مع إن حظ السودان في الذاكرة الغربية لم يك أبيض، إلا أن الذاكرة الغربية ، تفرق بين مشروع السودان الحديث الذي نما في الكنف الإنجليزي ( 1899 - 1954 ) وبين مشروع السودان المهدوي ( 1881 - 1899) وبين مشروع السودان المعاصر ( 1955 - 2007). وفي كتابات المدرسة الغربية عن المشروع المهدوي تبرز صورة مشروع همجي بربري يتلبس بالصورة الدينية لتحقيق مآرب في غاية الانحطاط ، كإذلال النساء وضربهن والتلذذ بهن كخليلات وزوجات وإماء ( أورهالدر وسلاطين وونجت وغيرهم ) وأن الثورة المهدية ماهي إلا ثورة تجارة رقيق رافضين لرايات التحديث والكرامة وحقوق الإنسان - علي وجود منصفين يشيرون إلي فظائع التركية واسهامها في خلق الاجواء الموضوعية للثورة وتبرز الكتابات المهدي كشيطان وغردون كقديس ونبي بين اشرار وهمج . أما المدرسة الغربية والانجليزية اساسا الحديثة ( هولت ، كريفت ، شيني ، أركل ، هيل، نيوبولد ) وآخر نماذج هذه المدرسة ( الأمريكي جون قول واسبولدنج ) فإنها تبرز سودان المشروع الإنجليزي ، كحلم تحت الاعداد وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان ، ثم تبرز بعض خصائص تاريخ السودان القيم ، وممالكه كحضارة متميزة علي النيل ، وكشعب له اسهاماته وأنه يمثل وثبة إفريقيا ويمكن القول بأن هذه المدرسة ، افسحت المجال لمدرسة أخري بدأت تظهر منذ بدايات الستينات من القرن المنصرم ، ومثلت حرب جنوب السودان وقرارات الحكومة العسكرية حينها بإبعاد المبشرين من جنوب السودان وجبال النوبة شهادة ميلاد هذه المدرسة . وتوافق ميلاد هذه المدرسة، مع كتاب الفاتيكان ، الكتاب الاسود للسودان ، والكتاب المنسوب لجوزيف أدهو ووليم دينق حول مشكلة جنوب السودان ، وإن اتضح مؤخرا أن كاتبه الحقيقي هو الاب ساترينو لاهوري ، الذي أغتيل في يوغندا ، بسبب صراعات داخلية مابين حركة التمرد والسلطات اليوغندية . ومن أبرز رواد هذه المدرسة د. بيتر وودود ، أليكس دي وال ، جيراد بيونير وطائفة من الإعلاميين ، الذين أخذوا يتاجرون بقضايا السودان ويرسمون صورة لبلد يتقاسمه اشرار مستأسدون وأخيار مستضعفون ، وأن قصة السودان ليس فيها إلا الحرب الاهلية والدماء المسفوكة والمجاعة المهولة والإسترقاق والعبودية . وجذبت هذه المدرسة ، المترفين من الفنانين والممثلين الغربيين المترفين ، الذين كانوا يبحثون عن قضية تجعل لحياتهم معني ولاموالهم مقصاًد ولقدراتهم هدفاً - فكان أن اتجهوا إلي قضايا مناطق حروب السودان ، حيث أطلقوا لخيالهم العنان ، وخاطبوا سودانا آخر وليس السودان الذي نعرفه وتعيشوا ، وابرزوا سودانا كريها يستحق أن يكره ويدان ، لأن الإنسان السوي يكره الظلم وامتهان كرامة الإنسان . وحتي لايقال إننا نتجني علي هذه الطائفة من الغربيين المترفين نأخذ اربعة نماذج ، كتب برزت عن السودان مؤخرا ، ونبدأ بكتاب ميندي نازر ودوميين لويس ( العبدة ) وهي كما يقول غلاف الكتاب الامامي القصة الحقيقية لضياع طفولة بنت ومعركتها في سبيل العيش بالبقاء والكتاب صادر في لندن عام 2004 MENDENAZER and DAMIENLWIS SLAVE ويقع الكتاب في 325 صفحة . وقصة الكتاب معروفة ، وهي قصة الشغالة التي تعمل مع صديقنا الاستاذ الكرنكي والتي صدر فيها حكم من القضاء البريطاني كقصة ملفقة وامرت صحيفة Sunday Telegraph بالاعتذار والتعويض ودفع تكاليف القضية ولكن مع ذلك لم ترعوي الجهات فكان هذا الكتاب المسيء للسودان ولهويته ولشخصيته والكتاب '' الإفك'' لا يتورع من ذكر عائلة الاستاذ الكرنكي كابطال لقضية الرق في السودان وكل من عرف الكرنكي منذ أن كان طالبا ينتهي إلي أنها قصة مزورة وملفقة ، وأذكر أنه قبل سنين ، جمعنا د. محمد محجوب هارون وشخصي والاستاذ أحمد عبدالرحمن مع صحفية في جريدة الجارديان في لندن ، ودار الحديث حول محاولة تفجير مركز التجارة الدولي والذي تم توجيه الاتهام فيه لشابين سودانيين ، فقلت للصحفية أنها قضية ملفقة وانه لا عمر عبدالرحمن ولا الشابين يملكان لا القدرة ولا الأدوات لعمل كهذا ، فقالت الصحفية هذا لايهم ولكن المهم الضرر الذي وقع علي حكومة السودان ، إذ أخذ العالم قضية الاتهام الأمريكي بالقبول ومايزال الشابان السودانيان في سجون أمريكا وربما لبقية حياتهما وهما بريئان وهما ضحية لقدرات استكبارية عالمية وما تبلغ قدرة الاصوات المدافعة عنهما . ومن الكتب التي دخلت المكتبة العالمية ، كتاب Lost Boy No more ومطبوع في أمريكا 2005 وهو كذلك يقوم علي فكرة طفل اسمه ابراهيم نحال Abriham Nhial شرد إلي الغابة من طغيان الإسلام يبحث عن الحرية ، وفكرة الكتاب إدانة للسودان ولتاريخه القائم علي اضطهاد المسيحيين من قبل الاصوليين الإسلاميين ، ويقع الكتاب في 170 صفحة ، وينتهي الكتاب بمطالبة الامريكيين بالغضب والثورة كما يطالب الضمير المسيحي العالمي بأن يكون في الصفوف الامامية للمناداة بأنهاء اضطهاد مجموعة بشرية نسبة لمعتقداتها المسيحية ، ومعظم هذه الكتب تحولت إلي أفلام سينمائية استثمر فيها رجال المال ، حتي يحولوا عواطف الغربيين إلي دراهم ودنانير تصب في خزائنهم . والكتاب الثالث وكذلك صادر في أمريكا بعنوان A memoir , God Grew Tired of US بمعني الله من زهج الله منا وهو كذلك من تاليف شاب جنوبي John Bud Dau مع كاتب قصصي أمريكي معروف وهو Michaels ,Sweeney ومع إن الكتاب يدور حول معاناه الجنوبيين في جنوب السودان ، إلا أنه وضع اسمه بهذه الصورة لدفع امريكا لعمل شيء في مناصرة جنوب السودان ضد حكومته المركزية ، بمعني أن تجاهل أمريكا لمظالم الجنوبيين ربما أدي إلي غضب الله تعالي عليهم ، لأن أمريكا كنعمة من نعم الله علي اهلها ، لابد أن تبرز حمدها وشكرها لله بمساندتها لجنوب السودان بعمل مباشر ضد حكومته وشعبه ، أو أن ما يلاقونه من عنت وتعب ظلم ، عني أن الله تخلي عنهم ( تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا ) ويحكي الكتاب قصة شاب دينكاوي مولود عام 1974 ، هرب من قريته بعد هجوم الشماليين عليها وانتهت به رحلته إلي اثيوبيا ثم كينيا ثم إلي الجنة التي تخطب ودها نخب شمالية وجنوبية ، حيث استقر في نيويورك مع زوجته ومن هناك كانت هديته إلي شعبه ( نبش السيرة والذاكرة ) وقد تولي مهمة توضيب هذا النبش الكاتب الامريكي ما يكل اسويني وتقع النسخة المجلدة من هذا الكتاب في 287 صفحة من القطع المتوسطة . ومهما يكن ، فإن هذه الكتب ، لا تخلو كذلك من فائدة ، فهي تذكر بسجل الحرب وإن كان بعض مكونات النخب الشمالية ، قد استثمر في الترويج لثقافة الكراهية وانجرفوا في خدمة أجهزة الاستخبارات والاستكبار لتشويه سمعة شعبهم وكشف عوراته للآخر ، فلا تلام ، النخب الجنوبية وقد تعرضت إلي ما تعرضت إليه كذلك أن تستثمر في كشف عورات شعبها وتعميق ثقافة الكراهية - وياليت هذه الكتابات اتسمت بالموضوعية والعلمية ولكنها قامت فقط علي فكرة شماليين اشرار وجنوبيين أخيار والتاريخ لايكتب بهذه الصورة ، كما أن الملائكة تتجسد في عرِق وتمتنع عن عرق والله اعلم. الكتاب الرابع الذي يبرز عقلية المدرسة الغربيةالجديدة التي تتناول الشأن السوداني ، ليس بمنظور الدعوة للتصافي والتعافي والإخاء ونبذ العنف ولكن لتأكيد العدوان وزيادة الشحن وتعميق ثقافة الكراهية بين أهل السودان وابراز أنه لا وجود لما يسمي بالشعب السوداني وانما مجموعات متحاربة ، تريد استئصال بعضها لا لشيء إلا لممارسة الاسترقاق والعبودية والكتاب بعنوان: They poured Fire on us from the sky (يصبون علينا النار من السماء) وتحت هذا العنوان مكتوب ( القصة الحقيقية لثلاثة من أطفال السودان الضائعين ) تم اسماء الأطفال الثلاثة باعتبارهم مؤلفي الكتاب ثم المحررة أو المؤلفة الحقيقية جودي أ. بيرنستين Judy A.Bernstein وطبع الكتاب في أمريكا عام 2005م . وتدور القصة أن العرب المسلمين المتوحشين هاجموا مدرسة قرية جول بالقرب من واو لقتل الطلاب الأذكياء ومن دون سبب كالعادة ، إلا سفك الدماء وخطف الاطفال ومن هناك عبر الاطفال عبر الإدخال إلي أتان ثم يرول فشامبي ثم وسط الوعور والمستنقعات إلي فشلا فاثيوبيا لتلتقطهم وكالات الإغاثة وتنقلهم إلي كوكوشيكو في كينيا ثم إلي كاكوم وتنتهي المحنة بنقلهم إلي الولاياتالمتحدة ، وفي هذا الكتاب يروي كل واحد تجربته في أسلوب قصصي خيالي يتولي المحرر اضفاء الإثارة والمبالغة والتهويل عليه ، حتي لايصبح أمام القاريء ، إلا أن يسأل اين هم همج السودان حتي يساعد علي الفتك بهم ويريح ضميره بذلك ويحس بأنه يؤدي خدمة للإنسانية . ومهما يكن ، فإن التسول والتكسب ، باسم رايات الاضطهاد والمعاناة ليس قاصراً علي أخواننا من نصاري النخبة الجنوبية ، حيث كذلك أخذت طائفة مسلمة جنوبية تتوسل إلي جيوب المصلين في المساجد ، بأن سبب شقائها وبلائها أنها أسلمت وأن أهاليها طردوها بسبب اسلامها أو أن الكنيسة تتعقبها وتحاربها بسبب اسلامها - وفي كلتا الحالتين حالة النخبة المحظوظة وطائفة المؤلفة قلوبهم المعفوصة يتم توظيف الدين - ولكن فقط علي الطريقة الاولي يتم عبر مسلسلات وكتب وأفلام والطريقة الثانية تتناسب مع عقول مسكينة مكسورة . والله أعلم