سعى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أمس، بقوة وللمرة الأولى منذ بدء العمليات العسكرية التي يشنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ نحو ثلاثة شهور، إلى استفزاز الناتو، حيث تحدى أن يتمكن الحلف من القيام بعملية برية على العاصمة الليبية طرابلس لاحتلالها وإسقاط نظام حكمه السياسي. وقال القذافي الذي تحدث عبر الهاتف في مداخلة صوتية مفاجئة بثها التلفزيون الرسمي الليبي مساء أمس إن الناتو أجبن من أن يرسل قوات برية إلى ليبيا لمقاتلته، وأضاف: «انظروا أنا مستحق للحياة والمجد ها هي الجماهير في الساحة الخضراء ومختلف المدن كلها ها هو الشعب العظيم الذي يكتب التاريخ». وكان القذافي يتحدث فيما الآلاف من مؤيديه ومناصريه يحتشدون في ميدان لساحة الخضراء بوسط طرابلس، في مظاهرة مليونية دعت إليها السلطات الليبية لتأكيد التفاف الشعب الليبي حول القذافي ورفضه لقصف الناتو. وأكد القذافي أن حلف شمال الأطلسي «سيهزم حتما» ولن يتمكن من تغيير «أي شيء» في ليبيا. وقال القذافي «سيهزمون سيهزم الحلف حتما». وأضاف الزعيم الليبي الذي يحكم بلاده منذ 42 عاما غير آبه بالدعوات المتعددة من الداخل والخارج لرحيله، «مصممون ألا نغير أي شيء في بلدنا إلا بإرادتنا وبعيدا عن طائرات الحلف». وتابع «نحن صامدون مقاتلون إذا نزلوا إلى الأرض نحن بانتظارهم لكن هؤلاء جبناء لا يجرؤون على النزول إلى الأرض». وقال «استعدوا رجالا ونساء لتحرير ليبيا شبرا شبرا.. أول مرة يواجهون الشعب المسلح. يواجهون مليونا ومليونا. أول مرة يتورطون في هذه الورطة». وتعتبر هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يلجأ فيها القذافي إلى استخدام المكالمات الهاتفية لمخاطبة شعبه ومناصريه في طرابلس على مدى الأسابيع القليلة الماضية منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي والتي تطالبه بالتنحي عن السلطة ومغادرة ليبيا. وتعهد القذافي بهزيمة الائتلاف الذي يقوده حلف الأطلسي ويحاول الإطاحة به من السلطة، مشيرا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الحلف أمة مسلحة بالملايين. وقال القذافي «انظروا (إلى هذه المظاهرات) يجب أن يعرف قادة الدول الصليبية والخونة، لكنهم لا يتحملون رؤية الجماهير وهي تلتف حول القيادة التاريخية» وسب القذافي حلف الناتو والمجلس الانتقالي الممثل الثوار المناوئين له، وقال «افتحوا يا أولاد (...) يا صليبيين وأنتم أيها الخونة، الإذاعة الليبية، انظروا ها هي الجماهير تلتف حولي، هذا الصوت أقوى من كل الانفجارات ومن أساطيلكم». وقال القذافي الذي بدا منفعلا ونبرته حادة «هؤلاء الجبناء يقصفوننا، نحن في بلادنا ومصممون على البقاء، نحن صامدون نحن نستفزهم حتى يستخدموا القوات البرية، نحن في بلادنا ولم نعتد عليهم، وهم أغاروا علينا ليستعبدونا ويستولوا على خيراتنا». وأضاف القذافي الذي لم يفصح النقاب عن المكان الذي يتحدث منه، «هؤلاء الجبناء ليس لديهم شجاعة للهبوط على الأرض، لأول مرة يواجهون الشعب المسلح، مليون ليبي، هذه ورطة، في أفغانستان واجهوا حركة طالبان وفي الجزائر فقط جبهة التحرير وفي فلسطين (حركة) حماس وفي لبنان حزب الله، لكن هنا لأول مرة يواجهون الشعب المسلح وهو قادر على المعركة والمواجهة». ولفت إلى أن النساء يتقدمن الرجال دفاعا عن الوطن، متوعدا بهزيمة الناتو وقال «سيخسرون، سيهزم الجمع ويولون الدبر، نحن مصممون أن نعيش في بلادنا». واعتبر أن من يرفع العلم الذي يرمز إلى حقبة العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي، ليس برجل وقال «هذا مخنث هذا ليس لديه رجولة، اتفوه عليه وعلى رجولته وخيانته». يشار إلى أن القذافي يتعمد عدم الظهور في أي حشود جماهيرية بصورة علنية ومباشرة خشية تعرضه لعملية اغتيال سواء من حلف الناتو أو من الثوار المناوئين له، علما بأن التلفزيون الرسمي الليبي بث مؤخرا لقطات مصورة للقذافي وهو يستقبل كيرسان ايليو مجينوف رئيس جمهورية كالميكيا الروسية سابقا والرئيس الحالي للاتحاد الدولي للشطرنج قبل أن يلاعبه في مباراة قصيرة على رقعة أهدها الروسي للقذافي لاحقا. وبدا أمس أن الزعيم يراهن مجددا على أن عنصر الوقت ما زال في صالحه على الرغم من العمليات العسكرية التي يشنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد قواته العسكرية وكتائبه الأمنية، حيث قال مسؤول ليبي رفيع المستوى ل«الشرق الأوسط» إن القذافي يتحضر لما وصفه بمعركة طويلة لمدة شهور إضافية. واعتبر المسؤول المقرب من القذافي في اتصال هاتفي من العاصمة الليبية طرابلس أن المراهنة على أن سقوط القذافي بات مسألة أيام فقط، في غير محلها، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن النظام الليبي تعرض لقصف عنيف ومباشر من حلف الناتو إلا أنه ما زال قادرا على الصمود ربما حتى نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل على حد تعبيره. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم تعريفه: «لن يسقط النظام خلال أسابيع أو أشهر، هذه معركة طويلة، ولن ينهار النظام رغم كل ما يحدث حوله ورغم الانشقاقات المتتالية بداخله، القذافي مصمم على البقاء والقتال حتى آخر نفس أو رمق». من جهته، قال الفريق أول أبو بكر جابر يونس وزير الدفاع الليبي (أمين اللجنة الشعبية العامة المؤقتة للدفاع) إن القذافي خط أحمر دونه الروح، في تأكيد إضافي على أن القذافي لا ينوي التخلي عن السلطة التي يقودها منذ نحو 42 عاما. وقال الفريق يونس الذي ظهر أول من أمس مجددا على شاشة التلفزيون الحكومي، مخاطبا مقاتلين من قواته: «عليكم أن تؤدوا هذه المهمة، هذا واجب الدفاع عن بلدكم وشرفكم ولتعطيل العدو، وللتصدي لهذه المؤامرة المشكلة من حلف الأطلسي والمتآمرين». وعبر الدكتور البغدادي المحمودي رئيس الحكومة الليبية عن هذا لاتجاه المتشدد بقوله إن القذافي خط أحمر لا يمكن مناقشته ضمن ما وصفه بالثوابت الرئيسية للدولة الليبية، مضيفا في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس في طرابلس: «نحن باقون على هذه الأرض مع القذافي.. الشعب الليبي قوي والقوات المسلحة أيضا، ولدينا إصرار كامل على الحياة». وأكد مجددا أن مناصري ومؤيدي القذافي أقوياء وأن حلف الناتو لن يتمكن من قتل القذافي أو تحويله للمحاكمة الجنائية، مضيفا: «هذا الخطاب ليس حماسيا أو ثوريا، هذه حقيقة، ونتمنى أن تقابلوا الشعب الليبي لمعرفة الحقيقة وهي أن الشعب الليبي كله معمر القذافي». الأئمة الثوار.. أبطلوا سحر دراويش القذافي مقاتلو بنغازي معجبون بساركوزي.. ويتساءلون: هل طائراته يقودها بشر؟ أجدابيا (ليبيا) - لندن: «الشرق الأوسط» يقول أبو بكر الطبجي، أحد الثوار الليبيين من أجدابيا: «في البداية كان دراويش القذافي يحبطون هجماتنا بسحرهم، فكلما هممنا بالهجوم هبت عاصفة رملية تعمي الأبصار». ويواصل الثائر الليبي، وقد استبد به التعب: «لكن بعد أن أخذ أئمتنا في تلاوة القرآن على الجبهة، توقف سحر الدراويش». ويمكث أبو بكر في منزل متواضع بأجدابيا، شرق ليبيا، على مسافة نحو 40 كيلومترا من الجبهة على الطريق إلى البريقة، وهي المدينة النفطية التي يسعى المتمردون، منذ أسابيع دون جدوى، للسيطرة عليها. ويقول أبو بكر لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذه ليست داري، بل داري كانت تقع على مشارف أجدابيا شرقا قبل أن تدمرها قذيفة دبابة. والآن أمكث في هذه الدار التي كان يسكن بها أحد أفراد اللجان الثورية للقذافي». وفي غرفة الاستقبال تشاهد شاشة كومبيوتر قديمة يلفها علم فرنسي مترب بينما يحوم الذباب حول كؤوس القهوة المقدمة للضيوف. ويبتسم أبو بكر رافعا إبهامه معربا عن ثقته: «بعد الأئمة، تدخل ساركوزي، وباتت الأمور الآن أحسن». ولا يشير أبو بكر، الذي يقارب عمره الخمسين ويرتدي زيا قتاليا بينما ترتكن البندقية الكلاشنيكوف على الأرضية المغطاة بحصيرة، إلى «الحلف الأطلسي» بالاسم حينما يتحدث عن الطائرات أو المروحيات الغربية التي تدك بشكل متواصل قوات معمر القذافي. وبدلا من ذلك يقول: «لقد دمر ساركوزي أمس 3 مركبات تابعة للقذافي كانت قد تسللت وتجاوزت أجدابيا على طريق بنغازي». كان أبو بكر من المحاربين القدامى في جيش القذافي ممن شاركوا في حملة النظام للاستيلاء على تشاد المجاورة خلال الثمانينات قبل أن تتدخل فرنسا عسكريا للحيلولة دون سيطرة الجيش الليبي على نجامينا. ويقول أبو بكر: «مكثت في تشاد 3 سنوات بين عامي 1983 و1985 وقد شاب شعري خلال تلك الفترة». ويشعر أبو بكر بالامتنان تجاه الفرنسيين وبالأخص الرئيس نيكولا ساركوزي لدعمه الثوار على الجبهة عبر طلعات جوية، فقد أوقفت تلك الطائرات في 19 مارس (آذار) دبابات القذافي التي كانت بصدد السيطرة على بنغازي «عاصمة» الثوار على بعد 160 كيلومترا شمال أجدابيا. ويقول أبو بكر رافعا إبهامه مجددا: «لقد ضرب ساركوزي دبابة على أحد الطرق دون إلحاق أضرار بالمنازل المحيطة». ثائر آخر يرتدي قبعة حمراء، يدعى سعد بوطرة، ويصفه أبو بكر بأنه «أفضل مطلق صواريخ»، يتساءل مستغربا: «هل يقود بشر طائرات ساركوزي؟». وفي عام 1987 حل القذافي الجيش الوطني وأنشأ بدلا منه اللجان الثورية، وهكذا وجد أبو بكر نفسه دون عمل، ومنذ ذلك الحين عمل سائق أجرة، وأشغالا هامشية حتى تتسنى له إعالة أطفاله ال8. لكن مع اندلاع الثورة ضد القذافي، قبل 4 أشهر، وجد أبو بكر نفسه مشغولا طوال الوقت؛ إذ يتولى مهمات أمنية في المدينة ويقوم بتوصيل إمدادات للجبهة. ويقول إن أحد الزعماء البارزين للثورة، ويدعى خليفة الأفطر، أمهل قوات القذافي 72 ساعة للرحيل عن البريقة «وإلا سنهاجمهم فورا ونقضي عليهم تماما». غير أن أحد الثوار يخالفه قائلا: «لسنا نحن من نقرر، إنه الحلف الأطلسي». وعلى نقطة التفتيش الأخيرة على مسافة 5 كيلومترات غربي المدينة تنشط الحركة بين مركبات الثوار ذهابا وإيابا مع تغيير المناوبة. وتحاول مركبة تحمل أغناما العبور دون جدوى؛ إذ لا يسمح لأحد سوى الثوار بالعبور. لقد كتب أبو بكر خطابا موثقا، نيابة عن المجلس الوطني الانتقالي، وهو الهيئة السياسية للثوار، للسماح للصحافيين بعبور الحاجز، واطلع المسؤول عن نقطة التفتيش عليه مرتين، لكن دون جدوى.
