الشيخ الدكتور عباس مصطفى المقبول، من الدعاة إلى الله تعالى الذين تفرغوا للعمل في مجال الدعوة، وقضى شطرا من عمره يبين للناس تعاليم الإسلام ويهديهم إلى سبيل الحق، وقد قصد شرق القارة الإفريقية داعيا قبل أكثر من خمس وثلاثين عاما في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. والرجل من مواليد جبل أولياء شرق 1944م، حفظ القرآن في أم ضواً بان مبكرا، ودرس الثانوي في معهد أمدرمان العلمي، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حيث تخرج في كلية الشريعة في العام 1969م، عمل بالمدارس الثانوية بعدة مناطق كالهلالية، وبخت الرضا لمدة سبع سنوات بعد التخرج قبل أن يغادر إلى تنزانيا للعمل في مجال الدعوة الإسلامية. التقينا به في داره العامرة بضاحية الطائف بالخرطوم وقلّبنا معه بعضا من ذكرياته وجوانب تجربته في العمل الدعوي بتنزانيا. * الشيخ الدكتور عباس مصطفى دعنا نعود إلى بدايات عملكم كداعية في تنزانيا.. متى بدأ ذلك وما هي قصة ابتعاثكم إلى هناك ولماذا اخترت تنزانيا بالذات؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، بعد إنشاء الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كنت ممن طلبوهم بالاسم للعمل كداعية في إفريقيا، وقابلت الشيخ عبد العزيز بن باز الذي طلب مني أن اختار دولة إفريقية للعمل بها، فاخترت تنزانيا، وكان قبلي قد ذهب الدكتور أحمد علي الإمام بطلب من رئيس زنجبار للتدريس بمعهد هناك، فطلبت أن أكون قريبا منه، كنت في دار السلام والدكتور أحمد علي الإمام في زنجبار وبيننا ربع ساعة بالطائرة، وكنا نلتقي كثيرا، وتعاونا معا في مجال الدعوة لأكثر من أربع سنوات، ولم يكن الأمر سهلا، فقد كانت العيون مبثوثة ضد أي عمل إسلامي، وواجهنا صعوبات كثيرة، لكننا استطعنا بحمد الله تعالى أن نكسب الناس، وتعلمنا اللغة السواحلية، فاطمأنوا إلينا، والأفارقة بطبيعتهم يطمئنون للسودانيين أكثر من غيرهم من العرب.وكان ذلك أيام حكم نيريري في تنزانيا. * ماهي الأعمال التي بدأتم بها في ذلك الوقت؟ بدأنا نساعد في المنح الدراسية للمسلمين التنزانيين، على أساس أننا مستقبلا سنغادر تنزانيا لأننا لسنا مواطنين، فأردنا أن يستفيد المواطنون المسلمون، فقمنا بالتنسيق مع المركز الإسلامي الإفريقي بالخرطوم باستيعاب عدد من الطلاب، كما أرسلنا طلابا إلى السعودية وإلى جهات كثيرة، وقد زارتنا وفود من الدول العربية، كما استضافت منظمة الدعوة الإسلامية في بداية الثمانينيات رئيس زنجبار السيد عمر جومبي وكان ضيف شرف لإحدى احتفالات المنظمة بالخرطوم. * إلى أي مدى استطعتم التغلغل في أوساط المسلمين هناك، وهل نشأت علاقات اجتماعية بينكم بالإضافة للعلاقة العلمية القائمة على الدعوة والتعليم؟ كنا نقيم الدروس والمحاضرات بالمساجد، واصبح المسلمون في تنزانيا يثقون بنا ويطمئنون إلينا، لدرجة أنه يوسطوننا في خلافاتهم العائلية، وعندما نذهب إلى بيوتهم، وعندما نذهب إلى بيوتهم نحمل بعض الهدايا، وندعو لهم، فتنتهي مشاكلهم لأنهم يحترمون الدعاة، ويتبركون بهم. * كيف كانت علاقاتكم مع المنظمات الدعوية العاملة هناك كمنظمة الدعوة الإسلامية مثلا؟ في بداية الثمانينيات زارنا في تنزانيا المرحوم مبارك قسم الله، وكان يواجه صعوبة حينها في افتتاح مكتب لمنظمة الدعوة الإسلامية في تنزانيا، فذهبت معه إلى زنجبار، وقابلنا رئيس زنجبار السيد عمر جومبي وكان نائبا للرئيس التنزاني أيضا، فرحب بمنظمة الدعوة الإسلامية ووافق على افتتاح المكتب في زنجبار، لكن كان يمارس أنشطته في كل تنزانيا. * ماهي أهم المعينات للداعية ليكسب ثقة الناس هناك؟ تعلم اللغة المحلية من أهم المعينات للدعاة، لأن أهل البلدة يعتزون بلغتهم، أما اللغة الإنجليزية فهي لغة الصفوة فقط ولا يجيدها أكثر من 3% من السكان، والذين يتعلمون اللغة الإنجليزية فقط في الجامعات لا يستطيعون مخاطبة الجمهور المسلم في تنزانيا، واللغة السواحلية قريبة من اللغة العربية فعلى الدعاة الذين يذهبون إلى هناك تعلمها حتى يستطيعوا تقديم الدعوة للمسلمين هناك. * العمل الدعوي يواجه أحيانا بعض الإشكالات والصعوبات.. ما ملامح الصعوبات التي كانت تواجهكم في ذلك الحين؟ في جيلنا كانوا يقسمون الناس إلى قسمين: قسم المشايخ ويعتقدون أن أكثرهم لا يعرفون السياسة، وقسم الأفندية وكثير منهم لا يفقهون كثيرا في الدين. وأحيانا بعض المنظمات الدعوية ترسل إلى إفريقيا صنف الأفندية باعتبارهم يفهمون في الأمور الإدارية أكثر حسب رؤيتهم، لكن المشكلة أن بعض هؤلاء الأفندية لا يحسن الصلاة، وبالإدارة فقط في العمل الدعوي لاتُجني الثمرات، وهذا ما وقعت فيه الكنيسة من قبل، فأرسلت عددا من الموظفين وبعضهم تورط في جرائم أخلاقية وفشل في تقديم الدعوة، واعتقد أن المال وحده لا يكفي للاقتناع بالدعوة، والداعية الإسلامي الحقيقي لو قدّم دولارا واحدا أفضل ممن يقدم مليون دولار وهو ليس بداعية، وأذكر أن الدكتور أحمد علي الإمام قدّم بجهده لزنجبار ما لم تقدمه الملايين التي جاءت من بعده. * على ذكر الكنيسة هل صادفت جهود التنصير نجاحا يُذكر في تنزانيا في ذلك الزمن؟ الكنيسة من يدخلها لا يدخلها من أجل الدعوة، هناك مثلا الفقراء الذين تأخذ الكنيسة أبناءهم لتعليمهم، وهم لا يعترضون على هذا بسبب الفقر لكن لو عرضت عليهم الكنيسة النصرانية لا يقبلون ولو ماتوا من الجوع، لهذا لم يرتد مسلم إطلاقا إلى النصرانية في تنزانيا، وحتى النصارى في الكنيسة لهم حنين للإسلام لأنهم يرون المعاملة الطيبة والإخاء بين المسلمين، والمولد هناك يشهد احتفالات ضخمة، والكنيسة تنشط في هذه الفترة بالمعونات والملابس، وبعضهم يأخذ الملابس الجديدة من الكنيسة ليتمكن من حضور المولد بحُلة جديدة، وأهم شيء في الدعوة معاملة الداعية للناس واهتمامه بشكله العام. * بدأتم العمل الدعوي أيام حكم نيريري ومعروف أن نيريري مصنّف كاشتراكي ويكره الدعاة، فكيف تعاملتم مع هذه النزعة لدى حاكم تنزانيا حينها؟ نيريري ليس اشتراكيا ولا شيوعيا، لكنه أراد أن يقاطع العرب فادعى الشيوعية لمعرفته كراهية العرب في الشيوعية، ونيريري صليبي ممعن في صليبيته، وهو خليفة هيلاسلاسي وقاد حملة تنصير إفريقيا عام 2000م، وبعد الرؤساء العرب للأسف صادقوه لأنهم علمانيون، وقد عمل هؤلاء الرؤساء ضد دينهم، أمّا نيريري فقد خدم دينه، وبذلك مهّدوا الطريق لضرب زنجبار. * المعروف أن تنزانيا أكثر من 70% منها مسلمون.. فكيف وصل نيريري لرئاسة الدولة في ظل غالبية مسلمة وهو ليس بمسلم؟ أيام الاستعمار الانجليزي لتنزانيا كانت الجهة الوحيدة التي تقاوم المستعمر هم المسلمون، وعندما بدأت الحركة الاستقلالية تكوّن حزب (تانو) ومجلسه القيادي به ستين عضوا كلهم من المسلمين وليس بينهم نصراني واحد، وفي ذلك الوقت كان نيريري متخرجا من جامعة مكريري بيوغندا، فاحتاج حزب (تانو) لتفريغه لأنه يجيد اللغة الإنجليزية، ولم يكن في بادئ الأمر عضوا بالحزب، بل كان مجرد موظف متفرغ، ولكن عندما احتاج حزب (تانو) لعرض قضيتهم في الأممالمتحدة، طلبوا من نيريري الذهاب إلى هناك لإجادته اللغة الإنجليزية فطلب أن يكون رئيسا للحزب وليس مجرد عضو عادي، فوافقوا على ذلك باعتبار أن بقية القياديين كلهم من المسلمين، ولكن الانجليز عندما رحلوا تنازلوا لنيريري ونصبوه رئيسا للدولة، وأول شيء فعله نيريري عندما صار رئيسا أنه أحال القياديين في حزب (تانو) للمعاش وانفرد بالأمر. * ماهي أوضاع المسلمين بالنسبة للتعليم في تنزانيا؟ من الأشياء الجيدة التي أنجزها نيريري أنه أمّم التعليم، بعد أن كان تابعا للكنيسة أصبح تابعا للدولة، وحينما كان التعليم تابعا للكنيسة لم يكن المسلمون يحرصون عليه لأنه مرتبط بالتنصير، أما بعد تأميم التعليم فقد أصبح عدد التلاميذ من المسلمين كبيرا جدا، وتنزانيا نسبة المسلمين بها أكثر من 70% فانعكس ذلك على التعليم العام، لكن المشكلة في التعليم العالي، لأن معظم الجامعات تابعة للكنائس، لذلك تجد نسبة المسلمين في التعليم العالي أقل من 10%. * ألا توجد مؤسسات للتعليم العالي في تنزانيا يشرف عليها المسلمون؟ في زنجبار الآن كلية للتربية أنشأها الكويتيون في التسعينيات، وهي أول كلية على مستوى جامعي، وقبلها كان هناك معهدا يعطي الدبلوم، وهو أقل من الجامعي، لكنه في التسعينيات تطور إلى كلية تابعة لجامعة إفريقيا العالمية، وسمعت مؤخرا أن الدكتور توتونجي أنشأ جامعة اسمها جامعة الإسلام في دار السلام، وهي مفتوحة للمسلمين وغير المسلمين. وعدم انتشار التعليم في زنجبار يعود إلى عدم الاستقرار السياسي والفقر الشديد، والمسلمون في تنزانيا أهل تقوى ومتدينون جدا، ويحبون العلم والعلماء، لكنهم يحتاجون إلى دعم.