بينما بدأ السودانيون في الجنوب العد التنازلي على الاستقلال في التاسع من يوليو الجاري يفكر الشماليون بقلق في مستقبل يتراجع فيه نصيبهم من النفط ويرتفع فيه التضخم، فيما تزداد فيه حركات التمرد لتجعل الرئيس عمر حسن البشير يعمل على إحداث توازن دقيق، بينما يحاول لملمة ما تبقى من دولة؛ يحكمها منذ أكثر من عقدين من الزمن. وهو تحد أو مجازفة لا مجال فيها للخطأ، خاصة في ظل الثورات الشعبية التي اندلعت في عدد من دول الوطن العربي وأطاحت إلى حد الآن بنظامين (التونسي والمصري) استمرا في الحكم لفترة طويلة، فيما يهدد المصير ذاته النظام الليبي. في غضون ذلك، رفعت جماعات عرقية تشكو من التهميش السلاح في إقليم دارفور بغرب السودان وفي مناطق بالشرق. كما خاض كثير من مقاتلي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين اللتين لا تزالان ضمن الشمال قتالا ضد الخرطوم، إذ تجمع بين حركات التمرد المتنوعة شكوى مشتركة هي الاستياء العميق مما يرونه هيمنة شبه تامة لنخبة صغيرة من الشماليين على السلطة والثروة في السودان. ويرى محللون أن هذه الحركات ربما تصعد من حملاتها بعد انفصال الجنوب بسبب ما تراه من فرصة سانحة للضغط من أجل الحصول على تنازلات من حكومة هشة في الخرطوم. وفي هذا الصدد، قال الباحث في معهد الوادي المتصدع للأبحاث علي فيرجي إن «القوى المحركة للمظالم الأخرى في السودان سواء في الشرق أو الغرب أو في أقصى الشمال أو في أراضي كردفان الحدودية أو في ولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق التي لن تختف بانفصال الجنوب». على صعيد متصل، يقول المحللون إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال يتعامل مع حركات التمرد المختلفة بنفس الطريقة من خلال الحملات الأمنية والمحاولات لشق الصف بين المتمردين بعرض صفقات على بعض قادتهم، لافتين إلى أنه من الصعب الاستمرار في هذه الأساليب بينما تتراجع إيرادات النفط من خزائن الشمال. وقال عضو من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات فؤاد حكمت «لا تستطيع أن تواصل دفع رواتب قوات الأمن والجيش فحسب وتتناسى الموظفين الحكوميين»، مشيراً إلى أن ذلك قد يدفع بالبشير الى البحث النشط عن حلول سياسية، مضيفاً «إذا لم يتغير حزب المؤتمر الوطني خلال عام وإذا لم يتبن نهجا جديدا يقوم عن الاحتواء، حينها سيواجه السودان مشكلات بالغة الخطورة». بالمقابل فإن انفتاح النظام السياسي قد يعرض البشير المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية في جرائم ضد الإنسانية إلى تحديات من المتشددين في حزبه، الذين يعارضون تقديم أي تنازل للولايات الواقعة على الأطراف، حيث يرون ذلك عاملا مساعدا على مزيد من المطالبات بالانفصال. من جانبه، قال الباحث بمركز تشاثام هاوس للأبحاث روجر ميدلتون «لا اعرف ما إذا كانت هذه الحركات والاستياء سيترجم إلى ثورة شعبية على غرار ما حدث في شمال افريقيا، لكن يجدر بنا دائما أن نتذكر أن الاحتجاجات الشعبية أسقطت حكومات سودانية من قبل». ويبدو أن القلق لم يقتصر على القادة السياسيين في السودان بل امتد ليصبح حديث الشارع، ففي أسواق العاصمة الخرطوم التي يغشى الغبار أجواءها يعلق المشترون والبائعون على الانفصال بمشاعر متباينة من الحزن والاستسلام والقلق. وقال بائع صحف يدعى محمد إن «استقلال الجنوب خطأ جسيم، خطأ فادح ارتكبته حكومتنا. انه أمر خاطئ»، مضيفاً القول: «اقتصادنا سيعاني لأننا نعتمد على النفط، الأسعار ترتفع كل يوم والتضخم سيزيد».