نجح السودان في تفادي موجة انتفاضات “الربيع العربي" الشعبية التي اجتاحت منطقة الشرق الوسط لكنه يوشك على مواجهة اول اختبار حقيقي للسخط الشعبي بينما يستعد لالغاء الدعم على الوقود. وبينما يعاني السودان بالفعل من ازمة اقتصادية حادة بعد خسارته لكثير من انتاجه النفطي الحيوي لاقتصاده بعد انفصال جنوب السودان واستقلاله في يوليو تموز يقول الناس انهم لا يمكنهم التعايش مع مزيد من الارتفاع في الاسعار. وقالت زكانية وهي سيدة مسنة خشيت اعطاء اسمها الكامل “نشتري فقط ما نحتاجه ولا شيء اخر بسبب التضخم.. لا يمكنني تصور ارتفاع الاسعار اكثر من ذلك مرة اخرى." وقالت مشاعر وهي موظفة في الحكومة “كيف سنعيش اذا ارتفعت اسعار الوقود.. اعتقد ان الشعب سيخرج الى الشوارع للاعتراض على هذه الاسعار التي لا يمكننا تحملها." وشهد السودان احتجاجات صغيرة في الماضي كانت قوات الامن تقوم بتفريقها بسرعة. لكن حتى انصار الحكومة يعتقدون ان الغاء الدعم على الوقود يمكن ان يثير اضطرابات. وكتب الطيب مصطفى وهو قريب للرئيس السوداني عمر حسن البشير يرأس تحرير جريدة الانتباهة الاسبوع الماضي في مقال ان قرار الغاء الدعم على المحروقات “لعب بالنار". وقدم بنك السودان المركزي خطة لالغاء الدعم في ديسمبر كانون الاول لكنها واجهت مقاومة في البرلمان وهي مفاجأة بالنظر الى ان البرلمان يهيمن عليه حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير. لكن في مواجهة عجز في الميزانية بلغ 4ر2 مليار دولار تقول حكومة البشير انه لا بديل امامها سوى انهاء الدعم على الوقود الذي قال مسؤول حكومي انه سيوفر ملياري دولار سنويا. ومع وصول نسبة التضخم الى 30 في المئة في مايو ايار سيرفع الغاء الدعم من تكلفة النقل وبالتالي اسعار السلع الغذائية. وتقول الصحف السودانية ان الغاء الدعم سيرفع اسعار الوقود بنسبة بين 30 و40 في المئة. وقالت مشاعر الموظفة في الحكومة “رفع الدعم عن الوقود كارثة." وقال محمد العبيد -43 عاما- الذي يعمل مدرسا في مدرسة ثانوية “اعتقد ان كبار المسؤولين لا يعرفون شيئا عن حياة الناس العاديين.. انهم يركبون سيارات الحكومة وتدفع الحكومة ثمن كل ما يحصلون عليه." وفشلت المعارضة السودانية حتى الان في استغلال الازمة الاقتصادية لكنها ترى فرصة سانحة الان. وادت الاحتجاجات عام 1985 بسبب ارتفاع التضخم الى الاطاحة بالرئيس جعفر نميري في عشرة ايام فقط. وقال فاروق ابو عيسى رئيس تحالف قوى الاجماع الوطني الذي يضم 17 حزبا معارضا ان خطة الغاء الدعم تعتبر اعلانا للحرب على المواطنين وقال يوم الثلاثاء ان خطة التحالف هي تغيير النظام. وتقول الحكومة ان المعارضة التي يقودها حكام سابقون تجاوزوا السبعين غير قادرة على حشد احتجاجات شعبية كبيرة. وحث صندوق النقد الدولي الخرطوم قبل اسبوعين على البدء في برنامج طارئ للتصدي “للتحديات الصعبة" التي تواجه اقتصادها. وقال دبلوماسي غربي في الخرطوم “اعتقد ان البيان كان دبلوماسيا للغاية مع الوضع في الاعتبار المشكلات الهائلة التي يواجهها السودان. “فكرة ان يتجهوا لالغاء الدعم على الوقود رغم مخاطره تشير الى مدى سوء الموقف." ولم ينشر السودان ميزانية مفصلة لعام 2012 لكن دبلوماسيين يقولون ان الحكومة لا تملك الكثير من البدائل. وخفض بنك السودان المركزي فعليا قيمة العملة السودانية رغبة في جذب المزيد من تحويلات السودانيين العاملين في الخارج لكن المصرفيين يقولون ان هذا الاجراء سيستغرق وقتا ليؤتي نتيجته المرجوة. ومن المتوقع ان يذهب الشطر الاكبر من الميزانية الى دعم الاجهزة الامنية والجيش الذي يقاتل حركات تمرد في ثلاث مناطق سودانية الى جانب المناوشات الحدودية مع جنوب السودان. ويعول السودان على صادرات الذهب لتعويض ما خسره من صادرات النفط. وقال يوم الاثنين انه باع ذهبا بقيمة 603 ملايين دولار هذا العام لكن دبلوماسيين عبروا عن شكوكهم نظرا لصعوبة التأكد من الانتاج. لكن حتى لو صح هذا الرقم فهو لا يقارن بمبلغ خمسة مليارات دولار الذي حصل عليه السودان من عائدات تصدير النفط عام 2010. وبالنسبة للسودانيين العاديين لا يعني ذلك كثيرا امام احتياجاتهم العاجلة. وقال سيف الدين -28 عاما- الذي يبيع المنتجات الغذائية في متجره الصغير “زيادة اسعار الوقود مشكلة كبيرة.. ستكون تكلفة المتجر اكبر فأسعار النقل سترتفع. لا نعرف ما الذي نفعله.