منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقلات: ضوابط التجديد

تجديد الدين من المفاهيم التي اختلطت عند كثير من الناس والتبست، حتى ظنوا أن كل من يأتي برأي جديد في المسائل الدينة مجددا. وادعى كثير من الناس التجديد وهم ابعد الناس عنه وأكثرهم نقضا لها. ولهذا كان من الضروي أن تذكر بعض الضوابط التي تجعل المعنى الصحيح للتجديد لا يلتبس بالمعاني الخاطئة التى قد يلصقها بعضهم بمفهوم التجديد، وهذه الضوابط مأخوذة من مصادر الإسلام الاصلية التي عليها مدار فهم هذا الدين. وفيما يلي عرض مختصر لهذه الضوابط زيادة في توضيح لمفهوم التجديد وتأكيدا لمعناه الصحيح.
الاعتماد على النصوص الموثقة
يأتي في مقدمة ضوابط التجديد، اعتماده في فهم الدين والسعي لإحيائه، على نصوص صحيحة موثقة معتمدة. ولقد تعهد الله تعالى بحفظ نصوص القرآن، إذ قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (سورة الحجر: آية 9)، فلم يدخل في حروفه تحريف ولا زيادة ولا نقص، مثل ما حدث للكتب السابقة التى وكل أمر حفظها لأهلها كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) (المائدة: 44)، فضيعوها وحرّفوها[1]. أما القرآن فلم يدخله تحريف، وقد أجمعت الأمة بجميع طوائفها على ذلك. وإن كان قد طعن في القرآن بعض الطاعنين قديما وحديثا بشبهة التحريف والنقص، إلا أن ما قالوه ليس إلا ظنونا وأوهام لا يقوم عليها دليل. فمن أولئك غلاة الشيعة الإمامية الذين ادعوا في بعض كتبهم زيادات ونقصا، رووها بروايات ضعيفة غير ثابته، ردها وفندها كثير من العلماء منهم بعض علمائهم المعتبرين. يقول الطبرسي - مثلا- في مجمع البيان ما نصه "أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها وأما النقصان فهو أشد استحالة". ثم قال "إن العلم بصحة نقل القرآن، كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه شيء فيما ذكرناه، لأن القرآن مفخرة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد."[2] وحاول بعض المستشرقين في العصر الحاضر إثارة شبهات حول توثيق نص القرآن، ولكنهم عجزوا أن يأتوا بدليل علمي مقبول، مع كثرة البحث والتنقيب وجمع مخطوطات القرآن القديمة ومقابلتها مع بعضها البعض.
ومع سلامة نص القرآن الكريم من التحريف وثبوته، فإن ذلك يشمل القراءات برواياتها ووجوهها المنقولة الثابتة بضوابطها المتفق عليها، حسب ماصرح به علماء القراءات وجهابذتهم. ومن أولئك الإمام ابن الجرزي الذي قال في أول كتابه عن القراءات: (كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة، التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة، أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف.)[3] فكل قراءات القرأن يعتمد عليها في فهم الدين وفقهه وأحكامه وتجديده وإحيائه.
أما ضبط نصوص الحديث وتوثيقها فقد توفرت له جهود ضخمة ممتدة من العصور الأولى حتى عصرنا الحاضر، وتمخضت تلك الجهود في حفظ نصوص الحديث وتنقيتها مما شابها من وضع وزيادة وتحريف، وتدوينها في دواوين متداولة معروفة، من كتب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها. ومع كثرة التنقيح والتمحيص فلا تزال كثير من الأحاديث الواهية الضعيفة بل الموضوعة منتشرة ومشتهرة، وإذا اعتمد التجديد على نصوص حديثية غير صحيحة ولا موثقة، فإنه يكون تجديدا أعرج قد يفسد أكثر مما يصلح. وهذا مجدد القرن الخامس الهجري أبوحامد الغزالي، مع الاعتراف له بالفضل وبكثير من المزايا، إلا أن إصلاحه وتجديده، وبخاصة كتابه (إحياء علوم الدين)، قد شابه كثير من الدخن والبدع بسبب اعتماده على الأحاديث الضعيفة وشحن كتابه بها، كما سيأتي بيانه لاحقا في دراسة آثار المجددين في الفصل الثاني من هذا الباب. فلا بد للتجديد أن ينضطبط بالنصوص الحديثية الصحيحة وإلا لم يكن تجديدا بالمعنى الصحيح.
اتباع مناهج علمية في فهم النصوص
إذا كان القرآن والحديث هما المصدران الأساسيان للدين، فإن توثيق نصوصهما وحفظهما من الضياع ركن أساسي لأي تجديد للدين. لكن مما لا شك فيه أن النصوص ليست حروفا وألفاظا وأصواتا، إنما النصوص معاني ومفاهيم، ولهذا فإن بقاء أي دين وتجديده ودوامه إنما يكون بفهم نصوصه الأصلية فهما صحيحا، وحفظ معانيها السليمة وعدم تحريفها وتغييرها وتبديلها. ومثل ما توفرت لضبط نصوص القرآن ونصوص الحديث وتوثيقها، مناهج علمية معروفة في علوم القرآن علوم الحديث، كذلك توفرت لضبط فهم النصوص وتأصيل معانيها، مناهج علمية معروفة في أصول تفسير القرآن وفي أصول الفقه. هذه الضوابط العلمية لفهم النصوص من أهم ضوابط التجديد السليم التي ينبغي له أن ينضبط بحدودها ولا يتجاوزها وإلا كان تحريفا وانحرافا. وليس القصد هنا استقصاء هذه الضوابط وإنما تكفي الإشارة لأهمها[4].
من أول ضوابط فهم نصوص القرآن والحديث أن اللغة العربية هي المفتاح لمدلولاتها ومعانيها، والمقصود بها اللغة التي كان يتحدث بها العرب في عهد نزول القرآن. يقول ابن تيمية: (يحتاج المسلمون الى شيئين: أحدهما معرفة ما أراد الله و رسوله صلى الله عليه و سلم بألفاظ الكتاب و السنة، بأن يعرفوا لغة القرآن التى بها نزل، و ما قاله الصحابة و التابعون لهم بإحسان و سائر علماء المسلمين فى معانى تلك الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب و السنة عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ، و كانت معرفة الصحابة لمعانى القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، و قد بلغوا تلك المعانى إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه.)[5]وحسب هذا الضابط فإن معاني ألفاظ القرآن والحديث تؤخذ من لغة العرب في عهد ظهور الإسلام، وليس بحسب ما تولد بعد ذلك واستجد فيها من معان. وقد قامت جهود ضخمة لحفظ لغة القرآن وبقائها حية مستمرة، مع تطاول العهد وتطور اللسان العربي وتغيره.
ومن ضوابط فهم النصوص أيضا أن تفهم في حدود المعاني التي فهمها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبع نهجهم من العصور التالية، حسب ما أشار إليه قول ابن تيمية المنقول في الفقرة السابفة. ولا يعني ذلك جمود معاني القرآن على التراث المنقول عن السلف، إذ أن معاني القرآن يمكن أن تتسع وتستوعب معاني جديدة بحسب اتساع المعارف والتجارب البشرية المتراكمة ، لكن اتساع معاني القرآن هذا ينبغي أن يكون أساسه ما فهمه السلف من المعايى، ولا يكون مناقضا ومخالفا لها. فتظل معاني السلف للنصوص هي الأصل والمحور الذي يتسع وينساح لكل جديد من علوم ومعارف.
ومن ضوابط فهم النصوص أن تقرأ في ضوء الظروف والأحوال التاريخية التي صاحبت نزولها، وهو ما يعرف بأسباب النزول وفيه مؤلفات كثيرة شائعة وكتب التفسير وشروح الحديث تنقله وترويه، لأنه من أسس الوقوف على المعاني وإزالة ما يلابسها من الإشكال والغموض. قال ابن دقيق العيد: (بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن)، وقال ابن تيمية: (معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب)[6].
ومن ضوابط فهم النصوص أن تعتبر وحدة متكاملة، يفهم بعضها في سياق البعض الآخر، ذلك أن بعضها يبين بعضا، وكلها من معين واحد لا تناقض فيه ولا اختلاف، كما قال الله تعالى في وصف القرآن: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) سورة النساء: 82. ولهذا يقول ابن تيمية في كتابه أصول التفسير: (فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب أن أصح الطرق فى ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل فى مكان فانه قد فسر فى موضع آخر، وما اختصر من مكان فقد بسط فى موضع آخر. فان أعياك ذلك فعليك بالسنة، فانها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الامام أبو عبدالله محمد بن ادريس الشافعى: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة النحل: 44)، وقال تعالى: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (سورة النحل: 64). ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الا انى أوتيت القرآن ومثله معه) يعنى السنة، والسنة أيضا تنزل عليه بالوحى كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الامام الشافعى وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك)[7].
وخلاصة الأمر أن ضوابط فهم النصوص هي التى تحفظها من الضياع والتبديل، والتجديد السليم هو الذي ينضبط بضوابط فهم النصوص هذه، وإلا كان تحريفا للنصوص عن مواضعها بتأويلها بغير تأويلها الصحيح.
الالتزام بضوابط الإجتهاد
الاجتهاد من وجوه التجديد الأساسية التى لا يكتمل إلا بها، إذ لا يخلو عصر أو بلد من جديد لم يكن معلوما من قبل. ولكن ذلك الاجتهاد الذي يصاحب التجديد ليس باجتهاد غير ملتزم ولا منضبط، بل هو اجتهاد بالمعنى الفقهي الأصولي للاجتهاد، ملتزم ومرتبط بضوابط تسدد مسيرته وتهدي طريقه، وتقربه من الصواب وتبعده من الخطأ والزلل. فللاجتهاد منهج علمي محدد مرسوم، لا يمكن أن يتجاوزه الباحث المجتهد، مثله في ذلك مثل كثير من علوم البشر ومعارفهم، مقيدة بمناهج علمية مرتضاة من علمائها، لا بد لكل باحث من التزامها. وقد بينت كتب أصول الفقه مناهج الاستنباط والاستدلال، ببحوث كثيرة وثرة وغنية.
وقد تنوعت وتعددت عبارات الأصوليين في تعريف الاجتهاد، وليس هذا موضع بسطها وهي مذكورة في كثير من المصادر، منها على سبيل المثال تعريف الشوكاني أنه (بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط) [8]. وبالنظر في دراسات الأصوليين عن الاجتهاد يمكن أن تتبين عدة ضوابط ترسم منهجه وتحدد مجاله، وبالتالي تضبط التحديد الذي لا محيد له من الاجتهاد لبيان أحكام الشرع في الحوادث الطارئة المتغيرة.
من الواضح بادي ذي بدء أن الاجتهاد لا بد أن يكون من فقيه مؤهل له مقدرات عالية علمية وعقلية وسلوكية، تمكنه من القيام بجهد علمي مرموق لاستكشاف الحقيقة، مثله في ذلك مثل كل خبير في فن من الفنون أو علم من العلوم، لا يمكن أن يأتي بالجديد فيها من اختراعات واكتشافات إلا من كان عالما جامعا حاذقا ماهرا. وقد تحدثت كتب الأصول عن مؤهلات المجتهد بين موسع ومضيق[9]، إلا أنه من غير المقبول ولا المعقول أن يتطفل على الاجتهاد دخلاء ليس لهم من العلم الشرعي إلا النذر اليسير، يتجرأ أحدهم على الفتيا في أعقد المسائل الشرعية، وهو لا يحسن إعراب بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم إن الاجتهاد لا يكون إلا بدليل شرعي معتبر، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء: حلّ أو حرم، إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر في كتاب الله أو السنة أو الإجماع أو القياس).[10] ولا يجوز لأيِّ مجتهد أن يقول بغير علم أو استناد إلى أدلة، وقد نقل الإمام ابن عبد البرّ إجماع الأئمة على ذلك فقال: "الاجتهاد لا يكونُ إلا على أصول يُضاف إليها التحليل والتحريم، وأنه لا يجتهد إلا عالمٌ بها، ومن أشكل عليه شيءٌ لزمه الوقوف ولم يُجز له أن يحيل على الله قولاً في دينه لا نظير له من أصل ولا هو في معنى الأصل، وهو الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديماً وحديثاً فتدبّر"[11]. واعتمادا على هذا فلا ينبغي أي يقبل أي اجتهاد يخالف نصا في القرآن أو السنة، أو يخالف مقاصد الشريعة العامة.
ولا بد للاجتهاد من التفرقة بين الثوابت الدائمة والمتغيرات، فتغير الفتوى والأحكام له أسباب كثيرة أوضحها الفقهاء في مواضع كثيرة، منها ما أشار إليه الإمام ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين في فصل جعل عنوانه: "فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد"[12]، ولكن تلك المتغيرات كلها تقع تحت تغير المصالح والأعراف، وهو ما يمكن أن يكون متغيرا، أما الأحكام القائمة على نص فهي ثابتة أبدا. يقول الإمام ابن حزم مؤكدا هذه الحقيقة :( إذا ورد النص من القرآن أو السنة الثابتة في أمر ما على حكم ما .. فصح أنه لا معني لتبدل الزمان ولا لتبدل المكان ولا لتغير الأحوال ، وأن ما ثبت فهو ثابت أبدا ، في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل حال ، حتى يأتي نص ينقله عن حكمه في زمان آخر أو مكان آخر أو حال أخرى)[13].
منافاة الابتداع
من ضوابط التجديد الهامة أنه يضاد الابتداع تماما، فالتجديد والابتداع ضدان ليس فقط لا يجتمعان، بل إن كل واحد منهما ينفي الآخر ويصادمه ويهدمه. وقد يخلط بعض الناس أن التجديد هو الاتيان بجديد، وهو بذلك يشتبه عليهم بالابتداع. لكن جديد التجديد هو ما كان له أصل، وذلك معنى جديد كما سبق توضيحه في مباحث اللغة، أما جديد الابتداع فهو ما لا أصل له سابق، وهو الجديد المذموم إذ لم يقم على دليل شرعي يسنده. وسيأتي في الفصل القادم أن من مجالات التجديد الهامة تصحيح الانحرافات والبدع.
[1] انظر في ذلك تفسير القرطبي ج/10 ص: 5.
[2] مجمع البيان، الطبرسي، ج/1 ص 15.
[3] النشر في القراءات العشر، للحافظ محمد بن محمد بن الجزري ، ج/1 ص: 8.
[4] انظر في فقه التدين فهما وتنزيلا، الدكتور عيد المجيد النجار، الدوحة، كتاب الأمة، 1420.
[5] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير، ج/1 ص 353.
[6] الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ج/1 ص 87
[7] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير، ج/13 ص 363.
[8] إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، ص 418 وما بعدها.
[9] انظر مثلا المستصفى في علم الأصول،: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، ص342.
[10] الرسالة بتحقيق أحمد شاكر ص39.
[11] جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر النمري ج/2 ص 57.
[12] إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، ج/2 ص 425.
[13] - الأحكام في أصول الأحكام - ابن حزم ج/5 ص 771 - 774.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.