إذا الشعب يوماً أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر . ولا بد لليل أن ينجلي *** ولا بد للقيد أن ينكسر . حينما نجحت الثورة الشعبية في تونس وبدأت شرارتها تنتقل إلي مصر ، قال بعض رموز النظام المصري أن مصر ليست تونس ، وما هي إلا أيام معدودة واشتعلت القاهرة وكل مدن مصر وتهاوى النظام على عروشه . ثم طارت منها شرارة إلي ليبيا ، فصرّح العيد القذافي بأن ليبيا ليست مصر أو تونس ولم نلبث أيام قليلة حتى رأينا ليبيا كلها تشتعل وسقطت طرابلس كسقوط بغداد من قبل !، وتطايرت شرارات أخرى نحو الشام واليمن التي لا تزال أنظمتها تترنح في مجابهة الموج الشعبي الهادر ليتوقف الأمر عند مسألة وقت لا غير. وفي السودان التي تعد الأوضاع فيها أسوا حالاً عن كل تلك البلدان ، اقتصاديا، سياسياً وقمعاً ، فقد أراد بعض الشباب الثائر الاقتداء بنظرائهم في المحيط المجاور ، فأعملت أجهزة امن النظام فيهم كل فنون القمع وأودعهم السجون فخمدت الشرارة قليلاً وظن النظام الحاكم بأنه قد تمكن من إطفائها ، فبدأ جهابذته يتبجحون بأنّ السودان ليست مثل كل تلك البلدان ؟! متناسية بأن الثورة إنما هي بركان خامد في وجدان الشعوب لا تطفئها كل مياه الدنيا ، وأنّ الشعب السوداني هو ملهم الثورات الشعبية ، مفجّر ثورتي أكتوبر وابريل . وقد دخلنا جميعنا في حيرة من أمرنا عن سبب تأخر هذا العملاق النائم من اليقظة والوثوب على تلك الجرذان التي عاثت فساداً في البلاد وقطّعت أوصالها وأفقرت شعبها ؟ ولكن لم يساورنا الشك ولو لثانية في مقدرة هذا الشعب الأبي على النهوض والانتفاض على هذا النظام الجائر الذي امتهن كرامته وأجاع أبناءه وعبث بنسيجه الاجتماعي . وكعهدنا به دوماً لم يخيّب شعبنا الكريم ظننا فيه حيث نراهم هذه الأيام وقد كسروا كافة الحواجز بعد أن بلغ السيل الزبى ، وبدءوا انتفاضتهم المباركة في الخرطوم برغم التعتيم الإعلامي من وسائل الإعلام العربية ؟! ونحن إذ نستبشر بهذه الوثبة الجريئة فلا نملك سوى أن نشد من أزرهم ونتوجه لهم بتحية الاعتزاز والفخر وهم يجابهون جبروت نظام القهر في الخرطوم بصدور عارية لا تكسوها سوى الإرادة الصادقة والعزيمة القوية على عدم الانكسار ومواصلة انتفاضتهم المباركة حتى النصر ، حتى النصر ، حتى النصر بإذن الله . ولكن في غمرة هذه الأحداث ما بنا كأننا نفتقد المعارضة الوطنية بالداخل ؟، أم شغلتهم حديث الحكومة القومية التي لا نعتقد أنها ستقوم لها قائمة في السودان بعد الآن . نقول لهم حديث اللائم المحب : إنّ مكانكم الصحيح أن تهبوا وتتقدموا شعبكم ، ولتمتلئ بكم سجون النظام التي لا نحسبكم تخشونها وقد خبرتموها وخبرتكم في كل حقب أنظمة القهر والطغيان في البلاد ، ودخولكم السجون الآن يحفز شعبكم ويزيد في اشتعال لهيب الثورة ويجبر وسائل الإعلام العالمية لتسليط الأضواء عليها ، فلا تتأخروا ، وقريباً جداً سيحطم جماهير شعبكم أبواب السجون وتخرجون منها خروج الأبطال جنباً إلي جنب مع إبطال الحركة الشعبية والمقاومة الدارفورية القابعين في زنازين النظام ، فلا تحرموا أنفسكم هذا الشرف العظيم .