يثير انفصال جنوب السودان أسئلة ملحة وبالغة الأهمية عن مصير الاقليم ولماذا اتجهت رغبة سكانه بغالبية مطلقة لاقرار" طلاق بائن" مع الشمال ، والى أى مدى ستؤثر تلك الخطوة سواء على العلاقة بين شطرى السودان أو على المحيطين العربى والافريقى. وتفترض هذه القراءة ان جملة عوامل عرقية ودينية وثقافية واجتماعية واقتصادية ، تراكمت على مدى عقود وسنوات لتقيم جدارا فاصلا بين مكونات السياسة فى شمال وجنوب السودان وأدت فى نهاية المطاف الى حدوث فراق نهائى بين شطرى السودان. وقال الدكتور خالد ضرار الباحث بمركز (الراصد) للدراسات الاستراتيجية بالخرطوم فى تصريح لوكالة أنباء (شينخوا) " ان تفاقم مشكلة الجنوب ترجع بصورة رئيسية إلى عجز النخب السياسية فى الشمال والجنوب عن تحقيق الانسجام بين مكونات الشعب السوداني". وأضاف " كان واضحا ان للصراع بين الشمال والجنوب أبعادا دينية وعرقية واقتصادية واجتماعية ، وأدت كل تلك العوامل الى أزمة حقيقية ذات تراكمات تاريخية وعززتها سياسات استعمارية، الأمر الذي أضفى على المشكلة ، أو علاقة الجنوب بالشمال، المزيد من التعقيد والتأزم". ومضى قائلا " مجمل هذه التطورات والتراكمات التاريخية والنفسية جعلت العقل الجنوبِي الجمعى يستبطن موقفا سابقا تجاه الشمال، ويرتكز هذا الموقف على فكرة استعلاء الشمالي على الجنوبى". ويخلص الدكتور ضرار الى ان الخلاف الشمالى الجنوبى كان اكبر من النظر إليه باعتباره مسألة موارد وظلم اقتصادي وتهميش سياسى، بل تجاوز كل ذلك إلى تباين ثقافي واختلاف عرقي وإلى صراع في الهويات". ومن جانبه يرى الدكتور وليم ادوب المحلل السياسى من جنوب السودان فى تصريح لوكالة (شينخوا) ان " جنوب السودان وشماله مختلفان في كل العناصر الضرورية لتشكيل القومية الواحدة (اللغة، الدين، الثقافة، الأصل). وقال " بخلاف الكثيرين فانى ارى ان الاستعمار لم يكن سببا أساسيا في مشكلة الجنوب، ولكنه زاد من الاختلافات الموجودة أصلا بسياساته التي عزلت الجنوب ومنعته من التفاعل مع الشمال". ويضيف " كما انى ارى ان الدين لم يكن المحرك الأساسي للمشكلة، ولكن محاولات تسييس الدين من قبل بعض النخب السياسية الشمالية هو الذي زاد من تفاقمها، وكان مدخلا إلى بروز عنصر الدين كاحد العوامل المعمقة لحالة التباعد بين الشمال والجنوب". ويحمل الدكتور ادوب طرفى اتفاق السلام الشامل ، المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ، مسؤولية الفشل فى معالجة جذور المشكلة ، وقال " لقد عمل الطرفان على اختزال المشكلة في الجانب السياسى". وزاد قائلا " كان مفهوما ان الصراع بين الشمال والجنوب هو صراع هويات، ولكن طرفى اتفاق السلام ركزا على قسمة السلطة كمعالجة للبعد السياسي ، وتوزيع الثروة كحل للبعد الاقتصادي، وقد أدت تلك المعالجات الى ايقاف الحرب ، لكنها لم تحقق وحدة مستدامة". ورغم ان استفتاء جنوب السودان قد تم فى أجواء آمنة وان حكومة الشمال قد بادرت فورا للاعتراف بنتيجة الانفصال ، الا ان مراقبين لا يتوقعون ان تدوم ما اسموه " شهر العسل" بين الشمال والجنوب لفترة طويلة. وقال ضياء الدين ساتى المحلل السياسى فى تصريح ل (شينخوا) " هناك قضايا كثيرة من شأنها تعكير صفو العلاقة بين الشمال والجنوب ، ولابد من ملاحظة أن الحدود بين الدولتين هي الأطول والأكثر تعقيدا وأكثر حيوية من كل ما لهما من حدود مع الدول المجاورة". ويضيف " وهناك مناطق ما تزال موضع تعارك بين شريكى اتفاق السلام الشامل ، وان منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان الحدوديتين ستقرران مصيرهما عن طريق ما يسمى بالمشورة الشعبية ومن شأن انفصال الجنوب تغيير تفكير سكان المنطقتين". ويتابع " وفى المواضيع الأخرى فان مشكلة ابيى ستكون البوصلة الحقيقية والمؤشر الحقيقى لاتجاه العلاقة بين الخرطوم وجوبا ، وسيكون امرا ملحا التوصل الى تسوية للنزاع بشأن تبعية المنطقة قبل نهاية الفترة الانتقالية فى التاسع من يوليو القادم". ويؤكد ساتى ان انفصال الجنوب لن يكون نهاية لمشكلات شمال السودان ، وقال " لن تنتهى مشكلات الشمال عند حد انفصال الجنوب وتكوين دولة، بل إن ذلك سيكون بداية لصراعات جديدة، خاصة فى إقليم دارفور بغربى السودان". ومما لاشك فيه ان انفصال الجنوب وتأسيس دولة جديدة فى منطقة القرن الافريقى سيحدث تغيرا كبيرا فى خارطة المنطقة ونمط التواصل بين دوله ومجموعاته السكانية التى تشترك فى قواسم عدة. وقال ضياء الدين ساتى " من اكبر افرازات انفصال جنوب السودان، هو تلك التداعيات الثقافية التي ستترتب على الوضع الجديد، اذ ان الدولة الجنوبيةالجديدة ستتوجه إلى جيرانها من الدول الإفريقية، وهو ما سيضعف مِن علاقاتها مع الشمال ذي التوجه العربي والإسلامي". ويضيف " ستأخذ دول مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا، والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطي محل الشمال السوداني، الذي كان شريان التواصل بين العرب والافارقة ، وهذا وضع سيصنع حاجزا قويا يحول دون التسلل العربي إلى جنوب القارة الإفريقية. ومن جانبه يحذر اللواء المتقاعد محمد احمد فضل الله الخبير العسكرى من اندلاع حروب أهلية بين مكونات الجنوب المختلفة لاسيما وان قبائل عدة لا تخفى رفضها لسيطرة قبيلة الدينكا التى ينتمى لها معظم قادة الحركة الشعبية على مقاليد الامور فى الجنوب". ويضيف " حتى الآن لا توجد مظاهر للدولة فى الجنوب ولعل مقتل وزير التعاونيات بحكومة الجنوب بعد يومين فقط من اعلان الانفصال كان مؤشرا واضحا لغياب الأمن فى الجنوب وعجز الحركة الشعبية عن فرض هيبة الدولة". ولا تقتصر تأثيرات انفصال الجنوب على الاوضاع الداخلية سواء بالجنوب او الشمال ، ولكن تداعيات الحدث تطال الاقليم برمته بمحيطيه العربى والافريقى وهو ما سيوجد منظومة سياسية جديدة وشبكة علاقات سياسية متغيرة. وقال الدكتور محمد حسن سعيد استاذ العلوم السياسية بجامعة افريقيا العالمية ل(شينخوا) " اذا نظرنا للدول المحيطة بالسودان الشمالى والجنوبى نجد ان مصر التى كانت تدعم وحدة السودان ستكون اكثر الدول تأثرا بانفصال الجنوب". ويضيف " ستتأثر مصر اكثر من اى دولة اخرى من دخول دولة جديدة لمنظومة دول حوض النيل وهو ما سيؤثر على حصتها المائية خاصة وان الدول الافريقية العضوة فى مبادرة الحوض تتكتل ضد المصالح المصرية". ويتابع " اما دول مثل اريتريا فانها ورغم علاقاتها الجيدة فى الوقت الراهن مع حكومة الخرطوم تدعم انفصال الجنوب وتتحسب لاى تغير فى علاقاتها بالخرطوم ، اما اثيوبيا فانها تحتاج للسودان لأنها دولة حبيسة ولا منفذ لها غير منافذ السودان". ويزيد " اما كينيا فانها تعمل على وزن علاقاتها بين شريكي الحكم في السودان واستراتيجيتها الأمنية تفرض عليها دعم انفصال الجنوب ، وبالنسبة لأوغندا فانها تعتبر مأوى للاجئين الجنوبيين واستراتيجيتها الأمنية دعم الانفصال". وبحسب احصاء 2008 ، بلغ سكان السودان 39 مليونا و154 الف شخص ونيف بينهم 8 ملايين و260 الف شخص اي 21 قي المئة، في الجنوب، وبينت النتائج ان 520 الفا من الجنوبيين يعيشون في شمال البلاد. وكان السودان الموحد يحتل مساحة تقدر ب2.5 مليون كيلو متر مربع مما جعله الدولة الأكبر مساحة في أفريقيا والعالم العربي ووضعه في الترتيب العاشر عالميا من حيث المساحة.