جوبا (رويترز) - تعهد رئيس جنوب السودان سلفا كير يوم الاثنين بالتصدي للفساد المتفشي في بلاده بعد مرور عام على استقلالها وقال ان اقتصاد الدولة الجديدة ما زال ينبغي "تحريره" من الاعتماد على القوى الخارجية. وكان كير يتحدث في كلمة أمام مجموعة من كبار الشخصيات وحشد من المواطنين بمناسبة الذكرى الاولى لاستقلال جنوب السودان بعد انفصاله عن السودان بموجب اتفاق السلام لغام 2005 الذي انهى الحرب الأهلية. وحلقت طائرتان هليكوبتر تحمل كل منهما علم جنوب السودان بألوانه الأحمر والاخضر والأسود فوق حشد من الاف الاشخاص تجمعوا في الشمس الحارقة لحضور الاحتفال. وتضمنت مراسم الاحتفال عرضا للدبابات وقاذفات الصواريخ وجنود المشاة. وكان كثير من أبناء جنوب السودان يأملون في أن يفتح الاستقلال الباب للرخاء لكن بلدهم ظل غارقا في نزاعات مع السودان بشأن النفط والحدود وكثير من القضايا الاخرى. وأوقف جنوب السودان انتاجه النفطي في يناير كانون الثاني معطلا 98 في المئة من ايرادات الدولة في اطار نزاع مع السودان حول المبلغ الذي ينبغي ان يدفعه مقابل تصدير نفطه عبر خطوط انابيب ومنشآت نفطية اخرى في السودان. وسعى كير في خطابه إلى تصوير اقتصاد البلاد على انه جزء من كفاحها الاوسع نطاقا "للتحرر". وقال امام الحشد "ما زلنا نعتمد على الاخرين. حريتنا اليوم منقوصة. يجب ان نتجاوز مجرد تحرير أنفسنا. علينا ان نكون مستقلين اقتصاديا." ويتصاعد الاستياء بسبب توقف انتاج النفط الذي أدى إلى تراكم الصعوبات على مواطنين أنهكتهم بالفعل سنوات الصراع. ولا يزال كثير من أبناء جنوب السودان يعيشون نشوة الفخر بحريتهم السياسية التي نالوها بعد كفاح طويل لكنهم بدأوا يتساءلون متى سينعمون بالفوائد المادية للاستقلال. ومع ارتفاع الاسعار اضطر كثير من المواطنين الى الاقتصاد في النفقات بينما تفشى الفساد دون حسيب أو رقيب الى حد بعيد. وقالت موظفة حكومية كانت جالسة في سيارتها اثناء توقف لحركة المرور تصب اللعنات على السيارات الفارهة التي تزحف على شوارع رصفت أخيرا "الان نجد صعوبة حتى في تلبية الحاجات الاساسية." وأضافت "منحنا الحكومة قدرا كبيرا من المسؤولية وسمحنا لها باتخاذ قرارات نيابة عنا لكنهم لا يتشاورون مع أحد. أغلقوا النفط دون ان يقولوا لنا شيئا ولم يكن لديهم خطة بديلة." وأيد أبناء الجنوب الانفصال بأغلبية ساحقة في استفتاء اجرى العام الماضي بموجب اتفاق السلام الشامل الذي أنهى الحرب الاهلية. ووسط احتفالات كبيرة وتلويح بالاعلام تولت الحركة الشعبية لتحرير السودان السيطرة الكاملة على البلاد في التاسع من يوليو تموز 2011. وكان من نصيب جنوب السودان نحو ثلاثة ارباع انتاج النفط السوداني مما جلب مليارات الدولارات التي كان كثير من المواطنين يأملون أن تجد طريقها إلى تنمية البلد الذي لا يلم فيه بالقراءة والكتابة بين البالغين الا ما يزيد قليلا على ربعهم ويقل العمر المتوسط عن 50 عاما. وبدلا من ذلك يسعى المسؤولون الان جهدهم لتدبير ما يكفي من المال لاستمرار الخدمات الاساسية. وقال رجل الاعمال تونج البينو اكوت إن اهتمام الحكومة الجديد بجمع الضرائب هو خطوة ايجابية لكن نشاطه في الزراعة والاستيراد بدأ يتأثر من جراء ذلك. وقال اكوت "حاولت الحكومة شرح عدم وجود اموال. بل انهم يتشددون في ضريبة الدخل. انهم مثل اسد جريح يفتح فمه. يمكن للمرء ان يشعر بذلك." وأدى الفساد وسوء الادارة إلى تفاقم المشكلة. وأرسل كير في يونيو حزيران رسالة إلى مسؤولين حاليين وسابقين يطالبهم فيها بإعادة اربعة مليارات دولار من اموال الحكومة "المسروقة". وتعهد كير يوم الاثنين بوضع حد لمثل هذه الانتهاكات. وقال "لن تقبل الحكومة ما يسمى بالفساد." وقال ان الدولة ستقلص الحكومة وتعمل على ايجاد بدائل لإيرادات النفط مثل جمع الضرائب و"إقامة بنية اساسية نفطية بديلة". وقال ان جنوب السودان بدأ العمل في انشاء مصفاة صغيرة للنفط في ولاية أعالي النيل. وتابع "سيحل هذا بعض مشاكلنا وليس كلها." ولم يضع الاستقلال نهاية للعنف داخل البلاد وعلى الحدود مع السودان. واحتل جيش جنوب السودان في ابريل نيسان منطقة منتجة للنفط يزعم السودان ايضا السيادة عليها مما دفع البلدين إلى شفا حرب. وقبل بضعة اشهر فشلت القوات المسلحة في منع هجمات لسرقة الماشية بين جماعات عرقية متناحرة أدت الى مقتل مئات الاشخاص. وتقول منظمات حقوق الانسان ان ضعف سيادة القانون يسمح لقوات الامن بارتكاب انتهاكات لحقوق المدنيين وهي بمنأى عن العقاب. لكن هذه التحديات لم تبدد تفاؤل الجميع. فمثلا اخذ الطالب باتر أكويل يعدد مظاهر التحسن في الحياة منذ الاستقلال وهو يحتسي كوبا من الحليب مستندا بظهره الى مقعد من البلاستيك في استرخاء في مبنى غير مكتمل قرب مطار جوبا. وأضاف وهو جالس وخلفه من بعيد تصعد أعمدة الخرسانة المسلحة نحو سماء العاصمة "انتظرنا حتى تتفتح زهرة الاستقلال. والفرق الذي تشعر به في جنوب السودان هو انه... حتى الحكومة لا تستطيع ان تضايقك (الان)." لكن لم تكد تمر لحظات حتى داهمت الشرطة المسلحة ببنادق الكلاشنيكوف المقهى المرتجل وصادرت الأراجيل وحملت المقاعد في شاحنة. ووقف اكويل وصديقه جانبا في ذهول. ولم يعن الضابط بالرد على سؤال عما اذا كانت المداهمة جزءا من حملة لتنظيف جوبا قبل احتفالات الاستقلال ورد بفظاظة قائلا "هذا ليس من شأنك." من هيروورد هولاند (إعداد حسن عمار للنشرة العربية - تحرير عمر خليل)