مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعيد عن السياسة قريب من الرموز
نشر في السودان اليوم يوم 21 - 04 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
بعيد عن السياسة قريب من الرموز
(إن صاحب الملكات الأرقي، يتطلب أكثر من ذلك(إشباع الغرائز) لجعله سعيدا، ومن المحتمل أن يكون معرضا أكثر لتحمل شقاء أشد، لتعدد حالات الإستياء الشديدة فيه، من كائن دنئ) جون ستيورات ميل.
تعودنا كسودانيين التعامل مع رموزنا التي أثرت حياتنا في مختلف مجالاتها، ببعض النكران او أقلاه إنتظار لحظة تكريمهم الي ما لا نهاية، اي حتي يأتيهم الأجل المحتوم! لننتبه فجأة أننا خسرنا قيمة وجوهر يصعب تعويضه او ملء فراغ أثر غيابه! وقد يعزي جزء من هذا المسلك المفارق لقيم الحضارة وروح التحضر، للإنشغالات الحياتية التي ما فتئت تتعقد وتفقد الحياة بساطتها، وتضيف عليها أعباء جديدة يوما إثر يوم! او قد يكون بسبب تعثر خُطانا السياسية، الشئ الذي جعل معظم الجهود تتوجه لفرض وجهة نظر ومصالح فئوية محددة، تقابلها معارضة لهذا الإنحراف، ولكن من دون إيجاد مخرج حقيقي يعيد لتلك الخُطا وجهتها السليمة وغاياتها الوطنية المجردة! وتاليا، أصبحت كل القضايا والمعالجات والإهتمامات التفصيلية مؤجلة لحين إنجاز المهمة الكبري! والتي يبدو أنها إرتضت مصير جودو المنتظر!؟ وبالطبع من تلك الإهتمامات المؤجلة، إن لم تكن مهملة! الإهتمام بالرموز ورد الجميل لها، كتعبير عن التقدير لمنجزاتها والشعور بالعرفان تجاه مجهوداتها. وهذا الإنفصال الإعتباطي بين القضايا والإهتمامات والمسؤوليات، قد يكون هو جزء من حالة الإنتظار الأبدية العبثية، وهذا في حال لم يكن أحد روافدها المغذية!؟ بمعني، بقدر ما الإنتصار في المهمة الكبري (إنجاز التحول الديمقراطي الحقيقي) يخدم التفاصيل الصغيرة، بنفس القدر الإهتمام بالتفاصيل الصغيرة، يقود في محصلته النهائية لإنجاز المهمة الكبري؟! ونموذج هذه التفاصيل يتصدرها تكريم الرموز وتقدير إبداعهم والإحتفاء بمشاريعهم ومنجزاتهم، من طريق التعريف بها ونقدها (تبيان اوجه القوة والضعف!) من داخل رغبة وحرص أكيد او منطلقات إحترامية وتقديرية مسبقة للرمز. وإحتمال هذا التقصير يعود أيضا، للنقص في تجذر القيم الحضارية ذاتها ومن ضمنها ثقافة التكريم او التقدير لعطاء الرموز! أي هو إشارة لغياب هذه الفضيلة، في حال لم تكن تعبير عن العجز في التعاطي معها، من داخل حقل الثقافة المحلية الجافة وسلوكياتها الخشنة، كانعكاس لتعلية القيم الذكورية في هذه الثقافة، ذات الأسس او التأثيرات البدوية! أما في حال الإستثناءات ومغالطة كل ذلك، من خلال القيام بمبادرات التكريم، فالملاحظ أن طابعها البطء وقلة التنظيم وإبتعادها عن المنهجية او المؤسسية (زيادة جرعة العاطفة والمجاملات والبهرجة) في العمل! بمعني الجهود تميل للفردية وإنقطاعها عن تراث او سلسلة متواصلة، تتيح لها التعلم من الممارسة وإكتساب الخبرات والإستفادة من الأخطاء والعثرات! ويمكن معالجة كل ذلك، بإيكال المهمة لجهة محترفة. وللتأكد مما ذكر أعلاه، علينا الإلتفات لكل مجال من المجالات وتخصص من التخصصات، خصوصا غير الملامسة لحقل الإعلام والفنون ذات الطابع الجماهيري! لنجد كم هائل من الرموز أصحاب العطاء الممتد، الذين لا يُعبأ بكل منجزاتهم، ليس علي مستوي التخصص فحسب، وإنما علي مستوي الحضور الأخلاقي والإلتزام المهني، وفي الغالب هما لا ينفصلان. والمؤسف أن هكذا إهمال لا ينعكس علي الرموز في شكل تبخيس لمجهوداتها او تقليل من مقدار منجزاتها فقط، ولكنه يتخطي ذلك لإصابة مفهوم العطاء والبذل ومبادئ الإلتزام ذاتها في مقتل! وتاليا غياب القدوة وتسفيه معني التضحية. وهو ما قد يفسر بدوره، ومن ضمن عوامل أخري بالطبع، لماذا ارتبط العطاء بالمادة مؤخرا، لدرجة تكاد تغيب فيها أي روح بالمسؤولية تجاه المجتمع، او إبداء مجرد رغبة في رعاية الصالح العام. بل الأسوأ، أصبح من المألوف أن تجد عالم معروف او مهني معلوم او فني ماهر او فنان كبير او لاعب كرة شهير..الخ، وقد جارت عليه الأيام، وأصبح يفتقد المأوي والرعاية الصحية، قبل أن يُلقي به في مصحة الإهمال والتهميش وصولا لمرحلة النسيان بالمرة حتي ينعيه الناعي! بعد أن كان ملء السمع والبصر والعطاء في مجاله! والذي لو كان غرضه فيه المال حصريا (كما هو الواقع الآن في الداخل دون تجميل ومغالطات!) لحصد منه الكثير! علي الأقل لأن من يجمعون المال الآن بسعار وجنون مشهود، أقل منهم عطاء وإبداع وإمكانات. والحال هكذا، فإن هذه الصورة المأساوية لمصير المنتج/المبدع، إن لم تبرر إلا أنها تحرض كل صاحب موهبة في مجاله، أن يفكر ألف مرة في هذا المآل البائس! الشئ الذي يشجعه علي كنز المال والعقارات، في عزلة تامة عن أي إهتمامات مجتمعية او إرتباطات بالمصلحة العامة! ومؤكد هذه التحولات المجتمعية، ليست بعيدة عن حالة إنهيار الأوضاع السياسية وتبعاتها من الضغوطات الإقتصادية والإحباطات المستقبلية، وكلها ليست غريبة علي طغيان الطابع الإستبدادي، إن لم تكن هي النتيجة المنطقية لتأثيراته السلبية، علي المدي القصير والطويل؟! ولكن كل هذا لا ينفي أن الرموز الوطنية والسياسية علي وجه الخصوص، لعبت الدور الأعظم في هذا المصير! خاصة إذا ما علمنا أنها صاحبة الدور المؤثر، والتأثير الأخطر في تاريخ الشعوب! وإذا ما علمنا كذلك، أن هنالك وفرة من القادة السياسيين والرموز الوطنية التي تستحق التقدير والإعجاب علي عطاءها وإخلاصها، ونذرها جهدها وعمرها وحياتها للعمل العام! ولكنه بدوره لا يخلو من التقصير والأخطاء! وعلي رأسهم عبدالخالق محجوب وإسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب..الخ، إلا أن هنالك قادة سياسيون عملوا في الإتجاه المعاكس، أي كانت حصيلة جهدهم العام مكاسب خاصة! وليس مصادفة أنها انعكست حسرة وندامة علي الوطن وبقية المواطنين! وعلي رأس هذه المجموعة التالفة، الدكتور الترابي والجنرال البشير ورفيق دربه الإنقلابي النميري..الخ من هذه الكوارث القيادية والإنتهازية السياسية؟! ولكن المؤكد وفي كل الأحوال، أننا افتقدنا وعلي الدوام القادة السياسيين والوطنيين أصحاب الرؤية (السياسية الوطنية والإقتصادية التنموية) ما عدا الشهيد محمود والشريف حسين الهندي، اللذان يمكن أن يصنفا ضمن هذه المجموعة، والتي بطبعها نادرة الوجود بين الشعوب! وحتي في حال وجدت مصادفة وهي دائما ما توجد مصادفة، لا تجد الحظ او الفرصة التي تمكنها من الإنطلاق بشعوبها! إحتمال لأن الروح الديمقراطية والمبادرات السلمية جزء من تكوينها، وهذا ما يتعارض جملة وتفصيلا مع معاصريهم الأجلاف المنافسين، والذين يبيحون إستخدام كل الأساليب الفاسدة والمنافية لمصلحة الشعوب، لأنهم في الأساس لا مبادئ لهم، إلا مبدأ إشباع غرائزهم الحيوانية (كائنات دنيئة حسب ميل)! أي شروط المنافسة علي الدوام تعمل ضد القادة أصحاب الرؤية، وتاليا ضد مصالح الشعوب! إلا في إستثناءات نادرة، وذلك إما بواسطة الصدف التي تتيح لهم الفرص، او في حالة ثورة الشعوب وتعديلها لشروط المنافسة فيما يخدم مصلحتها العامة. والرؤية المقصودة إذا ما فهمت تعبير المفكر الإقتصادي المصري جلال أمين، تتخطي المعرفة والموهبة الفنية او المهارة التقنية في التخصص المحدد، لتربط بين جميع المجالات داخل بوتقة واحدة، او تمتلك نظرة إجمالية لمشروع النهوض، أي تعبر عن روح النهوض إذا جاز التعبير! ومن سوء حظ البلاد وشقاء أحوال العباد، أن الأول قتله القُصَّر، والثاني طارده المأفون، حتي فاضت روحه خارج البلاد التي وهبها روحه! بل حتي القائد الأكثر قرب من هؤلاء، الزعيم جون قرنق، قضي في حادث طيران مؤسف وغامض! وكأن القدر يسخر من هذا الوطن التعيس، ويعاقبه بالفواجع في رموزه القادرة علي حمل أعباء النهوض، في الوقت الذي يمهل القادة الفاسدين حتي أرذل العمر وآخر حدود الخراب؟!
هذه المقدمة الأليمة، سببها إحساس بالتقصير، إن لم يرقَ لمرتبة الذنب! في حق رمزين ثقافيين وفكريين عظام، بل هم من ضمن أفضل من أنجبتهم هذه الأمة في فترتها المتأخرة. فإذا كانت هنالك أجيال سابقة علينا، نعمت بصحبة ومنتوجات رموز من طينة منصور خالد وعلي المك والطيب صالح وإبراهيم إسحاق وعبد الهادق الصديق ومحمد المهدي المجذوب..الخ، فإن جيلنا لا يقل حظا منهم، ونحن ننعم بمطالعة منتوجات هذين الرمزين (دكتور حيدر إبراهيم علي والأستاذ كمال الجزولي، متعهم الله بالصحة والعافية) وغيرهم من الرموز أمثالهم. وأهمية المجايلة تنبع من نوع القضايا وشكل الهموم والإهتمامات وطبيعة الإشكالات والضغوطات المحيطة! ومن هذه الوجهة تحديدا، يصبح الكاتبان/المفكران موضع الإشادة أعلاه، شكلا لنا بدرا في عهد الإنقاذ بظلاميته الدامسة! فكلا الكاتبين وبغض النظر عن زاوية الرؤية او طبيعة الإلتزام وشكل التوجه، يتيحا لنا التصريح وباطمئنان شديد، أنهما قادا مع غيرهم، تيار العقلانية ودعوات الإستنارة، في نسختها السودانية الأصيلة! والتي استلهمت واقع وماضي وطبيعة المجتمع السوداني، ونوع التجارب السياسية والأصح المحن السياسية التي تعرض لها! مصحوبة بالإنفتاح علي منجزات الفكر الإنساني في فضاءه الواسع. وذلك ليس بالضرورة علي نفس الدرجة او بذات الدوافع والمنطلقات! خصوصا وأن منطلقات دكتور حيدر ذات بعد فكري/ثقافي/وطني، أما أستاذ كمال فيمكن مقاربته للبعد الفكري/الثقافي/الحزبي (او الوطني من خلال الحزبي!). وأيضا الفوارق قد تصدر من طبيعة التخصصات، فأستاذ كمال كمحامي ذو ثقافة قانونية عريضة، جعلت البعد الحقوقي حاضرا بقوة في منتجاته، وكذلك ملكته الشعرية، جعلت الأسلوب الأدبي يعبر عن نفسه في لغته، إضافة الي نوع من الموضوعية الهادئة في التناول إذا صدقت الملاحظة! أما دكتور حيدر وإذا ما صح الإنطباع أيضا، وبحكم تخصصه في العلوم الإجتماعية وتحرره من الإلتزام الحزبي، معطوفا علي روح المفكر القلق المتجذرة فيه! كل ذلك جعل منتوجه أكثر جرأة وثورية وجذرية في القطع مع التقليدية من ناحية، والإستبدادية من الناحية المقابلة. وعلي العموم، هذه ليست مقارنة او مفاضلة بين رمزين شامخين، ولا حتي تقييم لمنتجاتهم، وهو ما يناسب شخص متخصص ومتفرغ لهذه المهمة الوطنية في إعتقادي! ولكن قد تكون المصادفة هي ما جمعت بينهما من منظوري الشخصي، ولا ينفي ذلك وجود التقاطعات في أشخاصهم ومنتجاتهم! والمناسبة او المصادفة المقصودة، هي علمي مبكرا بمرض الأستاذ كمال، ولكن كتأكيد لصدر الموضوع، حاصرتني المشاغل والتراخي عن التعبير الخاص/العام عن أمنياتي العاجلة له بالشفاء، كشخصية عامة تستحق ذلك وأكثر منه بمرات عديدة! ولو أن الدواخل العاشقة والولهة بحب هذا الرائع الكمالي الجزولي، عاجلت من فور سماع الخبر، بالدعاء الصادق والمخلص والمجرد، بعاجل الشفاء لشخصه الكريم. ولكن عندما ذكر الدكتور حامد فضل الله، مرض دكتور حيدر أيضا، وهو من هو ليس لمكانته العامة وتأثيره العابر للأجيال فقط! ولكن بصورة أكبر لمكانته الخاصة في سويداء القلب وإختلاطه بأمشاج العقل/الروح وسريانه مع شرايين الجسد! كل ذلك، شكل الصدمة ووجه الإهتمام وأستحضر شقيقه كمال! ليقوداني لإعادة النظر والتفكير والتأمل في مكانة وعطاء هؤلاء الرموز، وغيرهم من المبدعين! الذين احترقوا لإنارة طريق الديمقراطية وتمكين ثقافة حقوق الإنسان، ووضع لبنات المخارج من الأزمات، والأسس الصالحة للنهوض بالوطن، من عثراته المتكررة علي ذات النهج؟! وهو ما يجعلنا لا نتضرع بالدعاء وتقديم كل أشكال الدعومات حتي يكتمل شفاءهم فقط، ولكن أن نُعيِّد الي الواجهة او نبث الزخم في تلك الدعوات النبيلة المطالبة بتكريمهم، والتي أطلقها نبلاء لا يقلون روعة عن رموزنا هؤلاء، مما يدل علي أن النبالة كذلك علي أشكالها تقع.
أما بخصوص جيلنا كما أسلفت، فأهميتهم وغيرهم من رموز يصب جهدها في نفس الإتجاه! أنهما شكلا حاجز صد او جدار حماية (انتي فايرس) ضد الهوس الديني والتشنج الإسلاموي، الذي كان يطغي علي الحياة الجامعية في تلك الأيام العصيبة، والذي قاد بعض الطلبة البسطاء لإهلاك أنفسهم وغيرهم، في حرب الجنوب الأهلية؟! فلو استمع هؤلاء الطلبة بذهنٍ صافٍ وعقل مفتوح، لأمثال كمال وحيدر وصحبهم، لأكتشفوا أنهم ضحايا لإستغلال قادة سياسيين ليسوا فاسدين فحسب، وإنما مصابين بأشد سلالات (عترات) الفساد ضراوة وإنتشار، ولذا لم يتورعوا عن التلاعب بالدين، ومن ثم توظيفه لخدمة مآربهم الخاصة. ولأكتشفوا قبل ذلك، أن حرب الجنوب في المبتدأ، هي حرب أهلية سياسية وليست عقائدية دينية، كي تقطع فيها قريش كل هذه المسافة والحقب الزمانية وتنتزع من يسوع صكوك الخلاص وتقتلع الروحانيات الأفريقية بصيحة مجاهد او كرامة دباب! وكل عدتهم الدينية لا تتعدي أن النصر معلق علي رحم دعاء يستجاب. ولعلموا كذلك، أن للجنوب ليست مطالب حقيقية فقط، بل هي عادلة من كل الأوجه! وأن هنالك إمكانية لحل مشكلة الجنوب سياسيا، بل وأزمة السلطة ذاتها؟ لأن جذور الأزمة تتمثل في الإستبداد بمختلف تلوناته! وتاليا التخلص من الأزمة لا يمر إلا عبر تحكيم العقلانية وتبني نهج الإستنارة والحداثة، مع استصحاب درجة التطور التاريخي التي تقيم فيها البلاد. ولكن مثل هذه الدعوات وغيرها، مما جفف حلق دكتور حيدر وأنهك قلم كمال وأرهق مساعٍ خيرة لزملاء غيرهم! لم تجد آذانا صاغية، لا من قبل السلطات السادرة في غيَّها الفسادي وضلالها الإستبدادي، ولا من قبل الطلاب الإسلامويين المجاهدين (ضحايا شطحات الحاضر وعصاب الماضي وأوهام المستقبل وإحتلام الغيب!). والأسوأ أن هؤلاء الشباب الإسلامويون المغامرون لم يسألوا أنفسهم لماذا معظمهم من الأرياف والأقاليم؟ ولماذا لا يذهب المسؤولون وأبناءهم أمام المجاهدين؟ ولماذا يعيش القادة المحرضون علي القتال او لوردات الحروب في نعيم ورغد من العيش هانئا؟ ولماذا لم يخطر ببالهم ولو لمرة واحدة، رغم كثرة الشواهد! أنهم مجرد جنود ووقود حرب، لحماية امتيازات السادة الإسلامويين المنعميِّن؟! ولكن مثل هذه الأسئلة وغيرها، في تلك الأجواء الجهادية، كانت تمثل ردة ورجعة عن السراط المستقيم؟! والسبب في ذلك، لا يعود لبراعة الإسلامويين في غسل أدمغة هؤلاء البسطاء التعساء، ولكنه يعود في الأساس، لإستعداد هؤلاء الطلبة أنفسهم، لقبول هذه الترهات الإسلاموية والدعوات الفجة المسمومة! وذلك لغياب العقل الناقد والوعي المدرك؟! بمعني صناعة العقل المضاد للعقل التسليمي المكفر للتساؤل (العقل الإسلاموي!) هو ما عمل كلا الأستاذين علي نشره والتبشير به. وهو ما جعلهما مكروهين، إن لم يصنفا في خانة المارقين والملحدين، لدي الإسلامويين الدغمائيين، وبغض النظر عن جانب الرؤية ودرجة الحكم. من هذه الوجهة، يصبح دكتور حيدر وأستاذ كمال وغيرهم من رموز الإستنارة، هم أصحاب أفضال في حفظ كثير من الأرواح، ليس في الشمال فقط، ولكن في الجنوب كذلك! او أقلاه، إذا كانت الفتنة أشد من القتل، وإشعال الحروب هو رأس الفتن او تجسيِّد لجوهر الفتنة! فإن المُشَار إليهم كانوا رسل إطفاء لنار الفتن ومنع الحروب وبسط السلام، ووسائط لتوطيد دعائم الإستقرار وبناء الوطن الحر المنتظر. فهل بعد كل ذلك، لا يصيبنا الأحساس بالذنب علي تنكرنا لهذه الجهود؟ وعدم تنبهنا لثراء مضمونها وتهاوننا في الأخذ بها؟ ومن ثم رد المعروف الي أهله، خصوصا إذا كان من نوع المعروف الموصوف أعلاه.
ونستميح القراء/الشركاء عذراً في الخلط بين الخاص والعام، وطالما نحن في وارد الأسف والشعور بالذنب! يحضرني في هذا المقام، وقع خبر شكل لي صدمة، بقدر ما منحني إحساس بالخجل المرير! وهو سماع خبر رحيل الدكتور كامل إبراهيم حسن، بعد ما يقارب العام علي تلك النازلة! ومصدر الخجل/الأسف ليس بوصفي أحد المعجبين بدكتور كامل ككاتب ومثقف من طراز رفيع فحسب، ولكن بصورة أكبر بسبب الإنتماء لنفس المجمع (مجمع شمبات). يصح هو أستاذ قدير، ونحن طلاب تتنازعنا المعاناة المعيشية والهموم الأكاديمية والهواجس السياسية، وتعصف بنا أبواب المستقبل المغلقة بإحكام بواسطة سدنة المشروع الحضاري! وكل ذلك مما يؤثر ولا ريب في نظرة الطلاب لأساتذتهم وأنفسهم ووطنهم والحياة بصفة عامة؟ ورغم ذلك، لا يخفي أن أهم ما يميز دكتور كامل كأستاذ، قبل أن يكون مثقف، هو إزالة الحاجز النفسي ما بين الطالب والأستاذ، بل وحتي ما بين الأستاذ وعمال وموظفي الجامعة! وذلك ليس بسبب البساطة والتلقائية الفطرية التي يتميز بها الدكتور كامل، ولكن الأهم في إعتقادي، هو إمتعاضه او رفضه لأداء الدور الكلاسيكي للأستاذ! أي الشخص الصارم والمتجهم والكاره للإبتسامة علي الدوام، فوق أنه عالم ببواطن الأمور والمصدر الحصري للمعرفة! والذي تجده في قاعة الدرس، وكأنه ضابط يعلم جنوده فنون القتال وأساليب الإرهاب والسيطرة علي العدو، مع عدم توافر أي مساحة للمناقشة (يعتبرها تحدٍ له او تشكيك في معرفته!) ولا حتي مساحة للمسامحة وقبول الأعذار الطلابية، فيما يخص التأخير او التغيُّب الإضطراري او غيرها من أنواع التقصير! وكأن الطالب يتحكم في ظروفه او يوجه مصيره، وهو الملقي علي قارعة مصادرة حقه في الإعاشة، ويتكئ علي خشاش فوائض أسرته المعدمة! ولدي تجارب شخصية محزنة مع الأساتذة المتطرفين في عبادة اللوائح، وأنصار تطبيق نصوص القانون بطريقة حَرفية (نوع من السلفية!) والتغاضي عن روحه، دون التأكد من ظروف الطلاب والأحوال المحيطة بهم؟! المهم، أستاذ كامل وقد يكون بحكم أنه مثقف قبل أن يكون أستاذ، وليس كل أستاذ مثقف! كان واسع الأفق ويميل لخفة الدم، وهي موهبة بطبعها تحتاج الذكاء او سرعة البديهة وقوة الملاحظة والقدرة علي العرض او الإخراج! وهذا دون إهتماماته بالحقيبة والفنون بصفة عامة، مما يمكن وصفه بأنه أستاذ خالٍ من العقد ومقبل علي الحياة، وتاليا هو الأقدر علي تعميرها وأداء أمانة الإستخلاف حق أداءها! ولا يعني هذا بالضرورة ضعف الجانب الأكاديمي، ولكنه قد يعني أكثر، إيصال الرسالة الأكاديمية بطريقة سلسة وغير جافة، او كما عهدناها من نماذج أساتذة، قد تمكث معها نصف عقد، دون أن تترك أثر إيجابي واحد في نفسك! وهذا في حال لم تترك الكثير من الندوب النفسية؟ التي تحتاج لطاقة هائلة من المسامحة لغفرانها او نسيانها، وهذا ما لا يتاح بسهولة وعلي الدوام وللجميع وبنفس القدر. ولكن ما أعيبه علي دكتور كامل وغيره من الأساتذة المثقفين، التقصير في طرح المبادرات والبدائل الساعية لترقية البيئة الجامعية المتردية، ليس علي المستوي الأكاديمي فقط، ولكن علي كل المستويات؟! وقد يكونوا معذورين في ذلك، بسبب البيئة العامة غير المشجعة علي طرح المبادرات، إن لم تجهضها في مهدها في حال طرحها، بالعنف او بالإلتفاف عليها! ولكن هذا بالتحديد ما يجعل طرحها أكثر حاجة، وإبتكار وسائل مبدعة ومقاومة للعنف والإجهاض والإحباط فرض عين! بمعني أنه مثلا، لم يوظف علاقاته مع كبار المثقفين والكتاب والمفكرين والمبدعين، لإثراء مجمع شمبات بالليالي الثقافية والفكرية والفنية! خصوصا وأن مجمع شمبات يكاد يكون أرض يباب وفقر مدقع، لهذه النوعية من الأنشطة، مقارنة بمجمع الوسط مثلا! والذي بسبب مركزيته، والتي يبدو أنها ثقافة وعقدة نخبوية، قبل أن تكون عيب خلقي علي جسد السياسة والتاريخ الوطني! كان يحتكر كل الأنشطة السياسية والفكرية، ويستقطب كبار رجالاتها ونساءها. علما بأن ليس كل طلبة مجمع شمبات او غيره من المجمعات الطرفية، يملكون ترف الوصول الي السنتر، او حتي يملكون إرادة المفاضلة بين المبيت القوي وحق المواصلات من والي السنتر؟ خصوصا لطلبة أقاليم قصية، لم يطوروا علاقاتهم وأساليبهم الإجتماعية، للدرجة التي تحيل حواجز الفقر الي تقاطعات إشتراكية مع أبناء العاصمة او القادرين من الطلاب الزملاء! وهذا قبل ان يفتقدوا الجرأة او مجرد القدرة علي هدم السدود وكسر الموانع، التي تجعل الجنس الآخر في مرتبة التواصل الخلاق او أقلاه التعامل السهل، ليكتفوا من الغنيمة بمخيال إنتصارات أحلام اليقظة المتاحة مجانا، او إستراق النظرات التي تهدئ من روع جفاف الداخليات، او تبدد طول لياليها بونسات سباق الإشتهاء المستحيل! فطلبة هذا حالهم في مجمع طابعه علمي بحت! ما أشد ما كان في إمكان كامل أن يقدمه لهم، مع التأكيد أن كامل نفسه ينتمي لتيار كمال وحيدر بالأصالة، مما يجعله بنفس القدر يشاركهم نفس التأثير، وإن من مدخل أكاديمي ثقافي فكري! ومحصلة كل ذلك، في تعامله الإنساني الراقي الجميل مع الجميع.
وطالما في شمبات مجلسنا والرموز الإبداعية محط تداولنا، تجدر الإشارة لرموز طلابية امتلكت صفة الطالب المثقف بجدارة، حتي وإن كانت كوادر خطابية لتنظيمات سياسية! وعلي رأسهم الروائي والكاتب والإعلامي الأستاذ خالد عويس. فأستاذ خالد كان يشكل نوع من الألق الذي يحفظ للطالب الجامعي مكانته، كإنسان مثقف وناقد وملم! أي يمنح باقي الطلاب (المستمعين) إحساس بالقيمة الإضافية والثقة بالنفس، التي تبدد إحباطات مجمع شمبات، المُقيِّمة في مكانته ومناهجه ومستقبل طلابه؟! خصوصا وهو يتناول الأوضاع السياسية بمنهج ثقافي لو جاز التعبير، وما زال يتردد في أذني مقطع مظفر النواب الذي كان يردده أستاذ خالد حتي اليوم (سبحانك كل الأشياء رضيت/ سوي الذل/ وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان/ وقنعت بكون نصيبي من الدنيا/ كنصيب الطير/ ولكن سبحانك/ حتي الطير لها أوطان/ وتعود إليها/ وأنا ما زلت أطير/ فهذا الوطن الممتد من البحر الي البحر/سجون متلاصقة/ سجان يمسك سجان) ويمكنه من ذلك الأداء المبدع، ترتيب الأفكار والفصاحة والقدرات الخطابية والإقناعية العالية، والمجادلة الموضوعية ضد الخصوم، وأغلبهم طلبة إسلامويين يفتقدون للمنطق قبل الشرعية، ويستندون فقط علي قوة الدولة وتسهيلاتها اللوجستية؟ وعموما كانت ملامحهم العابسة وتصرفاتهم المتعالية تدعو للرثاء، وأساليبهم العدوانية الإرهابية تثير القلق والمخاوف قبل الإشمئزاز، وليس الإحترام كما يتوهمون؟! وغير أستاذ خالد كانت هنالك أيضا رموز طلابية علي قدرٍ عالٍ من الثقافة والقدرات الخطابية والجدلية، وفي مقدمهم كوادر الحزب الشيوعي ومؤتمر الطلاب المستقلين. بل حتي الطلبة أنصار السنة، الذين كانوا يؤذنون في مالطة، وتشكو أركانهم من إتساع الفراغ وإنصراف الحضور لمشاغلهم، التي لا تخطر علي خاطر أنصار السنة، الممتلئ عن آخره بقال الله ورسوله، ليُمسخوا الي مجرد نصوص جامدة، بدلا عن بشر يفكرون ويتفاعلون مع النصوص (منحها الحياة) قبل واقعهم وعصرهم! إلا أنهم يثيروا الإحترام، بإصرارهم علي الحضور والإلتزام، في ذات مواعيدهم! سوي من بعض الخروقات الطفيفة، للتعاقد الضمني لتقاسم المكان؟ وكذلك في عدم إكتراثهم لضلال الطلبة ورفضهم الهداية الي طريق النور، إلا بالحسني! وقد يكون السبب في ذلك، ضعف شوكتهم، أكثر من إتساع رحابة صدرهم او إرتفاع منسوب تسامحهم! لأن منهجهم يجعل صدورهم ضيقة وحرجة تجاه خصومهم، أي كل من يخالفهم؟! وهي عموما أيام تستحق أن تروي بصورة أكثر شمول وإتساع رؤية، ومن وجهات نظر متعددة وعلي فترات متعاقبة! وعندها لا عجب أن تظهر روايات مناقضة لهذه الذكريات الخاطفة تماما، لإختلاف الرواة وتباين ظروفهم الحاكمة والمتحكمة في وجهات نظرهم.
ودون أن نعبر شمبات لابد من الإشادة برموز أكاديمية شامخة، كأمثلة وليس للحصر، خصوصا وهي أضافت لشمبات روح أبوية ومساهمات علمية مقدرة وطرائق تدريس عبقرية/تبسيطية مبتكرة، مثل بروف يحي عالم الفسيولوجيا في كلية العلوم البيطرية، وبروف عامر في الإنتاج الحيواني، وبروف عبدالوهاب عالم الإحصاء/الوراثة المتواضع في كلية الزراعة، والدكتور كمال في كلية الغابات وهو نموذج للمتدين الملتزم (الذي يعيد للدين وقاره وسكينته، وليس النسخة التجارية الإسلاموية المزيفة، التي تنقض غزله كلما توسعت في طرحه وتمسكت بشعاراته! ولا كذلك السلفية المتشددة الممتلئة بالصلف والتجهم، محولة إياه الي نسخة من أفلام الرعب!). وأيضا من الشخصيات البارزة الإسلامي بروف موسي تبن، وهو وجه مشرق لجماعة معادية للإشراق بامتياز؟! ولكن قبل أن نغادر محطة شمبات، تجب الإشارة للجانب الآخر من اللارموز، ويجسدهم بجدارة واستحقاق الإسلاموي القح، الدكتور إبراهيم عبدالسلام! فغير التزمت وضيق الأفق الذي يسيطر علي هذه الشخصية، إلا أنه يتمتع بسوء ظن عريض في الطلاب وخصوصا الطالبات؟ لدرجة يعتقد فيها أن أي تقارب او تعامل بين طالب وطالبة، ما هو إلا بداية لمشروع منكر أكيد؟! بل تشعر وكأنه يعتقد أن كل جامعة مختلطة، لابد وأن الشياطين مقيمة فيها إقامة دائمة! وهي تتربص وتتحين الفرص لإغواء الطلاب للوقوع في بعضهم البعض؟! ويستعصي عليه إستيعاب أن الزمالة تقارب الأسرة، في كونها حاجز يمنع حتي الحالات الشاذة، من تأكيد هكذا سوء الظن العريض؟! وعموما طوال وجودنا لم نسمع أن هذا الظن طاله شئ من التحقق! او أن صاحبه وهنت همة ظنونه! بل في مجمع شمبات بصفة خاصة، تشعر وكأنك تعرف كل الناس، حتي ولو لم تزاملهم في قاعات الدرس او تشاركهم السكن في الداخليات، او تجمعك معهم غيرها من التكوينات والأنشطة! أي أشكال وملامح الشمباتة، يمكن أن تعرفها حتي ولو كنت في (نص السوق العربي!) او داخل مواصلات الكلاكلات والحاج يوسف. المهم، شخص بمواصفات إبراهيم عبدالسلام تناسبه جامعة كأمدرمان الإسلامية، والشق الرجالي منها بخاصة! ولا أفهم تمسكه بالتدريس في جامعة الخرطوم، طالما لا يؤمن بالتعليم المختلط فيها؟! إلا إذا أعتقد في قرارة نفسه أنه مبعوث العناية الإلهية لتطهير الجامعة من رجس الشيطان، بعد أن ضيَّق الخناق علي شواطين السياسة؟!
وأخيرا، للذين لم يدرسوا في مجمع شمبات، فقد فاتهم الكثير من دفء العشرة وشمول الخضرة وعراقة الصرح، والتلمذة علي عدد لا حصر له من البروفات والعلماء الأجلاء! وأكثر من ذلك الوقفة الإنتباه او الجلسة القرفصاء تحت اللبخة، والإستماع والإستمتاع لكوادر التنظيمات السياسية وهم يصولون ويجولون بين القضايا وتعرية النظام! او تلهب أكف الحضور المكثف وتنتزع ضحكاتهم وصلة الأنصاري محمد فول. ولكن المؤكد، أن لكل مجمع مميزاته وجامعة خصوصيتها وتجربة مذاقها الخاص.
آخر الكلام
نسأل الله، عاجل الشفاء للدكتور حيدر وللأستاذ كمال الجزولي، حتي يعودوا لمواصلة نضالهم علي دروب الإستنارة، من أجل فتح كوة وعي في جدار الإستبداد، ولتبديد جيوش ووحوش الظلام من أفكار ووسائل، ولتعديل المزاج العام وضبط الوعي الخاص علي ميقات الحداثة! وهذا الدرب الرسالي الذي إختاروه، ليس عن ذكاء فطري فقط! ولكن قبل ذلك، بدافع من نقاء السريرة وقوة البصيرة ونزعة متأصلة لحب الخير ونفس تواقة لمنفعة الغير ورفعة الوطن. لكل ذلك يصح أن مرضكم وأوجاعكم، هي في الحقيقة أمراضنا وأوجاعنا جميعا! وعليه، نحن نشارككم آلامكم ولو من علي البعد! إضافة الي أنها صارت جزء من آلام الوطن، إن لم تكن خسارة جسيمة له ولفرص نهوضه، فوق أنها كشف لظهر المواطنين في مواجهة ضواري الإنقاذ الكاسرة، وبرامجها المهينة للعقل ومذلة للجسد، ومهدرة لآمال تكريس الكرامة الإنسانية، كمبدأ أصيل داخل الوطن. وفي نفس السياق، نسأل الله أن يتغمد الدكتور كامل بواسع رحمته. وكل التوفيق والسداد، لكل الذين يعملون بصمت او بدونه، من أجل تقدم البلاد ورعاية مصالح العباد، في كل مكان! وما التوفيق إلا بالله.
عبدالله مكاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.