دشنت كوريا الشمالية حقبة جديدة في العلاقات والتوازنات الدولية، بعد إعلانها عن إجراء تجربة جديدة لجيل جديد من القنابل الهيدروجينية هي الأكثر تطورا وفقا لقوتها التدميرية الهائلة وإمكانيات استخدامها المتعددة. العرب بيونغ يانغ تفرض معادلتها الهيدروجينية الخاصة بيونغ يانغ - يشكل إجراء كوريا الشمالية لتجربة قنبلة هيدروجينية متطورة فجر الأحد تحولا حاسما في مسار الأزمة الإقليمية المتصاعدة في شبه الجزيرة الكورية منذ أسابيع، وهو ما ينبئ بتغيير شامل في معادلة توازنات القوة التي كانت قائمة في السابق، في ظل ما تمثله تجربة بيونغ يانغ من إعلان دخول النادي النووي بقوة الأمر الواقع. وأكدت السلطات الكورية الشمالية أن التجربة الجديدة هي الأقوى بين التجارب النووية السابقة وتشمل قنبلة هيدروجينية متقدمة ومصممة لحملها على صاروخ طويل المدى. وجاء إعلان كوريا الشمالية بعد ساعات من رصد الوكالات الدولية لهزتين أرضيتين كبيرتين من صنع الإنسان قرب الموقع الذي أجرت فيه كوريا الشمالية تجربتها، فيما أفاد مسؤولون يابانيون وكوريون جنوبيون أن قوة الزلزال الذي أحدثته تفجير القنبلة الهيدروجينية تزيد نحو عشر مرات عن الزلزال الذي تم تسجيله بعد آخر تجربة نووية أجرتها بيونغ يانغ قبل نحو عام. وذكرت وكالة الرصد الزلزالي اليابانية أن "شدة الهزة الأولى بلغت 6.1 درجة على مقياس ريختر وأنها الأعنف المسجلة من نوعها في شمال شرق كوريا الشمالية". وتمثل التجربة رسالة تحد مباشرة لواشنطن وحلفائها الإقليميين إضافة إلى المجتمع الدولي من جانب النظام الكوري الشمالي الذي نقل تهديداته السابقة بالاستمرار في تطوير برامجه النووية والصاروخية إلى موضع التنفيذ وتصعيدا غير مسبوق لمستويات التوتر الدولي منذ أزمات حقبة الحرب الباردة. ويؤكد المراقبون أن إعلان بيونغ يانغ عن تجربتها الهيدروجينية يستهدف بشكل مباشر الرد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي تعهد من قبل بمنع كوريا الشمالية من تطوير أسلحة نووية يمكن أن تهدد أمن المنطقة، كما أنها تأتي بعيد ساعات من المحادثات الهاتفية التي أجراها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مع ترامب لبحث التهديدات الكورية الشمالية. ونقل التلفزيون المركزي الكوري الشمالي أن التجربة جاءت بأمر من الزعيم كيم يونغ أون الذي أشرف بشكل شخصي على مشروع تطوير القنبلة الجديدة، فيما أعلن تقرير صادر عن معهد الأسلحة النووية في بيونغ يانغ أن الرأس الهيدروجينية تم تصنيع وتجميع جميع مكوناتها بشكل ذاتي في البلاد وهي "سلاح ذري حراري متعدد الوظائف يتميز بقوة تفجيرية مدمرة، ويمكن تفجيرها على ارتفاعات عالية". ويرى المراقبون أن تجربة بيونغ يانغ الهيدروجينية والتي تأتي في خضم توتر سياسي وعسكري غير مسبوق في أعقاب تجربتين لصاروخين باليستيين عابرين للقارات، ستكون لها تبعات مباشرة ومؤثرة في العلاقات والتوازنات الإقليمية التي تحكم منطقة بحر الصين وشبه الجزيرة الكورية. تجربة بيونغ يانغ النووية ستكون لها تبعات مباشرة ومؤثرة في العلاقات والتوازنات الإقليمية التي تحكم المنطقة ويرى الخبراء أن نجاح النظام الكوري في بلوغ مشروع القنبلة الهيدروجينية يعد اختراقا تقنيا وتكنولوجيا حاسما يعلن بشكل واضح امتلاك بيونغ يانغ لتقنية فاعلة في إطار توازن الرعب والقوة العالميين، ما يمكنها من أداة ضغط إستراتيجية فاعلة مستقبلا. وامتلاك القنبلة الهيدروجينية يعد بحسب الخبراء منطلقا لإعادة رسم علاقات بيونغ يانغ مع حلفائها وكذلك مع المجتمع الدولي والغرب بشكل عام، باعتبار أن التجربة الجديدة تؤكد جليا أن كوريا الشمالية لم تعد ذلك البلد الهين الذي يمكن إخضاع مشاريعه التسليحية والنووية عبر الضغوط الدولية والحصار والعقوبات الاقتصادية. ويرى المتابعون أن النظام الكوري يتجه لإجبار القوى الكبرى على القبول به ضمن النادي النووي بمنطق الأمر الواقع، وهو ستكون له انعكاسات في تعاطي القوى الدولية وخاصة أوروبا والولاياتالمتحدة مع كوريا الشمالية في المستقبل. ويرجح المتابعون أن يتجه الغرب إلى محاولة إيجاد بدائل دبلوماسية لاحتواء بيونغ يانغ بعيدا عن التهديدات العسكرية والسياسية على الرغم من ردود الأفعال الدولية التي طغت عليها لهجة الوعيد والتنديد. وجاءت أولى ردود الفعل من واشنطن على لسان الرئيس الأميركي الذي اعتبر أن التجربة الكورية الشمالية الجديدة تدل على أن "سياسة الاسترضاء إزاء بيونغ يايغ لن تجدي نفعا". وقال ترامب في تدوينة على تويتر ان كوريا الشمالية "دولة مارقة أصبحت تمثل تهديدا كبيرا بسبب سياستها العدائية الخطيرة التي تهدد الولاياتالمتحدة كما أنها تسبب إحراجا للصين، التي تحاول المساعدة ولكن دون إحراز نجاح كبير". وأدانت الصين، حليف كوريا الشمالية الرئيسي الوحيد، التجربة النووية وحثت بيونغ يانغ على وقف أفعالها "الخاطئة". وأشارت مصادر كورية جنوبية إلى أن مسؤولين أميركيين أجروا محادثات هاتفية عاجلة مع نظرائهم في سيول للتنسيق حول الخطوات المشتركة للرد على تصعيد تجربة بيونغ يانغ الذي وصف بالخطير. وأعلن البيت الأبيض في واشنطن أن الرئيس الأميركي سيعقد اجتماعا مع فريقه للأمن القومي الخاص بكوريا الشمالية لبحث التطورات الأخيرة، وذلك بالتزامن مع إعلان وزير الخزانة الأميركي عن إعداد حزمة عقوبات جديدة ضد بيونغ يانغ. وأدانت كل من باريس وبرلين التجربة النووية داعيتين إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد النظام الكوري الشمالي. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه ينبغي أن يرد المجتمع الدولي بحسم على "هذا الانتهاك الجديد من كوريا الشمالية للقانون الدولي"، فيما طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعقوبات أكثر صرامة يفرضها الاتحاد الأوروبي على بيونغ يانغ. وقالت الحكومة الألمانية في بيان إن ميركل وماكرون أجريا اتصالا هاتفيا وأدانا بشدة التجربة النووية الأخيرة في كوريا الشمالية. وأضاف البيان "هذا الاستفزاز الأخير من حاكم بيونغ يانغ بلغ بعدا جديدا وعلى المجتمع الدولي أن يرد بشكل حاسم". كما قال مون جيه-إن الرئيس الكوري الجنوبي إن سول ستضغط من أجل خطوات قوية لزيادة عزلة كوريا الشمالية، بما في ذلك عقوبات جديدة من مجلس الأمن. وأثارت اليابان أيضا إمكانية فرض المزيد من العقوبات وقالت إن الخيارات المطروحة تشمل قيودا على تجارة المنتجات النفطية.