دبابيس ودالشريف    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    شاهد بالفيديو.. غرق مطار دبي    قوة مختصة من مكافحة المخدرات نهر النيل تداهم أحد أوكار تجارة المخدرات بمنطقة كنور وتلقي القبض على ثلاثة متهمين    ماذا حدث بالضبط؟ قبل سنة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    قمة الريال والسيتي بين طعنة رودريجو والدرس القاسي    رونالدو ينتظر عقوبة سلوكه المشين    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت    قطر.. متقاعد يفقد 800 ألف ريال لفتحه رابطاً وهمياً    جيوش الاحتلالات وقاسم الانهيار الأخلاقي المشترك    خبير نظم معلومات: 35% من الحسابات الإلكترونية بالشرق الأوسط «وهمية ومزيفة»    مصر.. ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 10 مليارات دولار خلال 2023    شرطة دبي تضبط حافلة ركاب محملة بأسطوانات غاز!    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    شاهد بالفيديو .. قائد منطقة الشجرة العسكرية اللواء د. ركن نصر الدين عبد الفتاح يتفقد قوات حماية وتأمين الأعيان المدنية المتقدمة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    الجمارك السعودية: دخول الأدوية مرهون بوصفة طبية مختومة    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والخروج الآمن في تونس والقسري في مصر


فاطمة بن عبد الله الكرّاي
لم يكن صعود الإسلام السّياسي إلى دفّة الحكم في تونس ومصر، بعد ثورتي 14 يناير و25 منه سنة 2011، العامل الوحيد الذي جعل العلاقة بين المشهدين السّياسيّين، في كلّ من القاهرة وتونس، مترابطين من حيث قوّة المقارنة ونقاط التلاقي والاختلاف، بين السّاحتين، بل إنّ المقارنة بين تونس ومصر، ظلّت عبر التّاريخ إحدى ركائز الجغرافيا السّياسيّة، للمنطقة العربية برمّتها.
إذ ليس صدفة أن تتصدّر العاصمتان حراك وتفاعلات وتأثيرات عصر النّهضة العربية نهاية القرن التاسع عشر، حيث تنادت حركات الإصلاح الفكري والعلمي في كلّ من مصر وتونس، فكانت أسماء روّاد النّهضة أمثال قاسم أمين في مصر والطّاهر الحدّاد في تونس، قد سمت بأفكار إصلاحية من أجل النّهوض بالمرأة وبالمجتمع فعانى المفكّران المصلحان، المذكوران، من " سياط " المشايخ حدّ تكفيرهما، ومصادرة منتوجهما الفكري إن عبر المحاصرة أو الإطاحة...
الانتقال بين مصر وتونس:
أودت التطّورات السّياسيّة ما بعد ثورتي تونس ومصر في 2011، إلى واقع انتخابي مختلف من حيث الآلية والأهداف لكنّه واقع متشابه بخصوص اللّون السّياسي الذي وصل إلى الحكم، إذ بشكل متزامن تقريبا، اختار التّونسيون التخلّي عن الدّستور القديم الصّادر عن " مجلس قومي تأسيسي " سنة 1956، والمرور إلى مرحلة تأسيسية، سوف نرى لاحقا أنّ الفائزين بالانتخابات فيها، تعاطوا معها على أساس أنّها مرحلة سياسيّة عاديّة، فكان المجلس الوطني التأسيسي الذي يتكوّن من النّواب الفائزين في انتخابات 23 أكتوبر 2011، قد اتّخذ على أساس أنّه برلمان وبدت السّلطة التّنفيذية النّابعة منه، والمشكلة من حزب حركة النّهضة الإسلامي وحزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" و "التّكتّل من أجل العمل والحرّيات" تتصرّف في الشأن العام على أساس أنّ انتخابات 23 أكتوبر 2011، التأسيسيّة، هي انتخابات برلمانية!
في الجهة المقابلة انتهجت مصر طريقا آخر لتأمين مسار الثّورة، بأن دخلت انتخابات رئاسية وبرلمانية، قبل أيّة مراجعة للدّستور، وقد ثارت بها معركة الانتخابات أولا! منذ مارس سنة 2011 واستمرت الانتخابات قبل الدستور، وهو ما أتاح بعد حكم المحكمة الدستورية العليا للبرلمان، أن انفرد الرئيس الإخواني المعزول في مصر بكامل السلطات!
من هنا بدأت نقاط الخلاف بين التّجربتين التّونسيّة والمصريّة، تطفو على سطح الأحداث، فقد دخلت التّجربتان، على اختلاف آليتهما في أزمة. أطلق عليها بعض المحلّلين عبارة: أزمة حكم الإسلام السيّاسي.
ذلك أنّه ولأوّل مرّة، يأتي صعود الإسلاميين إلى الحكم في البلاد العربيّة، على إثر ثورة شعبيّة ووفق آلية صندوق الانتخابات، انتخابات حرّة ونزيهة.
وللتذكير فقط، فانّه ولظروف مختلفة أيضا تهمّ كلاّ من تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وكذا تنظيم حركة النّهضة في تونس، فانّ الهبّة الشعبيّة والثّورة التي حصلت في تونس وبعدها في مصر، لم يكن للإسلاميين في البلدين، بها علاقة، وهو ما أقر به الكثير من الإسلاميين في الأيام القليلة بعدها، ففي حين آثر إسلاميو تونس الانتظار على الرّبوة، خشية ردّة فعل بن علي، لانّ يوم 14 يناير 2011 لم يكن حراكه الشّعبي بهدف الوصول إلى ما آلت إليه الأمور في تونس، من هروب لبن علي... فإن مصر، وبعد 11 يوما من ذاك التاريخ، كانت الجماهير الغاضبة والثّائرة ترنو إلى الإطاحة بمبارك، حيث شملت الشعارات مطالبة برحيل حسني مبارك، أسوة بما حدث في تونس، لكن الاخوان المسلمين وقتها تأخرت مشاركتهم طويلا، ثم كانوا من المشاركين في المفاوضات مع نظام مبارك، فقد كان مفهوما أن المشهد الموالي (في مصر) كان أوضح من حيث الشعارات والأهداف، لكنه كان مشابها للمشهد التونسي من حيث عزوف الاسلاميين عن الحراك الثوري والجماهيري.
الإسلاميون ودفة الحكم الصعبة:
الإسلام السيّاسي الّذي يلج دفّة الحكم في كلّ من تونس ومصر لأوّل مرّة لم يكن متهيّئا لهكذا تجربة. ذلك أنّه ظلّ في المعارضة تارة وفي خانة المهادنة طورا آخر...إن في تونس أو في مصر...
إنّ الأزمة التي تردّى فيها حزبا النّهضة في تونس والإخوان في مصر، جاءت نتيجة التصادم بين الإسلام السّياسي والدّولة المدنيّة، كما أنّ الأخطاء الّتي برزت للعيان. سواء في مصر أو في تونس، راكمت الأزمة فاتخذت في مصر أسلوب المصادمة مع الشارع وفي تونس أخذت الأزمة شكلا أقوى، لأنّ الاغتيال السّياسي دقّ على أبواب تونس، الّتي ظلّت أبوابها موصدة في وجهه.
بل لعلّني أزعم أنّ جريمة الاغتيال السّياسي لم تعهدها تونس ما بعد الاستقلال (1956) وبقي الشعب التونسي مروّعا ومصدوما على مدى ستّين سنة وأكثر من عمليّة اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشّاد على يد ميليشيا الاستعمار الفرنسي.
العامل الخارجي في الأزمتين:
أمّا بالنسبة لما يمكن أن نطلق عليه العامل الخارجي في كلّ مظاهر الأزمتين في تونس وفي مصر، فإنّ التعامل الخارجي مع الأزمتين كان أيضا يتلاقى ويتنافر حسب الظّروف الذاتية والموضوعية لكلا البلدين.
فلقد أثبتت التجربة المتفحّص فيها الآن، ونقصد تجربة تونس ومصر مع الإسلام السياسي، أن الدّوائر الأجنبية المتنفّذة في العالم، كانت تعمل وفق منطق التجربة والخطأ، ولم تكن لها رؤية واضحة تنطلق من الألف لتصل إلى الياء...
الواضح أنّ الامبريالية الأمريكية، عملت دوائرها البحثيّة مثل مؤسسة " راند" على إيجاد صيغة لإلهاء الوطن العربي بأمر، لا يضير إسرائيل في شيء، ولا يأخذ بيد القضيّة الفلسطينية، والإسلام السّياسي في شكله المعتدل عبر تنظيمات تختلف أسماؤها، وجدناه مستعدّا لبعض هذه الأدوار...
ولقد بان بوضوح أنّ الغرب تخلّي عن الأنظمة السّابقة دون رجعة، وأنّه كقوّة مهيمنة على العالم، أراد أن تضعف دول عربيّة عديدة منها مصر، لكن دون الإطاحة بالدّولة كمؤسسات، رغم أنّه (الغرب) كان يغمض عينا تجاه عمليّات الزّعزعة الّتي طالت بلدان عربيّة عديدة...
هنا يمكن التأكيد على حقيقة أنّ الوطن العربي، الّذي تنادت جماهيره طلبا للتّغيير، مازال مرهونا لغيره في عمليات التّوق إلى الإصلاح وأنّ الاستقرار سيظلّ مجافيا له، طالما أنّ الوطن العربي لم يحقّق الاكتفاء الذاتي الغذائي والدّاخلي، أو على الأقل مادام لم يرسم هذه المعالم الّتي يمكن أن تكون السّبيل للخروج من هكذا أزمات مثل الّتي حدثت في تونس ومصر.
إنّ الغرب ومن خلال الأزمة في مصر وفي تونس وكذلك التطوّرات الخطيرة الّتي تمرّ بها سوريا، بدأ يخشى خطر تفكّك هذه الدّول القطريّة... لأنّ هذا الغرب الّذي عمل فعلا على أنّ تتفكّك هذه الدّول العربية، على الأقل من خلال إغماض عين عن بعض مظاهرها المؤلمة، يهدف من عمليّة التّفكيك إلى إضعاف هذه الدّول حتّى لا تكون قويّة وليس السّماح بحالة تفكّك وفوضى وتسيّب مثلما هو حاصل في بعض الأقطار العربية الّتي عرفت ما أطلق عليه انطلاقا من الغرب اصطلاح الرّبيع العربي، أسوة بربيع " براغ " آخر ستينات القرن الماضي وربيع " بيكين " الّذي جدّت أحداثه في "تيان آن مان " بالعاصمة الصّينية بداية تسعينات القرن الماضي، وهي تسميات يطلقها الأمريكان والغرب عامّة، على هبّات شعبيّة أو شبابيّة، لكي تضمن ريع نتائجها بل وخراجها كحركات احتجاجية جماهيريّة، لصالحها كقوّة عالميّة مهيمنة...
ونحن نتذكّر أنّ مصطلح الرّبيع العربي لم يسوّق عبر الإعلام والعالم، إلاّ بعد نجاح الثورتين في تونس ومصر وامتدّت الحركة الجماهيريّة من تونس ومصر إلى اليمن وليبيا وسوريا.
هناك حقيقة ثابتة، في السّياسة الأمريكية، وهي أنّها تتعامل مع الموجود والمستجدّ من أجل الاحتواء والتّجيير، أيّ وضع جديد لصالح سياستها.
فلا يذهبنّ الظّنّ بالبعض، أنّ واشنطن سوف تسمح بأن تفلت المنطقة العربية بزخمها الشعبي وثرواتها المّادّية وموقعها الجغرافي السّياسي وأمن اسرئيل المنوط بعهدة الولايات المتحدة الآن، سوف تفلت من يديها أو أنّها كقوة عظمى تسوس العالم، سوف تدع الأمور "تنفلت" في غفلة منها مثلما كان شأن بلدان أمريكا اللاّتينيّة.
هذا بالنسبة للعامل الخارجي، حيث نضيف أنّ مصر التي كانت وستظلّ بلدا له خصوصيّة و"حظوة" استثنائية لدى الولايات المتحدة الأمريكية الحليف العضوي للكيان الصّهيوني، بدا فيها المعطى الخارجي محدّدا في بعض الأحيان، ولقد صفّقت واشنطن لصعود الإسلام السّياسي في مصر وتونس عبر الانتخابات، لأنّ هذا الإسلام السّياسي تقوده تنظيمات تلج السّلطة لأوّل مرّة، بوسائل وخطاب وآلية غير متطابقة مع ما وصلت إليه الشعوب في المنطقة.
بين 30 يونيو المصرية و25 يوليو التونسية :
على عكس النموذج التركي- قبل تراجعه- نجح حزب العدالة والتنمية في تركيا، قطار التقدّم الحضاري والتطوّر العلمي والنموّ الاقتصادي المطّرد، ولم يوقفه بتعلّة دعويّة أو عبر تنظيمات وجمعيات وحركات مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالحزب الحاكم، فإنّ ما حدث في القاهرة وتونس على إثر صعود الإسلاميين، هو مظهر التصادم المستمرّ مع المجتمع المدني، ومع الصّحافة والإعلام ومع القضاء ومع سلك المحاماة ومع النّقابات العمّاليّة، الشيء الّذي سرّع هنا وهناك.
رغم اختلاف التمشّي والمسلك في كلا البلدين، سرّع بالأزمة الّتي أرّخت في مصر بالثلاثين من يونيو 2013 وفي تونس بالخامس والعشرين من يوليو من نفس الصّائفة، وهما تاريخان مرتبطان بمظاهره الاحتجاج بالقاهرة والتي فاقت العشرين مليون نسمة وبمقتل الشخصية السّياسية الثانية في تونس النائب بالمجلس التأسيسي الحاج محمّد البراهمي ، بعد ستّة أشهر فقط على استشهاد شكري بلعيد زعيم حزب سياسي ضمن الجبهة الشعبيّة.
بالرّجوع قليلا إلى توصيف المشهدين المصري والتونسي، فإنّه تجدر الإشارة إلى أنّ تونس الّتي عرف جيشها بحياده السّياسي، أي عدم تعاطيه مع الشأن العام فإنّ الجيش المصري هو عماد السّلطة في مصر، ذلك أنّ العمود الفقري في الدّولة التونسية هي الإدارة الّتي يعود تاريخ تنظيمها الى القرن السّادس عشر زمن حكم الحفصيّين الذين شيّدوا أركان الدولة فجاء العثمانيون وواصلوا البناء على أساس الموجود وليس على أنقاضها...
الأزمة والمخارج :
عندما تأزّم الوضعان في تونس ومصر، وبدأت تظهر في الأفق مظاهر أزمة حادّة، تهمّ الحكم أساسا، اختلف المساران واختلف الحلّ بين تونس والقاهرة.
براجماتية الغنوشي وجمود الإخوان:
ففي حين اختار الإخوان المسلمون في مصر المواجهة من أجل البقاء في السّلطة، معتبرين أن الانتخابات الّتي أتت بهم إلى دفّة الحكم، هي أمر مقدّس ولحظة فارقة لا يمكن التخلّي عنها عبر حوار وطني أو مفاوضات، فإنّ الأمر في تونس بدا مختلفا، لأنّ وقع الصّدمة كان شديدا على الشعب وعلى الطّبقة السّياسيّة عندما تمّ إغتيال الشّهيد شكري بلعيد، يوم السّادس من فبراير 2013 وكذلك عندما تمّ إغتيال الشّهيد محمّد البراهمي في 25 يوليو من نفس السّنة. هو الزلزال الّذي حلّ بتونس، لذلك كان الأمر سهلا بالنسبة لحركة النّهضة (الإسلاميّة) أن تدخل في حوار وطني من أجل خروج آمن من السّلطة، عكس الإخوان المسلمين في مصر، الذين ظلّوا يتجاهلون الاحتجاجات وحجم المظاهرات الشعبيّة الّتي يبدو أنّها حسمت الأمر، أمر خروج الإسلاميين من السّلطة قبل أن يتحرّك الجيش وبقية الأحزاب والمجتمع المدني.
وقد ساعد على المسارين الإشارات الخارجية، التي قد تكون أنزلت "البيان في إنهاء حكم الإخوان" ولكن هذه الإشارات عرفت مراحل مدّ وجزر في مصر كما في تونس، تراوحت بين الاستحسان في ردهة والرّفض في ردهة أخرى من زمن الأزمة في كلا البلدين...
هناك ملاحظة، لابدّ من استخلاصها من هذه التّجربة في حكم الإسلاميين، بين تونس ومصر، وهي ملاحظة تهمّ تعاطي الأمريكيّين مع التجربتين بوصفهما عنوان الوضع العربي الرّاهن، وهي أنّ أمريكا، وفي لحظة فارقة، اختلطت فيها الأجواء في تونس كما في مصر، وبدت وكأنّها تسير على حقل ألغام، في أيّ لحظة يمكن أن تنقلب الأمور إلى اللاّنظام، إلى الفوضى العارمة وغير المحسوبة عواقبها.
وهذا نتيجة أن واشنطن، وفي وقت ما من هذا المسار، غابت عنها المعلومات، ولم تعد على بيّنة من بعض التطوّرات، إلاّ في جانبها الأمني طبعا...كما أنّ الغرب عموما يقف على حقيقة أنّ العامل الجغرافي هو عامل محدّد، ذلك أن تونس كما المغرب العربي، هي منطقة متاخمة وقريبة جدّا لأوروبا، فالمساحة بين المغرب وإسبانيا لا تتجاوز أميالا معدودة وكذلك الشأن بالنسبة لتونس، إضافة إلى أن الكيان الصهيوني على حدود مصر وهنا تجدر الإشارة إلى ان الغرب وأمريكا يبحثان عن الاستقرار بأيّ ثمن...فلا حاجة للدّخول في مغامرات غير محسوبة العواقب...
من هذه الزاوية يمكن أن نفهم مثلا كيف فتحت المساعدات المالية أمام حكومة السيّد مهدي جمعة في تونس، في حين مازالت مصر تعيش مخاضها الدّاخلي والمراقب من الخارج، ذلك أنّ ديدن الأمريكيين بالذّات، في مثل هذه المواقف يعتمد على هذا العنوان: من سيقدّم لأمريكا أكثر هو الذي سيفوز بالرّضا، فأمريكا التي دعمت صعود الإسلام السيّاسي في هذه البلدان العربيّة، مستعدّة في أيّ لحظة للقفز إلى خارج الاتفاق والوفاق.
فقد رأت واشنطن وإلى حين، أنّ الإسلاميين المتعطّشين إلى السّلطة مستعدّون لتنفيذ برامج إكراهية للشعب مثل البرامج الفجّة لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ومثل مهادنة إسرائيل وعدم معاداتها بل، والمرور إلى تطبيق ما لم تقدر عليه الأنظمة الدّكتاتورية السّابقة خشية هبة شعوبها، من تطبيع مع "دولة العدوّ" إلى منع تضمين الدّستور في تونس مثلا بند تجريم التّطبيع...
لقد اختارت كلّ من تونس ومصر، منافذ مختلفة لحلّ الأزمة التي حلّت بالبلدين، ففي حين تنادت المنظمات الوطنية النقابية والحقوقية في تونس من أجل بدء حوار وطني لحلّ أزمة الحكم في تونس فإنّ مصر، قد تكون فرضت الجماهير والسّلطة العسكرية نمطا آخر من التعامل مع حكم الإسلاميين، هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّنا سجّلنا مرّة أخرى، تأثير وتأثّر كلّ من البلدين، الواحد بالآخر، ولكن إلى حدود، ذلك أنّ التّجربتين التونسية والمصرية، في طريقة حلّ الأزمة، تشوبها عوامل أخرى مرتبطة بكل بلد على حده.
إسلاميو تونس والهجرة..
الإسلاميون في تونس، المنتظمون في حركة سياسية مهيكلة بين الدّاخل والخارج، عرفت قياداتها تجربتين مختلفتين في ما بين الفريقين. فريق هاجر إلى الخارج عبر منظومة اللّجوء السياسي في كلّ من فرنسا (قليل منهم) وألمانيا وهولندا ولندن، أين عاش زعيم الحركة السيّد راشد الغنوشي أكثر من عشرين سنة، والفريق الثاني، الذي كان يقبع بالسّجون بالدّاخل تتراوح مدّة سجن الواحد منهم بين 10 و20 سنة.
يقول أحد المختصّين في الجماعات الإسلامية، إنّ النّهضة ليست لها علاقة تنظيميّة مع الإخوان المسلمين، ولكنّ حركة النّهضة تنسق مع التنظيم المصري والشبكة الدّولية ولكنّها لا تعتبر نفسها جزءا من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولعلّ نمط تحرك زعيم حركة النّهضة راشد الغنّوشي الذي يماهي طريقة الترابي الأقرب إلى المكيافيليّة، هو الذي جعل الغنّوشي يجد قاسما مشتركا بينه وبين زعيم حركة نداء تونس السيّد الباجي قائد السّبسي، كطرف ليبرالي سياسي، حاز مكانة متطوّرة ومتقدّمة في المشهد السياسي بتونس، انطلاقا من أخطاء الأداء لحكومة الإسلاميين في تونس.
ناهيك أن السيد راشد الغنوشي يرى فيه الغرب شخصا غير دغمائي ويؤمن بالحوار السياسي في حلّ الأزمات، وهو شخصية حائزة على عدّة جوائز من أمريكا وبريطانيا، ويعتبرونه في الغرب ممثّلا للإسلام الدّيمقراطي وينعته خصومه من الإسلامييّن المتشدّدين بأنّه "علماني".
هنا لابدّ من الإشارة إلى دور الغنّوشي في أكثر من مفصل سواء خلال مناقشة الدّستور، أو خلال مراحل الحوار الوطني التي دامت أكثر من شهرين، قبل أن تأتي حكومة مهدي جمعة غير المتحزّبة، الذي كان يردّد في المجالس واللّقاءات الدّاخلية للحركة، بأنّ التعاطي مع متطلّبات خارطة الطّريق التي أنتجها الحوار الوطني والتي تنصّ على خروج النّهضة وحليفيها من الحكم، من أجل التّحضير للانتخابات، أفضل من خروج قسريّ على الطريقة المصريّة، وأن يكون السّجن هو المستقرّ من جديد ولعلّ هذا الانفصال الذي بدا علنيّا بين حركة النّهضة والتنظيمات المتطرّفة، والمتمثّل أساسا في إعلان حكومة علي العريّض المنسحبة، بإنّ تنظيم أنصار الشريعة هو تنظيم إرهابي، أيّاما قبل مجيء حكومة جمعة، هو أفضل دليل على أنّ حركة النّهضة قد اختارت أفضل حلّ سيّء بالنسبة لها.
بالمقابل، لم تكن الإمكانية في مصر موجودة بمثل الطريقة التونسيّة، لأنّ الرئيس مرسي، لم يتوفّق في أن يكون رئيس كلّ المصريّين ولم يتخلّ عن عباءة التّنظيم، فكان الخلاف حادّا بين الماسكين بالسّلطة التّشريعيّة والتّنفيذيّة أي تنظيم الإخوان المسلمين، وبين بقيّة مكوّنات المجتمع المدني والأحزاب وغالبيّة الشّعب...
ما بعد السقوط الإخواني :
تجربتان جديرتان بالتّمحيص والبحث، عرفتهما تونس ومصر، لكن تداعيات كلّ منهما مازالت قيد الرّصد والمتابعة، ففي مصر مازالت التفاعلات والتّطورات تجري في غير صالح تنظيم الإخوان المسلمين، الذين لم يرفعوا شعارات ترضي الجماهير بقدر ما قدّموا ""خدمات" لإرضاء الخارج، فتبيّن أنّ الأمر غير ذي جدوى، لأنّه وكما أشرنا سابقا، فإنّ البرغماتيّة الأمريكيّة-الغربيّة، تقتضي التعاطي مع المستجدّ وليس المساهمة في صنع هذا المستجدّ، وهو المعطى، الذي يغيب كثيرا عن العرب، فتراهم في كلّ محطة مفصليّة لا يواصلون مهمّة صنع التّاريخ التي تكون شعوبنا سبّاقة في صنعها.
أمّا في تونس، فإنّنا نقف على ملامح مدرسة أخرى، فيها عامل عدد السّكان القليل (عشرة ملايين نسمة تقريبا) والجغرافيا غير المنتشرة، والتّعليم المنتشر وتقدّم وضع المرأة، وانتشار المجال المدني من حيث عدد الجمعيّات الأهلية والحقوقيّة والنقابيّة، كلّها عوامل ساعدت على عدم العودة إلى مربّع التشفّي أو الانتقام، لكن مع التمسّك بقوانين مدنيّة للمحاسبة ورفض تكفير التّونسيّين بعضهم لبعض من خلال نصّ بالدّستور.
بالمقابل فإنّ الكثافة السّكانية في مصر، وكذلك وجود دولة مؤسّسات، تلعب فيها المؤسّسة العسكريّة منذ آلاف السّنين الدّور المحوري في التعديل وفي الحكم وفي المشاركة في الحياة العامة، تبدو عوامل للحسم في الأزمة التي تردّت فيها مصر ...
وإنّ المرور من خلال هذين البلدين العربيّين إلى مرحلة الحلّ الدّائم المدعوم من الشعب، سوف يؤثّر أيّما تأثير في باقي المنطقة العربيّة، إن سلبا أو إيجابا، فكلّ السّر في كيفيّة النّجاح أو الجنوح إلى الفشل ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.