بقلم/ أبكر يوسف آدم [email protected] رغم وضوح أصل المصطلح ، ودلالاته الإجتماعية ، ومقاصده السياسية ، إلا أن هناك من يصر على إدخاله نطاق الإستخدامات العرقية ، بإتهام من يستخدمونه بالجنوح للعنصرية والكراهية .. حسناً .. لنتفاكر فى الأمر ،،، ولنرى إن كانت شتيمة عنصرية تستهدف عرقاً معيناً ، أم مصطلح لوصف طبقة إجتماعية .. هى عبارة قديمة فى واقع الأمر ، وأعتقد أنها كانت مستخدمةً منذ السلطنة الزرقاء ، أو ما بعدها ، لوصف طبقة التجار الجائلين ببضائعهم على أرياف السودان المختلفة ، وحسب طبيعة الحياة فى ذلك الوقت ، كانوا يتاجرون فى كل شيئ ، بدءاً بالحلوي ، وإنتهاءاً بالعبيد والجوارى !! كل شيئ ، وبكل ما يمكن أن يجلب المال .. !! لم تكن الجلابة قبيلة بعينها ، بل منهم من هو من شرق السودان ووسطه وشماله الأقصى ودارفور ، بل حتى الأجانب ، كجعافرة مصر والتشاديون وقبائل غرب أفريقيا والمغاربة الشناقيط الذين يسافرون لآلاف الأميال ، لجلب البضائع من الحجاز وفارس وما خلفهما ، وهم من ساهموا فى توريد فكرة الثوب السودانى وتوطينها من الهند ، والذى هو إحدى مشتقات السارى . أجل ، (الثوب السودانى ثوب هندى أصلاً) وتلك قصة أخرى ... مع سيطرة الإسلام السياسى فى السلطنة الزرقاء ، ومن بعدها العثمانية التركية ، والمهدية السودانية ، إنتشرت فكرة التجارة الإستغلالية الطفيلية التى تفتقر إلى الأخلاق ، ولا تميز حلالٍ عن حرام ، ولا تعرف للأسعار سقفاً ، وبإمكانها إعادة تسعيرها وفقاً لحالة المشترى ، ومدى توفر الأجواء المساعدة على تمرير الخدعة عليه ، أو حتى ممارسة السرقة والنهب ، والهروب !! وهذا الأسلوب من المعاملات التجارية ، لم يخرج من السودان أبداً إلى اليوم .. سيقول البعض ، أن المسألة ، عرض وطلب ،، حسناً وهو كذلك ، ولكن هذا العرض وذاك الطلب ، ليسا مفصلين على السودان دون غيره ..!! إن كانت عرضاً وطلباً ، فقد تمكنت هذه الطبقة من بيع الريش فى جنوب السودان ، بسعر أغلى من الدجاجة ..!! وقناطير من عاج الفيلة ، مقابل غليون ..!! وسرقة طفل ، أو شراؤه ، وإخصاؤه وتصديره مثله ومثل الغنم ، وبيعه للأجانب ، غض النظر عن الثمن ... كل ذلك يحدث فى عالم الإسلام السياسى ... فى السلطنة الزرقاء ،، وفى التركية ،، وفى المهدية ،، مع متشابهات لها فى الإنقاذ .. إذن فى حقيقتها ، هى الطبقة الإجتماعية الإستغلالية الطفيلية ، التى يغيب عنها الدين والأخلاق ، فضلاً عن الأمانة والصدق ، وفى سبيل الثروة والمكانة المؤدية إلى المال ، بإمكانها إرتكاب أشنع الجرائم كالسرقة والقتل والإخصاء والإغتصاب وقتل الأجنة ببقر البطون ،،،، وهم صنيعة الإسلام السياسى السودانى ... وللمزيد من التأكيد على قِدم هذه الطبقة ، والأضرار التى ظلت تلحقها بالسودان ، بما فيها مجتمعات الشمال والوسط والبطانة ، فقد أورد الكاتب المؤرخ شوقى بدرى ، فى مقال له عن " محنة سودانية (85) الدعوة الى الكذب و التزوير" خبراً ، فى سياق موضوع آخر، على النحو التالى : "عندما كان بابكر بدري ينشئ الخلاوي النظامية ، حلّ ببلدة اسمها أم بول . و أهلها من الدروعاب كما أذكر . وسمع بنتاً تقول لوالدها (الجلابة غلوا الشغلات ). فرد والدها ( مالو . إنتوا تنطوهم القروش بالنهار و تشيلوها بالليل ) ." !! وبابكر بدرى ، شخصية مرموقة ، ولد قبل المهدية ، وشارك فيها فارساً محارباً ، ورائد فى تعليم البنات فيما بعد .. وللعلم فإن الطبقات الفاعلة ، حسب التصنيف القديم هى طبقة الحكام ، الأفندية ، الجلابة ، والأهالى .. عندما إنشاء الراحل د جون قرنق مدرسته الفكرية ، الخاصة بإعادة هيكلة الدولة السودانية ، كان من ضمن أهدافها ، ضرورة التخلص من الطبقة الطفيلية ، كشرط أساسى لتغيير منهج الحكم ومساره ، بالطريقة التى تساعد على تعافيها ، وثمة حاجة إلى إيجاد مصطلح سياسى ، ونعت ذو دلالات واضحة ، سهل التبليغ ، مشتق من التراث المحلى ، ومن الدقة بحيث يشير ويستهدف المعنيين ، دون إلحاق الأذى بالأبرياء ، مع تفادى إنزال الإضرار المعنوية بالضحايا ، وأصحاب القضايا والمظالم ، مما قد يؤدى إلى تفاقم آلامهم بدلاً عن تبديدها ، بنهج يشبه العمليات العسكرية التى تستهدف الأعداء العسكريين ، مع رعاية المدنيين وحمايتهم ومساعدتهم !! من أهم شروط ذلكم المصطلح ، أن لا يحمل أى إشارة إلى أى مجموعة عرقية أو لغوية أو ثقافية ، وأن يكون من المرونة بحيث يشمل كافة الطفيليين فى أىٍ من بقاع السودان ،،، دون المساس بقبائلهم ، والنأى عن إستعداء أى مجموعة فى المركز أو الهامش ، بحيث يجعل من الأبواب مشرعة لإحتمالات بناء التحالفات المستقبلية ، سواءاً كانت أحزاباً أو قبائل ، أو مجموعات سياسية أو ثقافية .. وهذا الماعون الواسع ، هو الذى مهد لبناء التحالف ، مع حزب مولانا محمد عثمان الميرغنى ، وجعل التعامل ممكناً مع السيد الصادق المهدى ، الذى كان يقف حتى الأمس على الضفة الأخرى من النهر ، ورحب بالعميد عبدالعزيز خالد ، صاحب الأفكار ، التى يمكن أن تدفع إلى الظن ، أنها لن تتقاطع مع مسار صاحب فكرة السودان الجديد أبداً .. إذن ، هو إجترار للتاريخ ، وإعادة بناء مصطلح شعبى مشهور كان يطلق على الإنتهازيين ، من معدمى الأخلاق ، الذين يتبعون كل الوسائل الإجرامية لجمع الأموال وتكوين الثروات ، بالإستفادة من أجواء الفوضى ،،، إلى توليفة من الطفيليين الذين عششوا (كالأفاعى) فى كافة مفاصل الدولة ، وكالقراد على شرايين الإقتصاد الرئيسية ، وشكلوا بذلك مصدر تعويق دائم لإزدهار وتقدم الدولة ، وكابح لمساعى التنمية ، التى تستهدف الإستفادة من الثروات الطبيعية ،،، أما الدين ،،،، والعروبة ، فما هى إلا أدوات عمل لهذه الفئة ، ولا يتم اللجوء إليها ، إلا عند الضيق ، أو الحاجة ، تماماً كالأدوات التى يستخدمها النجار فى التعامل مع الأخشاب ، فتارة يعمل بالمنشار والفأرة ، وتارة أخرى بالشاكوش ، أو الإزميل ، وما أن يكتمل عمله ، يتخلى عنها سريعاً دون إكتراث ،، ولكنه يحفظها فى مكان ما لمهمة قادمة .. وفقاً للمنشأ وأسلوب العمل ، فإن معدلات نمو هذه الطبقة تتناسب طردياً مع تنامى الفوضى الإدارية ، ودرجة تمكن سيادة الإسلام السياسى ، ولاحظتم أن أسلامويي اليوم ، قد فتحوا للطفيلية كافة الأبواب المؤدية إلى الخزينة العامة ، وضمت إلى صفوفها ، آلافاً من الموظفين والقادة العسكريين ورجال الدين !!! قطعاً ليس كل الموظفين ، ولا العسكريين ، ولا رجال الدين ... أى نعم ، موظفون ،، ممن يفترض أنهم يعملون على محاربة الفساد ، لكنهم تحولوا إلى واحدة من أهم حلقاته .. وعسكريون ،، يفترض أنهم يعملون على سد الثغور ، لتوفير البيئة والحماية اللازمة للأرض والشعب ، لكنهم مشغولون بالمضاربات والمرابحات وإنشاء العمارات !! أما الطفيليون من رجال الدين ، فإن أمرهم فيه وقفة ، ووقفات ،، فكيف بحق الجحيم ، أمكن لهؤلاء القوم ، تحويل الآيات القرآنية ، والأحاديث والسير النبوية ، إلى أموال وعمارات وفارهات وجناين ؟؟ كيف ؟؟ كيف تمكنوا من فعل ذلك ؟؟ كيف ؟؟ وفقاً لهذا التعريف ، نستطيع أن نقول أن الجلابة شريحة إجتماعية طفيلية ، إختزلت كافة الآثام والشرور والآفات المضرة بالوطن ، وهم خونة للدين والوطن والشعب والقبيلة ، وموجودون حول مراكز القرار فى المركز ، وكافة الولايات السودانية ، وأبلغ مثال على ذلك هو والى شمال دارفور عثمان كبر ، صاحب سوق المواسير ، والذى من فرط شذوذه وسوئه ، تمرد عليه قائد الجنجويد الأشهر ، الشيخ موسى هلال ، على خلفية إختلاقه فتنة قبلية ،، وإشعاله حرباً ، وخلقه فوضىً خلاقة خاصة به ، ليتمكن من الإستيلاء على مناجم الذهب.. ومن المفارقات التى تؤكد على أن الجلابية ، ليست مرادفة للعرقية ، فإن قبيلة هلال تصنف محلياً ضمن القبائل العربية ، وقبيلة كبر خارج هذا التصنيف !! وفى خطابه أمام تجمع لعشيرته ، قدم هلال عرضحالاً ، عن سوءات نظام المركز وفساده ومفارقاته ، وأشار بوضوح لطفيليين يملكون فلل فى نخلة دبى ، تساوى أثمان بعضها 15 مليون دولار.. والمفترض أن هذه المدينة هى أغلى بقاع الأرض بعد أن كانت بحراً ، ردمت خصيصاً لإيجاد مكان مميزٍ ، للأثرياء جداً ، من رعايا أغنى دول العالم ، وقد وجدت هناك ، آثار لمواطئ قدم الطفيليين السودانيين . نعم طفيليين ، وسفهاء !! ، فبينما يطحنون الشعب طحناً ، ويستغلونه ، ويحولون منح وإغاثات منكوبى السيول لمصالحهم الخاصة ، ويبيعونه نفايات صينية بعضها مسرطنة ، بأغلى الأسعار ، تماماً كما تمكن الأولون منهم من بيع الريش ، بثمن أغلى من الدجاجة .. يمارسون القتل والتهجير ، ويحرمون المحليين من فائدة التجارة الحدودية ، ثم يرسلون بضائعهم خلسة ، بهدف إنماء الثروة من أجواء الندرة !! وكأن التاريخ حلقة حلزونة ، إن تتبعتموه ، تعود بكم إلى نفس المكان ، مرات ،، ومرات !! ورغم أن مصطلح الجلابة يجمع ما بين دلالات التاريخ والحاضر ،،، وبليغ ، بحيث يصعب إيجاد بديله ، إلا أنه لا يداعب هوى الكثيرين ، ونحن منهم ، تفادياً للهواجس التى تسببها ، لقصور فهم وإطلاع الكثيرين ، والإنطباعات السيئة التى قد تتركها فى أنفس ضيقى الأفق ، بعد أن أعيد تعريفه وتوجيهه بواسطة عنصريي الإسلام السياسى عمداً ، ولُوِى عنقه قسراً ، كى يشير إلى الشماليين ، وعرب السودان ، والمسلمين .. والذى هو فى حقيقة الأمر ، محاولة لتصريف هذه الصفة ، بعيداً عن الإسلامويين .. قد تؤدى مفردة الطفيليين مهمة الجلابة ، رغم حداثتها وإفتقارها إلى العمق البلاغى والعتق التاريخى ، وفى كل الأحوال ، فهما مترادفتان متطابقتان من حيث المدلول والمعنى ،،، ومع ذلك ، وبغض النظر عن التعريفات والتوصيفات والإصطلاحات ، يجب إن يكون هؤلاء جميعاً ،، صغيرهم وكبيرهم ، شيبهم وشبابهم ، أموالهم وأملاكهم ووظائفهم ،،، هدف مستباح لسهام كافة السودانيين .. كشرط أساسى لتحرر وإنطلاق وإزدهار الدولة السودانية ... لن تتعافى الأمة ، ولن تسلم خزينتها ، ولن تتخلص من الإختراقات الخارجية ، ولن تنجو من العمالة للجهات الأجنبية ، إلا إن تمكنتم من الدّوس على رقاب ،، ورؤوس الطفيليين ،،، بأرجلكم .. فهيا إلى العمل أيها الشباب ..