوى أنها تفسد الناس وتخالف الأعراف!!!! كما قال فرعون ((ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)) وأعظمُ من ذلك وأفحشُ ما كان منهم من موادة يهود وتغليب النصارى على المسلمين؛ حتى إنهم ما استحوا من الله ولا من الناس حين حاصروا غزة وفيها من أهل الإسلام الجمُّ الغفير، بل هدموا الأنفاق التي كان الأهالي يهرِّبون من خلالها بعض الدواء والغذاء، وعمدوا إلى رشِّها بالغازات السامة، وحبسوا المجاهدين – من حماس وغيرها – وساموهم سوء العذاب؛ حتى إن بعضهم مات تحت التعذيب، وفي الوقت نفسه يبيع حاكم مصر الغاز لليهود بسعر تفضيلي يترتب عليه أن تخسر مصر سنوياً ثلاثة مليارات من الدولارات!! وحين لجأ بعض الناس إلى القضاء؛ وحكم القضاء ببطلان ذلك البيع، سدَّ الحاكم أذنيه وأغمض عينيه وسدر في غيِّه، وكأن الأمر لا يعنيه!! ((صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون)) وأغلق معبر رفح أمام المرضى والعجزة، مع بناء الجدار الفولازي على الحدود مع غزة، ومنع قوافل الغذاء التي جاءت من ناس – مسلمين وغير مسلمين – آلمهم ما يعانيه الناس في غزة، وحين أسلمت بعض النساء النصرانيات – ممن كن زوجات لكهان نصارى – عمد إلى تسليمهن للكنيسة دون وازع من دين أو خلق؛ ليتعرضن لأشد العذاب فتنةً لهن في دينهن وحملاً لهن على الكفر الذي فررن منه!! ثم إن ناساً يحلو لهم أن يقولوا: إن المظاهرات حرام!! هكذا بإطلاق وتعميم، وقد غفلوا عن أن المظاهرات وسيلة لإبلاغ رسالة الشعوب وشكواها من ظلم حكامها، وقد تواطأ على التعبير بها – في هذا الزمان - المسلمون وغيرهم؛ وليست المظاهرات غاية في ذاتها، وبعضهم يقول: إنها بدعة!! فيقال في الجواب: ومن قال إنها سنة حتى يقال له: بل هي بدعة!! إنها عادة ليس إلا، والأصل في العادات الإباحة ما لم تشتمل على محرَّم شرعاً، مع أن للقائل بجواز المظاهرات أن يستدل بخروج حمزة وعمر رضي الله عنهما؛ كل منهما على رأس صفّ من الصحابة – بعد إسلام عمر – ولهم كديد ككديد الطحين؛ حتى علت المشركين كآبة. إن المظاهرات التي لا تتضمن إتلافاً للمتلكات ولا انتهاكاً للحرمات إنما هي وسيلة من وسائل التعبير، ومن القواعد الشرعية أن للوسائل حكم المقاصد؛ فالحكم على مظاهرة ما بالحل أو الحرمة إنما يكون باعتبار الغاية التي من أجلها سيِّرت، ومعرفة الهدف الذي من أجله خرجوا، هل خرجوا لإنكار منكر أم إنكار معروف؟ هل خرجوا نصرة لحق أم باطل؟ هل خرجوا تعاوناً على البر والتقوى أم تعاوناً على الإثم والعدوان؟ هذه أسئلة من خلال الجواب عليها يتضح الحكم، ولا يصح إطلاق القول بالحل أو الحرمة هكذا. وبعضهم يدندن حول أن النصيحة تكون للحاكم سراً ولا يجوز أن تكون علناً أبداً؛ حتى إن بعضهم – نسأل الله السلامة – زعم أنه لا يجوز الخروج على حاكم تونس المحارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وهم في هذا يستدلون بحديث {من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية؛ ولكن يأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه} وهو حديث صححه بعض أهل العلم، ويغفلون مع ذلك عن نصوص تواترت من فعل الصحابة والسلف في إنكار المنكر علانية إن احتاج الأمر إلى ذلك. إن الله تعالى قد أوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحاكم والمحكوم، وجعل ذلك شرط خيرية هذه الأمة وعلامة أهل الإيمان؛ فقال سبحانه ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) وقال سبحانه ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) وفي الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة} وحديث أم سلمة يجمع ركني التعامل مع أئمة الجور، فلا يجوز منابذتهم بالسلاح، ولا يجوز السكوت على منكراتهم، والمنصف يعلم أن المتظاهرين في مصر وتونس ما حملوا سلاحاً ولا سفكوا دماً، لكن أكابر مجرميها هم الذين أجلبوا على المتظاهرين بخيلهم ورجلهم؛ فسلطوا المفسدين في الأرض ليسفكوا الدم الحرام ويقذفوا الناس تارة بالحجارة وتارة بقنابل المولوتوف، وأخرى بضرب الرصاص الحي على الرؤوس والقلوب!! ((ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)) وفي صحيح مسلم أيضاً في حديث الأمراء: {ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل} والجهاد باليد على الأمراء مشروع للقادر ما لم يكن بالسيف نص عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى. وعند الثلاثة قال صلى الله عليه وسلم {إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده} وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {.. ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصرا} وفي رواية فيها زيادة {أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم} وقد ثبت عند البخاري في تاريخه الكبير وغيره "أن عمر بن الخطاب الله عنه قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال ذلك مرتين، أو ثلاثا: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال بشير بن سعد رضي الله عنه: لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح أي عود السهم فقال عمر: أنتم إذاً أنتم" ثم إني سائلٌ أولئك القائلين بإباحة النصيحة سراً وتحريم الجهر بها: أين – في زماننا هذا - ذلك الحاكم المسلم الذي يلقى الناس في الطرقات ويغشى مساجدهم وأسواقهم – كصنيع أبي بكر وعمر ومن بعدهما من العدول الثقات – من أجل أن يستوقفه الناس ويبذلوا له النصيحة؟ إنكم شعرتم أو لم تشعروا تريدون تكميم أفواه الدعاة وأهل الخير من أجل أن ينطلق كل رويبضة بالحديث عن فساد الحكام – مما تراه كلُّ عين ويعرفه كلُّ أحد – يكتبون ذلك في صحفهم ويتحدثون به في منتدياتهم، والدعاة صامتون، ثم بعد ذلك يقرِّر أولئك في أذهان الناس أن الدعاة إلى الله عملاء للسلطة والشرطة، وإنهم أحلاس حكم وطلاب دنيا!!! أيرضيكم هذا يا أولي الألباب؟ أيرضيكم أن يتحدث العلماني واللاديني والعميل والفاسق في أمر العامة، والدعاة إلى الله تعالى قد كُمِّمَت أفواههم باسم الدين؟ ثم من الذي قال إن ثمة تلازماً بين الخروج وبين التنبيه على الخلل وبذل النصح للوزير والرئيس والمسئول؟ إنه لا تلازم البتة، بل إننا نقول: إن الحكام – في الدنيا – لا يخلو أحدهم من واحد من ثلاثة أوصاف: الحاكم المؤمن العادل: فهذا الذي تجب طاعته ودعوة الناس إلى لزوم غرزه وتعظيمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وذي السلطان المقسط، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه} وقوله عليه الصلاة والسلام {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل....} الحاكم الكافر: وهذا لا تنعقد له ولاية، سواء كان كفره أصلياً – كاليهودي والنصراني والملحد – أو طارئاً – كالمرتد – مع وجوب التنبُّه إلى أن الحكم بالردة لا يصدره إلا الراسخون في العلم ممن يعرفون الشروط والموانع، وقد نقل أئمة الإسلام – كالقاضي عياض والإمام النووي والحافظ ابن حجر وابن المنذر والقرطبي - الإجماع على أن الولاية لا تنعقد لكافر، وأن المسلم متى ما طرأ عليه الكفر انعزل. الحاكم المسلم الظالم: وهذا الصنف معظِّمٌ للشرع حاكم به منقاد له؛ لكنَّ فيه ظلماً ورهقاً من سفك للدم الحرام، أو تخوض في مال الله بغير حق، أو محاباة للقرابة وما إلى ذلك من أنواع الظلم، فهذا الذي يُنصح سراً إن كانت معصيته سراً في شأن خاص، ويُنصح علانيةً إن كان المنكر الذي يرتكبه يتعلق بحقوق العامة، وهذا هو فهم السلف رحمهم الله تعالى؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن حصين بن عبد الرحمن السلمي قال: كنت إلى جنب عمارة بن رويبة السلمي رضي الله عنه والأمير بشر بن مروان يخطب، فلما دعا رفع يديه، فقال عمارة: قبَّح الله هاتين اليدين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا ورفع السبابة وحدها. وعند مسلم أيضاً عن طارق بن شهاب رضي الله عنه أنه قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} وهذا الذي قرره أئمة الإسلام الكبار؛ من أن المنكر إذا ارتكب سراً فإن الإنكار يكون سراً، وإذا ارتكب علانية فإن الإنكار يكون علانية، ففي فتح الباري (17 / 238) قال الحافظ: وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به.ا.ه وفي الفتاوى الكبرى (3 / 434) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من فعل شيئاً من المنكرات كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} فإن كان الرجل متستراً بذلك وليس معلناً له أنكر عليه سراً وستراً عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {من ستر عبداً ستره الله في الدنيا والآخرة} إلا أن متعدي ضرره والمتعدي لا بد من كف عدوانه وإذا نهاه المرء سراً فلم ينهه؛ فعل ما ينكفُّ به من هجر وغيره إذا كان ذلك أنفع في الدين، وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره. فلا يسلم عليه، ولا يرد عليه السلام، إذا كان الفاعل لذلك متمكنا من ذلك من غير مفسدة راجحة.ا.ه وإن الناظر في شأن هذه المظاهرات بعين الإنصاف يجد أنه رغم ما صحبها من جراح وآلام إلا أنه قد ترتب عليها خير كثير؛ فبالإضافة لزوال حكم طاغية تونس ودوال دولته، وما تبع ذلك من رجوع المشردين ))الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله(( والقبض على عتاة المجرمين ))الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد(( نرى بشائر الخير تترا؛ فكم من حاكم كان متكبراً متجبراً متغطرساً يرى أنه نسيج وحده وفريد دهره، وأنه من طينة غير طينة البشر، وأن الله قد خلقه ليحكم هو ثم ذريته من بعده؛ قد خرج على الناس خائفاً مذعوراً يعدهم بأنه لن يترشح ثانية ولن يورِّث الحكم لولده من بعده؛ بعدما ظن أولئك أن الناس عبيد لهم ولذرياتهم من بعدهم، وكم من حاكم سارع لإعطاء الشعب بعض حقه في مال الذي آتاهم، وقد عهد عنه من قبل استئثاره وحاشيته بكل شيء؛ والناس يتضورون جوعاً ويعانون مرضاً، وكم من حاكم عمد إلى إقالة الوزراء المفسدين واستبدل بهم غيرهم، بل أعلن عن محاسبة من زوَّروا إرادة الشعوب وانتهكوا حرماتها، وأخر كان يتكبر عن الجلوس مع رعيته والاستماع إليهم رأيناه يستجدي الجلوس معهم، ويعرض عليهم المشاركة في الحكم!!! ومن الفوائد كذلك إيقاظ روح المقاومة في الشعوب المسلمة حتى لا تذل لغير الله عز وجل ولا تخضع لغير خالقها سبحانه وتعالى، فحقيقة الأمر أن مصالح تلك المظاهرات رابية على مفاسدها، يعلم ذلك كل منصف، ومن هنا شارك فيها وحضَّ عليها كثير من أهل العلم الفضلاء ممن يشهد لهم الناس بالعلم والتريث والحكمة والتجرد. وإني لمدرك أن بعض فضلاء أهل العلم من القائلين بحرمة المظاهرات وقصر النصيحة على السر دون العلن؛ إنما قالوا ذلك من واقع معين يتأتى فيه لأهل العلم أن يلقوا ذا السلطان الممكن ويبذلوا له النصح سراً؛ كما أن كلامهم منصب على المظاهرات التي يصحبها تخريب للممتلكات العامة والخاصة وترويع الآمنين؛ لذا ينبغي أن يقال: من استطاع أن يوصل نصيحته كتابة أو شفاهة فليفعل، وليتق كل امرئ ربه ما استطاع؛ وليحذر ناس قد صاروا أبواقاً للطغاة وألسنة تنطق نيابة عن الظلمة العتاة؛ وما درى أولئك أنهم يسيئون للدين من حيث لا يشعرون، والله الهادي إلى سواء السبيل....