أفق بعيد فيصل محمد صالح [email protected] الحكومة..."اتماصت" الكلام سهل ورخيص، يستطيع الفرد أو الجهة أن يقول ما يريد، وقت ما يريد، لكن ، وفي كل الأحوال، هناك لحظة امتحان لكل قول، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان. وحكومة ولاية الخرطوم فصيحة وطويلة لسان، تمطرنا كل صباح باكتمال جاهزيتها واستعدادها لمواجهة كل الظروف، العام الدراسي ، الظروف الأمنية ، زيادة أسعار السلع...الخ، وفي كل هذه الامتحانات تقوم وتقع، وتموه وتحاجج، ترد وتفند، ويمر وقت حتى يكتشف الناس أنه لم تكن هناك استعدادات ولا حاجة. إلا الخريف، فهو لا يحتاج لوقت طويل، ولا تنفع فيه المداراة والمغالطة، ولحكمة سماوية فهو لا يأخذ وقتا طويلا، ما هي إلا "مطرة" واحدة لعدة ساعات، حتى "اتماصت" الحكومة وظهرت سوءتها لكل سكان الولاية. "مطرة" واحدة وانهارت كل الولاية وغرقت شوارعها وبيوتها وميادينها، يستوي في هذا وسط الخرطوم وشوارع الرياض والمنشية وقاردن سيتي ومدينة النيل والمغتربين والصافية، مع أطراف المدينة وملاذاتها البعيدة وأحيائها الطرفية، عشوائية كانت أو مخططة. يتعب الناس ويشيدون المنازل الجميلة، ويزرعون أمامها الحدائق، ويدفعون للحكومة الضرائب والعوائد وعشرات الرسوم الأخرى، فإذا بها تتركهم يواجهون الغرق والوحل والسيول. غرقت الشوارع، وتعطلت السيارات، وسار الناس على أقدامهم لمسافات طويلة، لم تكن هناك مجاري، ولا يحزنون، ولا تصريف لمياه الأمطار، ولا استعدادت للخريف، ذابت كل هذه "الكلامات" والتصريحات في ظرف ساعة واحدة، وصار على كل مواطن أن يحمل همه وعدته، ليعمل على تصريف المياه من امام منزله، ويجرفها في اتجاه الشارع، ثم ليتحمل الشارع مسؤوليته. هل فاجأ الخريف الولاية؟ لا أظن ذلك، ليس لانعدام عنصر المفاجأة فعلا، ولكن لأن هذا العذر سيكون غير مقبول، وأظن أنه ليس امام الولاية سوى أن تستعير تصريحات مسؤولي المياه الذين قالوا أن ما حدث من انقطاع للمياه وتزايد الطمي هو "قدر"، ولا أحد يستطيع أن ينكر القدر ، فليخرج أحد المسؤولين بالولاية ليقول أن هطول الأمطار في هذا الوقت هو "قدر"، وما فيش حد احسن من حد. أخلت الحكومة بعقدها مع الجمهور، بل بأبسط بنود التعاقد، يدفع الناس ما عليهم، فتقوم الحكومة بما عليها، وهو عقد إذعان، لأن الحكومة وحدها هي التي تحدد ما عليها وما علينا، وليس لنا سوى التنفيذ. ورغم هذا تفشل الحكومة في الوفاء بما عليها، تفشل في أبسط واجباتها وبشكل واضح وفاضح ومخجل. سيدي الوالي، تحدثنا حكومتك عن إيمانها وغرة الصلاة على جبهتها وشفافيتها والتزامها بخدمة المواطنين باعتبار ذلك واجب ديني قبل أن يكون التزاما دنيويا، فماذا يجب أن يحدث عندما تفشل كل يوم، وتعجز عن اداء الواجب الديني والدنيوي؟ لقد "اتماصت" الحكومة في نصف ساعة، ومن الأكرم لك ولها أن تملك الشجاعة الكافية لتعترف بذلك، وتضع استقالتك أمام المجلس التشريعي، فإن لم تستطع أن ترسي أدب الوفاء بالالتزامات ، ربما يمكنك ان ترسي أدب الاستقالة. ملاحظة: أرجو أن استثني الوحدة الإدارية بكوبر ومحلية بحري من الاستقالة، فقد اكتشفت الوحدة صباح أمس وصول موسم الخريف وهطول الأمطار، فارسلت آلياتها صباح الأحد لتعمل قرب سوق كوبر في حفر المجاري الغارقة في المياه..! هؤلاء لا يستحقون الاستقالة، بل الإقالة الاخبار نشر بتاريخ 26-07-2011