(كلام عابر) النموذج السنغالي مرت الانتخابات الرئسية السنغالية بهدوء حجب عنها الاهتمام العالمي المركز على الأحداث الساخنة في أمكنة متفرقة من العالم ،ولم تتصدر هذه الانتخابات الأخبار إلا لفترة قصيرة ثم سقطت في قاع النسيان. السنغال بلد صغير في أقصى غرب أفريقيا كبير بأهله وكان محطة رئيسة قبل قرون مضت لانطلاق السفن المحملة بالعبيد إلى الأمريكتين ، ثم تحولت آثار هذه التجارة المحرمة إلى جواذب ومزارات سياحية في العصر الحديث طاوية صفحات الماضي الأليم وشاهدة عليه في نفس الوقت. أول رئيس للسنغال بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960م كان ليوبولد سيدار سنغور، وكان رئيسا متميزا ليس على نطاق أفريقيا فحسب ولكن على نطاق كل العالم، كان شاعرا مرموقا ومفكرا انسانيا أنشأ مع إيميه سيزار ما عرف بحركة الزنوجة التي طور سنغور مفهومها لبصبح واقع وثقافة ومحموعة من القيم الاقتصادية والسياسية والفكرية والمعنوية والفنية لدى شعوب افريقيا والأقليات السوداء في أمريكا وآسيا وأوقيانيا والافتخار بالثقافة والتاريخ الزنجي أمام ثقافات وتاريخ العالم. سنغور الذي يجيد التحدث والكتابة بأكثر من اربع لغات والذي صاغ كلمات النشيد الوطني السنغالي، انسحب بهدوء من الحياة السياسية بمحض اختياره عام 1980م ليخلفه عبده ضيوف في منصب الرئاسة ، ثم أعقبه عبدالله واد عام 2000م ليشغل المنصب لفترتين ثم طمع في فترة ثالثة رغم أن عمره تجاوز الخامسة والثمانين ورغم أن الدستور يحدد بقاء رئيس الجمهورية في منصبه فترتين رئاسيتين فقط، فترشح لفترة رئاسية ثالثة استنادا إلى حكم من المحكمة العليا، وكانت انتخابات حرة نزيهة خالية من "الخج" والتزوير ففاز المرشح المعارض ماكي سال رئيس الوزراء السابق في الجولة الثانية من الانتخابات يوم 25 مارس 2012م ، وانطلق الآلاف في شوارع العاصمة داكار يحتفلون بنهاية حكم عبدالله واد الذي شهد انفاقا كبيرا على مشروعات البنية التحتية ولكنه لم يحقق الكثير في محاربة الفقر، ولم يجد المرشح الخاسر عبدالله واد في نفسه حرجا من تهنئة منافسه بالفوز في ظاهرة فريدة في كل العالم الثالث وقد تزامن ذلك مع الانقلاب العسكري الذي وقع في مالي المجاورة مطيحا بالشرعية الدستورية بعد أن توهم العالم أن أفريقيا قد أقلعت عن عادة الانقلابات العسكرية الخبيثة تماشيا مع ثقافة العصر. السنغال نموذج فريد في أفريقيا، جيش احترافي منضبط ، ليس كمثل الجيوش في معظم بلدان العالم الثلث ، لا شأن له بالسياسة، ورؤساء يجيئون ويذهبون في سلاسة ويسر ولم يدع رئيس منهم أنه قائد ملهم أو لا غني عنه، ولم تحمل واحد منهم دبابة في يوم من الأيام إلى كرسي السلطة أو إلى أي مكان ، ومجتمع يشكل المسلمون فيه 94% والمسيحيون 4% ومعتنقو الأديان المحلية 2% ولكنه خال تماما من الهوس الديني والتنطع وتسييس وتشويه الدين والمتاجرة به. السنغال تشكل نموذجا رفيعا لكل العالم الثالث وليس لأفريقيا وحدها، كما قال الناطق باسم الاتحاد الأوروبي عقب فوز ماكي سال، بشعبها القدوة وهو يتداول السلطة بطريقة سلمية راقية دون إراقة قطرة واحدة من الدماء، وبرؤسائها المتميزين الذين يتمتعون بقدر كبير من المناعة الخلقية ويكسبون السنغال الاحترام، وبجيشها المحترف المنضبط. ليت لنا مثل حظ السنغال. (عبدالله علقم) [email protected]