عاشوراء يوم من أيام الله المشهودة، وأيام الله هي الأزمنة التى حدثت فيها وقائع عظيمة، سواء كانت نعم جليلة أو مصائب ومحن شديدة، وذكرى مثل هذه الأيام فيه عبر وعظات لكل من له عقل وإدراك، وتستفاد منه دروس تنفع الناس في حاضرهم ومستقبلهم، وتفتح لهم أبواب الفرح والشكر على ما هم فيه من نعم، والصبر والرضا على ما هم فيه من مكاره ومحن، والأمل والرجاء في الفرج والنصر، قال تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) . وتأتي عاشورء هذه السنه والعالم العربي يشهد انتصارا كبيرا للإسلاميين وصعودا في عدد من البلدان بعد عقود عديدة من الإضطهاد والتشريد والطغيان، مما جعل ذكرى عاشوراء هذه السنة له طعم خاص ومذاق متميز، لأنه اليوم الذي نجا الله تعالى فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وحاشيته وجنوده. لاشك أن عاشوراء كان تحريرا للإسرائيلين على يد نبي الله موسى عليه السلام، من الاستعباد والاستضعاف الذي رزخوا فيه دهورا مديدة، ومن أجل عظمة هذا الحدث ظلوا يحتفلون بذكراه حتى عصورنا هذه، ويسمونه يوم الخروج يعني خروجهم من مصر وعبورهم لأرض فلسطين. وهو العيد الذي يعرف عند اليهود بعيد الفصح، وإن كان تاريخة يختلف عند اليهود المعاصرين عن تاريخه عند المسلمين إذ يؤرخون للاحتفال به في شهر ابريل حسب حساباتهم. وتذكر الروايات الصحيحة أن يهود المدينة كانوا يعظمونه ويصومونه على عادة اليهود، فقد روى ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم : فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه) [ متفق عليه]. ومن نعم الله الكبيرة وحوادثه العظيمة التى تصادف ذكرى عاشوراء هذه السنة، هذه الثورات العربية التى هزن عروش الطغيان، وأسقطت أنظمة استبدادية وطغاة جثموا على صدر الأمة، ما كان أحد يتصور تهاويهم بمثل هذه السرعة وفي أكثر من بلد. ثم كانت المفاجأة الأخرى التى أعقبت ذلك صعود الإسلاميين وفوزهم في الانتخابات بنسب كبيرة، وتشكيلهم لحكومات إسلامية. هذه التحولات الضخمة جرت في الشهور الماضية، وشهد العالم كله بشائر لتغييرات كبيرة تحدث في هذه الدول. وإذا كانت عاشوراء يوم تحرير ونصر لقوم موسى أوجب الشكر والحمد بصيامه، ويصومه المسلمون كل سنه شكرا واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أحرى بالناس وهم يصومونه هذه السنة أن يتذكروا دوما، أن نصر الله قريب، وأن ما وعد به من تبدل الحال من ذل واضطهاد إلى تمكين وغلبة، أمر واقع وملموس. هذه النعم الكبيرة التى تحل بالعالم الإسلامي مع قدوم عاشوراء، أحرى وأولى أن تقابل بما تستحقه من شكر، وأول ذلك الشكر الاعتراف بنعمة الله تعالى ونسبة النجاح والنصر إليه ولتوفيقه، وثانيها استعمال ذلك التغيير الحادث في تمكين دينه وإرساء منهجه في الحياة.