بسم الله الرحمن الرحيم إستهداف ومسلسل أوجاع هندي!! خلال الفترة القصيرة الماضية، تم إستدعاء الكاتب الصحفي الأستاذ حيدر أحمد خيرالله، أكثر من مرة، للمثول أمام القضاء. مرة بسبب بلاغ من والي ولاية الخرطوم، الحاكم بأمر البشير عبدالرحمن بن الخضر. ومرة أخري بسبب وزير صحته وأعجوبة عصره وزمانه، البروف مأمون حميدة. وكلاهما يعتقد خطأً، أن المنصب الحكومي وبغض النظر عن آلية توليه، هو دلالة كفاءة ونزاهة وليس العكس! أي الكفاءة والنزاهة وسلوك الطريق السليم والدرب المستقيم في الوصول الي المنصب، وقبول المحاسبة أثناء وبعد القيام بواجبه، هي أهم مؤهلات المناصب العامة وجدارة إستحقاقها. وهذا الإستهداف للأستاذ حيدر لم يكن وليد الصدفة، او نتيجة لحادث او مقال عرضي! ولكنه يرتكز علي خلفيات ترصدية، مرجعيتها موقف الأستاذ حيدر الواضح، من كلا الشخصيتين، في ما يلي أداءهما العام وكم الأخطاء والتجاوزات والفساد، الذي رافق مسيرتهما في المنصب ومازال! وكأن إجتماع الوالي ووزيره وطريقة تعاطيهم مع السلطة والنقد الجرئ، تعبير صريح عن مقولة، طيور الفشل والعجز والفساد علي أشكالها تقع( او إنعكاس لمقولة إجتماع التعيس وخائب الرجاء!). بتعبير آخر، إن الفساد منظومة لا تكتمل أركانها إلا بوجود نماذج، ضعيفة الشخصية متبلدة الحس والمسؤولية الوطنية ومنعدمة الحياء العام، وتتملكها عقدة الحكم والإستوزار وإكتناز الأموال! وتاليا تمرير كل القرارات الراسمالية الطفيلية العليا(داخليا وخارجيا)، دونما إعتراض او مخافة لله والمواطنين والوطن! أي تعمل كواجهات شكلية، وإن بدرجات علمية او خبرات مهنية او ألقاب دينية! لتنفيذ مخطط النهب الممنهج لثروات ومقدرات البلاد! بفقه عش مبذرا وسفيها، وأترك الأوطان وشعبها، قاعا صفصفا وعصفا مأكولا! فمثل هذه الشخصيات البائن فشلها وفسادها، يصعب إحتمالها او تحمل أخطاءها وجرائمها، حتي بالنسبة للصحفيين العاديين الذين يُلازمون ظهر الحائط وظلال التعابير الندية! فكيف بالله، يمكن لها أن تمر مرور الكرام؟ دونما تناول من صحفيين وكتاب بقامة الأستاذ حيدر خيرالله، حباهم الله حكمة البصر والبصيرة وقوة الشخصية والتحرر من الخوف، والعجز عن كتمان كلمة الحق، حتي ولو في وجه سلطان جائر، وحكومة لم تؤتَ سعة، أكبر من سعة قتل الناس وتعذيبهم وإعتقالهم مجانا، وإستباحة البلاد وكرامة أهلها جهارا نهارا! ومرد ذلك قد يكون، حسن تربيته الأسرية والتنظيمية والوطنية، أي تقديمه قول الحق والموضوعية ومصلحة الوطن، عن كل ما عداه، سواء مصالح وإنتصارات شخصية او أرباح تنظيمية سياسية. إضافة الي(إنشداد وإنشداه) بصره والتهجس بهموم الغلابة والمحرومين (نهبا لحقوقهم ومواردهم) أكبر ضحايا هذا النظام عديم الرحمة، وما أكثرهم في هذا الزمان الغادر! أي إنشغاله وشاغله علي الدوام، كان حقوق الإنسان وحق الأوطان في دم الأحرار. فكون الصحفي يكن شجاعا ويقل كلمة الحق، فهذه محمدة. ولكن أن تكلل مسيرته قول كلمة الحق والجهر بالصدق صباحا ومساء وطوال تاريخه المهني، كما يفعل الأستاذ حيدر، فهذه جسارة تستحق الإحترام الجمعي. ولكن أن يضاف الي ذلك، تحدي ترسانة القوانين الجائرة والقضاء المتحيز، وحصار أجهزة الأمن ومزاجيتها وإطلاق سلطاتها وحصانتها المفتوحة، في إعتقال الصحفيين وقفل الصحف وتعريضها للخسائر المادية وخراب بيوت الكتاب والملاك! فهذا ما يجعل الأستاذ حيدر وصحبه القلة وصحيفته الناشرة، في مصاف الرموز الوطنية، أو ممسكات ما تبقي من خير وفضل ومروءة، في هذه الأمة. أي كونهم يشمخون في زمن الهزيمة الكبري ويتعملقون في عصر الأقزام! فبهذا يمثلون بشارات للأمل ونجوم للضياء، تعد شعبنا المكلوم بالإنعتاق من ربق الظُلمة والظَلًمة وتيه الفساد! بل ووعد هؤلاء المخربين بالحساب العسير. إحتمال ذكر محاسن ومناقب الأستاذ حيدر، وما يقوم به من أدوار تعادل مجهود مؤسسات كاملة، في كشف الظلم والتنبيه لأخطاء الحكومة وتجاوزات الحكام، والدفاع عن حق الشعب في الحرية والكرامة، وحق الوطن في النهوض من هذا الركام. قد يسبب له الضيق والإنزعاج، او الخروج من مدار الدور العادي والمطلوب الذي يقوم به، كنداء لواجب الوطن والمسؤولية، اي كإستجابة للحس الصحفي السليم. في زمن أصبح فيه القابض علي كلمة الحق، كالقابض علي النصل السنين وطرفه الآخر في أيد الغادرين! ولكن غير أن أمثال الأستاذ حيدر يمثلون قدوة حسنة، يجدر الإقتداء بها من قبل الآخرين، سواء في الحقل الصحفي او الفضاء العام، وأن الإشادة بمواقفهم الصدامية المشرفة والمكلفة، هي شهادة للتاريخ، قبل أن تكون دين في رقاب الجميع. إلا أن مواقف وصدح الأستاذ حيدر بالحق من الداخل، وهو يحاصر بين فكي جهاز الأمن والمضايقات السلطوية والمعيشية! فإنه يقول وبالفم المليان، أن ليس هنالك مبررا للصحفيين والكتاب والسياسيين، الذين يغردون خارج السرب ويهدَّفون متعمدين خارج الشبكة! او ينشغلون بدم البعوضة وشعر الناموسة، عن دم سيدنا علي أي ضياع الوطن وإذلال المواطنين، طوال عصر الإنقاذ الحالك، والهالك قريبا بإذن الله. مرة بحجة حرية الراي والراي الآخر المفتري عليها! والدليل عدم تهيئة البيئة العامة للراي المخالف للسلطة أصلا، بإعتباره رأي مهدد صاحبه بالإعتقال والرقابة الذاتية والقبلية، وممارسات أجهزة الأمن الفالتة، والموانع القضائية في تناول كثير من قضايا الفساد البائنة بينونة كبري، وتمس عصب حقوق المواطن ومعاناته غير المبررة! او بحجة عدم وجود البديل المناسب او سوء البدائل المطروحة، وينسي أصحاب هذه الحجة أنهم مسؤولون ايضا عن خلق هذا البديل او تقويِّم ما هو موجود! وهذه المبررات وغيرها لا يمكنها بأي شكل من الأشكال، أن تصبح عائقا أمام مواجهة المصادرة الصريحة للحقوق العامة والإستباحة الشرسة التي يمارسها هذا النظام في حق الأفراد والأوطان، وبطريقة غير مسبوقة. فهي ممارسات ترقي لمرتبة الجرائم الموجهة ضد الإنسانية والإبادة العامة! ولا يمكن الصمت حيالها، ناهيك عن تبرير هذا الصمت! أما المدافعون عن هذه السلطة الجائرة والناهبة والمدمرة للوطن، سواء عبر صحفهم التي تزعم القومية والإستقلالية او قنواتهم الفضائية التي تدعي الحياد او مواقفهم السياسية النفاقية، فهؤلاء لا داعي لذكرهم او تناول سيرتهم أصلا، حفاظا علي الذوق والأدب والحس الإجتماعي العام! وعموما لست من أنصار مدرسة تقديم المواعظ وبذل التوجيه والإرشاد(رغم حوجة الجميع لذلك وعلي الدوام وبطريقة متبادلة، لا يحتكر طرف فيها الصاح المطلق) او من رواد توزيع صكوك الوطنية وشهادات النضال (رغم أهلية البعض لها، او تمايز الأدوار وتباين بذل المجهودات والتضحيات)! ولكن الغرض الأساس من ذكر كل ذلك، التدليل علي أن هنالك كانت دائما ممكنات، لقول الحق وفعل الصاح، غصبا عن قتامة الواقع وإرهاب الخصوم وغدرهم الأصيل! ولكي ندلل أيضا علي أن المستقبل بأيدينا، مهما توهم الواهمون والمتمسكون بالسلطة بصورة مرضية، كأنها إرث عائلي او ركن ديني او فرض إجتماعي، ممنوع الإقتراب منها او تناولها او نقدها او التطلع إليها! والأهم من ذلك، إرسال رسالة واضحة، أن الفعل النضالي والمواقف الصدامية الشجاعة قد تكون صعبة ومكلفة، إلا أنها ليست مستحيلة! وأن العبء علي الصحفيين والسياسيين في الداخل ثقيل، وظروف عملهم معقدة، ويصعب إحتمالها إلا لذوي العزم من الوطنيين المخلصين، وتاليا هنالك أدوار نضالية وتضحوية موازية ولكنها غير مكافئة، يمكن ان يقوم بها كل من بالخارج. وأسهل وأسرع هذه الأدوار، تتمثل في مساعدة المناضلين في الداخل، ولكن بصورة مؤسسية ومستديمة، أعلي مردود وأعظم فائدة من المجهودات الفردية، التي مهما بذلها من رجال أوفياء، إلا أن معينها ناضب لا محالة، كما أنها ترهن إستمراريتها لتقلبات ظروف الفرد وبيئته المحيطة! والدعم المقصود تتوسع مظلته لتطال كل أشكال الدعم، السياسي والدبلوماسي والإعلامي، ولكن الأهم الآن هو الدعم المادي، بسبب تفرغ كثير من السياسيين للعمل السياسي، وفي نفس الوقت، تجفيف الحكومة لكل مصادر الدعم لهم، سواء من الأفراد او الأعضاء بسبب فقرهم، او من المنظمات الداخلية او الخارجية وما يرافقها من تشويه متعمد، قصَّر بدورها وملأها شكوك! وكذلك ضعف المرتبات لأغلب الصحفيين او تعسر الأوضاع المادية لجميع العاملين او المهتمين بالشأن العام! وذلك ليس عن تقصير من جانبهم، ولكن لصعوبة التوفيق او جمع الأمرين، في ظل الظروف العدمية التي يمر بها المواطنون في الداخل!! ومؤكد أن أمر بهذه الحساسية لا يمكن أن يتم بصورة مباشرة، ولكن يمكن أن يتم عبر تحمل جزء من تكاليف العلاج وتعليم الأبناء وتهيئة السكن المناسب وغيرها من التسهيلات اللوجستية لوجاز التعبير، وكذلك فرص التدريب والإحتكاك بالخارج وتقديم الخبرات والبرامج الإدارية والتنظيمية الحديثة وجميع معينات العمل بالداخل. وبتعبير آخر، العمل علي تجاوز العقبات الداخلية التي تعيق عمل الصحفيين والسياسيين علي أداء دورهم التنويري التحرري، ومن حسن الحظ أن أغلبها عقبات ذات طابع مادي. من هذه القناة(الدعم المباشر) تتكامل الأدوار في الداخل والخارج، لإستكمال مشروع الخلاص من هذا النظام التخريبي الأخرق، ومن ثم التأسيس لوطن الأخاء والتلاقي والمحبة بين جميع المكونات. لأنه ومهما كانت مساهمة الخارج في دعم الداخل، فإنها لا تساوي قطرة في بحر المواجهات الدامي الذي يواجهه الكتاب والسياسيون في الداخل، او تعادل ليلة واحدة من عذابات المعتقلين وأسرهم او جزء يسير من الإهانات اليومية التي يتلقاها المواطنون يوميا بسبب ومن دون سبب، من أجهزة النظام المتعددة الأسماء والوظائف! بل حتي من مؤسسات الدولة التي يفترض أنها تتوجه لخدمتهم!! لأنه إذا نجح المواطنون في الداخل، في الخلاص من هذا الكابوس الجاثم علي أعصابهم وجروحهم، دون مساعدة المواطنين في الخارج او بمساعدة متواضعة منهم! فلا معني بعد ذلك أساسا لمشاركتهم حريتهم او التمتع بكسبهم الديمقراطي، المنتزع بقدر هائل من التضحيات والتكاليف! أي التحلي بثقافة الإستمتاع فقط بجني الثمار، لأنهم والحال كذلك، يعيدون إنتاج الممارسات الطفيلية الكيزانية، وعاداتها السيئة في إمتصاص عرق الشعوب وعافية الحريات العامة! ومؤكد أن الدعم السياسي والإعلامي الذي تتلقاه المعارضة في الداخل، هو شئ إيجابي ومطلوب. ولكنه لا يفي بالغرض، بل يصبح شئ هامشي ولا يذكر، مقارنة بالأهوال التي يجدها المعارضون في الداخل وبمختلف مشاربهم(سياسيون وصحفيون وأكاديميون ..الخ) او مقارنة بحجم المطلوب والمأمول، لتحريك آليات النضال وتحرير طاقات التحرر الداخلية، والتي تمثل رأس الرمح لإنجاز هدف الخلاص القادم. بعبارة أخري، بما أن النظام شرس، ويحتكم علي آليات الدولة الأمنية والمادية والإعلامية! وحجم الكوارث مفجع وآثاره التدميرية من الخطورة بمكان، وطالت أهل الخارج كما حطمت المواطنين والدولة في الداخل! فتاليا هي تحتاج لأقصي قدر من المجهود السياسي والنضالي السلمي في الداخل، والدعومات المادية والدبلوماسية والإعلامية من الخارج. لأنه دون التنسيق وتنظيم العلاقات بين الداخل والخارج، وتوظيف هذه العلاقات في وجهتها الأمثل، بعد سد ثغراتها ومكامن ضعفها وقلة فاعليتها. فإننا سنظل نبذل الحسرات والإنتقادات والشكاوي (كوظائف سلبية) علي تجاوزات الحكومة وأقطابها، ضد المواطنين في الداخل والخارج، هذا من جهة! ومن جهة أخري، ستباعد من لحظة ميلاد الخلاص، والتي تعني عمليا، المزيد من العذاب والأخطار علي الوطن والمواطنين، وضياع أعداد لا حصر لها من الأجيال سنبلة! وهنالك أيضا جانب لأ يقل أهمية لوقفات الخارج العملية(أي التي تخطت مرحلة الأقوال لواقع الأفعال). فهي تمثل المزيد من الدعم الإيجابي والدفقة المعنوية، لنماذج الأستاذ حيدر ولغيره من الكتاب والسياسيين، الذين يقفون علي خط النار، ويواجهون غدر السلطة يوميا، وتاليا منحهم المزيد من الطاقات الإيجابية التي تعينهم علي الصمود. حتي لا ينصرفون عن الإهتمام بالشأن العام، ويغرقون في دوامة الإهتمامات الفردية، او يواجهون مصيرهم بصورة فردية وأسرية ولسان حسرتهم يقول(أين الذين ندافع عنهم؟ لماذا يغيب المناصرون في هذا الليل البهيم؟!). لأنهم في النهاية بشر ولهم أسر ومسؤوليات خاصة، وتمر عليهم لحظات الإحباط واليأس. ولأ نتوقع بسلبيتنا أنهم من طينة مختلفة، قدرها تحمل الطعنات ومصادقة المعتقلات الي ما لا نهاية! من أجل أوطان ومواطنين كل ما يمنحونه إياهم، مجرد إعلانات صوتية بالدعم، ومجرد حسرات وأسف مرسل من البعيد! أي بما أن الوطن للجميع، فكذلك مسؤولية تحريره من قبضة الخراب تقع علي رقاب الجميع. ويصح، أن نماذج الأستاذ حيدر إمتلكوا قدرات أكبر وحساسيات أدق ومواقف أجرأ وأشجع، ضد أنظمة الطغيان والبطش. إلا أن إستكمال هذا الدور رهين بايدي، بقية المواطنين ومن دون فرز او هامش مناورة هروبية واهية. التحية للأستاذ حيدر أحمد خيرالله ولكل الكتاب والسياسيين الذين رفعوا عنا عبء المواجهة والصدام (مؤقتا!) ومازالوا يثابروا للتأكيد علي أن الخير وبشارات الخلاص موجودة فينا، وتنتظر فقط لحظة الإنبلاج! بمعني آخر، إذا كانت مقدمات المواجهة فرض كفاية( قام بها الإستاذ حيدر وشهداء سبتمبر والأستاذ إبراهيم الشيخ وصاحبة الجسارة الدكتورة مريم ..الخ)، فإن إكمال مسيرة الخلاص فرض عين علي الجميع، ولا نامت أعين أصحاب الأعذار والمرجفين والمحبطين! وسلام يا وطن، وسلام خاص، لأستاذ حيدر. مسلسل الأوجاع والرحلة المأساة الي المجهول ما يذكره البعض من تجارب شخصية، وما تتناوله الأخبار وأجهزة الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، من حالات مأساوية، في مجالات العلاج والطبابة في الداخل، يندي لها الجبين! بعد أن تحول هذا القطاع الصحي العلاجي، لأكبر سوق ربحي وبطريقة إستغلالية فاضحة! أي وبما أن المريض وأسرته ليس في وارد رفض العلاج او تأجيله او المساومة علي أتعابه، بحكم أهمية الزمن او اللحظة الحرجة التي يمر بها المريض! وخطر مواجهة الموت او الإنحدار الي مراحل مرضية مزمنة أشد فتكا صحيا وماليا علي المريض وأسرته. وهم يعانون سلفا الفاقة والحرمان من أبسط الأساسيات الحياتية! ويصرفون من حر فلسهم ونقص حاجاتهم الأساسية، الملازمة لمعظم المواطنين في الداخل، علي إجراءات وعمليات طبية بمبالغ خرافية لم يسمعوا بها او يحلموا بإقتناء عشرها، ناهيك عن إمتلاكها! علما بأن أن معظم الأمراض سببها، إما نقص التغذية! او تردي خدمات تقديمها او نقص الإشتراطات الصحية في إنتاجها وإستهلاكها! بمعني، إن المريض نفسه ضحية لبيئة غير صحية، وفقيرة بالمطلق من أي وجهة! وكما ظللنا نردد مررا، أن المسؤولية العلاجية والطبية هي واجب الدولة أولا! ولكن وبما أنه لا توجد دولة أصلا!! او ما يدل علي أن ما يسمي حكومة الإنقاذ الموجودة بحكم الأمر الواقع!! تعي أهمية العلاج وتقديم الخدمات الصحية المتكاملة، او تعلم بحال المواطنين وفقرهم المدقع! وهذا إذا لم نقل أنها أكبر تاجر او مساعد للتجار الجدد(غالبية الأطباء الإخصائين في الداخل!) علي إستغلال بسطاء المواطنين. وكما نعلم أيضا، أن طبيعة الحياة في السودان أصابها جنون الإستهلاك والثراء السريع بكل الوسائل والطرق، وبما فيها حياة البشر! كإنعكاس لتضخم الجهاز السياسي والدستوري، والتوسع في إمتيازاتهما وصعود أصحابهما إجتماعيا دون مردود حقيقي! وكانت النتيجة المنطقية للمحافظة علي هذه الوضعية المختلة، أن لجأت الحكومة لبيع الأصول الوطنية وإهدارها، في سبيل حماية نظامها غير المنتج! او النظام العالة علي المال الريعي (الأصولي وتاليا البترولي) مما أفرز تضخم في المؤسسات العسكرية والأمنية والتنظيمية غير المنتجة بدورها! وبكلمة واحدة، إحلال السياسة الدعائية الشكلية الأمنية الخاوية، محل المشاريع الإنتاجية الحقيقية وتحسين المؤسسات الخدمية! وتاليا إحداث فراغ عريض، سمح للجشع الطبي بالتمدد في مساحة الخدمات الصحية الفارغة، وفي نفس الوقت تعويض المكانة السلطوية او الدستورية المفضية للصعود الإجتماعي المجاني الغائبة! بالسطوة المادية والصعود الراسمالي لشريحة معتبرة من الأطباء!! أي ما قصرت عنه القدرات السياسية لأبد من إدراكه بالقدرات المالية، وبتوظيف المواهب والخبرات العلمية، وبغض النظر عن مصدر المال، من فقراء من معدمين من فاسدين لا يهم!! فما دور الأطباء المعارضين او المعارضة بصفة عامة، وعلاقاتها الداخلية والخارجية بصفة خاصة، في مواجهة هذا الطوفان التجاري الربحي، الذي يكتسح هذا القطاع الحيوي، كالنار في الهشيم! وكما تساءلنا أكثر من مرة، هل الغرض من الفعل المعارض المساعدة في تحسين أوضاع المواطنين؟ وتاليا السلطة مجرد وسيلة لهذا الهدف النبيل! أم الغاية هي الحصول علي السلطة فقط وإن بصورة ديمقراطية؟ لأن الأولي لا تستدعي الإنتظار، وتدفعها هذه الرغبة الصادقة، في الإنخراط مباشرة في عمليات التغيير والتحسين. وليس هنالك أقرب من القطاع الصحي، لإحداث هذه التغييرات والتحسينات. والموضوع ليس معقدا او مستحيلا، أي يمكن أن تكون البداية بتكوين مستشفي لحزب الأمة مثلا(هل هذا صعب علي كوادر وراسمالية وأطباء حزب الأمة في الداخل والخارج؟)، والعلاج بأسعار رمزية بالطبع، او تسيير قافلة صحية مجانية للحزب الإتحاي لمناطق النزاعات مثلا، او تبني الحزب الشيوعي لعلاج حالات خاصة...الخ وهذا لأ يتعارض مع ضيق ذات اليد التي تعيشها كل التنظيمات المعارضة. لأن الفلس الحقيقي هو في الركون لهذا الواقع وعدم السعي لتغييره! عزيزتي المعارضة، إن تنصري الفقراء في الشدة والبلاء، ينصرك الفقراء في في الديمقراطية والرخاء! المهم، إذا تسامحنا مع الأطباء وجشعهم وإستغلالهم لحاجة المرضي الفقراء، بعد أن أحلوا لأنفسهم أكل أموال المديونين! ولم يكترثوا لإراقة ماء وجههم، وهم يسألون الناس إلحافا تكملة تكلفة العلاج شبه المستحيلة! فكيف يمكن التسامح وغض الطرف عن تعريضهم حياة بعض المرضي المعدمين، لخطر تدهور حالتهم الصحية، بل الموت عيانا بيانا!! بما يتنافي مع القسم الطبي الذي ولجوا عبره لهذه المهنة الإنسانية! وهذا ناهيك عن أن الغاالبية العظمي من الأطباء، إنحدروا من أسر فقيرة و أوساط شعبية او زراعية رعوية عمالية وظيفية علي أحسن إفتراض! وتحمل الشعب نفقات تعليمهم وتخصصهم، بفرية النبوغ المبكر! وإذا سلمنا جدلا أن بعض العمليات تحتاج لنفقات عالية، ولكن ما دور الأطباء في التنازل عن بعض أتعابهم، كنوع من المساهمة في علاج حالات أصحابها فقراء او معدمين. ويعلم الجميع أن ما يمتلكه هؤلاء الأطباء من أرصدة وإستثمارات، تفوق أكبر الراسمالية الإحتكارية! المهم، أصبح موضوع العلاج وتكاليفه الباهظة، وسط مجتمع فقير او مفقر، يكافح من أجل تدبير أبسط أساسيات الحياة! هو مأساة(فلم هندي حزين) حقيقية! تحتاج هي أيضا لتضافر الجهود في الداخل والخارج. وليس المعني الميسورين فقط، ولكن الأمر يخص الجميع كل حسب طاقاته ومواهبه وإمكاناته. لوضع حد لهذه المأساة المفتوحة، التي تستهدف حياة وكرامة شعب، لطالما تميز بالعفة والحرج والإبتعاد عن مسألة الناس والشعوب. آخر الكلام التغيير الحقيقي لا يحتاجه النظام فقط! ولكن تحتاجه بصورة أشد، العقيدة الإستهلاكية الربحية الفاسدة، التي طالت الصحة والتعليم وكل الخدمات! والتي قسمت بدورها المجتمع الي من يملكون ويتملكون ويتحكمون في الآخرين والأشياء، ومن لا يملكون، أي المعرضون للإذلال المستديم! أحبابنا الأطباء يبدو أن شيلوك مر من هنا!! في رحاب الله هاني فحص حملت الأنباء وفاة رجل الدين والعالم المفكر اللبناني، السيد هاني فحص، بعد أن ملأ الساحات العلمية والصحفية الإعلامية، علما وتسامحا وفتحا لأبواب إنغلاقات دينية وطائفية مستحكمة، وسعي حثيث للتمسك بالمشتركات والإبتعاد عن المفرقات ومداخل الفتن والخراب! فقد رد السيد هاني فحص لرجل الدين هيبته ووقاره الذي مرقه السلاطين في التراب! وذلك عبر سماحة خلقه وقلمه وعشرته، كما رد للسياسة واقعيتها وإستغلاليتها وللفكر موضوعيته! بل وظف كل تلك المجالات والدروب المختلفة، لخدمة الإنسان بوصفه إنسان، يستحق الحياة الكريمة والحرية والكرامة والفرصة لوضع بصمته الخاصة. رحم الله السيد هاني فحص وجعل الجنة مثواه مع الأنبياء والشهداء والأبرار. إنا لله وإنا إليه راجعون. عبدالله مكاوي بريد إلكتروني [email protected]