حديث المدينة تسخيف.. الضمير السوداني ..!! عثمان ميرغني كنت شاهداً – قبل عدة أشهر – على حفل عرس في إحدى صالات الخرطوم الأنيقة.. هالني مستوى (السخف الغنائي) الذي يقدم.. كلمات هابطة.. موسيقى أهبط .. في جو صاخب ضاج بالراقصين الذين لا يعرفون، أو ربما لا يهمهم، ماذا يقول الفنان.. الكارثة في مثل هذا الانحطاط تقع على أم رأس البلد كلها.. لأنّها شحن للوجدان السوداني برصيد من (النفايات الملوّثة).. تقعد بالذوق، والرقي الإنساني.. تصوروا شاباً (ينتحل صفة فنان) وهو يقفز كالقرد في وسط الدائرة المحيطة به ويردد أغاني تارة تمجد موديلات السيّارات.. وأخرى تهتف بأسماء الأحياء السكنية.. مثل هذه الظاهرة لا تحاربها شرطة النظام العام.. ولا يقهرها قانون.. هي مجرد غثاء تطرده البضاعة الصالحة.. بضاعة رفيعة المستوى مثل برنامج (أغاني وأغاني) الذي تعرضه قناة النيل الأزرق ويقدمه بامتياز الأستاذ السر أحمد قدور.. لأنّه يستخدم فنانين شباب.. لكن تصبح المصيبة فادحة عندما تتدخل الحكومة (ذات نفسها) لتصدر قراراً – شفهياً- بمنع بث البرنامج.. ثمّ بصعوبة تتراجع وتغيّر زمنه وتحصره في أضيق حيّز. هذا الحال يعني أنّ الحكومة لا تدرك معنى (الرسالة الإعلامية) وتفترض أنّ هذا البرنامج مجرد (لهو ولغو) في ذات الوقت الذي تبث فيه قنوات حكومية أخرى برامج غنائية لكنها فقيرة المضمون والشكل فيهجرها الناس بحثاً عن الإبداع. الأجدر أن يعلم السيّد وزير الإعلام د. كمال عبيد أنّ الأثير الإعلامي لا يحتمل الفراغ.. إمّا أن تقدم المادة الحصيفة الجاذبة.. أو يملأه غيرك بما يبثه من غث وركاكة.. ولو افترض الوزير أنّ المشاهدين عندما لا يجدوا برنامج (أغاني وأغاني) سيديرون المؤشر إلى التلفزيون الحكومي.. فإنّ ذلك ممكن لو توصل الوزير لاتفاق مع مدير عام الشرطة بأن يخصص شرطي لكل بيت.. الإعلام رسالة تعتمد كلياً على استجابة المتلقي بكامل طوعه.. ويحتاج إلى ذكاء وحصافة حتى يلفت النظر ويجذب انتباه ومتابعة المتلقي.. وهذا بالتحديد سر نجح هذا البرنامج في عامه السادس على التوالي.. برنامج (أغاني وأغاني) كان يعيد إنتاج الجيل الذهبي للأغنية السودانية في ثوب ينسجم مع مزاج العصر.. ويستخدم فنانين شباب لأنّهم حلقة الوصل (الفنّي) مع جيل اليوم.. فهو تسويق وترويج – ولا أروع- للثقافة السودانية.. وتقويم لوجدان الشباب الذي اختطفه الفن الأجنبي فانفلت من روابطه المحلية. مثل هذه العمل الثقافي الناجح يشجع ولا يكبح.. والأجدر أن يسلك وزير الإعلام د. كمال عبيد ما فعله سلفه د. غازي صلاح الدين.. الذي قال في مقابلة صحفية لمّا كان وزيراً للإعلام إنّه لا يشاهد التلفزيون (يقصد تلفزيونه الحكومي نفسه) والسبب (لأنّ معدل التفاهة.. أعلى من الحصافة) على حد قوله.. لكن أن يفرض وزير الإعلام ذوقه وفقهه على بقية المشاهدين.. فهنا تتكرر مأساة الفراغ الذي فرضه على الشعب السوداني بمنع بث إذاعة حصيفة مثل ال( بي. بي. سي).. فترك الفراغ الإعلامي لإذاعات أخرى تملأه بإعلام غنج.. تسمم به الفطرة السودانية النقيّة. التيار نشر بتاريخ 28-07-2011