على غير ميعاد أعلن البيت الأبيض، منتصف يناير- كانون الثاني رفعاً جزئياً للعقوبات الإقتصادية المفروضة على السودان وكان الرئيس باراك أوباما، في آخر أيامه بالبيت الأبيض قد بعث رسالة إلى الكونغرس أوضحت التقدم الذي حققته الخرطوم وأشارت إلى: "تراجع ملحوظ في الأنشطة العسكرية مع تعهدات بالإبقاء على حالة وقف القتالات في بعض مناطق النزاع" كما عرض أوباما "جهود الخرطوم في تحسين عمل المنظمات الإنسانية في البلاد، وإلى تعاونها مع واشنطن في التعامل مع النزاعات الإقليمية والتهديد الإرهابي". لكن مهما تكون إدارة الرئيس أوباما قد أكدت على إبقاء الحظر على الأسلحة قائما مع تأكيد مطلب محاسبة الرئيس عمر البشير فيما يواجهه من اتهامات بارتكاب جرائم حرب، فقد انتعشت على نحو متصاعد الآمال عريضة داخل النظام في الخرطوم حتى توهم بعض قادته إمكانية أن يغض الرئيس دونالد ترامب الطرف عن موقف أمريكي راسخ تجاه البشير فيضرب الذكر عنه صفحاً ويتقبل حضوره قمة تجمعه إلى قادة دول عربية وإسلامية في الرياض السعودية، إذاك صرح سكرتير الرئيس البشير طه عثمان بأن: "البشير تلقى دعوة رسمية من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، للمشاركة في القمة.." على الجانب الشعبي عبرت مجالس المدينة في الخرطوم عن سخرية بالغة وانتج الخيال الشعبي السوداني طرفة وملحاً راجت مدى أيام استبشار النظام بقرب انفراج العلاقات الولاياتالمتحدة وتقول إحداها: "إن الخرطوم تستعد لرفع أمريكا من قائمة الدول التي دنا عذابها" في إشارة ذكية للشعار الذي ردده نظام البشير طوال سنوات حكمه الأولى ويقول: "أميركا روسيا قد دنا عذابها" كانت الولاياتالمتحدة قد استبقت في سبتمبر- أيلول 2006 التعقيدات التي خلقها اتهام البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور وأثرت على جملة تحركاته الدولية والإقليمية حينما قيّدت حركة الرئيس السوداني والوفد المرافق له في اجتماعات الاممالمتحدة بمسافة تبعد 25 كيلو متراً عن البيت الابيض، وكانت تلك المرة الأخيرة التي يطأ فيها البشير الأراضي الأمريكية إذ أنه بتصاعد أعمال العنف في إقليم دارفور أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على الرئيس عمر البشير "لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعدّت المحكمة "البشير" مسؤولاً جنائياً، باعتباره مرتكباً غير مباشر أو شريك غير مباشر، عن تعمد توجيه هجمات ضد جزء كبير من السكان المدنيين في دارفور، وعن القتل والإبادة والاغتصاب والتعذيب والنقل القسري لأعداد كبيرة من المدنيين ونهب ممتلكاتهم" منذئذٍ أضحت تحركات البشير خارج السودان محاطة بقدر كبير من التعقيدات تطارده تهديدات بالضبط والإحضار أمام المحكمة الجنائية في لاهاي، لكن البشير أخذ الأمر على محمل شخصي وسعى مرات عديدة لإثبات تحديه لأمر المحكمة الدولية وهو ما جعله يعلن عن نيته السفر إلى الولاياتالمتحدة ليشهد الاجتماع العام للأمم المتحدة في 17 سبتمبر – أيلول 2013 ،لكن كل الجهود لاستصدار تأشيرة له من أجل دخول الأراضي الأمريكية باءت بالفشل، إذ تلكأت السفارة الأمريكيةبالخرطوم في معالجة الطلب والتعلل بانتظار تعليماتٍ من واشنطون إلى حين انتهاء أعمال اجتماع الأممالمتحدة في نيويورك. في سبتمبر- أيلول 2015 أعاد البشير المحاولة مرة ثانية فطلب الحصول على التأشيرة لحضور الجلسة الافتتاحية للاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة وأكدت وزارة الخارجية السودانية في بيان رسمي: "انها اتخذت الإجراءات اللازمة لتأمين الحصول على تأشيرات الدخول للسيد رئيس الجمهورية والوفد الرفيع المرافق له." وفي أول تعليق من الجانب الأمريكي على طلب البشير قالت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة -آنئذٍ سامنثا باور: "إن واشنطن تلقت بالفعل طلب البشير الحصول على تأشيرة دخول" لكنها وصفت الخطوة بأنها "مؤسفة وتبعث على السخرية وغير ملائمة تماماً." وإذ تتابعت من بعد ردود الفعل الأمريكية فقد صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية –يومئذٍ- مارك تونر في الخامس من أغسطس- آب 2015 بالقول: "إن مواقف الولاياتالمتحدة من مشاركة البشير في الأممالمتحدة غير مخفية "ونرغب في أن نراه يحاسب". وأكّد "إن البشير لن يلقى ترحيبا حاراً" قبل أن يستطرد: "لن أتحدث عن تفاصيل هذه الحالة لكن الولاياتالمتحدة ملزمة عموماً باعتبارها دولة المقر للأمم المتحدة بالسماح بدخول مواطنين أجانب غير أن التأشيرات بوجه عام يمكن تقييدها." بالرغم من الضغوطات التي مارستها الخرطوم على السفارة الأمريكية بالخرطون فإن البشير لم يتمكن أبداً من الحصول على إذن بالدخول ولم يتمكن من المشاركة في أعمال الاجتماع العام للأمم المتحدة. بين يدي زيارة الرئيس الأمريكي للرياض كشفت "وول ستريت جورنال" عن مباحثات تدور بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارات عدد من الدول العربية لحشد حلف عسكري معاد لإيران تزوده إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصادر حكومية عربية: "أن التحالف المحتمل سيضم بلداناً بينها السعودية والإمارات ومصر والأردن، على أن تلتحق به دول عربية أخرى في وقت لاحق من تشكيله.." بدت التوجهات نحو تأسيس ناتو إسلامي سني بقيادة السعودية متسقاً مع الموقع المتقدم للبشير الذي انخرط بقوة ضمن عمليات عاصفة الحزم التي تقودها السعودية باليمن، وتخوض قواته المسنودة بعناصر من مليشيات الجنجويد، بالغة الوحشية معارك ضارية ضد قوات التحالف الصالحي الحوثي وهي ذات الحيثيات التي جعلت حضور البشير في قمة الرياض واللقاء بالرئيس الأمريكي خبراً رائجاً في الإعلام السوداني المحلي مما دفع السفارة الأمريكيةبالخرطوم لإصدار بيان الأربعاء 17 مايو – أيار، جاء فيه: "نعارض الدعوات أو التسهيلات أو الدعم لسفر أي شخص يخضع لمذكرة اعتقال صادرة من محكمة الجنايات الدولية بما في ذلك الرئيس البشير". وأكد البيان "ليس هناك تغيير في إدراج السودان في قائمة الولاياتالمتحدة للدول الراعية للإرهاب.. لقد كان موقفنا واضحا مع حكومة السودان بشأن الخطوات التي يجب اتخاذها لإعادة النظر في رفعها من القائمة بالإضافة إلى ما هو مطلوب للمضي قدماً في تخفيف العقوبات الاقتصادية.." وفي واشنطون نشر الصحافي الأمريكي جوش روغن تغريدة على توتير جاء فيها "أن مسئولاً رفيعاً في مجلس الأمن القومي ذكر لي أن الرئيس السوداني عمر البشير لن يكون حاضراً في اجتماع ترامب بالسعودية." فيما نقلت وكالة (اسوشيتد برس) على لسان مسؤول كبير في الخارجية الأميركية لم تكشف هويته القول: "إن الولاياتالمتحدة تعارض دعوة أي شخص مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك البشير" وفيما تمسكت وزارة الخارجية بالإعلان عن زيارة البشير للرياض تأتي متزامنة مع وصول الرئيس الأمريكي إليها فقد قالت وكالة (اسوشيتد برس) لاحقاً: "إن المسؤولين في واشنطن يضغطون على الرياض لتجنب أي ظهور للبشير، بالقرب من ترامب، إن جاء للرياض.."