الخرطوم 11 أبريل 2020 – لا يزال السودانيين يعانون نقص الخبز والوقود واستمرار قطوعات الكهرباء وشح المواصلات، بعد مرور عام على عزل الرئيس عمر البشير، الذي اطيح بحكمه بسبب تفاقم ذات الأزمات. وكانت الأوضاع الاقتصادية الصعبة من بين أسباب عديدة فجرت احتجاجات شعبية، نجحت في الإطاحة بنظام البشير في 11 أبريل 2019، بعد انحياز قادة من الجيش إلى المحتجين. والآن يضطر السودانيين إلى الوقوف ساعات طوال في طوابير أمام المخابز لنيل حصصهم من الخيز، وذات الأمر يحدث أمام محطات الوقود. كما شهدت الفترة الفائتة، منذ دخول فصل الصيف، قطوعات الكهرباء لعدم توفر قطع غيار أو لنقص الوقود المشغل لبعض المحطات الحرارية. وواصلت أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع، دون أن يقابلها زيادة في الرواتب الشهرية، في وقت تدنت أسعار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية بصورة غير مسبوقة، مقارنة بالعام الفائت. وانخفضت قيمة الجنيه السوداني بنسبة بلغت 100%، بعد أن كانت تساوي 70 مقابل الدولار في أبريل 2019، فيما يبلغ سعره اليوم السبت جنيها140 مقابل الدولار. وتحسنت قيمة العملة الوطنية خلال الأسابيع الأولى التي تلت عزل البشير، وأرجع الاقتصاديون آنذاك التحسن إلى تعليق الأنشطة الاقتصادية وتوقف الحكومة عن شراء النقد الأجنبي من السوق الموازي (الأسود)، حيث يؤكد مراقبون على أن حكومة البشير كانت أكبر مشترٍ للعملات. ونجحت الحكومة المدنية التي تولت زمام الحكم في أغسطس من العام الماضي عبر عملية سياسية مع قادة الجيش، في حل أزمة السيولة النقدية التي بدأت وتفاقمت في العام الأخير من حكم البشير. لكن هذا النجاح لم يقابله أي تحسين لمعدلات التضخم، حيث ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بنسب تراوحت بين 70 – 200%. وشهد معدل التضخم في أبريل الجاري زيادة وصلت إلى 100%، مقارنة بذات الشهر العام المنصرم والذي كان معدله 44,56%. وأرجع المحلل المالي والمصرفي، طه حسين، استمرار أزمات الوقود والخبز والمواصلات، إلى عدم وجود رؤية واضحة حتى الان حيال رفع الدعم عن المحروقات والخبز والكهرباء أو إبقاءه، على الرغم من أن المؤشرات لرفعه أكبر باعتماد الحكومة أسعار تجارية للوقود خلال الفترة الماضية. وقال حسين، في حديثه ل "سودان تربيون"، إن الربع الأول من العام الماضي، شهد استقرارا نسبيا في سعر الصرف، مقارنة بالأوضاع الحالية، مرجعًا ذلك إلى الدعم الخارجي الذي تلقته الحكومة السودانية، سواء دعم مالي أو سلعي من الإمارات والسعودية، إضافة إلى 500 مليون دولار من صندوق النقد العربي وصندوق التنمية الكويتي. وأشار إلى أنه في مارس من العام الماضي كانت هناك موازنة للدولة وسياسات نقدية وأضحه إلى حد ما مقارنة بالعام الحالي الذي اتسمت فيه الموازنة بعدم الوضوح، خاصة فيما يتعلق بالإيرادات والمصروفات وذلك لارتكازها على انعقاد المؤتمر الاقتصادي ومؤتمر المانحين الذي تأجل إلى يونيو المقبل. وتعكف لجان متخصصة من وزارة المالية وقوى الحرية والتغيير، هذه الأيام، على دارسة رفع الدعم الحكومة عن المحروقات والكهرباء. وقال عضو لجنة الخبراء الاقتصاديين لقوى الحرية والتغيير، شوقي عزمي، ل سودان تربيون إن الأوضاع الاقتصادية بالبلاد مقارنة بذات الفترة من العام الماضي تبدو إيجابية بالرغم من التباين الكبير في اسعار السلع ومعاناة المواطنين تبعا لذلك. ورأى، خلال حديثه ل "سودان تربيون" إن السبب الأساسي وراء استمرار الأزمات، يكمن في أن الحكومة المدنية عند تسلمها الحكم، لم تجد موارد حقيقية في وزارة المالية، حيث كان الاقتصاد يدار في عهد الرئيس المعزول عمر البشير خارج منظومة وزارة المالية. وأشار إلى أن تحالف" الحرية والتغيير" قدم برنامجا إسعافيا لرئيس مجلس الوزراء، يحمل حلول للمشكلات خاصة الاقتصادية منها، متضمنا ضرورة أن تؤول كل إيرادات الذهب والشركات الرمادية والشركات المملوكة لبعض المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى ولاية وزارة المالية. وتابع: "بالرغم من أن وزارة الطاقة كثفت من جهودها لحل كثير من الإشكالات المرتبطة بعمليات انتظام الإنتاج النفطي ما بين 60 -70 ألف برميل يوميا، تمثل 70 % من الحوجة الحقيقة؛ إلا أن هناك أزمات غير مبررة في الوقود". وأوضح إن أزمة الوقود تحتاج إلى دارسة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراها، نظرًا لتوفر كمية كافية للاستهلاك، وأكد على أن أزمة الخبز ليست جديدة، فهي موروثة من العهد السابق. وقال عزمي إن البلاد تمتلك الآن احتياطي من القمح يكفي حاجة البلاد لثلاثة أشهر، وهو ما لم يكن متوفرا في ذات الفترة من العام الماضي. وأشار إلى توفر مخزون القمح وزيادة الإنتاج للموسم الجاري، يفترض أن تنهي أزمة اصطفاف السودانيين أمام المخابز. وأضاف: " لكن يبدو أن هناك أزمة بين وزارة التجارة والمطاحن تتعلق بعملية الطحن والتوزيع، خاصة وأن المطاحن تبيع الدقيق بضعف السعر لدى الوزارة". وأرجع عزمي تدني قيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى إلى السياسات غير السليمة المتبعة في عمليات تصدير الذهب، حيث ان سياسات الدفع المقدم لصادر الذهب تتطلب شراءه من السوق الموازي وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف. وقال: " حال تم الغاء ذلك النظام واشتراط تحويل قيمه الذهب من الخارج إلى داخل الجهاز المصرفي يؤدي إلى انخفاض سعر الصرف".