شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة السودانية (متلازمة التراجع/العسكر): فساد زيوت أم فساد عام؟!
نشر في السودان اليوم يوم 06 - 05 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
الدولة السودانية (متلازمة التراجع/العسكر): فساد زيوت أم فساد عام؟!
لو أُكتشفت جريمة بيع زيوت فاسدة، لمنسوبي المؤسسة العسكرية، في دولة حقيقية او حكومة محترمة! لأقامت الدنيا ولم تقعِّدها! ولطارت فيها رؤوس ومناصب عديدة! ولطاولت مراجعة جذرية، لكل القوانين والإجراءات الوظيفية، تنقيحا وتعديلا وسدا للثغرات، التي سمحت بحدوث جريمة علي هذا المستوي، من التدني الأخلاقي والوطني!(هل بعد هذه الحادثة/الجريمة يصح تساؤل من شاكلة أيَّانَ يوم الخلاص، او أسباب تفشي ظاهرة السرطانات ومرض الفشل الكلوي!). ولكن من حسن حظ المجرمين، او لسوء حظ أبناء هذا الوطن، اليتامي من حس المسؤولية الحكومية! والمحرومون من الجدارة والأهمية والأهلية الوطنية. أن كان مسرح الجريمة دولة كالسودان، غير مكتملة النمو(خديج)! وزمان الجريمة فترة حكومة الأنقاذ، ناقصة وطنية وخلق مستقيم! فالدولة السودانية ومنذ ميلادها الحديث، ظلت تلازمها حالة فقر ديمقراطي وتشوه مؤسسي وعجز تنموي مزمن. ومن حظها الشؤوم أن تسلطت عليها طغم عسكرية، طوال تاريخها الحديث! تقابلها طبقة سياسية، ضعيفة التكوين وهشة التماسك والتنظيم، معادية للديمقراطية الداخلية، بقدر مطالبها وصراخها بتطبيق وإستعادة الديمقراطية الخارجية! وهي ذات وعي عقائدي مضلل او طائفي معطل، ونزوع سلطوي طاغٍ! علي إعتبار أن مدار التغيير والتطور هو السلطة حصريا! وهو الشئ الذي أفقدها حساسية التواصل الفعَّال او التفاعل الخلاق، مع قضايا وهموم غالبية الجمهور! او ما يفترض أنهم مدار الحكم وغايته! علي الأقل إستنادا علي الشعارات الشكلية المرفوعة! او تبريرا لصفات، كالشعبي والوطني والقومي والديمقراطي والسوداني والجمهوري، الملحقة كالمقطورة الزائدة(الترلة) او الزائدة الدودية، بكل حزب. وتزول الدهشة، عندما يضاف الي ذلك، وجود نخبة متعلمة عاجزة عن الضغط، في سبيل توجيه وضبط إنفلاتات السياسيين! او تجذير مؤسسات ذات طابع مدني مستقل، تملأ فراغ إنحسار دور وتأثير الطبقة السياسية! او تمتلك أنياب أشرس لمواجهة الطغم العسكرية الإنقلابية! او تجيِّد مجرد بلورة وعي عام، يحيل الي التعرف او التهجس بهموم غالبية الجماهير! وأغلبها هموم تحوم حول النقص في الحرية والتنمية، ووضع بنية تحتية، علمية معرفية ومنهجية مؤسسية للتطور. او علي الأقل التخلص من العقبات، وعلي رأسها ثالوث الفقر والجهل والمرض. والأسوأ من ذلك، أنها حرصت إن لم نقل عمقت، العادات المظهرية السلبية المكلفة ماديا! وسط مجتمع معدم، يجاهد طوال تاريخه، للخروج من ثقب السواد الكفافي! أي بدلا عن تقديم الحلول، للتخلص من حالة الفقر والحاجة المسيطرة، كدور او وظيفة او مسؤولية تتناسب مع كسبهم المعرفي او التعليمي! او أقلاه إحترام فقر مجتمعهم، من خلال تبني قيم تركز علي الضروريات، وتحتكم لفقه الأولويات، وتعادي عادة الإنفاق المظهري الإجتماعي الفارغ! إلا أننا نجدها وقد إنغمست بكلياتها في تعظيم الإنفاق المظهري البذخي، وصولا الي فرضه كقيم وعادات بديلة! تبز سابقتها إرهاقا وعنتا للبسطاء، خصوصا بعد إمتلاكها سلطة إجتماعية جديدة(متعلم فاهم مثقف!). وبكلمة واحدة، ضاعفت من هموم الفقراء المادية، بدلا عن التخلص منها او تقليلها الي أدني مستوي. وخطورة هذه الحالة الأخيرة، أنها زادت من هشاشة المجتمع او جعلته أكثر قابلية للفساد او للتعايش مع الفساد! بمعني أنها رفعت من سقف الطموحات، من غير توافر بيئة إنتاجية معرفية قيمية، تلبي تلك الطموحات او تقاربها!
فإجتماع هذه الأعطاب(العسكرية والسياسية والنخبوية المدنية) هو ما عطل تطور الدولة السودانية، وجعلها محلك سر! وهذا إن لم تسمح لها بالتطور الي الخلف! أي التراجع بإستمرار عن المكتسبات الضئيلة، التي حصلت عليها بعد الإستقلال، والتدهور بإضطراد. وهو تراجع إنعكس بإستمرار علي صورة ومكانة ودور وأهمية الدولة في الوعي العام! أي كرابطة او إطار يحوي المتساكنين داخل رقعة جغرافية محددة، ويلبي حاجات وتطلعات ويؤمن مخاوف أولئك المتساكنين، عبر عقد إجتماعي سياسي قانوني، يمكن من الحفاظ علي هوية او كيان الوطن، وقيمة وكرامة وحقوق المواطنين. ومعلوم سلفا، أنه وفي ظل غياب هذه الرابطة او الروح العامة، ترتد المكونات آليا الي منابتها الأصلية او جذورها الأولية، كالقبيلة الجهة العقيدة! كإطار عام يوفر الحماية ويلبي جزء من المتطلبات الحياتية وقبلها الوجودية للافراد. أي لا يوجد هنالك فراغ، إما دولة حديثة مستقرة، او ما قبل الدولة! وبالأصح، مجموعة مكونات او وحدات مجتمعية متنافرة، طابعها النزاع والنفي لبعضها البعض.
المهم، مع إستمرار إنحدار خط بيان الدولة السودانية الوطنية، وبوصول الأنبياء الكذبة او الكذبة المتسربلين برداء الدين، كمحصلة لهذا الإنحدار! إكتسب الإنحدار طابع ليس القداسة فقط! ولكن قتل كل ممكنات وفرص البناء والنهوض وإيجاد الحلول للأعطاب السابقة! بل وإستبعاد مجرد إتاحة الفرصة، لتظهيير الخلل او إيقاف سيرورة الإنحدار! أي بتحول الإنحدار لقيمة إيجابية ونجاحات، تستحق التصفيق والإمتنان! وذلك عبر تأبيد الأمر الواقع، وليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن القادم او البديل هو الأسوأ مقارنة بإنجازات الحاضر(الخيالية المريضة!). بتعبير آخر، تم نفي السياسة، بوصفها آلية سلمية لحسم المنافسة بين الرؤي والمشاريع المطروحة، والصراع بين الطموحات الإجتماعية المتباينة، من المجال العام! وسيادة نوع من الطغيان المركب(الديني العسكري)! أي إستخدام تقنيات الإحتكار والإضطهاد والإرهاب والتخوين والتجريم والتكفير، عوضا عن المشاركة والحوار والمساواة، في التعامل مع السلطة وعموم الجماهير! وإضافة الي إن هذا المركب، يعمل بآليات تقديم الخاص علي العام والفرد علي المنصب، أي إهدار كرامة الصالح العام! فهو يبرر لتلك المسالك والسلوكيات المنحرفة، بإكسابها أبعاد وطنية تتطلع لمصلحة الوطن، وأبعاد دينية تسعي لمرضاة الله(دون تعليق!). بتعبير آخر، محاولة قسر الوهم ليصبح حقيقة وفرض الباطل(المصالح الذاتية!) وتوقع الأفضل! وهذا إذا ما أحسنا الظن بمركب، لا يؤثم من يسئ الظن به، إن لم يؤجر علي حسن فطنته. المهم، بعد أن فرضت الجماعة الإسلاموية، أوهامها السياسية وتخيلاتها التاريخية العصابية، وهذيانها الديني الإيماني! علي الدولة الوطنية. وإصرارها ومن طرف واحد، علي فرض نموذجها الفاشل وعلي كل المستويات! بقوة المؤسسة العسكرية وشوكة وحصانة الأجهزة الأمنية! لتخلف بيئة كئيبة من الإرهاب، منعت الرفض او الإعتراض او مجرد التساؤل او الحياد! لدرجة تخلت فيها عن شعاراتها ورموزها الإسلامية، او ضيقت مساحة تعاطيها معها! رغم أنها المبرر لوجودها وإستمرارها او لتمايزها عن الآخرين! ومن دون تقديم أي مبررات!! وتاليا أصبحت عارية من أي غطاء، إلا غطاء فرض الأمر الواقع وكيفما أتفق! بإنتخابات مزورة او بدونها، بحضور ناخبين او بدونهم! بمراوغة الأحزاب المعارضة او بإعتقال رموزها و شق صفوفها! بإعطاء هامش حريات مزاجيا او بمصادرته عنفيا!..الخ. ما يهم فقط، هو بقاء سلطة الحكومة بايدٍ قلة، آلت في النهاية للبشير شخصيا! مع هامش إمتلاك الفضاء السياسي والإقتصادي والإجتماعي، بواسطة مجموعات محددة، لا تخفي صلتها او تمسحها بالسلطة الحاكمة، أي مرضاة البشير شخصيا(دون تعليق أيضا، ولكن بملاحظة تطور المرضاة، والأصح تدهورها من الطالب والمطلوب! ويا له من قيدٍ مذل يرسف فيه أولئك الأشقياء! بئس الطالب والمطلوب!). ونخلص من كل ذلك، الي أن الدولة السودانية الواعدة، والتي كان يتوقع لها، أن تمثل أنموذج في القارة الأفريقية والمنطقة، تهتدي به بقية الدول! خصوصا وقد أتيحت لنخبتها فرص تعليم أفضل مقارنة بالآخرين(ولولا نخبويته وإنقطاعه عن الواقع، لكن له شأن أعظم!) ومساحة أكبر علي التدرب والتعاطي مع النظام الديمقراطي كمنهج للحكم وتداول السلطة، وأسس للخدمة مدنية متطورة وراسخة. أي هيكل جاهز لبناء الدولة الوطنية الناجحة، وهو معد بصورة وكيفية جيدة، مقارنة بدرجة التطور المتاحة في تلك الفترة! ويضاف له توافر إمكانات ومصادر تنمية طبيعية سهلة الإستثمار! وكانت الحاجة والحالة تتطلبان فقط، نوع من الجدية وتعظيم المصلحة الوطنية، وتبني إستراتيجيات تنموية طموحة ومتوازنة بين جميع أرجاء القطر، والإرتقاء بالشأن السياسي الديمقراطي، الي مصاف الضمير او الثقافة العامة، المتحكمة في عقل وهوية وميول النخبة السياسية الحاكمة، وبقية النخبة المدنية المراقبة. ولكن للأسف، كل الوعود بهذه الدولة المتخيلة/الممكنة، آلت الي دولة واقعية، أصابها شلل الأطفال والكساح! ليقعد بها الإستبداد وتعطلها وتسلبها إرادتها الديكتاتوريات الممتدة! عن بلوغ غاياتها او تسمح بوصولها لمرحلة النضج، حتي ولو النضج المتأخر! لتصل الي مرحلة من السقوط والتدهور، يشكل مجرد الحفاظ علي كيانها ووجودها من التفكك والضياع، هو إنجاز يحسب لها ولنخبها! ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبوصول الدولة السودانية لحالة غياب الدولة او تحللها! وتحولها الي مجرد هياكل ومؤسسات وهيئات، باهتة او فارغة ولا قيمة حقيقية لوجودها او إعتباريتها او دور يفترض أنها تؤديه! كان ذلك أدعي لأن ينفرط عقد الطريقة او المنهجية، التي تنال بها المناصب القيادية، في تلك المؤسسات والهيئات! بمعني آخر، أصبحت الفتوي وفقه التمكين الذي يعتمد الولاء التنظيمي(الصحيح او الكاذب لا فرق!) هو الذي يسود، في تسيُّد تلك المناصب! بعد أن تم إستبعاد وسائل الترقي المعهودة، كالكفاءة والجدية والإخلاص في العمل وشفافية المنافسة..الخ! وخطورة هذه الآلية التمكينية الفاسدة، أنها لا تتسبب في تعطيل دولاب العمل في الدولة، وتخريب المنشآت العامة، كمقدمة لبيعها بثمن بخس لبعضهم البعض فقط! ولكنها وهو الأسوأ، تُدخل ثقافة جديدة علي العمل الوظيفي العام، عمادها النفاق والمداهنة والضرب تحت الحزام، كسلوك صحي يُمكِّن من نيل المكاسب او دفع الأضرار! بمعني، وفي ظل غياب قيم عمل حقيقية، وبيئة عمل صالحة، ينتج عنهما مباشرة، بيئة عمل فاسدة بكل المقاييس! لا ينمو ويتطور ويبدع فيها إلا الفاسدون! وبالموزاة مع او بسيادة بيئة الفساد هذه او كسبب رئيس لها، تبرز المؤسسة العسكرية، كمعطل تاريخي لأي تطور سياسي!! بتعبير آخر، إن تعميم الفساد وسيادته، لا يعني بالضرورة وفي كل الأحوال، وضع الشخص غير المناسب في المكان والزمان غير المناسبين فقط! ولكنه قد يطال تدخل مؤسسة، كالمؤسسة العسكرية في مجال او تخصص، لا يخصها من قريب او من بعيد! والمقصود التورط في الشأن السياسي، والتغول علي جهاز إدارة الدولة او التحكم بالسلطة الحاكمة في البلاد! وتاليا إمتلاك الفضاء السياسي والسلطوي، وإزاحة ليس الأحزاب والجماعات السياسية والنشاط السياسي فقط! ولكن قبل ذلك، إزاحة الحريات العامة والحقوق العامة، وصولا لإبادة الديمقراطية وشطب ثقافتها وقيمها من المجال العام ككل! وبكلمة محزنة، ليس مصادرة السياسة فقط! ولكن قتل بيئتها التي تتنفس وتنمو وتترعرع وتتطور فيها! وتاليا حرمان السلطة الحاكمة، من القيود التي تمنع إنحرافها وطغيانها، ومن الطاقة التي تجدد بها شبابها وحيويتها! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا أصبح تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، وبالأصح تخطيها لدورها وحدودها المرسومة! هو السمة الغالبة في هذه المنطقة من العالم؟! وهو الشئ الذي تزامن مع تأخرها او حرمانها من نصيبها في التطور كبقية دول العام؟! والسبب يعود لأمرين، أولهما، سيولة الحالة السياسية العامة، وعدم إنضباطها بالتقاليد الديمقراطية الراسخة، وإنشغال غالبية السياسيين بتوافه الأمور، كالخصومات الشخصية والحزبية والتهافت علي المصالح الشخصية والحزبية، علي حساب أمهات القضايا او المسائل الأساسية الجوهرية والصالح العام. بتعبير آخر، عجز الطبقة السياسية عن تقديم نموذج، يفرض هيبة النظام الديمقراطي، من جانب! ويجلب له الإحترام والقبول العام، والدفاع عنه ضد المخاطر التي تتخطفه، من الناحية المقابلة! وهذه السيولة او الفراغ هو ما شجع المؤسسة العسكرية، كمؤسسة/جسم صلب! علي ملء الفراغ السياسي! وهي غير مؤهلة أصلا، للقيام بهذا العبء! بمعني، تكوين المؤسسة العسكرية الحديثة، كهيكلية(بنائها وتراتبيتها) وكعقيدة(الحماية والدفاع) وكنهج عمل(الأوامر والطاعة العمياء)، تتنافي مع النهج السياسي الديمقراطي المفتوح! الذي يعتمد الجدل والحوار والحرية والرفض والإعتراض، والمنافسة المفتوحة بين الجميع(الكبير المنطق والإقناع!). وثانيهما، أن المؤسسة العسكرية تتميز بالوحدة والتماسك، في مواجهة حالة من التفكك والتفتت والتشظي العام! أي في غياب آصرة جمعية(مجتمعية وطنية) تلتئم حولها كل التشقاقات القبلية والمناطقية والدينية والطبقية! ومرة أخري تدخلت المؤسسة العسكرية لتنوب عن تلك الآصرة! وهي أقصر قامة من الحلول محلها او لعب دورها! ليس بسبب وظيفتها المفارقة فقط(أي طابع ونهج المؤسسة العسكرية الموجه للإزالة والحزف من المشهد وليس رعاية وتعمير المشهد!) ولكن وقبل كل شئ، لأن روح تلك الآصرة هي الإجتماع الطوعي! أي مادة تماسكها ولحمتها وسداتها هي الرضا والقبول العام بين كل المكونات! وهذا ما ينتفي او يستحيل في أسلوب وطريقة عمل تلك المؤسسة، التي تتعامل بلغة السلاح ومنطق القوة العارية وشرعة الرضوخ والإذعان! ولذلك، ما يري أنه تماسك وطني تفرضه تلك المؤسسة علي الدول! ما هو إلا عهن منفوش او حمل كاذب، قائم علي دعائم البطش وتعميم الخوف! والدليل أنه وبعد ذهاب هذا العامل البطشوي، وعند أول إختبار يتعرض له، يتذرر في الرياح! وينفرط عقد الدولة، ويبدأ صراع الكل ضد الكل(بروز صراع الهويات القاتلة، كما يشاع عربيا، وفق تعبير منسوب لأمين معلوف!). ويضاف الي ذلك، أن المؤسسة العسكرية وفي الدول النامية تحديدا، تعمل بمنطق الدول النامية! بمعني أنها بدورها تعاني من أمراض الدول النامية، أي أمراض البيئة العامة المحيطة! بمعني آخر، رغما عن طابع الحداثة، الذي يبدو علي تكوينها ومفهومها ووظيفتها او واجباتها، مقارنة بالتكوينات القبلية المحلية وديناميات عملها الداخلية! إلا أننا نجد أن أفراد المؤسسة العسكرية، أكثر وفاءً لقيم القبيلة وثقافتها العشائرية، مقارنة بوفاءهم او تأثرهم بعقيدة او منطق او ثقافة المؤسسة العسكرية الحديثة! أي تمت عملية قبلنة للمؤسسة العسكرية! ولو أنه لم تنجُ الروح القبلية من فائض عسكرة، أتهاها من جهة تلك المؤسسة! وبقول واحد، أصبحت المؤسسة العسكرية، كجسد حديث يعمل بروح وعقلية قبلية، غارقة بدورها في التقليدية والأصح التخريبية! ولذلك، نجد تجذر العقيدة العسكرية، التي تنحو نحو حماية الدولة من الأخطار الخارجية والدستور من الأخطار الداخيلة، كما يحدث في الدول المؤسِسة لتلك المؤسَسة او دول المنشأ! غائبة تماما او متعذرة، إن لم نقل يتم خيانتها والكفر بها، جهارا نهارا وبكل صلف وتهور وإمتهان لقداستها! وهو ما يبيح تسمية الإنقلابات في هذه المنطقة من العالم، بالردة الوظيفية والمؤسسية والوطنية! وإستطرادا، أخذت المؤسسة العسكرية في الدول النامية، دور الإنضباط الشكلي فقط! بمعني، أُتخذت كمدخل للقيادة والترقي وحيازة نوع من السلطة أي كان حجمها، وإنفتاح الطموح علي الأعلي! وبكلام واضح وفاضح، المدخل الأساس للإنتماء للمؤسسة العسكرية، ليس التضحية من أجل الوطن وصيانة الدستور وحماية البلاد من الإعتداءات الخارجية! كما يحاول أن يوهمنا بعض العساكر! إلا إذا كان مفهوم التضحية والحماية، آل الي أضغاث أوهام يتسلي بها بعض العساكر الطيبين، ويتغطي بها بعض العساكر الطموحين الماكرين! لأنه لو صدقت هذه الروايات والخرافات، لقاومت طبقة الضباط الإنقلابات من داخلها، وتصدت لطموحات بعض القادة الإنقلابيين، الذين يعرضون المؤسسة العسكرية ومن ثم الوطن، لمحن التضارب في الإختصاصات وخلط الحابل بالنابل! والدخول في صراعات داخلية، ذات طابع سياسي وليس عسكري بحال من الأحوال ولا يجوز لها! ضد إخوانهم في الوطن! والإستجابة لصوت وصورة وتاويلات المؤسسة العسكرية الداخلية، للأحداث المحيطة! والأصح مصالح تجار الحروب! بمعني، كلما كانت الظروف المحيطة حربية او محملة بإحتمالات الحروب او أوهامها غالبا! كلما كانت قيمة ومكانة وتاثير ونفوذ تلك المؤسسة وأفرادها في العالي! وتاليا يتملكون زمام الأمور دون مشورة أحد، وكأنهم يحكمون غابات وحيوانات وليس بلاد وعباد! المهم، لو تمت تلك المقاومة، لما نجح إنقلاب او فكر ضابط مجرد التفكير فيه! علما بأن مقاومة كهذه أقل كلفة مادية(كتضحية!) فوق أنها أعظم مكسب معنويا، أي كدليل صادق وعملي علي حب الوطن وإحترام المواطنين! وبما أن هذا ما لم يحدث، علي الأقل من الغالبية، وهو ما يؤكد فرضية القبول الضمني للإنقلابات، والذي يضمر جني مكاسب عديدة وسهلة، يتعذر الحصول عليها من خلال أنظمة حكم ديمقراطية منتخبة ومراقبة! وهذه الوضعية، غير
أنها منحت الضباط إمتيازات أكبر ومكانة أفضل في الدولة، لأ تتناسب مع حاصل جهدهم و طبيعة الخدمات التي يقدمونها للمجتمع! إلا أننا نجدها وإضافة الي إباحة إحتكار السياسة، قد مكنت المؤسسة العسكرية عبر أفرادها او بصفتها الإعتبارية، من السطو علي الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية..الخ! وبالطبع علي حساب وظيفتها ودورها، قبل إهدار حقوق وفرص الآخرين المدنيين! ولذلك، سيظل موقف هذه المؤسسة العسكرية، وعلي مدار التاريخ السابق، موقف غير مشرف بالمطلق وطنيا، ويحتاج الي إعادة نظر جذرية، في هذه المنطقة من العالم! خصوصا، وأن هذا التضخم الوهمي للذات العسكرية، جعل علاقتها بمؤسسات الدولة السياسية، بما فيها الدستور الحاكم، علاقة في غاية الهشاشية! وهي هشاشة لا ينقصها الإستعلاء وقلة الإحترام، للسياسيين وأدواتهم السياسية من أحزاب ومنظمات وبرلمانات وإنتخابات..الخ وصولا الي إحتقار كل مؤسسات الدولة الحديثة! لتبدأ الحياة وتنتهي في هذه المنطقة التعيسة، عند هذه المؤسسة وبالأصح قادتها العظام!! لتصتبغ كل فضاءات المنطقة، بسياسة الزعيم وإعلام الزعيم وقول الزعيم وحكمة الزعيم ومشاريع الزعيم وتطور الزعيم وأمن الزعيم وحرب الزعيم..الخ وصولا لدولة الزعيم! ولا ينفي ذلك، تورط بعض السياسيين المدنيين الأغرار، في إستثارة رغبات العسكر الكامنة في السلطة، وحيازة مراكز القيادة مجانا او بأسهل الطرق! لا من معارك ولا من يحزنون. وخلاصة ذلك، إن المؤسسة العسكرية الحديثة، كانت عبء ثقيل الوطاة علي العملية السياسية، وقبل ذلك علي الوطن وتماسكه وسلامته من الأذي، وليس إنتهاءا بصورتها وإحترامها من قبل بقية المواطنين، في هذه البقعة من العالم، التي يغطيها الظلام العسكري الدامس! ولذلك دون وضع حدود وعلامات واضحة، تحكم عمل هذه المؤسسة، وتحد من نزوعها السلطوي السياسي، كهروب من القيام بواجب دورها العسكري! وتفرض عليها إحترام العلاقة مع السلطة السياسية المنتخبة، كتعبير حقيقي لإرادة الشعب، لا يحتاج لمزايدة المؤسسة العسكرية الإنقلابية المراوغة! وكذلك إحترام الدستور الحاكم، الذي يوضح أن ما للسياسة للسياسة وما للعسكر للعسكر، والسلطة الحقيقية بيد الشعب! فسيصبح عدمها أفضل من وجودها! لأن وجودها بهذه الكيفية، يلغي الدولة والحقوق وتاليا المواطن، من معادلة الإحترام والحريات وصولا للوجود نفسه! وذلك قبل الفشل في حماية الوطن من الإعتداءات الخارجية! والحال كهذا، تصبح الدولة حالة هلامية وظيفتها الأساسية، حفظ إمتيازات المؤسسة العسكرية ومنسوبيها، غير الشرعية! إذا ما صح أعلاه، يصبح علي المؤسسة العسكرية، غير إبتعادها عن السياسة والسلطة، واجب تقديم إعتذار رسمي لبقية المواطنين، إعترافا منها بأخطاءها التاريخية في حق الوطن والمواطنين! علما بأنها أخطاء لا تقل كارثية عن الكوارث البيئية والطبيعية، كالزلازل والأعاصير والفيضانات! غير أنها تتفوق عليها، بأنها كان يمكن تلافيها، لولا عنت وغرور وجهل بعض قادتها الضالين! أما كفارة تلك الذنوب فستأتي لاحقا. وإلا فلا تتوقع إحترام او قبول لدورها من أحد! أما السؤال الذي يوجه لها في حال كهذا، ما هو الإستقلال وما هي قيمته؟؟! وما معني الحرية، إن لم تكن تحرير للكرامة والإرداة وحق الإختيار!! حبيبتنا المؤسسة العسكرية، نتيجة الإمتحان التاريخي في مادة التربية الوطنية، وفي منطقتنا الموبوءة بالإنقلابات تحديدا، رسوب! او سقوط دموي شنيع أحيانا!!
ولكن ما علاقة كل ذلك، بقضية فساد الزيوت، وتورط الفريق الركابي في جريمتها! العلاقة الرابطة، وكما أشرنا أعلاه، تكمن في أن تورط المؤسسة العسكرية في السلطة، كان علي حساب مفهوم ووجود ومسؤوليات الدولة! أي شرعنة التورط والتجاوز للحدود والمسؤوليات، او تغييم(من الغمام) وتمييع الفواصل بين المسؤوليات والحقوق، وإنبهام الوصف الوظيفي وتضارب الإختصاصات، والأصح التغول او إبتلاع المؤسسات في بطون ومصالح رؤساءها! بتعبير آخر، كل تمدد للمؤسسة العسكرية خارج حدودها ودورها المرسوم، ينتقص من قيمة ومكانة وهيبة الدولة! وبالضرورة السلطة الشرعية الحاكمة للدولة! ومثل هذا التغول يتمظهر في شكل إفرازات سلبية علي مؤسسات الدولة! ليس أقلاها إلغاء شروط الفصل بين السلطات، وحيادية اللوائح والقوانين، وموجبات تطبيقها علي الكل! أما الرقابة والمحاسبة والشفافية والإنتخاب وحرية الإعلام، وغيرها من وسائل حماية المصالح العامة والجمهور العام، من غدر المسؤولين وتجاوز السلطات وجنون الديكتاتوريات، وفساد المدراء وأصحاب المصالح النافذين! فهو للمزاح وتزييف صورة الواقع وتحريف الوقائع أقرب! والأسوأ أنه يتم إستخدام الوسائل والأدوات وتوظيف الأهداف، التي يفترض أنها تحمي المصلحة العامة والجمهور العام، بصورة معكوسة! بقدر ما تضر بالمصلحة العامة وعموم الجمهور، بقدر ما تحمي آليات عمل الفساد وتصين مكتسبات الفاسدين! كنموذج التحلل والتبرئة من الجرائم! ومراجعة الأحكام، ومن ثم التعويض بمبالغ أكثر من المنهوبة! او تغيير وظيفة المفسد، لوظيفة أكثر حساسية، أي تتم ترقيته وتوفير حماية إضافية له! وغيرها من البدع، التي تبز ألف ليلة وليلة غرائبية وجرأة وإستطالة! أي تأكيد ما شاع تسميته، بالفساد المحمي بالقوانين وقوة السلطة، ونضيف بتجاهل المجتمع وعجزه او صمته لا فرق!
بإستصحاب هذه الصورة المأساوية القاتمة الأخيرة، تصبح الوظيفة العامة، أسرع وأسهل مدخل للثراء والكسب غير المشروع، ولكن بطريقة مشروعة! وتاليا إكتساب مزايا إجتماعية أكبر! وفوق ذلك، وسيلة للتمويه والسيطرة والحماية، والتخارج من القوانين والإنضباط الوظيفي! وكنموذج فاقع وبسيط لها، هذا الضابط المذكور آنفا، والذي يتمتع بحماية مركبة، وظيفية عسكرية وتنظيمية إسلامية! وتاليا يتسع نطاق ونفوذ سيطرته وفساده! بدلالة تحكمه في عديد الشركات والمؤسسات والمناصب، بناءً علي تلك المميزات السالفة الذكر! وتاليا تتاح له مساحة ومجال أكبر ليس للنهب فقط! ولكن لتسريب مثل تلك البضائع الفاسدة والقرارات الفاسدة والسلوك الفاسد! بقول آخر، كلما عجز الفاسدون (الصغار!) عن وجود قنوات سهلة وآمنة لتسريب بضائعهم المضروبة، او كلما كانت حالة البضاعة المضروبة أكثر فسادا ورداءة! كلما كانت القناة المطلوبة(كالضابط السابق!) أكثر نفوذا وسيطرة وحماية من الأخطار! أي زادت قدرته علي أداء المهام القذرة بكفاءة وسرعة وأمان! وتاليا ترتفع أسهم أرباحه في مثل هذه العمليات العالية الإجرامية والإحترافية! والفساد في هذه الحالات، لا يتوقف علي البضائع المضروبة (عالية الربحية!) ولكنه يمكن أن يتلبس قفازات ناعمة! كالمساعدة في التهرب الضريبي والحماية من طلات المراجع العام غير المرغوبة، وإستغلال النفوذ لتعطيل الإجراءات المحاسبية او إلغاءها! والحصول علي مكآفات خرافية لا تتماشي مع المناصب الإسمية، التي يشغلها أصحابها، لحاجة في نفس تلك الجهات!..الخ. وهذه الإحتمالات الأخيرة تجد تبريرها او صدقيتها في كثرة المناصب التي يحتلها نموذج طابطنا الهمام(الإداري الخارق، صاحب الطاقات والقدرات غير المحدودة، والتي نستخسرها علي هذه البلاد الكحيانة، ولذلك وكخدمة وإيثار منا، نتقدم بترشحيه للأمانة العامة للأمم المتحدة في إنتخاباتها القادمة، عسي ولعل يعيد توازن العالم المختل! ولكن المشكلة الوحيدة، عدم توافر زيوت وبضائع فاسدة، يراد تروجيها في تلك المؤسسة السياسية! ولكن لا بأس إحتمال هي واحدة من إشراقاته التي سيضفيها عليها!). ولكن وفي الحقيقة ليس هنالك أي سبب للدهشة، فالآلية التي سمحت له بإعتلاء كل تلك المناصب والتخصصات المتباينة، إضافة لتسنمه رئاسة المركز المالي للمؤسسة العسكرية(ماليتها لا تخضع لاي رقابة ولا يعلم جنود او أموال مصارفها إلا هذا الضابط النزيه، وإحتمال وزير الدفاع!) وهي نفس الآلية التي تتيح لها، حق التصرف بحرية مطلقة، سواء بالبضائع الفاسدة او متدنية الجودة! بتحديد السعر او فترة السماح، بالرضا او التهديد المبطن للجنود..الخ! وتاليا تمكنها من الحصول علي إمتيازات التجار ورجال الأعمال، ولكن من دون دفع إلتزامتهما او إستحقاقات مكانتهما!(ولذا وارد جدا، أن علاقات ولغة ومصالح نموذج هذا الضابط، مالية وتجارية أكثر من كونها عسكرية!). كما توفر له الحماية حتي ولو قدر للصدفة او تضارب المصالح، أن تكشف أمره، كما حدث في مسألة الزيوت الفاسدة! وحتي لو قدر للمحاكمات الشكلية أن تتم، فأدلة البراءة وحيل المماطلة وإلقاء اللوم والمسؤولية، علي كبش فداء صغير ومحتاج او مهدد! متوافرة! لتتحول المحاكمات بقدرة قادر، الي محاولة لإشانة السمعة! وتاليا يستحق صاحبها الضحية المسكين! المزيد من الأموال، كتعويض عن الإفتراء، الذي طال ذمته البيضاء كطفل رضيع! وتاريخه الجهادي المشرف في حماية الوطن والزود عن حمية الدين! والغريب أنه يأخذ أموال التبرئة بنفس راضية ووجدان مرتاح! في تعارض مخجل لميراث أخلاقي محلي يفترض انهم تربوا عليه! يستنكف عن أخذ مثل هذه الأموال، حتي في حالة ثبوت شرعيتها وأحقيتها، لأن المعني هو الناحية المعنوية وإحقاق الحق ونفي التهمة! ولكن أمثال هؤلاء القوم، الذين يتوهمون وراثة الدولة بمواردها وبما فيها المواطنين، كعباد لله صالحين! يتسق لهم مطلق التصرف في كل شئ! بما فيه فوقيتهم علي القوانين والشرائع والنظام والصالح العام! لا لشئ إلا لأنهم، من يضعونها ويطبقونها ويستغلونها، ويملكون سلطة تعطيلها او تغييرها إذا لزم الأمر! فليس هنالك مستحيل او حياء في وعي المقدس او شرعة الملك العضوض!! وكتتمة لهذه الجزئية، فهذه الحادثة لا تمثل أكثر من نموذج بسيط، وسط محيط من الفساد الآسن! ولذلك التركيز عليها كحالة شاذة، بمعزل عن بيئة الفساد العام! لا تمثل أكثر من رؤية الشجرة، وجهل مطبق بالغابة الشائكة! أي بالآليات والظروف المحيطة، التي سمحت بإنتاج مثل هذه الجريمة وغيرها! ومهما كُشف من نماذج تشابهها، إلا أنها ستظل أقل من الحقيقة والإحاطة الوافية بالوضع الشامل! بمعني آخر، إن الفساد الفردي لا تظهر صورته جلية في بيئة عامة من الفساد! أي يفقد عنصر الدهشة والإستغراب والرفض! من كثرة سيادة وتمكن ثقافة الفساد، في نفوس الكثيرين ووقوعهم في حبائله بشكل او بآخر! ولذلك أي توجه، لا يتوجه مباشرة للبيئة المولدة للفساد، أي نظام الإنقاذ الإنقلابي الفاسد! فسيظل معالجة قاصرة وموقف معزول وواهن! إن لم يتح المجال، لظهور عترات من الفساد أشد ضراوة! او سلالة جديدة من مصاصي الدماء إكتسبت مناعة تمكنها من البقاء والإستدامة!!
ولكن ما الفائدة المتحصلة من هذه الحادثة تحديدا، وفي هذه التوقيت بالذات! وبإستحضار ما أشرنا إليه سابقا، وحصرا مسألة الكفارة المعلقة في عنق المؤسسة العسكرية، تجاه الشعب السوداني! وذلك ليس إعترافا بالخطأ وتقديم واجب الإعتذار والإحترام، كشيَّم الكرماء تجاه الشعب السوداني فقط! ولكن قبل ذلك، لرد الإعتبار للمؤسسة العسكرية ذاتها، بإبراء ذمتها ولإستعادة مكانتها السامية لدي المواطنين والوطن! وأيضا لرد الإعتبار للسياسة والسياسيين، بعد أن طالت غربتهم عن مجالهم وساحتهم ومدار مواهبهم وإمكانتهم، بفعل العزلة المجيدة التي فرضتها عليهم تلك المؤسسة بكل غرور وعنجهية! لترمي بهم في غياهب البيات الشتوي بل الصيفي والوطني، لتصاب السياسة بالضمور والسياسيين بالتكلس، بعد أن تم حرمانهم من نعمة الممارسة السياسية الحرة ومراكمة الخبرات الديمقراطية، مما يعين علي رسوخ قيمها وإستواء عودها وإستقامة مسارها علي جادة الطريق الوطني، ومن ثم نيل ثمارها، إستقرارا وتطورا وأمنا ورخاءً! المهم، تمثل هذه الحادثة فرصة ذهبية للمعارضة من جانب وللمؤسسة العسكرية من الجانب الآخر(غير المتورطين بالفعل او بالحماية او بالصمت في هذه الجريمة او غيرها من الجرائم!) للإلتقاء علي كلمة ومصلحة وطنية سواء! وذلك ليس علي مستوي التمسك بمسألة الفساد القريب(بيع زيوت فاسدة لأبناء المؤسسة العسكرية الغبش!) ولكن علي مستوي التصدي للفساد العريض، الذي يجتاح الوطن كأعصار! وبما فيه المؤسسة العسكرية! بقول آخر، إستغلال هذه الحادثة، لفتح قنوات للتواصل بين المعارضة من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخري! والمعني تحديدا، العناصر غير المتورطة في الفساد المالي والوظيفي والسياسي! والمقتنعة بدور ووظيفة المؤسسة العسكرية الدفاعية فقط! وذلك من أجل التنسيق لإنجاز أهداف وطنية عليا. لا تتوقف عند إزالة هذا النظام الغاشم فقط! وإنما لترتيب الفترة ما بعد النظام. وأهم ملامحها الفصل بين السلطات، وإحترام الدستور، وتقدير السياسة والسياسيين، وتمكين الديمقراطية من إكمال دورتها حتي الرسوخ! والأهم إستيعاب الدروس السابقة، وعلي رأسها إنسحاب المؤسسة العسكرية الي خطوط وحدود الدور المنوط بها، وكما هو مرسوم في الدستور القومي. والذي يجب أن يشرك في وضعه وصياغته قادة عسكريون ووطنيون، يراعون حساسية ومكانة هذه المؤسسة، دون تغول علي إستغلال السلطة السياسية المنتخبة! علي إعتبار أن المرحلة التاريخية الراهنة او ما قبل مرحلة النضج التام المأمول(مرحلة إنتقالية!)، لا تحتمل الإبعاد المطلق للمؤسسة العسكرية من الشأن السياسي، وفي نفس الوقت إرسال رسالة تطمين للمؤسسة العسكرية ومنسوبيها ان مكانتهم محفوظة في أي ترتيبات قادمة! والأهم هو إرسال رسالة واضحة لكل منسوبي المؤسسة العسكرية، من غير الرتب العليا والمنظمة والمسخرة لخدمة تنظيمها الإسلاموي ومصالحها الشخصية! أن ينضموا الي صف المعارضة كأصلاء، أي الي صف التغيير والقطع مع هذه الأوضاع الفاسدة! بعد أن ثبت بالدليل القاطع، أنهم أدني رتبة ومكانة من الطبقة العسكرية المتحكمة الفاسدة! وأنهم لا يختلفون عن المعارضة او بقية قطاعات الشعب السوداني، تدني وإستصغار لدي هذا النظام وأتباعه داخل المؤسسة العسكرية! أي هم مجرد أدوات يتم إستخدامها، إما لزيادة مصالح ومنافع وعوائد طبقة الإنقاذ الطفيلية، وبما فيها زيادة الربحية عن طريق بيع الزيوت الفاسدة لهم، وبغض النظر عن خطورتها علي سلامتهم او سلامة أسرهم، او حتي وضع نوع من الإحترام والأهمية للرافد البشري للمؤسسة العسكرية! او لجهة حماية الطبقة الإنقاذوية وحماية منافعها! عبر توظيفهم في حروب عبثية ضد إخوانهم وأهاليهم في الأطراف والهوامش، او في المظاهرات داخل المدن والجامعات! لكي ينعموا هم وأسرهم بالأمان والإمتيازات المترفة، في قلب قلب المدن المدججة بالقصور الرئاسية والفلل الوزارية والإحتياطات الأمنية! أي تتحول دماءهم الزكية وعرقهم النازل وتضحياتهم الجسورة وشقاءهم المديد، الي مجرد وقود لحرق بيئات أهاليهم الفقيرة، بتحطيمهم وتحطيم أحلامهم البسيطة ومعيشتهم الأكثر بساطة، من جهة! والي ثروات تتكدس في البنوك الخارجية، وترف باذخ يتجسد في تظاهرات المظاهر الإجتماعية والسياسية والرياضية الفارغة في الداخل، من جهة مقابلة! ولذا فلا يمكن بعد هذه الجريمة الحقيرة، أن تظل الأحوال علي حالها داخل المؤسسة العسكرية، وخصوصا صغار منسوبيها! فأبسط المواقف الجدية والمشرفة، تتمثل في عدم الوقوف في صف او جانب واحد، مع من يتاجر بصحتهم وصحة أبناءهم وبقية أهلم! فإن لم يكن هذا الموقف لأجل خاطر وعيون المعارضة! فعلي الأقل، كرد إعتبار لتدني قيمتهم ومكانتهم العسكرية وسويتهم وأحقيتهم الإنسانية، في وعي وبال النخبة الإنقاذوية الإستعلائية! أما من يرفض الإستجابة لنداء التغيير والحرية، او علي الأقل رد الإعتبار للذات الفردية! فمؤكد أن بوعيه وقلبه وهمته التحررية وكرامته الإنسانية صمم! والحال كهذا، فهو يمثل عبء علي مشروع التغيير، اكثر من كونه مشارك من منطلق وعي وحق وإرادة حياة حقيقية، في مشروع التغيير! أي يجب ألا يؤسف او يعول عليه وعلي دوره! بمعني آخر، إن مسؤولية التغيير وما بعده، مسؤولية جماعية، لن تترك للسياسيين يتعاملون مع الوطن كما يشاؤون او للعسكر ومغامراتهم الإنقلابية العبثية المتعالية علي السياسة والسياسين، وقبل ذلك خيارات وإختيارات المواطنين، مصدر الشرعية والمصلحة العليا في السلطة والوطن! ولتنفيذ سيناريو التنسيق بين المعارضة والأصحاء من المؤسسة العسكرية، ولدفع حظوظ نجاحه الي الأمام. يفضل الإستعانة بالضباط والعساكر السابقين والمعارضين، لتوظيف علاقاتهم وخبراتهم السابقة، وفهمهم لنفسيات ورغبات وردات فعل منسوبي هذه المؤسسة، في جذب العاملين بداخلها لأهداف التغيير القادم. وكذلك توظيف الأسر والأصدقاء والجيران، في كل حي ومنطقة بالسودان، لإقناع أبناءهم بفك الإرتباط مع هذاء النظام الخواء! والإستجابة لنداء الوطن نداء المستقبل نداء الكرامة والحرية والسلام القادم. وأن مصلحتهم الحقيقية كمصلحة باقي إخوانهم المواطنين، تتعارض مع بقاء هذا النظام! الذي لا يتواني عن إستغلالهم وتوريطهم في حروب داخلية ظالمة، تخص حسابات مصالحه الضيقة! او يرسلهم لمباشرة حروب خارجية، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كما وعد البشير بالمشاركة في حرب اليمن! وكما يجب أن يعلموا أن مصالحهم وحقوقهم، محفوظة في الفترة القادمة، من منطلق المساواة والمشاركة والندية، كغيرهم من المواطنين. وكل المطلوب منهم، إذا لم يشاركوا في مشروع العصيان المدني القادم والإنتفاضة السلمية الموعودة. أن يعلنوا حيادهم منذ وقت مبكر، ولا يُستغلوا كالعادة لتنفيذ مخططات النظام الإجرامية، بالإستجابة لشعاراته الوطنية الوهمية، ودغدغاته العاطفية الدينية التجارية! وأن يكفوا أدوات عنفهم تجاه مواطنيهم والأصح مصالحهم هم علي المدي الطويل! ولكن المؤكد وفي كل الأحوال، وكمواقف تاريخية وبطولية ووطنية، لن ينساها الشعب، وكبادرة لكل الدول المُختطفة كحالنا! أن تعلن بعض الوحدات أنحيازها ومنذ الآن لصالح الشعب! فموقف كهذا غير بطولته وجسارته ووطنيته، فهو يشجع بقية الوحدات علي المسارعة بالمشاركة والإنضمام للشعب! والأهم سيُخرج كل قطاعات الشعب للشارع، إنتفاضة علي هذه الأوضاع البائسة! وتاليا يقدم دعم غير مشرط للمعارضة، وللإتفاق علي ترتيب الفترة القادمة، بكل ثقة وإريحية في جوٍ خالٍ من المنغصات والتربص والغدر! وعندها لن تجد الإنقاذ ما تستند عليه، او يحميها من غضبة شعب، لطالما إستثمرت في صبره وفقره وإهانته وإذلاله! أي لحظة إنكشاف الحقيقة ورفع الغطاء وحضور البصر وهو حديد! أي بعد فوات الأوان، حيث لا ينفع إعتذار ولا تبرير، إلا لمن سلم وإرتضي الحساب العسير، من غير مقاومة او إستدرار عطف عصي ضنين! وصحيفة خالية من دماء أبرياء او فساد مالي وإداري وسياسي وظلم عظيم!
وهذا الحديث الذي يوجه لمنسوبي المؤسسة العسكرية، بنفس القدر يوجه لمنسوبي الأجهزة الأمنية، وغيرها من التكوينات التي لا يعرف عددها او تحدد وظائفها بوضوح، ولكنها تخدم نفس الأغراض الأمنية! وخصوصا صغار الضباط والمجندين! الذين يوظفون حصريا، لعداء أنبل رموز وأبناء وطنهم، من المعارضين الشرفاء والناشطين النبلاء وسط المجتمع المدني، لا لشئ إلا لإحقاق الحق وإبطال الباطل وصون حقوق وحريات كل أبناء الوطن دون فرز! ولا يندر ان يتناسي بعضهم جراحهم وذكريات ظلمهم وإهانتهم، وينخرطوا في الدفاع عن بعض الشركاء في جريمة الإنقاذ(من الشعبيين)! بعد أن دارت عليهم دوائر مكرهم، من قبل إخوانهم في الجرم الإنقلابي العظيم! تأكيدا لمبدئيتهم في الوقوف ضد الظلم وتجاوز القانون! وما يؤسف له أكثر، أن كل تلك الأفعال اللاإنسانية واللاأخلاقية، التي لا يتورع في إرتكابها منسوبي الأجهزة الأمنية، ليست لصالح الوطن او المواطنين بحال من الاحوال! وتصب حصريا في صالح حفنة إنقاذية لئيمة. يندر أن لا تستغلهم لإعتقال خصومها وقتل الوطنيين والتضييق علي المعارضين، والتستر علي الفساد والمفسدين، من خلال الرقابة الصحفية والإعلاميةَ! وبكلمة وأضحة، يُختصر دورهم في حماية الأوضاع الفاسدة، التي تتبناها المجموعة الإنقاذية الفاسدة! في حين أن هذه المجموعة الفاسدة، وكما في حالة تعاملها مع منسوبي المؤسسة العسكرية، لا تتورع في المتاجرة بمواقفهم، بدفعهم لإرتكابات غير إنسانية ومعادية للمواطنين والوطن، وصولا للمتاجرة بصحة عائلاتهم عبر الزيوت الفاسدة او غيرها، عند أول منعطف يتعلق بتعظيم ربحيتها او حماية مصالحها!
والخلاصة، حادثة بمثل هذه الكارثية والبشاعة والدناءة الإنسانية، قمينة بهز الكيانات العسكرية والأمنية، ودعوة لكر البصر مرتين، في المنظومة التي يعملون تحت لواءها ويقومون بحمايتها ومعاداة كل طوائف الوطن من أجلها! وفرصة للمعارضة لترتيب أوضاعها وللإستفادة من هذه الحادثة المؤسفة، في إستقطاب منسوبي الأجهزة العسكرية والأمنية او تحييدها في الصراع، ولتصعيد المواجهة السلمية الشعبية ضد النظام! وهي حادثة بقدر ما تعكس جبن وجشع وإنتهازية الطفيلية الإنقاذوية الإسلاموية، بقدر ما تمثل وقفة إنتباه ومواجهة، ضد هذه الجماعة الإنقلابية المعتدية الآثمة! أي هي فرصة لخلق أكبر جبهة تضامن من المدنيين والعسكريين ضد النظام الإنقلابي! بحيث توظف فيها كل الأدوات والمنابر والعلاقات، وتستغل فيها كل أخطاء النظام ووثائق الفساد المثبتة التي تدينه! لصناعة أنشوطة تلف حول عنق النظام لشنقه، خصوصا وهو نظام لطالما إستهواه شنق شعبه بحبال الحاجة والخراب والإرهاب، والمداومة علي إهانة كرامة المواطنين وتسفيه أحلامهم في وطن يليق بالبني آدميين، ولم يتورع عن تغطيس البلاد في بركة وبيئة الفساد المنكرة! وأخيرا، معا لضرب هذا النظام ضربة موطنين وطن واحدة! وتقبيره وحيدا كالهالك القذافي، في صحراء العتمور!!
كلمة أخيرة
أي تغيير او نجاح يحدث، من دون وضع خطوط واضحة وحمراء، لدور المؤسسة العسكرية، وإحتكامها للدستور والعملية السياسية! وقبل ذلك إرتقاء الطبقة السياسية لمرتبة المسؤولية الوطنية والجدية، التي تراعي المصالح الوطنية العليا! فذلك يعني، إعادة إنتاج الفشل والفساد! وهي إعادة تحاكي محنة شعب، أجبرته الطغمة العسكرية الضالة، والطبقة السياسية الرخوة الغافلة، علي حمل صخرة(معاناة وجهل ومرض وفقر!) سيزيف الي الأبد! ودمتم في رعاية الله.
Name عبدالله مكاوي
Subject الدولة السودانية (متلازمة التراجع/العسكر): فساد زيوت أم فساد عام؟!
Message بسم الله الرحمن الرحيم
الدولة السودانية (متلازمة التراجع/العسكر): فساد زيوت أم فساد عام؟!
لو أُكتشفت جريمة بيع زيوت فاسدة، لمنسوبي المؤسسة العسكرية، في دولة حقيقية او حكومة محترمة! لأقامت الدنيا ولم تقعِّدها! ولطارت فيها رؤوس ومناصب عديدة! ولطاولت مراجعة جذرية، لكل القوانين والإجراءات الوظيفية، تنقيحا وتعديلا وسدا للثغرات، التي سمحت بحدوث جريمة علي هذا المستوي، من التدني الأخلاقي والوطني!(هل بعد هذه الحادثة/الجريمة يصح تساؤل من شاكلة أيَّانَ يوم الخلاص، او أسباب تفشي ظاهرة السرطانات ومرض الفشل الكلوي!). ولكن من حسن حظ المجرمين، او لسوء حظ أبناء هذا الوطن، اليتامي من حس المسؤولية الحكومية! والمحرومون من الجدارة والأهمية والأهلية الوطنية. أن كان مسرح الجريمة دولة كالسودان، غير مكتملة النمو(خديج)! وزمان الجريمة فترة حكومة الأنقاذ، ناقصة وطنية وخلق مستقيم! فالدولة السودانية ومنذ ميلادها الحديث، ظلت تلازمها حالة فقر ديمقراطي وتشوه مؤسسي وعجز تنموي مزمن. ومن حظها الشؤوم أن تسلطت عليها طغم عسكرية، طوال تاريخها الحديث! تقابلها طبقة سياسية، ضعيفة التكوين وهشة التماسك والتنظيم، معادية للديمقراطية الداخلية، بقدر مطالبها وصراخها بتطبيق وإستعادة الديمقراطية الخارجية! وهي ذات وعي عقائدي مضلل او طائفي معطل، ونزوع سلطوي طاغٍ! علي إعتبار أن مدار التغيير والتطور هو السلطة حصريا! وهو الشئ الذي أفقدها حساسية التواصل الفعَّال او التفاعل الخلاق، مع قضايا وهموم غالبية الجمهور! او ما يفترض أنهم مدار الحكم وغايته! علي الأقل إستنادا علي الشعارات الشكلية المرفوعة! او تبريرا لصفات، كالشعبي والوطني والقومي والديمقراطي والسوداني والجمهوري، الملحقة كالمقطورة الزائدة(الترلة) او الزائدة الدودية، بكل حزب. وتزول الدهشة، عندما يضاف الي ذلك، وجود نخبة متعلمة عاجزة عن الضغط، في سبيل توجيه وضبط إنفلاتات السياسيين! او تجذير مؤسسات ذات طابع مدني مستقل، تملأ فراغ إنحسار دور وتأثير الطبقة السياسية! او تمتلك أنياب أشرس لمواجهة الطغم العسكرية الإنقلابية! او تجيِّد مجرد بلورة وعي عام، يحيل الي التعرف او التهجس بهموم غالبية الجماهير! وأغلبها هموم تحوم حول النقص في الحرية والتنمية، ووضع بنية تحتية، علمية معرفية ومنهجية مؤسسية للتطور. او علي الأقل التخلص من العقبات، وعلي رأسها ثالوث الفقر والجهل والمرض. والأسوأ من ذلك، أنها حرصت إن لم نقل عمقت، العادات المظهرية السلبية المكلفة ماديا! وسط مجتمع معدم، يجاهد طوال تاريخه، للخروج من ثقب السواد الكفافي! أي بدلا عن تقديم الحلول، للتخلص من حالة الفقر والحاجة المسيطرة، كدور او وظيفة او مسؤولية تتناسب مع كسبهم المعرفي او التعليمي! او أقلاه إحترام فقر مجتمعهم، من خلال تبني قيم تركز علي الضروريات، وتحتكم لفقه الأولويات، وتعادي عادة الإنفاق المظهري الإجتماعي الفارغ! إلا أننا نجدها وقد إنغمست بكلياتها في تعظيم الإنفاق المظهري البذخي، وصولا الي فرضه كقيم وعادات بديلة! تبز سابقتها إرهاقا وعنتا للبسطاء، خصوصا بعد إمتلاكها سلطة إجتماعية جديدة(متعلم فاهم مثقف!). وبكلمة واحدة، ضاعفت من هموم الفقراء المادية، بدلا عن التخلص منها او تقليلها الي أدني مستوي. وخطورة هذه الحالة الأخيرة، أنها زادت من هشاشة المجتمع او جعلته أكثر قابلية للفساد او للتعايش مع الفساد! بمعني أنها رفعت من سقف الطموحات، من غير توافر بيئة إنتاجية معرفية قيمية، تلبي تلك الطموحات او تقاربها!
فإجتماع هذه الأعطاب(العسكرية والسياسية والنخبوية المدنية) هو ما عطل تطور الدولة السودانية، وجعلها محلك سر! وهذا إن لم تسمح لها بالتطور الي الخلف! أي التراجع بإستمرار عن المكتسبات الضئيلة، التي حصلت عليها بعد الإستقلال، والتدهور بإضطراد. وهو تراجع إنعكس بإستمرار علي صورة ومكانة ودور وأهمية الدولة في الوعي العام! أي كرابطة او إطار يحوي المتساكنين داخل رقعة جغرافية محددة، ويلبي حاجات وتطلعات ويؤمن مخاوف أولئك المتساكنين، عبر عقد إجتماعي سياسي قانوني، يمكن من الحفاظ علي هوية او كيان الوطن، وقيمة وكرامة وحقوق المواطنين. ومعلوم سلفا، أنه وفي ظل غياب هذه الرابطة او الروح العامة، ترتد المكونات آليا الي منابتها الأصلية او جذورها الأولية، كالقبيلة الجهة العقيدة! كإطار عام يوفر الحماية ويلبي جزء من المتطلبات الحياتية وقبلها الوجودية للافراد. أي لا يوجد هنالك فراغ، إما دولة حديثة مستقرة، او ما قبل الدولة! وبالأصح، مجموعة مكونات او وحدات مجتمعية متنافرة، طابعها النزاع والنفي لبعضها البعض.
المهم، مع إستمرار إنحدار خط بيان الدولة السودانية الوطنية، وبوصول الأنبياء الكذبة او الكذبة المتسربلين برداء الدين، كمحصلة لهذا الإنحدار! إكتسب الإنحدار طابع ليس القداسة فقط! ولكن قتل كل ممكنات وفرص البناء والنهوض وإيجاد الحلول للأعطاب السابقة! بل وإستبعاد مجرد إتاحة الفرصة، لتظهيير الخلل او إيقاف سيرورة الإنحدار! أي بتحول الإنحدار لقيمة إيجابية ونجاحات، تستحق التصفيق والإمتنان! وذلك عبر تأبيد الأمر الواقع، وليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن القادم او البديل هو الأسوأ مقارنة بإنجازات الحاضر(الخيالية المريضة!). بتعبير آخر، تم نفي السياسة، بوصفها آلية سلمية لحسم المنافسة بين الرؤي والمشاريع المطروحة، والصراع بين الطموحات الإجتماعية المتباينة، من المجال العام! وسيادة نوع من الطغيان المركب(الديني العسكري)! أي إستخدام تقنيات الإحتكار والإضطهاد والإرهاب والتخوين والتجريم والتكفير، عوضا عن المشاركة والحوار والمساواة، في التعامل مع السلطة وعموم الجماهير! وإضافة الي إن هذا المركب، يعمل بآليات تقديم الخاص علي العام والفرد علي المنصب، أي إهدار كرامة الصالح العام! فهو يبرر لتلك المسالك والسلوكيات المنحرفة، بإكسابها أبعاد وطنية تتطلع لمصلحة الوطن، وأبعاد دينية تسعي لمرضاة الله(دون تعليق!). بتعبير آخر، محاولة قسر الوهم ليصبح حقيقة وفرض الباطل(المصالح الذاتية!) وتوقع الأفضل! وهذا إذا ما أحسنا الظن بمركب، لا يؤثم من يسئ الظن به، إن لم يؤجر علي حسن فطنته. المهم، بعد أن فرضت الجماعة الإسلاموية، أوهامها السياسية وتخيلاتها التاريخية العصابية، وهذيانها الديني الإيماني! علي الدولة الوطنية. وإصرارها ومن طرف واحد، علي فرض نموذجها الفاشل وعلي كل المستويات! بقوة المؤسسة العسكرية وشوكة وحصانة الأجهزة الأمنية! لتخلف بيئة كئيبة من الإرهاب، منعت الرفض او الإعتراض او مجرد التساؤل او الحياد! لدرجة تخلت فيها عن شعاراتها ورموزها الإسلامية، او ضيقت مساحة تعاطيها معها! رغم أنها المبرر لوجودها وإستمرارها او لتمايزها عن الآخرين! ومن دون تقديم أي مبررات!! وتاليا أصبحت عارية من أي غطاء، إلا غطاء فرض الأمر الواقع وكيفما أتفق! بإنتخابات مزورة او بدونها، بحضور ناخبين او بدونهم! بمراوغة الأحزاب المعارضة او بإعتقال رموزها و شق صفوفها! بإعطاء هامش حريات مزاجيا او بمصادرته عنفيا!..الخ. ما يهم فقط، هو بقاء سلطة الحكومة بايدٍ قلة، آلت في النهاية للبشير شخصيا! مع هامش إمتلاك الفضاء السياسي والإقتصادي والإجتماعي، بواسطة مجموعات محددة، لا تخفي صلتها او تمسحها بالسلطة الحاكمة، أي مرضاة البشير شخصيا(دون تعليق أيضا، ولكن بملاحظة تطور المرضاة، والأصح تدهورها من الطالب والمطلوب! ويا له من قيدٍ مذل يرسف فيه أولئك الأشقياء! بئس الطالب والمطلوب!). ونخلص من كل ذلك، الي أن الدولة السودانية الواعدة، والتي كان يتوقع لها، أن تمثل أنموذج في القارة الأفريقية والمنطقة، تهتدي به بقية الدول! خصوصا وقد أتيحت لنخبتها فرص تعليم أفضل مقارنة بالآخرين(ولولا نخبويته وإنقطاعه عن الواقع، لكن له شأن أعظم!) ومساحة أكبر علي التدرب والتعاطي مع النظام الديمقراطي كمنهج للحكم وتداول السلطة، وأسس للخدمة مدنية متطورة وراسخة. أي هيكل جاهز لبناء الدولة الوطنية الناجحة، وهو معد بصورة وكيفية جيدة، مقارنة بدرجة التطور المتاحة في تلك الفترة! ويضاف له توافر إمكانات ومصادر تنمية طبيعية سهلة الإستثمار! وكانت الحاجة والحالة تتطلبان فقط، نوع من الجدية وتعظيم المصلحة الوطنية، وتبني إستراتيجيات تنموية طموحة ومتوازنة بين جميع أرجاء القطر، والإرتقاء بالشأن السياسي الديمقراطي، الي مصاف الضمير او الثقافة العامة، المتحكمة في عقل وهوية وميول النخبة السياسية الحاكمة، وبقية النخبة المدنية المراقبة. ولكن للأسف، كل الوعود بهذه الدولة المتخيلة/الممكنة، آلت الي دولة واقعية، أصابها شلل الأطفال والكساح! ليقعد بها الإستبداد وتعطلها وتسلبها إرادتها الديكتاتوريات الممتدة! عن بلوغ غاياتها او تسمح بوصولها لمرحلة النضج، حتي ولو النضج المتأخر! لتصل الي مرحلة من السقوط والتدهور، يشكل مجرد الحفاظ علي كيانها ووجودها من التفكك والضياع، هو إنجاز يحسب لها ولنخبها! ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبوصول الدولة السودانية لحالة غياب الدولة او تحللها! وتحولها الي مجرد هياكل ومؤسسات وهيئات، باهتة او فارغة ولا قيمة حقيقية لوجودها او إعتباريتها او دور يفترض أنها تؤديه! كان ذلك أدعي لأن ينفرط عقد الطريقة او المنهجية، التي تنال بها المناصب القيادية، في تلك المؤسسات والهيئات! بمعني آخر، أصبحت الفتوي وفقه التمكين الذي يعتمد الولاء التنظيمي(الصحيح او الكاذب لا فرق!) هو الذي يسود، في تسيُّد تلك المناصب! بعد أن تم إستبعاد وسائل الترقي المعهودة، كالكفاءة والجدية والإخلاص في العمل وشفافية المنافسة..الخ! وخطورة هذه الآلية التمكينية الفاسدة، أنها لا تتسبب في تعطيل دولاب العمل في الدولة، وتخريب المنشآت العامة، كمقدمة لبيعها بثمن بخس لبعضهم البعض فقط! ولكنها وهو الأسوأ، تُدخل ثقافة جديدة علي العمل الوظيفي العام، عمادها النفاق والمداهنة والضرب تحت الحزام، كسلوك صحي يُمكِّن من نيل المكاسب او دفع الأضرار! بمعني، وفي ظل غياب قيم عمل حقيقية، وبيئة عمل صالحة، ينتج عنهما مباشرة، بيئة عمل فاسدة بكل المقاييس! لا ينمو ويتطور ويبدع فيها إلا الفاسدون! وبالموزاة مع او بسيادة بيئة الفساد هذه او كسبب رئيس لها، تبرز المؤسسة العسكرية، كمعطل تاريخي لأي تطور سياسي!! بتعبير آخر، إن تعميم الفساد وسيادته، لا يعني بالضرورة وفي كل الأحوال، وضع الشخص غير المناسب في المكان والزمان غير المناسبين فقط! ولكنه قد يطال تدخل مؤسسة، كالمؤسسة العسكرية في مجال او تخصص، لا يخصها من قريب او من بعيد! والمقصود التورط في الشأن السياسي، والتغول علي جهاز إدارة الدولة او التحكم بالسلطة الحاكمة في البلاد! وتاليا إمتلاك الفضاء السياسي والسلطوي، وإزاحة ليس الأحزاب والجماعات السياسية والنشاط السياسي فقط! ولكن قبل ذلك، إزاحة الحريات العامة والحقوق العامة، وصولا لإبادة الديمقراطية وشطب ثقافتها وقيمها من المجال العام ككل! وبكلمة محزنة، ليس مصادرة السياسة فقط! ولكن قتل بيئتها التي تتنفس وتنمو وتترعرع وتتطور فيها! وتاليا حرمان السلطة الحاكمة، من القيود التي تمنع إنحرافها وطغيانها، ومن الطاقة التي تجدد بها شبابها وحيويتها! ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا أصبح تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، وبالأصح تخطيها لدورها وحدودها المرسومة! هو السمة الغالبة في هذه المنطقة من العالم؟! وهو الشئ الذي تزامن مع تأخرها او حرمانها من نصيبها في التطور كبقية دول العام؟! والسبب يعود لأمرين، أولهما، سيولة الحالة السياسية العامة، وعدم إنضباطها بالتقاليد الديمقراطية الراسخة، وإنشغال غالبية السياسيين بتوافه الأمور، كالخصومات الشخصية والحزبية والتهافت علي المصالح الشخصية والحزبية، علي حساب أمهات القضايا او المسائل الأساسية الجوهرية والصالح العام. بتعبير آخر، عجز الطبقة السياسية عن تقديم نموذج، يفرض هيبة النظام الديمقراطي، من جانب! ويجلب له الإحترام والقبول العام، والدفاع عنه ضد المخاطر التي تتخطفه، من الناحية المقابلة! وهذه السيولة او الفراغ هو ما شجع المؤسسة العسكرية، كمؤسسة/جسم صلب! علي ملء الفراغ السياسي! وهي غير مؤهلة أصلا، للقيام بهذا العبء! بمعني، تكوين المؤسسة العسكرية الحديثة، كهيكلية(بنائها وتراتبيتها) وكعقيدة(الحماية والدفاع) وكنهج عمل(الأوامر والطاعة العمياء)، تتنافي مع النهج السياسي الديمقراطي المفتوح! الذي يعتمد الجدل والحوار والحرية والرفض والإعتراض، والمنافسة المفتوحة بين الجميع(الكبير المنطق والإقناع!). وثانيهما، أن المؤسسة العسكرية تتميز بالوحدة والتماسك، في مواجهة حالة من التفكك والتفتت والتشظي العام! أي في غياب آصرة جمعية(مجتمعية وطنية) تلتئم حولها كل التشقاقات القبلية والمناطقية والدينية والطبقية! ومرة أخري تدخلت المؤسسة العسكرية لتنوب عن تلك الآصرة! وهي أقصر قامة من الحلول محلها او لعب دورها! ليس بسبب وظيفتها المفارقة فقط(أي طابع ونهج المؤسسة العسكرية الموجه للإزالة والحزف من المشهد وليس رعاية وتعمير المشهد!) ولكن وقبل كل شئ، لأن روح تلك الآصرة هي الإجتماع الطوعي! أي مادة تماسكها ولحمتها وسداتها هي الرضا والقبول العام بين كل المكونات! وهذا ما ينتفي او يستحيل في أسلوب وطريقة عمل تلك المؤسسة، التي تتعامل بلغة السلاح ومنطق القوة العارية وشرعة الرضوخ والإذعان! ولذلك، ما يري أنه تماسك وطني تفرضه تلك المؤسسة علي الدول! ما هو إلا عهن منفوش او حمل كاذب، قائم علي دعائم البطش وتعميم الخوف! والدليل أنه وبعد ذهاب هذا العامل البطشوي، وعند أول إختبار يتعرض له، يتذرر في الرياح! وينفرط عقد الدولة، ويبدأ صراع الكل ضد الكل(بروز صراع الهويات القاتلة، كما يشاع عربيا، وفق تعبير منسوب لأمين معلوف!). ويضاف الي ذلك، أن المؤسسة العسكرية وفي الدول النامية تحديدا، تعمل بمنطق الدول النامية! بمعني أنها بدورها تعاني من أمراض الدول النامية، أي أمراض البيئة العامة المحيطة! بمعني آخر، رغما عن طابع الحداثة، الذي يبدو علي تكوينها ومفهومها ووظيفتها او واجباتها، مقارنة بالتكوينات القبلية المحلية وديناميات عملها الداخلية! إلا أننا نجد أن أفراد المؤسسة العسكرية، أكثر وفاءً لقيم القبيلة وثقافتها العشائرية، مقارنة بوفاءهم او تأثرهم بعقيدة او منطق او ثقافة المؤسسة العسكرية الحديثة! أي تمت عملية قبلنة للمؤسسة العسكرية! ولو أنه لم تنجُ الروح القبلية من فائض عسكرة، أتهاها من جهة تلك المؤسسة! وبقول واحد، أصبحت المؤسسة العسكرية، كجسد حديث يعمل بروح وعقلية قبلية، غارقة بدورها في التقليدية والأصح التخريبية! ولذلك، نجد تجذر العقيدة العسكرية، التي تنحو نحو حماية الدولة من الأخطار الخارجية والدستور من الأخطار الداخيلة، كما يحدث في الدول المؤسِسة لتلك المؤسَسة او دول المنشأ! غائبة تماما او متعذرة، إن لم نقل يتم خيانتها والكفر بها، جهارا نهارا وبكل صلف وتهور وإمتهان لقداستها! وهو ما يبيح تسمية الإنقلابات في هذه المنطقة من العالم، بالردة الوظيفية والمؤسسية والوطنية! وإستطرادا، أخذت المؤسسة العسكرية في الدول النامية، دور الإنضباط الشكلي فقط! بمعني، أُتخذت كمدخل للقيادة والترقي وحيازة نوع من السلطة أي كان حجمها، وإنفتاح الطموح علي الأعلي! وبكلام واضح وفاضح، المدخل الأساس للإنتماء للمؤسسة العسكرية، ليس التضحية من أجل الوطن وصيانة الدستور وحماية البلاد من الإعتداءات الخارجية! كما يحاول أن يوهمنا بعض العساكر! إلا إذا كان مفهوم التضحية والحماية، آل الي أضغاث أوهام يتسلي بها بعض العساكر الطيبين، ويتغطي بها بعض العساكر الطموحين الماكرين! لأنه لو صدقت هذه الروايات والخرافات، لقاومت طبقة الضباط الإنقلابات من داخلها، وتصدت لطموحات بعض القادة الإنقلابيين، الذين يعرضون المؤسسة العسكرية ومن ثم الوطن، لمحن التضارب في الإختصاصات وخلط الحابل بالنابل! والدخول في صراعات داخلية، ذات طابع سياسي وليس عسكري بحال من الأحوال ولا يجوز لها! ضد إخوانهم في الوطن! والإستجابة لصوت وصورة وتاويلات المؤسسة العسكرية الداخلية، للأحداث المحيطة! والأصح مصالح تجار الحروب! بمعني، كلما كانت الظروف المحيطة حربية او محملة بإحتمالات الحروب او أوهامها غالبا! كلما كانت قيمة ومكانة وتاثير ونفوذ تلك المؤسسة وأفرادها في العالي! وتاليا يتملكون زمام الأمور دون مشورة أحد، وكأنهم يحكمون غابات وحيوانات وليس بلاد وعباد! المهم، لو تمت تلك المقاومة، لما نجح إنقلاب او فكر ضابط مجرد التفكير فيه! علما بأن مقاومة كهذه أقل كلفة مادية(كتضحية!) فوق أنها أعظم مكسب معنويا، أي كدليل صادق وعملي علي حب الوطن وإحترام المواطنين! وبما أن هذا ما لم يحدث، علي الأقل من الغالبية، وهو ما يؤكد فرضية القبول الضمني للإنقلابات، والذي يضمر جني مكاسب عديدة وسهلة، يتعذر الحصول عليها من خلال أنظمة حكم ديمقراطية منتخبة ومراقبة! وهذه الوضعية، غير
أنها منحت الضباط إمتيازات أكبر ومكانة أفضل في الدولة، لأ تتناسب مع حاصل جهدهم و طبيعة الخدمات التي يقدمونها للمجتمع! إلا أننا نجدها وإضافة الي إباحة إحتكار السياسة، قد مكنت المؤسسة العسكرية عبر أفرادها او بصفتها الإعتبارية، من السطو علي الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية..الخ! وبالطبع علي حساب وظيفتها ودورها، قبل إهدار حقوق وفرص الآخرين المدنيين! ولذلك، سيظل موقف هذه المؤسسة العسكرية، وعلي مدار التاريخ السابق، موقف غير مشرف بالمطلق وطنيا، ويحتاج الي إعادة نظر جذرية، في هذه المنطقة من العالم! خصوصا، وأن هذا التضخم الوهمي للذات العسكرية، جعل علاقتها بمؤسسات الدولة السياسية، بما فيها الدستور الحاكم، علاقة في غاية الهشاشية! وهي هشاشة لا ينقصها الإستعلاء وقلة الإحترام، للسياسيين وأدواتهم السياسية من أحزاب ومنظمات وبرلمانات وإنتخابات..الخ وصولا الي إحتقار كل مؤسسات الدولة الحديثة! لتبدأ الحياة وتنتهي في هذه المنطقة التعيسة، عند هذه المؤسسة وبالأصح قادتها العظام!! لتصتبغ كل فضاءات المنطقة، بسياسة الزعيم وإعلام الزعيم وقول الزعيم وحكمة الزعيم ومشاريع الزعيم وتطور الزعيم وأمن الزعيم وحرب الزعيم..الخ وصولا لدولة الزعيم! ولا ينفي ذلك، تورط بعض السياسيين المدنيين الأغرار، في إستثارة رغبات العسكر الكامنة في السلطة، وحيازة مراكز القيادة مجانا او بأسهل الطرق! لا من معارك ولا من يحزنون. وخلاصة ذلك، إن المؤسسة العسكرية الحديثة، كانت عبء ثقيل الوطاة علي العملية السياسية، وقبل ذلك علي الوطن وتماسكه وسلامته من الأذي، وليس إنتهاءا بصورتها وإحترامها من قبل بقية المواطنين، في هذه البقعة من العالم، التي يغطيها الظلام العسكري الدامس! ولذلك دون وضع حدود وعلامات واضحة، تحكم عمل هذه المؤسسة، وتحد من نزوعها السلطوي السياسي، كهروب من القيام بواجب دورها العسكري! وتفرض عليها إحترام العلاقة مع السلطة السياسية المنتخبة، كتعبير حقيقي لإرادة الشعب، لا يحتاج لمزايدة المؤسسة العسكرية الإنقلابية المراوغة! وكذلك إحترام الدستور الحاكم، الذي يوضح أن ما للسياسة للسياسة وما للعسكر للعسكر، والسلطة الحقيقية بيد الشعب! فسيصبح عدمها أفضل من وجودها! لأن وجودها بهذه الكيفية، يلغي الدولة والحقوق وتاليا المواطن، من معادلة الإحترام والحريات وصولا للوجود نفسه! وذلك قبل الفشل في حماية الوطن من الإعتداءات الخارجية! والحال كهذا، تصبح الدولة حالة هلامية وظيفتها الأساسية، حفظ إمتيازات المؤسسة العسكرية ومنسوبيها، غير الشرعية! إذا ما صح أعلاه، يصبح علي المؤسسة العسكرية، غير إبتعادها عن السياسة والسلطة، واجب تقديم إعتذار رسمي لبقية المواطنين، إعترافا منها بأخطاءها التاريخية في حق الوطن والمواطنين! علما بأنها أخطاء لا تقل كارثية عن الكوارث البيئية والطبيعية، كالزلازل والأعاصير والفيضانات! غير أنها تتفوق عليها، بأنها كان يمكن تلافيها، لولا عنت وغرور وجهل بعض قادتها الضالين! أما كفارة تلك الذنوب فستأتي لاحقا. وإلا فلا تتوقع إحترام او قبول لدورها من أحد! أما السؤال الذي يوجه لها في حال كهذا، ما هو الإستقلال وما هي قيمته؟؟! وما معني الحرية، إن لم تكن تحرير للكرامة والإرداة وحق الإختيار!! حبيبتنا المؤسسة العسكرية، نتيجة الإمتحان التاريخي في مادة التربية الوطنية، وفي منطقتنا الموبوءة بالإنقلابات تحديدا، رسوب! او سقوط دموي شنيع أحيانا!!
ولكن ما علاقة كل ذلك، بقضية فساد الزيوت، وتورط الفريق الركابي في جريمتها! العلاقة الرابطة، وكما أشرنا أعلاه، تكمن في أن تورط المؤسسة العسكرية في السلطة، كان علي حساب مفهوم ووجود ومسؤوليات الدولة! أي شرعنة التورط والتجاوز للحدود والمسؤوليات، او تغييم(من الغمام) وتمييع الفواصل بين المسؤوليات والحقوق، وإنبهام الوصف الوظيفي وتضارب الإختصاصات، والأصح التغول او إبتلاع المؤسسات في بطون ومصالح رؤساءها! بتعبير آخر، كل تمدد للمؤسسة العسكرية خارج حدودها ودورها المرسوم، ينتقص من قيمة ومكانة وهيبة الدولة! وبالضرورة السلطة الشرعية الحاكمة للدولة! ومثل هذا التغول يتمظهر في شكل إفرازات سلبية علي مؤسسات الدولة! ليس أقلاها إلغاء شروط الفصل بين السلطات، وحيادية اللوائح والقوانين، وموجبات تطبيقها علي الكل! أما الرقابة والمحاسبة والشفافية والإنتخاب وحرية الإعلام، وغيرها من وسائل حماية المصالح العامة والجمهور العام، من غدر المسؤولين وتجاوز السلطات وجنون الديكتاتوريات، وفساد المدراء وأصحاب المصالح النافذين! فهو للمزاح وتزييف صورة الواقع وتحريف الوقائع أقرب! والأسوأ أنه يتم إستخدام الوسائل والأدوات وتوظيف الأهداف، التي يفترض أنها تحمي المصلحة العامة والجمهور العام، بصورة معكوسة! بقدر ما تضر بالمصلحة العامة وعموم الجمهور، بقدر ما تحمي آليات عمل الفساد وتصين مكتسبات الفاسدين! كنموذج التحلل والتبرئة من الجرائم! ومراجعة الأحكام، ومن ثم التعويض بمبالغ أكثر من المنهوبة! او تغيير وظيفة المفسد، لوظيفة أكثر حساسية، أي تتم ترقيته وتوفير حماية إضافية له! وغيرها من البدع، التي تبز ألف ليلة وليلة غرائبية وجرأة وإستطالة! أي تأكيد ما شاع تسميته، بالفساد المحمي بالقوانين وقوة السلطة، ونضيف بتجاهل المجتمع وعجزه او صمته لا فرق!
بإستصحاب هذه الصورة المأساوية القاتمة الأخيرة، تصبح الوظيفة العامة، أسرع وأسهل مدخل للثراء والكسب غير المشروع، ولكن بطريقة مشروعة! وتاليا إكتساب مزايا إجتماعية أكبر! وفوق ذلك، وسيلة للتمويه والسيطرة والحماية، والتخارج من القوانين والإنضباط الوظيفي! وكنموذج فاقع وبسيط لها، هذا الضابط المذكور آنفا، والذي يتمتع بحماية مركبة، وظيفية عسكرية وتنظيمية إسلامية! وتاليا يتسع نطاق ونفوذ سيطرته وفساده! بدلالة تحكمه في عديد الشركات والمؤسسات والمناصب، بناءً علي تلك المميزات السالفة الذكر! وتاليا تتاح له مساحة ومجال أكبر ليس للنهب فقط! ولكن لتسريب مثل تلك البضائع الفاسدة والقرارات الفاسدة والسلوك الفاسد! بقول آخر، كلما عجز الفاسدون (الصغار!) عن وجود قنوات سهلة وآمنة لتسريب بضائعهم المضروبة، او كلما كانت حالة البضاعة المضروبة أكثر فسادا ورداءة! كلما كانت القناة المطلوبة(كالضابط السابق!) أكثر نفوذا وسيطرة وحماية من الأخطار! أي زادت قدرته علي أداء المهام القذرة بكفاءة وسرعة وأمان! وتاليا ترتفع أسهم أرباحه في مثل هذه العمليات العالية الإجرامية والإحترافية! والفساد في هذه الحالات، لا يتوقف علي البضائع المضروبة (عالية الربحية!) ولكنه يمكن أن يتلبس قفازات ناعمة! كالمساعدة في التهرب الضريبي والحماية من طلات المراجع العام غير المرغوبة، وإستغلال النفوذ لتعطيل الإجراءات المحاسبية او إلغاءها! والحصول علي مكآفات خرافية لا تتماشي مع المناصب الإسمية، التي يشغلها أصحابها، لحاجة في نفس تلك الجهات!..الخ. وهذه الإحتمالات الأخيرة تجد تبريرها او صدقيتها في كثرة المناصب التي يحتلها نموذج طابطنا الهمام(الإداري الخارق، صاحب الطاقات والقدرات غير المحدودة، والتي نستخسرها علي هذه البلاد الكحيانة، ولذلك وكخدمة وإيثار منا، نتقدم بترشحيه للأمانة العامة للأمم المتحدة في إنتخاباتها القادمة، عسي ولعل يعيد توازن العالم المختل! ولكن المشكلة الوحيدة، عدم توافر زيوت وبضائع فاسدة، يراد تروجيها في تلك المؤسسة السياسية! ولكن لا بأس إحتمال هي واحدة من إشراقاته التي سيضفيها عليها!). ولكن وفي الحقيقة ليس هنالك أي سبب للدهشة، فالآلية التي سمحت له بإعتلاء كل تلك المناصب والتخصصات المتباينة، إضافة لتسنمه رئاسة المركز المالي للمؤسسة العسكرية(ماليتها لا تخضع لاي رقابة ولا يعلم جنود او أموال مصارفها إلا هذا الضابط النزيه، وإحتمال وزير الدفاع!) وهي نفس الآلية التي تتيح لها، حق التصرف بحرية مطلقة، سواء بالبضائع الفاسدة او متدنية الجودة! بتحديد السعر او فترة السماح، بالرضا او التهديد المبطن للجنود..الخ! وتاليا تمكنها من الحصول علي إمتيازات التجار ورجال الأعمال، ولكن من دون دفع إلتزامتهما او إستحقاقات مكانتهما!(ولذا وارد جدا، أن علاقات ولغة ومصالح نموذج هذا الضابط، مالية وتجارية أكثر من كونها عسكرية!). كما توفر له الحماية حتي ولو قدر للصدفة او تضارب المصالح، أن تكشف أمره، كما حدث في مسألة الزيوت الفاسدة! وحتي لو قدر للمحاكمات الشكلية أن تتم، فأدلة البراءة وحيل المماطلة وإلقاء اللوم والمسؤولية، علي كبش فداء صغير ومحتاج او مهدد! متوافرة! لتتحول المحاكمات بقدرة قادر، الي محاولة لإشانة السمعة! وتاليا يستحق صاحبها الضحية المسكين! المزيد من الأموال، كتعويض عن الإفتراء، الذي طال ذمته البيضاء كطفل رضيع! وتاريخه الجهادي المشرف في حماية الوطن والزود عن حمية الدين! والغريب أنه يأخذ أموال التبرئة بنفس راضية ووجدان مرتاح! في تعارض مخجل لميراث أخلاقي محلي يفترض انهم تربوا عليه! يستنكف عن أخذ مثل هذه الأموال، حتي في حالة ثبوت شرعيتها وأحقيتها، لأن المعني هو الناحية المعنوية وإحقاق الحق ونفي التهمة! ولكن أمثال هؤلاء القوم، الذين يتوهمون وراثة الدولة بمواردها وبما فيها المواطنين، كعباد لله صالحين! يتسق لهم مطلق التصرف في كل شئ! بما فيه فوقيتهم علي القوانين والشرائع والنظام والصالح العام! لا لشئ إلا لأنهم، من يضعونها ويطبقونها ويستغلونها، ويملكون سلطة تعطيلها او تغييرها إذا لزم الأمر! فليس هنالك مستحيل او حياء في وعي المقدس او شرعة الملك العضوض!! وكتتمة لهذه الجزئية، فهذه الحادثة لا تمثل أكثر من نموذج بسيط، وسط محيط من الفساد الآسن! ولذلك التركيز عليها كحالة شاذة، بمعزل عن بيئة الفساد العام! لا تمثل أكثر من رؤية الشجرة، وجهل مطبق بالغابة الشائكة! أي بالآليات والظروف المحيطة، التي سمحت بإنتاج مثل هذه الجريمة وغيرها! ومهما كُشف من نماذج تشابهها، إلا أنها ستظل أقل من الحقيقة والإحاطة الوافية بالوضع الشامل! بمعني آخر، إن الفساد الفردي لا تظهر صورته جلية في بيئة عامة من الفساد! أي يفقد عنصر الدهشة والإستغراب والرفض! من كثرة سيادة وتمكن ثقافة الفساد، في نفوس الكثيرين ووقوعهم في حبائله بشكل او بآخر! ولذلك أي توجه، لا يتوجه مباشرة للبيئة المولدة للفساد، أي نظام الإنقاذ الإنقلابي الفاسد! فسيظل معالجة قاصرة وموقف معزول وواهن! إن لم يتح المجال، لظهور عترات من الفساد أشد ضراوة! او سلالة جديدة من مصاصي الدماء إكتسبت مناعة تمكنها من البقاء والإستدامة!!
ولكن ما الفائدة المتحصلة من هذه الحادثة تحديدا، وفي هذه التوقيت بالذات! وبإستحضار ما أشرنا إليه سابقا، وحصرا مسألة الكفارة المعلقة في عنق المؤسسة العسكرية، تجاه الشعب السوداني! وذلك ليس إعترافا بالخطأ وتقديم واجب الإعتذار والإحترام، كشيَّم الكرماء تجاه الشعب السوداني فقط! ولكن قبل ذلك، لرد الإعتبار للمؤسسة العسكرية ذاتها، بإبراء ذمتها ولإستعادة مكانتها السامية لدي المواطنين والوطن! وأيضا لرد الإعتبار للسياسة والسياسيين، بعد أن طالت غربتهم عن مجالهم وساحتهم ومدار مواهبهم وإمكانتهم، بفعل العزلة المجيدة التي فرضتها عليهم تلك المؤسسة بكل غرور وعنجهية! لترمي بهم في غياهب البيات الشتوي بل الصيفي والوطني، لتصاب السياسة بالضمور والسياسيين بالتكلس، بعد أن تم حرمانهم من نعمة الممارسة السياسية الحرة ومراكمة الخبرات الديمقراطية، مما يعين علي رسوخ قيمها وإستواء عودها وإستقامة مسارها علي جادة الطريق الوطني، ومن ثم نيل ثمارها، إستقرارا وتطورا وأمنا ورخاءً! المهم، تمثل هذه الحادثة فرصة ذهبية للمعارضة من جانب وللمؤسسة العسكرية من الجانب الآخر(غير المتورطين بالفعل او بالحماية او بالصمت في هذه الجريمة او غيرها من الجرائم!) للإلتقاء علي كلمة ومصلحة وطنية سواء! وذلك ليس علي مستوي التمسك بمسألة الفساد القريب(بيع زيوت فاسدة لأبناء المؤسسة العسكرية الغبش!) ولكن علي مستوي التصدي للفساد العريض، الذي يجتاح الوطن كأعصار! وبما فيه المؤسسة العسكرية! بقول آخر، إستغلال هذه الحادثة، لفتح قنوات للتواصل بين المعارضة من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخري! والمعني تحديدا، العناصر غير المتورطة في الفساد المالي والوظيفي والسياسي! والمقتنعة بدور ووظيفة المؤسسة العسكرية الدفاعية فقط! وذلك من أجل التنسيق لإنجاز أهداف وطنية عليا. لا تتوقف عند إزالة هذا النظام الغاشم فقط! وإنما لترتيب الفترة ما بعد النظام. وأهم ملامحها الفصل بين السلطات، وإحترام الدستور، وتقدير السياسة والسياسيين، وتمكين الديمقراطية من إكمال دورتها حتي الرسوخ! والأهم إستيعاب الدروس السابقة، وعلي رأسها إنسحاب المؤسسة العسكرية الي خطوط وحدود الدور المنوط بها، وكما هو مرسوم في الدستور القومي. والذي يجب أن يشرك في وضعه وصياغته قادة عسكريون ووطنيون، يراعون حساسية ومكانة هذه المؤسسة، دون تغول علي إستغلال السلطة السياسية المنتخبة! علي إعتبار أن المرحلة التاريخية الراهنة او ما قبل مرحلة النضج التام المأمول(مرحلة إنتقالية!)، لا تحتمل الإبعاد المطلق للمؤسسة العسكرية من الشأن السياسي، وفي نفس الوقت إرسال رسالة تطمين للمؤسسة العسكرية ومنسوبيها ان مكانتهم محفوظة في أي ترتيبات قادمة! والأهم هو إرسال رسالة واضحة لكل منسوبي المؤسسة العسكرية، من غير الرتب العليا والمنظمة والمسخرة لخدمة تنظيمها الإسلاموي ومصالحها الشخصية! أن ينضموا الي صف المعارضة كأصلاء، أي الي صف التغيير والقطع مع هذه الأوضاع الفاسدة! بعد أن ثبت بالدليل القاطع، أنهم أدني رتبة ومكانة من الطبقة العسكرية المتحكمة الفاسدة! وأنهم لا يختلفون عن المعارضة او بقية قطاعات الشعب السوداني، تدني وإستصغار لدي هذا النظام وأتباعه داخل المؤسسة العسكرية! أي هم مجرد أدوات يتم إستخدامها، إما لزيادة مصالح ومنافع وعوائد طبقة الإنقاذ الطفيلية، وبما فيها زيادة الربحية عن طريق بيع الزيوت الفاسدة لهم، وبغض النظر عن خطورتها علي سلامتهم او سلامة أسرهم، او حتي وضع نوع من الإحترام والأهمية للرافد البشري للمؤسسة العسكرية! او لجهة حماية الطبقة الإنقاذوية وحماية منافعها! عبر توظيفهم في حروب عبثية ضد إخوانهم وأهاليهم في الأطراف والهوامش، او في المظاهرات داخل المدن والجامعات! لكي ينعموا هم وأسرهم بالأمان والإمتيازات المترفة، في قلب قلب المدن المدججة بالقصور الرئاسية والفلل الوزارية والإحتياطات الأمنية! أي تتحول دماءهم الزكية وعرقهم النازل وتضحياتهم الجسورة وشقاءهم المديد، الي مجرد وقود لحرق بيئات أهاليهم الفقيرة، بتحطيمهم وتحطيم أحلامهم البسيطة ومعيشتهم الأكثر بساطة، من جهة! والي ثروات تتكدس في البنوك الخارجية، وترف باذخ يتجسد في تظاهرات المظاهر الإجتماعية والسياسية والرياضية الفارغة في الداخل، من جهة مقابلة! ولذا فلا يمكن بعد هذه الجريمة الحقيرة، أن تظل الأحوال علي حالها داخل المؤسسة العسكرية، وخصوصا صغار منسوبيها! فأبسط المواقف الجدية والمشرفة، تتمثل في عدم الوقوف في صف او جانب واحد، مع من يتاجر بصحتهم وصحة أبناءهم وبقية أهلم! فإن لم يكن هذا الموقف لأجل خاطر وعيون المعارضة! فعلي الأقل، كرد إعتبار لتدني قيمتهم ومكانتهم العسكرية وسويتهم وأحقيتهم الإنسانية، في وعي وبال النخبة الإنقاذوية الإستعلائية! أما من يرفض الإستجابة لنداء التغيير والحرية، او علي الأقل رد الإعتبار للذات الفردية! فمؤكد أن بوعيه وقلبه وهمته التحررية وكرامته الإنسانية صمم! والحال كهذا، فهو يمثل عبء علي مشروع التغيير، اكثر من كونه مشارك من منطلق وعي وحق وإرادة حياة حقيقية، في مشروع التغيير! أي يجب ألا يؤسف او يعول عليه وعلي دوره! بمعني آخر، إن مسؤولية التغيير وما بعده، مسؤولية جماعية، لن تترك للسياسيين يتعاملون مع الوطن كما يشاؤون او للعسكر ومغامراتهم الإنقلابية العبثية المتعالية علي السياسة والسياسين، وقبل ذلك خيارات وإختيارات المواطنين، مصدر الشرعية والمصلحة العليا في السلطة والوطن! ولتنفيذ سيناريو التنسيق بين المعارضة والأصحاء من المؤسسة العسكرية، ولدفع حظوظ نجاحه الي الأمام. يفضل الإستعانة بالضباط والعساكر السابقين والمعارضين، لتوظيف علاقاتهم وخبراتهم السابقة، وفهمهم لنفسيات ورغبات وردات فعل منسوبي هذه المؤسسة، في جذب العاملين بداخلها لأهداف التغيير القادم. وكذلك توظيف الأسر والأصدقاء والجيران، في كل حي ومنطقة بالسودان، لإقناع أبناءهم بفك الإرتباط مع هذاء النظام الخواء! والإستجابة لنداء الوطن نداء المستقبل نداء الكرامة والحرية والسلام القادم. وأن مصلحتهم الحقيقية كمصلحة باقي إخوانهم المواطنين، تتعارض مع بقاء هذا النظام! الذي لا يتواني عن إستغلالهم وتوريطهم في حروب داخلية ظالمة، تخص حسابات مصالحه الضيقة! او يرسلهم لمباشرة حروب خارجية، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كما وعد البشير بالمشاركة في حرب اليمن! وكما يجب أن يعلموا أن مصالحهم وحقوقهم، محفوظة في الفترة القادمة، من منطلق المساواة والمشاركة والندية، كغيرهم من المواطنين. وكل المطلوب منهم، إذا لم يشاركوا في مشروع العصيان المدني القادم والإنتفاضة السلمية الموعودة. أن يعلنوا حيادهم منذ وقت مبكر، ولا يُستغلوا كالعادة لتنفيذ مخططات النظام الإجرامية، بالإستجابة لشعاراته الوطنية الوهمية، ودغدغاته العاطفية الدينية التجارية! وأن يكفوا أدوات عنفهم تجاه مواطنيهم والأصح مصالحهم هم علي المدي الطويل! ولكن المؤكد وفي كل الأحوال، وكمواقف تاريخية وبطولية ووطنية، لن ينساها الشعب، وكبادرة لكل الدول المُختطفة كحالنا! أن تعلن بعض الوحدات أنحيازها ومنذ الآن لصالح الشعب! فموقف كهذا غير بطولته وجسارته ووطنيته، فهو يشجع بقية الوحدات علي المسارعة بالمشاركة والإنضمام للشعب! والأهم سيُخرج كل قطاعات الشعب للشارع، إنتفاضة علي هذه الأوضاع البائسة! وتاليا يقدم دعم غير مشرط للمعارضة، وللإتفاق علي ترتيب الفترة القادمة، بكل ثقة وإريحية في جوٍ خالٍ من المنغصات والتربص والغدر! وعندها لن تجد الإنقاذ ما تستند عليه، او يحميها من غضبة شعب، لطالما إستثمرت في صبره وفقره وإهانته وإذلاله! أي لحظة إنكشاف الحقيقة ورفع الغطاء وحضور البصر وهو حديد! أي بعد فوات الأوان، حيث لا ينفع إعتذار ولا تبرير، إلا لمن سلم وإرتضي الحساب العسير، من غير مقاومة او إستدرار عطف عصي ضنين! وصحيفة خالية من دماء أبرياء او فساد مالي وإداري وسياسي وظلم عظيم!
وهذا الحديث الذي يوجه لمنسوبي المؤسسة العسكرية، بنفس القدر يوجه لمنسوبي الأجهزة الأمنية، وغيرها من التكوينات التي لا يعرف عددها او تحدد وظائفها بوضوح، ولكنها تخدم نفس الأغراض الأمنية! وخصوصا صغار الضباط والمجندين! الذين يوظفون حصريا، لعداء أنبل رموز وأبناء وطنهم، من المعارضين الشرفاء والناشطين النبلاء وسط المجتمع المدني، لا لشئ إلا لإحقاق الحق وإبطال الباطل وصون حقوق وحريات كل أبناء الوطن دون فرز! ولا يندر ان يتناسي بعضهم جراحهم وذكريات ظلمهم وإهانتهم، وينخرطوا في الدفاع عن بعض الشركاء في جريمة الإنقاذ(من الشعبيين)! بعد أن دارت عليهم دوائر مكرهم، من قبل إخوانهم في الجرم الإنقلابي العظيم! تأكيدا لمبدئيتهم في الوقوف ضد الظلم وتجاوز القانون! وما يؤسف له أكثر، أن كل تلك الأفعال اللاإنسانية واللاأخلاقية، التي لا يتورع في إرتكابها منسوبي الأجهزة الأمنية، ليست لصالح الوطن او المواطنين بحال من الاحوال! وتصب حصريا في صالح حفنة إنقاذية لئيمة. يندر أن لا تستغلهم لإعتقال خصومها وقتل الوطنيين والتضييق علي المعارضين، والتستر علي الفساد والمفسدين، من خلال الرقابة الصحفية والإعلاميةَ! وبكلمة وأضحة، يُختصر دورهم في حماية الأوضاع الفاسدة، التي تتبناها المجموعة الإنقاذية الفاسدة! في حين أن هذه المجموعة الفاسدة، وكما في حالة تعاملها مع منسوبي المؤسسة العسكرية، لا تتورع في المتاجرة بمواقفهم، بدفعهم لإرتكابات غير إنسانية ومعادية للمواطنين والوطن، وصولا للمتاجرة بصحة عائلاتهم عبر الزيوت الفاسدة او غيرها، عند أول منعطف يتعلق بتعظيم ربحيتها او حماية مصالحها!
والخلاصة، حادثة بمثل هذه الكارثية والبشاعة والدناءة الإنسانية، قمينة بهز الكيانات العسكرية والأمنية، ودعوة لكر البصر مرتين، في المنظومة التي يعملون تحت لواءها ويقومون بحمايتها ومعاداة كل طوائف الوطن من أجلها! وفرصة للمعارضة لترتيب أوضاعها وللإستفادة من هذه الحادثة المؤسفة، في إستقطاب منسوبي الأجهزة العسكرية والأمنية او تحييدها في الصراع، ولتصعيد المواجهة السلمية الشعبية ضد النظام! وهي حادثة بقدر ما تعكس جبن وجشع وإنتهازية الطفيلية الإنقاذوية الإسلاموية، بقدر ما تمثل وقفة إنتباه ومواجهة، ضد هذه الجماعة الإنقلابية المعتدية الآثمة! أي هي فرصة لخلق أكبر جبهة تضامن من المدنيين والعسكريين ضد النظام الإنقلابي! بحيث توظف فيها كل الأدوات والمنابر والعلاقات، وتستغل فيها كل أخطاء النظام ووثائق الفساد المثبتة التي تدينه! لصناعة أنشوطة تلف حول عنق النظام لشنقه، خصوصا وهو نظام لطالما إستهواه شنق شعبه بحبال الحاجة والخراب والإرهاب، والمداومة علي إهانة كرامة المواطنين وتسفيه أحلامهم في وطن يليق بالبني آدميين، ولم يتورع عن تغطيس البلاد في بركة وبيئة الفساد المنكرة! وأخيرا، معا لضرب هذا النظام ضربة موطنين وطن واحدة! وتقبيره وحيدا كالهالك القذافي، في صحراء العتمور!!
كلمة أخيرة
أي تغيير او نجاح يحدث، من دون وضع خطوط واضحة وحمراء، لدور المؤسسة العسكرية، وإحتكامها للدستور والعملية السياسية! وقبل ذلك إرتقاء الطبقة السياسية لمرتبة المسؤولية الوطنية والجدية، التي تراعي المصالح الوطنية العليا! فذلك يعني، إعادة إنتاج الفشل والفساد! وهي إعادة تحاكي محنة شعب، أجبرته الطغمة العسكرية الضالة، والطبقة السياسية الرخوة الغافلة، علي حمل صخرة(معاناة وجهل ومرض وفقر!) سيزيف الي الأبد! ودمتم في رعاية الله.
البريد الإلكتروني [email protected]
إضافة الرسالة لمحتوى الموديول :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.