الخرطوم (رويترز) - ربما يجد عثمان نفسه في معضلة قانونية يوم الاحد حين يفقد هو ومئات من مواطني جنوب السودان حقوق الاقامة في السودان بعد تسعة أشهر من انفصال البلدين. والجنوب وطن افتراضي في حالة عثمان. وقال عثمان الذي يتحدث العربية مثل معظم السودانيين "انا ضحية انفصال الجنوب. ولدت ونشأت في الشمال لم أذهب ابدا الى الجنوب وزوجتي من الشمال." وقال المهندس البالغ من العمر 35 عاما "اريد ان ابقى في السودان لكن الحكومة لا تسمح لي". ورفض عثمان ذكر اسم عائلته خوفا من اثارة المشاكل مع السلطات. ولم يستطع الحصول على بطاقة هوية سودانية لان والده من الجنوب ولا يمكنه الحصول على جواز سفر جنوبي بما ان جوبا لم تفتتح سفارة تمارس انشطتها في الخرطوم. وشكا عثمان قائلا "انني بدون دولة بصورة ما." والاسوا انه مهدد بالانفصال عن زوجته او اطفاله حين تنتهي في الثامن من ابريل نيسان الفترة الانتقالية التي سمح خلالها لجنوبيين بالاقامة والعمل في الشمال دون تصاريح بصورة استثنائية. واستقل جنوب السودان في يوليو تموز الماضي بموجب اتفاق سلام ابرم عام 2005 وانهى عقودا من الحرب الاهلية. واستبعدت الخرطوم منح جنسية مزدوجة لعدد لا يحصى من الجنوبيين عاشوا في الشمال لعقود عقب فرارهم من القتال في الجنوب. والخلافات بين جنوب السودان والسودان عديدة وتتصل بقضايا الانفصال. ودفعت المعارك الحدودية في الاسبوع قبل الماضي القوى العالمية للتحذير من احتمال نشوب حرب شاملة. وكان من المقرر ان يجتمع الرئيس السوداني عمر حسن البشير مع نظيره الجنوبي سلفا كير في الثالث من الشهر الجاري ولكن القمة ألغيت بسبب الاشتباكات. وكان من المقرر ان يوقع الاثنان اتفاقيتين بشان الاقامة وحرية حركة المواطنين بين البلدين مما يسمح ببقاء الجنوبيين في الشمال. وقالت جيل هيلكه رئيسة بعثة منظمة الهجرة الدولية بالسودان التي تساعد في انتقال عشرات الالاف الى الجنوب "ثمة شكوك. لم يتضح ماسوف يحدث. يمكن ان تسير الامور بسلاسة بالغة مع تبني السودان موقفا عمليا ومجرد مد الفترة الانتقالية واعلان فترة سماح أو ابداء مرونة. ولكن ان وجدت مشاكل سياسية سيتغير الوضع." وفي يناير كانون الثاني نشرت وكالة السودان للانباء قبل التوصل لاتفاق مبدئي لمنح الاقامة في مارس اذار ان الجنوبيين سيعاملون كاجانب بدءا من الثامن من ابريل نيسان. لكن الجنوب الذي تثقل كاهله مهمة بناء دولة من نقطة الصفر فشل في فتح سفارة في السودان لاستخراج جوازات سفر لازمة للتقدم بطلب حصول على تصريح اقامة. وعاد أكثر من 370 الف جنوبي معظمهم من المسيحيين او الوثنيين لديارهم منذ اكتوبر تشرين الاول من عام 2010. ويحزم عشرات الالاف امتعتهم الان لشعورهم بانه لم يعد لهم مستقبل في الشمال المسلم. وقال البشير ان الشمال سيطبق الشريعة الاسلامية بينما قال مسؤولون ان البلاد بحاجة لخفض حجم العمالة الاجنبية لاتاحة فرص لمواجهة الازمة الاقتصادية. وقال مايكل (56 عاما) الذي كان يعمل لدى الحكومة السودانية وفصل هو وعشرات الالاف الاخرين من الجنوبيين في يوليو تموز "لا أريد البقاء في الشمال. لا زلت هنا لاني لم اصرف مستحقات نهاية الخدمة. لا أعلم كيف احل هذه المشكلة." ويمثل غموض الوضع القانوني لمواطني جنوب السودان في الشمال احدي القضايا التي لم تحل بين العدوين السابقين. والقضية الاخرى هي النفط شريان الحياة للبلدين. واختلف البلدان بشان الرسوم التي ينبغي ان يسددها الجنوب مقابل تصدير النفط عبر السودان مما دفع جوبا لوقف الانتاج بالكامل لمنع استيلاء الخرطوم على النفط مقابل "رسوم لم تسدد". كما ينبغي ترسيم الحدود التي تمتد لمسافة 1800 كيلومتر والتوصل لترتيبات امنية خاصة بالمنطقة الحدودية حيث يتهم كل منهما الاخر بدعم المتمردين في اراضيه. واستطاع الاتحاد الافريقي ان يجمع بين الطرفين على مائدة المفاوضات الاسبوع الماضي عقب الاشتباكات الحدودية وعلقت محادثات يوم الاربعاء دون احراز تقدم. ويعترف بعض المسؤولين السودانيين بانهم لا يدرون ما سوف يحدث للجنوبيين المقيمين في السودان بعد الغد. وقال السر العمدة المدير العام للمركز القومي للنزوح في السودان "يقولون انهم سيصبحون اجانب ولكن لم نصدر اي وثائق (لمعاملتهم كاجانب). سنمضي في خطتنا ونقدم لاي شخص يريد الانتقال للجنوب وثائقه السليمة." ويقدر عدد الجنوبيين المقيمين في السودان مابين 30 و70 الفا. ويعيش كثيرون في احياء فقيرة على مشارف الخرطوم الى حيث فروا هربا من الحرب الاهلية في الثمانينات. وقالت هيلكه "من الصعب تحديد من الجنوبي. كثيرون لا يملكون وثائق ولم يسبق لهم زيارة الجنوب." وعاد بعض الجنوبيين للشمال بعدما فشلوا في الحصول على عمل في جنوب السودان وهو من أقل دول العالم تقدما. وقال تشارلينو (24 عاما) وهو عامل غسيل سيارات "عدت لبلادي بعد الاستقلال لمدينة واو لكني عدت مرة اخرى. اريد البقاء هنا (الشمال) لاني لن اجد عملا هناك." وعجز عشرات الالاف من الجنوبيين عن العودة لوطنهم منذ الاستقلال لان جنوب السودان لا يمكنه توفير المال لنقلهم سواء بالسفن او الحافلات او القطارات علاوة على ان الاشتباكات الحدودية تزيد من صعوبة السفر برا. وتقطعت السبل بقافلة تضم ما يصل الى 1700 عائد للجنوب جراء أعمال العنف في الاسبوع الماضي. وذكر تقرير للامم المتحدة يوم الاثنين ان نصف الحالات والشاحنات عبرت الحدود بينما عاد الباقي ادراجه. وتقطعت السبل بنحو 11 الف شخص في ميناء كوستي النهري حيث ينتظرون معديات لم تأت بعد. وفي فبراير شباط اوقف السودان حركة النقل النهري بعدما اتهم الجنوب بتحميل اسلحة على المعديات في رحلات العودة لامداد المتمردين في المناطق الحدودية في السودان. ونفت جوبا الاتهامات. وقال عثمان "نريد ان يتوصل البلدان لحل لوضعنا." (اعداد هالة قنديل للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي) من اولف ليسينج وخالد عبد العزيز