فايز الشيخ السليك [email protected] لم أفهم حقيقة معنى قول شاعر الشعب محجوب شريف؛ إلا هذه الأيام، برغم أنّ الكلام كان قد كتب في الثمانينيات، أو ربما سبعينيات القرن الماضي؛ مخاطباً به الرئيس الأسبق المشير جعفر محمد نميري" بقوله " ترجف وأنت في قصرك، ونرقص ونحن في أسرك"، ولا يمكن للمرء إيجاد تفسير للمثل الشعبي " سهر الجداد ولا نومو" إلا بمقارنة حال الحكومة يوم أمس وهي تترقب تظاهرة " مجهولة الهوية"؛ لكنّها كشفت عن حجم مخاوف "الإنقاذ"، ومثلما قلت قبل ذلك " إذا وقع صحن صيني في مطعم ستشعر الحكومة بالرعب، وهو رعب مبرر في سياق ثورات التسونامي التي ضربت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع بدايات العام الجديد، وهو زلزال له ما بعده من تداعيات، ونتائج على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك التعامل الغربي مع قضايا الإقليم، وهو ما ركز عليه المتحدث باسم الخارجية البريطانية باري مارستون في مقال كتبه في الثاني من مارس الجاري تحت عنوان "الزلزال الذي هزّ نظرة العالم الخارجي تجاه العرب، فقال مارستون " أخطأت بريطانيا والغرب عموما في الكثير من أولوياتهم في العالم العربي – هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني في كلمته أمام مجلس الأمة الكويتي في الشهر الماضي. كان من الخطأ دعمنا لأنظمة قمعية وغير ديمقراطية أملاً في أن يكون في ذلك خدمة أفضل لمصالحنا: " ويواصل المسؤول البريطاني قائلاً " حرمان الشعب من حقوقه الأساسية لا يحفظ الاستقرار، بل يؤدي إلى العكس". ويضيف "إنّ الأحداث التي جرت في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول لم تكن بمثابة زلزال هز المنطقة وحسب، بل كانت زلزالاً هزّ نظرة العالم الخارجي تجاه العالم العربي. والجميع منا يتعاطف مع المطالب التي نادى بها هؤلاء الشباب الشجعان، من حريةٍ وحقوق ديمقراطية وتغيير وتعددية سياسية. وهي تجربة دفعت الرئيس الأميركي باراك أوباما للقول " يجب أن نربي أبناءنا ليصبحوا كشباب مصر"، وهو شباب نموذجي، قدم ثورةً تستحق التقدير والدراسة، مع أننا في السودان قدمنا نماذج في أكتوبر 1964، وأبريل 1986، مع اختلاف الأزمنة والأمكنة، والسياقات التاريخية والموضوعية. ورغم ذلك؛ ومع إصرار قادة الإنقاذ، على ترديد المقولة التي هي مثل " قنبلة ناسفة"؛ الخرطوم ليست القاهرة، والقاهرة ليست تونس، وتونس ليست طرابلس، أو حتى صنعاء، نجد أنّ السلطة في حالة " رجفة" مثل ذلك الشخص الذي سكنت "الملاريا " عظامه، وهو يرقد فوق سريره ، ويعيش حالة من الهلوسة، أو "الهضربة"، فيحكي حكايات ليست من الواقع، أو ربما ينادي على "أموات" وراحلين سابقين، ولا يستيطع فعل شيء، وهكذا هي الحكومة؛ تردد ذات المقولات بغباء شديد، لكنها في ذات الوقت تنشر الجيوش، وترسل العسس، وتمارس العنتريات، وتعتقل الناشطين والناشطات، وتمارس ما تمارسه كثير من الأنظمة الشمولية، حتى في لحظاتها الأخيرة مثلما يفعل القذافي" الشعب بحبني"، وعلي صالح "الشعب اليمني معي"، وهما يقاتلان ذات "الشعب المسكين"، ويجددان إعلان الطوارئ المفروضة منذ حقب طويلة. ولو كان أهل "الإنقاذ" موقنين" بشعبيتهم هذه، وموت السودانيين في عشقهم، لما نشروا القوات، وتخوّفوا لدرجة تجعلهم يتفرّسون في وجوه المارة، يبحثون عن "متظاهرين " مثل الأشباح، كي يقبضوا عليهم!. وللانقاذيين؛ خياران؛ إما أنّكم عادلون، وواثقون من حب الناس لحكومتكم، ولبرامجكم، ومشاريعكم، وبالتالي لا يوجد مبرر لنشر القوات للبحث عن "أشباح"، ورفع درجات الاستعداد لحالتها القصوى، وعليه يجب أن تتركوا العشرة بالمئة" من شلة " الفيس بوك"، ومعارضي "الأحزاب"، أو صبية " الايسكريم"، وهم من وصفهم وزير داخلية حسني مبارك السجين حبيب العادلي " شويّة صيّع"!، كي يعبروا عن حجمهم الطبيعي، بدون قهر، أو قمع، لأنّ ذلك سوف يحقق هدفين لكم، وهما كشف حجم القوى المعارضة، وفي ذات الوقت التأكيد على أنّ الحكومة " ديمقراطية" و"منتخبة"، ومتسامحة، ولا تخشى إلا الله رب العالمين، وفي الأخيرة نخشى أن تكون الطرفة المعروفة تنطبق على قادة الإنقاذ. أمّا الخيار الثاني، وهو أنّ للحكومة أخطاؤها، ومعارضوها، ومن يريد الإطاحة بها، وهو الخيار الحقيقي، ويتوجب ذلك إمّا الإسراع بالاستجابة لمطالب الناس" الخفيّة"، أو سنشاهد ذات السيناريوهات التي حفظها كل العالم عن ظهر قلب!. لكن حقيقةً الخرطوم ليست مثل باقي الدول، وهو ما سنتحدث عنه إن شاء الله.