بيروت (رويترز) - تشيع في لبنان قصص مأساوية عن اساءة معاملة الخادمات.. لكن لقطات فيديو لخادمة اثيوبية وهي تسحب في شارع ببيروت قبيل ايام من العثور عليها مشنوقة بأغطية الفراش هزت الضمائر في لبنان. وهناك عدد كبير من الخادمات في لبنان وتمثل الخادمات الاجنبيات أكثر من خمسة في المئة من السكان ويعاني القطاع من قوانين عمل قديمة وممارسات غير انسانية وأجور متدنية. أصبحت الانتهاكات مستشرية لدرجة أن اثيوبيا والفلبين ومدغشقر ونيبال حظرت على مواطنيها التوجه الى لبنان بحثا عن العمل. لكن الاثيوبية اليم ديتشاسا (33 عاما) التي كانت أما لطفلين لم تصغ لتحذيرات حكومتها ولجأت الى شركة توظيف لبنانية للسفر الى العاصمة بيروت. وفي 24 فبراير شباط عرضت قناة المؤسسة اللبنانية للارسال (ال.بي.سي) فيديو سجله أحد المارة المجهولين لديتشاسا وهي ترقد على الارض وسط أشجار أمام القنصلية الاثيوبية وهي تصرخ "لا.. لا." بعد ذلك ظهر رجل لبناني في الفيديو قالت القناة لاحقا ان اسمه علي محفوظ وأجبرها على الوقوف وحاول ادخالها عنوة في سيارة. وصرخت ديتشاسا وقاومت ورفضت الدخول. وكان محفوظ يجذبها من شعرها. وقال اسامينيو ديبيلي بونسا القنصل الاثيوبي انه قبل دقائق كان محفوظ يتحدث معه. ومحفوظ هو شقيق صاحب شركة التوظيف التي جلبت ديتشاسا الى لبنان والذي احضر الخادمة الى القنصلية شاكيا من أنها مريضة عقليا ولابد من ترحيلها. وقال القنصل لرويترز "نصحناه (محفوظ) بأنها في حاجة الى تلقي العلاج." وأضاف "الكثير من الفتيات اللاتي لديهن مشكلات يحضرن الى هنا. بعضهن صغيرات في السن وغير قادرات على العمل. كثيرا ما نجدهن يتجولن أمام القنصلية." وقال بونسا ان محفوظ وافق على أخذ ديتشاسا للعلاج. ومضى بونسا يقول عن حادث اساءة معاملة الخادمة أمام القنصلية الذي وقع أمام نافذة مكتبه في الطابق الثاني من المبنى "ما من أحد كان يتوقع ما حدث لاحقا" وان أقر بأنه يتلقى بلاغات بشكل منهجي عن وقائع ضرب. وتابع "سمعنا صوتا ثم أدركنا أن هناك مشكلة في طريقة تعامله معها." واتصل بونسا بالشرطة التي احتجزت محفوظ ونقلت ديتشاسا الى المستشفى. وزار القنصل ديتشاسا في المستشفى. وقال انها كانت قلقة من ألا تتمكن من دفع دين مستحق لشركة التوظيف التي جلبتها الى لبنان. وكان زوجها قد تزوج من امرأة أخرى واقترضت هي مبلغا حتى تتمكن من دفع ديونها. وبعد أربعة أيام قال الاطباء للقنصل انها انتحرت. وبينما كان بونسا يحكي ما حدث تطلع الى جدار مكتبه وأشار عاليا واصفا كيف شنقت ديتشاسا نفسها. وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ان قضية ديتشاسا ليست قضية فردية على الاطلاق اذ ان هناك في المتوسط خادمة اما تنتحر أو تسقط من طابق مرتفع لتلقى حتفها كل اسبوع في لبنان. ولم تكتسب مساع لسن قوانين عمل جديدة زخما. واقترح وزيران للعمل اجراءات لكن التغييرات في المناصب الحكومية واللامبالاة همشت المسألة. غير ان قضية ديتشاسا مختلفة. اذ تم تصوير ما جرى لها وفجر غضبا عاما مما أتاح فرصة للتعامل مع قضية اساءة معاملة الخادمات في لبنان. وحث الاتحاد الاووربي وجماعات لحقوق الانسان البلاد على تغيير قوانينها وعلاج التمييز ضد العمالة المهاجرة. وقالت جلنارا شاهينيان مقررة الاممالمتحدة الخاصة المعنية بالاشكال الحديثة للعبودية ان "هذه الصورة القاسية" ذكرتها بمهاجرات التقت بهن في لبنان خلال زيارتها في اكتوبر تشرين الاول. وأضافت "قالت لي نساء كن ضحايا للخدمة في المنازل انهن كن يخضعن للسيطرة الكاملة للمخدومين من خلال الاستغلال الاقتصادي وانهن عانين من انتهاكات بدنية ونفسية وجنسية." ودعت الحكومة اللبنانية الى التحقيق في القضية بعد عرض تسجيل الفيديو على التلفزيون وقال وزير العدل شكيب قرطباوي ان وزارتي العدل والعمل عقدتا اجتماعا طارئا لمناقشة المسألة. وقال وزير الاتصالات نقولا صحناوي في حسابه على تويتر "علينا جميعا الدفاع عن الفتاة الاثيوبية المسكينة ضحية الانتهاكات. مثل هذه الممارسات تسئ لبلادي وأنا أشعر بالخزي." وفي لبنان لا يخضع العمال المهاجرون لقوانين عمل لكن المخدومين هم الذين يتكفلون بجعلهم يعيشون في البلاد وهم يتقدمون شخصيا للحصول على تصريحات اقامة. وتجلب شركات التوظيف التي لديها مكاتب في الخارج الخادمات لكن الكثر من تلك المكاتب لا تشعر بأي التزامات قانونية نحو الخادمات. وقالت رولا أبو مرشد وهي منسقة مشروع في جمعية كفى التي تهدف الى منع العنف ضد المرأة "مشكلة نظام الكفالة هي أنه يربط العاملة بمخدومها. يتسبب هذا في ضعف موقف العاملات ويشكل عبئا على المخدومين." وتقول رولا ان نظام الكفالة يعني أن العاملات لا يمكنهن تغيير وظائفهن ما لم يوافق المخدومون على تسريحهن. كما لا يوجد حد أدنى للاجور ويمكن ان تعمل الخادمات لساعات طويلة و365 يوما في السنة دون راحة. وتقول الكثير من الخادمات انهن محبوسات فعليا داخل منازل وان جوازات سفرهن تصادر. أما العاملات اللاتي يحالفهن الحظ فيحصلن على عطلة لعدة ساعات في أيام الاحد ويمكن رؤيتهن عادة في منطقة الحمرا التجارية في بيروت وهن يتسوقن. وترقص الخادمات في ملهى اسمه (الجاز) من الساعة 11 صباحا الى الساعة الخامسة مساء ويتواصلن مع صديقاتهن قبل العودة للمنزل لطهي عشاء الاحد. وقالت رولا في مكتبها الصغير ببيروت "ليس هناك مفر. اذا حاولت احداهن ترك مخدومها فسوف يجري ترحيلها او احتجازها. ويقول المخدومون انهم يريدون حماية استثماراتهم." وأضافت "بعض العاملات لا يريدن العودة لانهن أصبحن مدينات حتى يتسنى لهن السفر الى لبنان.. لذلك يقبلن هذا الوضع المسئ." وقالت رولا ان مسألة اساءة معاملة الخادمات لا تقتصر على لبنان فحسب بل أشارت الى حالات في المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى. لكن وضع لبنان فريد من حيث انه بلد به مجتمع مدني قوي يفتخر بأنه من أكثر المجتمعات المدنية ليبرالية في منطقة الشرق الاوسط. وقالت الخادمة الاثيوبية فيفي انها سرعان ما تعلمت أن منطقة الشرق الاوسط ليست دائما حارة وجافة حين قالت لها مخدومتها انها ستنام في الشرفة طوال الشتاء الممطر في لبنان. وقالت "لم يكن هناك مكان لذلك كنت أنام هناك. لديها جواز سفري وغير مسموح لي بمغادرة المنزل" مضيفة أنها تسللت للخارج بينما كانت "السيدة" في عملها. ويقول لبنانيون ان هناك أفضليات عرقية بين الخادمات في بلادهم اذ ان الافضلية في المقام الاول للفلبينيات اللاتي يتحدثن الانجليزية والتي يتكلف جلب احداهن أكثر من ألفي دولار في حين ان الاثيوبيات في المرتبة الدنيا. وتأمل كارول مسكرم وهي اثيوبية انتقلت الى بيروت قبل عشر سنوات بعد أن قابلت زوجها اللبناني في اديس ابابا ألا تمر قضية انتحار ديتشاسا مرور الكرام. وقالت مسكرم وهي نشطة في مجال حقوق الانسان وتشير الى الخادمات الاثيوبيات بقولها "بناتي" "أتمنى أن تتحمل الحكومة الان المسؤولية (عن العاملات الاجنبيات) وأنا أعلم أن الكثير من اللبنانيين طيبون." ويحب الكثير من اللبنانيين الخادمات ويعتبرونهن فردا في الاسرة. وفي ردهة القنصلية الاثيوبية تمسك امرأة سوداء يد طفلة صغيرة شقراء تتجول بنظرها في الغرفة التي تضم خادمات من نفس بلد مربيتها. وفي أحد السعف دعا قس لبناني المصلين الى معاملة الخادمات معاملة حسنة. وقالت مسكرم "بعض وليس كل اللبنانيين يحتقر الخادمات... لكن بالنسبة لي عندما تقول لي احدى بناتي انها حصلت على وظيفة هنا كخادمة.. أشعر بالفخر. انهن يعملن على تحسين حياتهن." من أوليفر هولمز (اعداد دينا عفيفي للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي) (سيس) Dimofinf Player شاهد كيف اللبنانيين الأفارقة في بلادهم وكيف يعاملون في أفريقيا..إنها العُنصرية اللُبنانيين للون البشرة