تمثل تنزانيا الخط الأمامي الرئيس لامتداد الإسلام نحو جنوب القارة الأفريقية، وأغلب سكانها من المسلمين سواء في البر الأفريقي ومركزه «دار السلام» أو جزيرة «زنجبار».. اُبتُلِيَت كما ابتليت بعض البلدان الإسلامية بمرض الاشتراكية وسيطرة الأقلية على الأكثرية، وحصلت مجزرة في زنجبار وتسلط «نيريري» المسيحي وحزبه «الاشتراكي» على البلاد؛ مما جعل المسلمين في الدنيا يتهيبون من الدخول لهذا البلد الذي تركوه فريسة لأعداء الإسلام. قام العلامة الكبير والداعية عبدالعزيز بن باز يرحمه الله تعالى، بإرسال العديد من الدعاة إلى جميع أنحاء العالم، وقد اختار داعيةً سودانياً كفؤاً هو د. عباس مصطفى مقبول، أرسله إلى تنزانيا، ووفق هذا الداعية بالنجاح في مهمته، وفتح البلد على أبوابه في التوعية الإسلامية والخدمة الاجتماعية والتعليم والتوجيه، وعمّق علاقاته بكل طبقات المجتمع التنزاني المسلم، من نائب رئيس الجمهورية «عبود جمبي» يرحمه الله تعالى، إلى رجل الشارع التنزاني المسلم، وطلبة الجامعات والمعاهد الإسلامية، وأرسل العديد من أبناء المسلمين لتلقي علومهم الدينية إلى مختلف البلدان. قضى عباس مقبول على الفكرة التي تقول: إن تنزانيا مغلقة للمسيحية العالمية، ولا يسمح لأي داعية مسلم بالدخول فيها..فأرسى بذلك قواعد النهضة الإسلامية في هذا البلد، ومهَّد الطريق لمن جاء بعده، لقد تعاونت معه الهيئة المرسلة له وهي دار الإفتاء في ذلك الوقت، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والجهات الإسلامية الفاعلة في السودان، والجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة. إن لتنزانيا موقعاً خاصاً في نفسي؛ حيث رأيت في مجلة «TIME» الأمريكية عام 1960م خريطة لأفريقيا وعليها حزام يمتد من شمال تنزانيا إلى شمال نيجيريا وأسموه «الحزام الإسلامي»، ومكتوبٌ عليه «ما فوق الحزام لكم يا مسلمين وما تحته لنا نحن النصارى»، ومن يومها صار لدي تحدٍّ للاهتمام بتنزانيا وما بعدها إلى جنوب القارة الأفريقية التي زرتها أربع مرات. أما تنزانيا، فقد يسر الله سبحانه لي أن أصاحب الداعية د. عبدالله الزايد يرحمه الله تعالى الذي كان مديراً للجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، وقد زرنا تنزانيا عام 1981م، واطلعنا على جهود الداعية السوداني عباس مقبول، الذي أوصلنا بكافة طبقات المجتمع، استضافنا نائب رئيس الجمهورية، واجتمعنا بالعلماء ووجهاء المجتمع وطلبة الجامعات، واطلعنا عن قرب على جهد هذا الداعية الموهوب، ومن ثم كتبت تقريراً إضافياً عن هذه الزيارة لمعالي د. أحمد محمد علي، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، وكانت نتيجته ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار كمساعدات ثقافية وعلمية واجتماعية للمسلمين في تنزانيا. انتقل عباس مقبول إلى بريطانيا كداعية في مدينة «ليدز»، وكان خير داعية وممثل للإسلام، وحصل على شهادة الدكتوراه بجامعتها، وعاد عباس من «ليدز» إلى المملكة العربية السعودية، واقترحت عليه أن يذهب للدعوة إلى أستراليا التي زرتها أربع مرات. كان متردداً في البداية، وكان لديه عرضان الأول من رابطة العالم الإسلامي ليعمل مندوباً لها في أستراليا، والثاني من جامعة «الإمام» للعمل في معهدها في نواكشوط في موريتانيا . اختار عباس العمل في الصحراء بدلاً من أستراليا الخضراء، والتحق للعمل بمعهد جامعة «الإمام» في موريتانيا لبضع سنوات، ثم أغلقت حكومة موريتانيا العسكرية المعهد، فرجع عباس إلى ربوع السودان، بلده الأصلي ليقوم بدور ريادي آخر على مستوى أفريقيا منطلقاً من السودان. وبعد بحث طويل في العناوين عثرت على وسيلة الاتصال بالداعية عباس.. أخبرني أنه يقيم في السودان معهداً للقرآن الكريم والدراسات الإسلامية على أرض مساحتها عشرون فداناً يدعو فيه طلبة من تنزانيا التي عشقها وشرق أفريقيا وجنوبها وغربها. وربطت بين عباس مقبول والندوة العالمية للشباب الإسلامي المباركة في جدة، وهي التي تنور أفريقيا ولها جهودها الكليلة، وكلي ثقة إن شاء الله تعالى بأن الندوة العالمية وغيرها من المؤسسات الإسلامية سترعى مشروع د.عباس مقبول، ليتم مشواره في خدمة الإسلام في القارة السمراء. إن الشباب الجامعي الذين رباهم عباس مقبول يحتلون الآن المراكز العليا في تنزانيا، ففيهم وزراء ورؤساء إدارات مهمة في البلد وعلماء ودعاة، بل إن أحدهم مرشح لرئاسة الجمهورية وهو على صلة بهم إلى يومنا هذا. ومن دراساتي لرجالات الدعوة الإسلامية في عموم العالم الإسلامي، فإني أرى أن عباس مقبول يسير على خطى الصحابة الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان، الذين إذا ما حلو في بلد أضاؤوا الطريق ونوروا القلوب وأرسوا قواعد الإسلام التي مهدت للأجيال المتعاقبة، وينطبق عليه حديث الرسول "صلى الله عليه وسلم": «من سنَّ سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فعباس قدوة لكل داعية يتصدى للعمل الإسلامي في أرض الله الواسعة.