تعتزم الحكومة السودانية إنشاء مركز خاص لمراقبة وترصد الإعلام الإلكتروني، لمنعه من تناول الموضوعات التي لا يستطيع نشرها في الصحف المطبوعة بسبب الملاحقات والمصادرة التي أنهكتها. العرب لا متنفس.. الملاحقة مستمرة الخرطوم - يسير الإعلام الإلكتروني في السودان بخطى مستقيمة باتجاه إزعاج الحكومة التي مافتئت تصدر تصريحات ووعودا بتحجيمه وتقليص ما اعتبرته انفلاتا، ووصفته بالمهدد لأمن البلاد ببث الكثير من الأكاذيب. وتوعدت الحكومة بحسم قضية الإعلام الإلكتروني، بإعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الإعلام أحمد بلال عثمان، قرب انتهاء حكومته من إنشاء "مركز خاص" لمراقبة الإعلام الإلكتروني والحد من عملية النشر "الكاذب" على حد قوله. وخلال جلسة بالبرلمان السوداني تضمنت مداولات النواب حول تقرير لجنة الإعلام عن أداء وزارة الإعلام وخطتها للعام الحالي، طالب عثمان بضرورة إلحاق الإعلام الإلكتروني بقانون الصحافة والمطبوعات الصحفية، وأضاف "في الماضي كان يقال كلام جرائد وحاليا يقال كلام واتساب". ولفت إلى أن مركز المراقبة الحكومي (لم يحدد طبيعته القانونية) سيرى النور قريبا. وقال إن "ما يتناوله الإعلام الإلكتروني يحمل الكثير من الأكاذيب التي يستوجب التعامل معها بجدية". وتشكل الصحافة الإلكترونية الملجأ للصحفيين السودانيين لنشر ما تمنعه السلطات الأمنية وإدارات الصحف، بعد معاناتهم في وسائل الإعلام التقليدية وتعرضهم إلى سلسلة من المضايقات الأمنية، والرقابة والتدخلات الحكومية في عمل الصحف مما جعل المواقع الإلكترونية منابر بديلة للإفلات من الحصار الأمني والمضايقات. وأشار صحفيون سودانيون إلى أنه لا يوجد قانون مختص بالصحافة الإلكترونية في السودان، وأن قضايا النشر الإلكتروني يتم التعامل معها وفقا للقانون الجنائي السوداني وقوانين المعلوماتية. وتشكو صحف إلكترونية سودانية، محاولات قرصنة وتخريب لمواقعها على الإنترنت. ومن شأن الخطوة أن تزيد من المخاوف الحقوقية والإعلامية من نوايا الحكومة وإمكانية تحول المركز إلى مقر للتضييق على مستخدمي الإنترنت إلى جانب القضاء على المواقع الإخبارية المتخصصة التي ينشط فيها العديد من الصحفيين. ووجهت نيابة أمن المعلوماتية مؤخرا تهما لإثنين من الصحفيين بسبب مداخلات في موقع التراسل الفوري "واتساب". وكان عثمان قد كشف سابقا عن أن مشروع قانون جديد للصحافة والمطبوعات في مراحله النهائية، مؤكدا أنه سيسمح للحكومة باتخاذ إجراءات عقابية ضد الإعلام الإلكتروني الذي وصفه ب"السلطة الخامسة". وأشار إلى أن المشروع يتضمن إنشاء مجلس للإعلام الإلكتروني يعنى برصد ومتابعة ما ينشر في الإنترنت، ومحكمة مختصة بقضايا الصحف، إلى جانب تعديلات بسلطات مجلس الصحافة والمطبوعات. أحمد بلال عثمان: في الماضي كان يقال كلام جرائد وحاليا يقال كلام واتساب واعترف الوزير السوداني بأن صورة السودان لا تزال مشوهة في الخارج وتحتاج إلى تعديل، وكشف عن إطلاق قناة فضائية موجهة لمخاطبة العالم الخارجي باللغة الإنكليزية قريبا. واتهم الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، ببث الشائعات المغرضة والخادشة للحياء. ووصف الإعلام الإلكتروني بالسلاح الخطير، وأعلن عن إجراءات عقابية بحق المدونين الإلكترونيين الذين يتعمدون تغييب الحقائق في حال تم الوصول إليهم ومقاضاتهم عبر محكمة الصحافة المختصة، إلى جانب العمل على توفير المعلومة وتسهيل الحصول عليها وتداولها، وكشف عن الفراغ من الترتيبات المتعلقة بإطلاق قمر صناعي سوداني، إلى جانب التحول من البث التماثلي إلى الرقمي. وأفادت تقارير حقوقية دولية في وقت سابق بأن الحكومة السودانية اشترت عددا من أجهزة التجسس لمراقبة وملاحقة النشطاء. ويملك جهاز الأمن السوداني وحدة خاصة بمكافحة جرائم المعلوماتية، كما تم إنشاء نيابة خاصة بالمعلوماتية مؤخرا، في ظل غياب قانون ينظم النشر الإلكتروني. وأثار قرار السلطات الجديد، مخاوف في صفوف الصحفيين السودانيين، لاسيما بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي لتصريحات قيل إنها وردت على لسان الرئيس عمر حسن البشير خلال اجتماع مع نواب حزبه في البرلمان مطلع الأسبوع وقال فيه "سأتولى ملف الإعلام بنفسي". وكان البشير قد وعد، قبل فترة، الإعلام بالحسم بعد أن اتهمه بالتآمر ضد حكومته، وندد بهجوم الصحافة على وزير المالية بعد تقارير صحفية تحدثت عن أن جهات عليا طلبت التسجيل الصوتي لوزير المالية في البرلمان. وأفلحت الحكومة في تحجيم الصحف بسلسلة ملاحقات قضائية، ومصادرات، وعمليات إغلاق مستمرة، كما فضل عدد من المشتغلين بالصحافة الهجرة إلى دول أخرى للهروب من التهديد المستمر. كما أن السياسة التي تتبناها حكومة الخرطوم تقوم على مصادرة الصحف بعد طباعتها على الأغلب، وهو ما كبد المؤسسات الصحفية، خلال الفترة الماضية، خسائر فادحة، وأنشأ حالة من "الرقابة الذاتية" لدى الصحفيين والصحف، حيث باتوا يخافون من كتابة موضوعات معينة كثيرة خشية أن تؤدي بالصحيفة إلى المصادرة، وبالتالي إتلاف الكميات المطبوعة قبل توزيعها على القراء. وأصبحت الصحافة السودانية تترنح أمام هذا الواقع. وأدانت العديد من المنظمات المحلية والدولية مصادرة الصحف في السودان، وقالت إنها "مؤشر على عداء السلطات المتصاعد بشدة لحرية الصحافة"، وأضافت أن "عودة السلطات السودانية إلى أسلوب المصادرة تمثل مخالفة لكل الأعراف والمواثيق الدولية التي تضمن حرية الصحافة وعدم التضييق على الصحفيين".